St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

642- كيف ظهرت بدعة التهود في كنيسة أورشليم، ومنها امتدت إلى بقية الكنائس؟ وما هيَ أسباب ظهورها؟ وماذا كان موقف المتهودين من بولس الرسول وموقفه منهم؟

 

ج: أولا: ظهور بدعة التهود في كنيسة أورشليم، وامتدادها إلى بقية الكنائس... ظهرت بدعة التهود في كنيسة أورشليم التي أسَّسها الآباء الرسل، وجميعهم كانوا يهودًا، كما كان الغالبية الساحقة لأعضاء هذه الكنيسة من اليهود، فمنذ اليوم الأول الذي وُلدت فيه الكنيسة كان عدد الذين اعتمدوا نحو ثلاثة آلاف نفس (أع 2: 41) من اليهود، وبعد وقت وجيز صار عدد الرجال المنضمين للكنيسة نحو خمسة آلاف رجل (أع 4: 4) من اليهود، فكنيسة أورشليم ولدت في بيئة يهودية، وخرجت للنور من عب الديانة اليهودية، وبعض اليهود المتشددين الذين دخلوا للإيمان المسيحي وكانوا بالطبيعة يهود متدينين عاطفتهم تتجه بقوة نحو الناموس ووصاياه وأحكامه وطقوسه، والحنين لم ينقطع بينهم وبين الممارسات اليهودية، لذلك أرادوا أن يجمعوا بين ما كانوا عليه، وما آلو إليه، أرادوا كنيسة "يهو - مسيحية" ومن خلالها يخضعون المسيحية لليهودية، فتصير المسيحية مجرد شيعة من الشيع اليهودية العديدة، مثلها مثل الصدوقيين، والفريسيين والناموسيين والهيروسيين والأسينيين، ولهذا ظهرت بدعة التهود في كنيسة أورