ج: أولًا: البدعة الأبيونية امتداد لبدعة التهود: رغم قرارات مجمع أورشليم التي صدرت نحو سنة 50 م لدحض بدعة التهود، وبالرغم من كفاح بولس الرسول ضد هذه البدعة إلاَّ أنها لم تنتهي، بل امتدت وتشعَّبت وانتقلت من فلسطين إلى الدول المجاورة، حتى أنها وصلت إلى روما. وبعد سقوط أورشليم ودمارها ودمار الهيكل سنة 70 م بيد تيطس القائد الروماني اتخذت بدعة التهود شكلًا آخر من خلال بدعة "الأبيونية"، وانسلخ الأبيونيون من جسد الكنيسة وصار لهم كيانهم المستقل وفرقهم، واستمر وجودهم إلى نحو القرن الثالث الميلادي، وظل بعضهم له تواجد في شبه الجزيرة العربية حتى القرن السابع الميلادي، فورقة بن نوفل الأسدي القرشي قس مكة أيام رسول الإسلام كان قسًا أبيونيًا، وهو ابن عم خديجة زوجة الرسول، وقد أصيب بالعمى، والتقى بمحمد، وجاء في صحيح البخاري أنه لما مات ورقة بن نوفل فتر عنه الوحي.
ثانيًا: اسم الأبيونيين: هناك أكثر من رأي:
1- قال البعض أن التسمية جاءت من قائدهم وزعيمهم ومعلمهم "أبيون" Ebyon الذي ظهر بعد خراب أورشليم، ومعنى اسمه "مسكين" أو "فقير".
2- هذه التسمية أطلقها الأبيونيون على أنفسهم، فهم الأبيونيون أي الفقراء المساكين، الذي يستحقون التطويب طبقًا لقول السيد المسيح في الموعظة على الجبل: "طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (مت 5: 3)، ولاسيما أنهم فضلوا حياة الفقر الاختياري والتخلي عن الممتلكات، كما أنهم اهتموا جدًا برعاية الفقراء وخدمتهم.
3- أن المؤمنين هم الذين أطلقوا عليهم هذه التسمية بسبب فقرهم في الإيمان، إذ اعتقدوا أن السيد المسيح الإله المتجسد، الأزلي، الخالق هو مجرد نبي مثله مثل موسى النبي، وُلِد ولادة طبيعية، وتبرَّر بسلوكه في حياة الفضيلة. قال عنهم أوريجانوس أنهم مساكين. وقال "يوسابيوس القيصري":" (1)... وقد كان الأقدمون محقين إذ دعوا هؤلاء القوم "أبيونيين" لأنهم اعتقدوا في المسيح اعتقادات فقيرة ووضيعة... (6) ولهذا أطلق عليهم اسم "أبيونيون" الذي يعبر عن فقرهم في التفكير، لأن هذا هو الاسم الذي يُطلق على رجل فقير بين العبرانيين" (3: 27: 1، 6) (75).
![]() |
ثالثًا: الفرق الأبيونية: ظهر على الساحة بعد خراب أورشليم سنة 70م فريقان أساسيان من الأبيونيين المتزمتين والمعتدلين، وقد وصفهم "أوريجانوس" قائلًا: "هناك قوم يؤمنون بيسوع ويفتخرون لذلك بكونهم مسيحيين لكنهم يشاؤن أن يسلكوا في حياتهم طبقًا للناموس القديم كما يفعل اليهود. هؤلاء هم طائفة الأبيونيين بقسميها، وهم إما يقرُّون معنا بأن يسوع وُلِد من عذراء، أو ينكرون هذا ويعتقدون أنه وُلِد كما يولد أي كائن بشري آخر" (الرد على كلسوس ك 5 ف 61 قارن ك 2 ف 1). (راجع مذكرات الكلية الإكليريكية عام 1972م للأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات القبطية والبحث العلمي). ثم ظهر فريق ثالث أقل شهرة وانتشارًا، أما هذه الفرق الثلاث، فهيَ:
1- الأبيونيون المتزمتون: نادوا بحفظ الناموس حرفيًا وأنكروا ألوهية السيد المسيح وأزليته وميلاده المعجزي، ورأوا أن الخلاص لا يتم بالإيمان بالمسيح والمعمودية، بل لا بد للإنسان أن يتمم الختان ويحفظ السبت وبقية مطالب الناموس حتى ينال الخلاص، وأن الجميع ملتزمون بهذا سواء كانوا من أصل يهودي أو أصل أممي. وانتظر هؤلاء الأبيونيون أن يملكوا مع المسيح بعد عودته في أورشليم لمدة ألف عام. هؤلاء الأبيونيون عاشوا في الظاهر مسيحيين، وفي حقيقتهم كانوا يهودًا في معتقداتهم. والنتيجة أنهم فشلوا أن يكونوا مسيحيين كما أنهم فشلوا أن يكونوا يهودًا.
2- الأبيونيون المعتدلون: لهم نفس معتقدات الأبيونيين المتزمتين، ويختلفون معهم في أنهم يحفظون الناموس، لكنهم لا يطالبون المؤمنين من أصل أممي بحفظ وصايا الناموس، ويعترفون بالميلاد المعجزي للسيد المسيح، ويقدسون يوم الأحد مع المسيحيين في الوقت الذي يحفظون فيه السبت، وهذه الفرقة هيَ التي كان لها تواجد في شبه الجزيرة العربية، فكان منهم الشاعر "قس ابن ساعدة" و"ورقة بن نوفل". يقول "يوسابيوس القيصري" عن هذا الفريق: "وبخلافهم كان هنالك قوم آخرون بنفس الاسم. ولكنهم تجنبوا الآراء الغريبة السخيفة التي اعتقدها السابقون، ولم ينكروا أن الرب وُلد من عذراء ومن الروح القدس. ولكنهم مع ذلك إذ رفضوا الاعتراف أنه كان كائنًا من قبل، لأنه هو الله، الكلمة، الحكمة. فقد انحرفوا إلى ضلالة السابقين، سيما عندما حاولوا مثلهم التمسك الشديد بعبادة الناموس الجسدية" (3: 27: 3) (76).
3- الأبيونيون الأسينيون: اعتقدوا أن ولادة يسوع المسيح كانت ولادة طبيعية من أب وأم وليست ولادة معجزية، وادعوا أن الكلمة أو حكمة الله قد تجسَّد أكثر من مرة، والسيد المسيح يمثل آخر حلقة من سلسلة الأنبياء، وحرَّموا أكل اللحوم وشُرب الخمر، حتى أنهم قدموا سر الإفخارستيا بخبز وماء بدلًا من الخمر. لقد انغمست الأبيونية الأسينية في الغنوسية، أو قل أنها تمثل الغنوسية في ثياب يهودية، كما أنها مزجت بين اليهودية والغنوسية مع المبادئ الأسينية، وللتعرف على الأسينية يُرجى الرجوع إلى (مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س 17).
ومن الأبيونية أيضًا ظهرت مجموعة "الألسيزية" التي تطرفت أكثر فأكثر فمزجت بين الغنوسية، والسحر والتنجيم، واليهودية، واعتقدت بكتاب أُنزل بواسطة ملاك على زعيمهم الحكيم "السيزاي" الذي عاش في أعماق المشرق. ومن تعاليم هذا الكتاب أن "ابن الله" هو سيد الملائكة وقد تجلى في شخصيات عديدة منذ آدم للمسيح، وأن الذي يرغب الانضمام لجماعة الألسيزية عليه أن يتعهد قبل المعمودية قائلًا: "أُشهد السماء، والماء، والأرواح القدوسة، وملائكة الصلاة، والزيت، والملح، والأرض، بأنني سأمتنع من الآن وصاعدًا عن الوقوع في الخطيئة، وعن الزنى، والسرقة، والشتم، واشتهاء قريبي، أو كراهيته، ونقض العهود وارتضاء أي شر" (77). وكان المعمَّد يُغطس في مياه المعمودية بكامل ثيابه؟ وإذ سقط الإنسان الألسيزي في الخطية مجددًا يمكن أن يعتمد من جديد من خلال حمام المصالحة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
رابعًا: عقائد الأبيونيين: تطرف الأبيونيون في معتقداتهم، ولذلك اعتبرتهم الكنيسة أنهم خارجون عن الإيمان المسيحي، فقال عنهم "الشهيد يوستين" أن هؤلاء الأبيونيون لا خلاص لهم، فالكنيسة قد فصلتهم من شركتها... وهذه هيَ عقائدهم عن:
1- الله: اعتقدوا أن الله له شكل ظاهر وجسم، وقد صدر منه العالم، كما صدر منه المسيح، فهو قابل للتغيُّر (راجع الأنبا غريغوريوس أسقف عام الدراسات القبطية والبحث العلمي - محاضرات الكلية الأكليريكية سنة 1972م).
2- السيد المسيح: أنكروا كونه الله خالق كل شيء، وادعوا أنه نبي أسمى من جميع الأنبياء، هو مثل موسى النبي، منكرين ألوهيته وأزليته، فقالوا أنه لم يكن له أي وجود قبل أن يولد من أمه، وأنكروا ميلاده العذراوي المعجزي مدعين أنه وُلِد ولادة طبيعية من مريم ويوسف النجار، حتى أنهم غيروا نبوة إشعياء النبي: "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا" (إش 7: 14)، غيرُّوا كلمة "عذراء" إلى "فتاة"، فيقول "يوسابيوس القيصري" عن اعتقاد الأبيونيين في المسيح:" (2) فهم اعتبروه إنسانًا بسيطًا عاديًا، قد تبرر فقط بسبب فضيلته السامية، وكان ثمرة لاجتماع رجل معين مع مريم. وفي اعتقادهم أن الاحتفاظ بالناموس الطقسي ضروري جدًا، على أساس أنهم لا يستطيعون أن يخلصوا بالإيمان بالمسيح فقط وبحياة مماثلة" (3: 27: 2) (78). واعتقد الأبيونيون أن السيد المسيح كان يرتقي في حياته الروحية تدريجيًا، وهو لا يعلم اختيار الله له. وقسَّموا شخصية السيد المسيح إلى شخصيتين، فهو يجمع بين شخصية "يسوع" النبي البار، وشخصية "المسيح" أي المسيا، وأن "المسيح" حلَّ على "يسوع" في لحظة عماده من يوحنا المعمدان، فصار يسوع المسيح حتى وقت الصلب، حيث فارق "المسيح" "يسوع"، وطار المسيح إلى السماء وصُلب يسوع، والبعض قال أن يسوع أُلقي بشبهه على سمعان القيرواني فصُلب سمعان ونجى يسوع، وبذلك ينكرون آلام المسيح وموته وقيامته، أي أنهم ينكرون قضية الفداء، وقالوا أن رسالة يسوع كانت قاصرة على التعليم والتبشير وعمل المعجزات، وأنكروا الخلاص الذي صنعه السيد المسيح على عود الصليب.
3- الثالوث القدوس والروح القدس: أنكر الأبيونيون الثالوث القدوس، كما أنهم ادعوا أن الروح القدس هو قوة مؤنثة، وهيَ أم المسيح، فخلطوا بين العذراء مريم وبين الروح القدس. وجاء في إنجيل العبرانيين الذي استخدمه الأبيونيين، وهو من أناجيل أبو كريفا: "أن أمي الروح القدس خطفني بشعرة من رأسي وأصعدني على جبل بنور العظيم" (79).
4- الأسفار المقدَّسة: استخدم الأبيونيون أسفار العهد القديم، وتمسكوا بناموس موسى مثل ضرورة الختان، وأهمية الاغتسالات، وحفظ يوم السبت وبقية مطالب الناموس، ومزجوا بين اليهودية والمسيحية، وقد وضعوا يسوع المسيح بجوار موسى النبي، والمعمودية بجوار الختان، والنعمة بجوار الناموس. قال عنهم " القديس جيروم" (342 - 420م) في إحدى رسائله للقديس أغسطينوس: "أنه منذ الكرازة بإنجيل المسيح، يحفظ اليهود الذين آمنوا وصايا الناموس بحرص... فإن كان هذا صحيحًا، فإننا نسقط في هرطقة كيرينثوس وأبيون اللذين رغم إيمانهما بالمسيح، حرما بواسطة الآباء من أجل هذا الخطأ الواحد أنهما خلطا بين شعائر وطقوس الناموس من جهة وإنجيل المسيح من الجهة الأخرى، وأعلنا إيمانهما فيما هو جديد بينما لم يتخليا عما هو قديم... بينما هم يرغبون أن يكونوا يهودًا وفي نفس الوقت مسيحيين صاروا ليسوا يهودًا ولا مسيحيين" (راجع الهرطقات المسيحية الأولى - مختصر تاريخ الكنيسة القرن الرابع جـ 2)... أما بالنسبة لأسفار العهد الجديد فلم يستخدموا سوى إنجيل متى فقط (راجع موسوعة آباء الكنيسة ص 239). ويقول "القديس إيرينيئوس": "وأولئك الذي يدعون Ebionites أبيونيين، يوافقون على أن العالم خلقه الله، ولكن آراءهم من جهة الرب هيَ مشابهة لآراء كيرينثوس وكاربوكراتس Carpocrates وهم يستخدمون الإنجيل حسب متى فقط، ويرفضون الرسول بولس، ويقولون أنه مرتد عن الناموس. وأما من جهة الكتابات النبوية، فهم يحاولون أن يشرحوها بطريقة فريدة نوعًا ما، فهم يمارسون الختان، ويثابرون على حفظ تلك العادات التي يأمر بها الناموس، وهم متهودون جدًا في أسلوب حياتهم، حتى أنهم يكرمون أورشليم كما لو كانت بيت اللَّه" (ك 1 ف 26: 2) (80).
5- الإفخارستيا: كان الأبيونيون يمارسون الإفخارستيا مرة واحدة في عيد الفصح، وحيث أنهم يحرمون الخمر، لذلك كانوا يقدمون السر من الخبز والماء، معتبرين أن هذه الممارسة مجرد ذكرى لما فعله السيد المسيح ليلة آلامه، ولا يربطونها بذبيحة الصليب، لأنهم ينكرون صلب السيد المسيح ويدعون أن من صُلب هو سمعان القيرواني الذي وقع عليه شبه يسوع. وأيضًا ينكرون سر التحول في الإفخارستيا إلى جسد ودم المسيح.
6- المُلك الألفي: اعتقد الأبيونيون بأن السيد المسيح سيعود لكي يملك في أورشليم مع اليهود الأتقياء لمدة ألف سنة في سلام وأمان، حيث تتحقق نبوة إشعياء النبي حرفيًا: "فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا..." (إش 11: 6 - 9)، ويختفي التعب والمعاناة والألم والمرض والموت. (عن المُلك الألفي راجع البابا شنودة الثالث - لاهوت مقارن، وكتابنا يا أخوتنا البروتستانت... هلموا نتحاور جـ 2).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
خامسًا: القديس يوحنا وبعض الآباء يكشفون عن فساد معتقدات الأبيونيين... أنكر الأبيونيون لاهوت المسيح وأزليته، فرد عليهم القديس يوحنا في إنجيله منذ الآية الأولى: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ الله وَكَانَ الْكَلِمَةُ الله" (يو 1: 1)، وأنكر الأبيونيون حقيقة التجسد الإلهي فجاء قول القديس يوحنا حاسمًا وحازمًا: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا" (يو 1: 14) مركزًا على شخصية يسوع المسيح الواحدة، الإله المتجسد. وفي رسالته الأولى رد القديس يوحنا على الأبيونيين قائلًا: "مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ إِلاَّ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ؟ هذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ" (1 يو 2: 22)، وأنكر الأبيونيون عقيدة الصلب والفداء. فأفرد لها يوحنا الإنجيلي ما يقرب من نصف إنجيله... إلخ. وقد سبق وناقشنا هذا الموضوع بالتفصيل، فيُرجى الرجوع إلى س 635 عن سمات إنجيل يوحنا المتمثلة في:
إنجيل اللاهوتيات.
إنجيل "أنا هو".
إنجيل الروح القدس.
إنجيل الثالوث القدوس.
إنجيل ضد الهرطقات.
إنجيل الكنيسة.
إنجيل الحياة.
إنجيل النور.
إنجيل الحق.
إنجيل المجد.
إنجيل المحبة.
إنجيل الشهادة.
إنجيل الإيمان.
إنجيل الساعة.
وقد كشف القديس إيرينيئوس عن حقيقة الأبيونيين على أنهم جماعة متهودة، فذكر في "مقدمة متى" أن الإنجيل الرابع موجه ضد أبيون ليس كشخص فرد، إنما كممثل عن الأبيونيين، وهم جماعة مسيحية متهودة (راجع الخوري بولس الفغالي - إنجيل يوحنا - دراسات وتأملات ص 70). وعن إنكار الأبيونيين للميلاد العذراوي للسيد المسيح، قال "القديس إيرينيئوس": "أولئك الذي يؤكدون أنه كان مجرد إنسان، مولود من يوسف، فهم لا يزالون تحت عبودية العصيان القديم، وهم في حالة موت، ولم يرتبطوا بعد بكلمة الله الآب ولا نالوا الحرية بالابن، كما يقول هو نفسه: "فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا" (يو 8: 36)، وهم إذ يجهلون ذلك الذي هو عمانوئيل من العذراء، يُحرمون من عطيته التي هيَ الحياة الأبدية (رو 6: 23)..." (ك 3: ف 19: 1) (81). كما يقول "يوسابيوس القيصري": "أن الله بالحقيقة تأنس، والرب نفسه خلصنا، معطيًا علامة للعذراء. ولكن ليس كما يقول البعض ممن يتجرأون الآن على ترجمة الكتاب هكذا: "هوذا شابة تحبل وتلد ابنا" (إش 7: 14)، كما ترجمها ثيودوثيون الأفسسي وأكيلا البنطي وهما من شيوخ اليهود. ويقول الأبيونيون الذين تبعوهما أنه وُلِد من يوسف" (5: 8: 10) (82)
وعن إنكار الأبيونيين لحقيقة التجسد الإلهي، قال "الشهيد أغناطيوس": "أن الكلمة صار جسدًا، فهذا الاتحاد الذي تم في المسيح بين اللوجوس والساركس (الجسد)، بين الكلمة والجسد، كان واضحًا من تصرفات المسيح فلقد كان يتعب ويأكل ويشرب لأنه كان إنسانًا. وكان يعمل المعجزات لأنه كان الله. كان هناك توافق واتحاد بين اللوجوس والساركس. ويقول أيضًا أن الجسد الذي وُلِد من مريم العذراء يربط يسوع بالبشرية؟ ولكن الكلمة الذي صار جسدًا أي اللوجوس، هو من الله، بل هو الله نفسه، وهو الذي يربط المسيح باللَّه الآب" (83). وردًا على قول الأبيونيين بأن "المسيح" حلَّ على "يسوع" في العماد وفارقه في الصلب، يقول "القديس إيرينيئوس": "أن بولس الرسول لم يعرف مسيحًا آخر غير هذا الذي تألم ودُفن، وقام، وهو الذي وُلِد أيضًا... وفي كل موضع حينما يشير إلى آلام ربنا، وإلى طبيعته البشرية، وخضوعه للموت، وهو يستعمل اسم "المسيح" كما في الآية: "لاَ تُهْلِكْ بِطَعَامِكَ ذلِكَ الَّذِي مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِهِ" (رو 14: 15)، وأيضًا: "وَلكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلًا بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ" (أف 2: 13)، وأيضًا: "اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ" (غل 3: 13)، وأيضًا: "فَيَهْلِكَ بِسَبَبِ عِلْمِكَ الأَخُ الضَّعِيفُ الَّذِي مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ" (1 كو 8: 11)، مبينًا أن المسيح غير القابل للتألم، لم ينزل على يسوع، بل أنه هو نفسه لأنه هو يسوع المسيح الذي تألم لأجلنا، وهو الذي وُضِع في القبر، وقام ثانية، هو الذي نزل وصعد: ابن الله الذي صار ابن الإنسان..." (ك 3: ف 18: 3) (84).
_____
(75) ترجمه القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص142.
(76) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص142.
(77) ج. ويتلر - الهرطقة في المسيحية - تاريخ البدع والفرق الدينية المسيحية، ص51.
(78) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص142.
(79) الطوائف المسيحية في التاريخ والعقيدة جـ 2، ص66.
(80) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - ضد الهرطقات جـ 1، ص114.
(81) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - ضد الهرطقات جـ 1، ص95.
(82) ترجمة القمص مرقس داود - تاريخ الكنيسة ط 1960م، ص223 ، 224.
(83) أورده عادل فرج عبد المسيح - موسوعة آباء الكنيسة جـ 1، ص228.
(84) ترجمة د. نصحي عبد الشهيد - ضد الهرطقات جـ 1، ص90.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/643.html
تقصير الرابط:
tak.la/gz4fav9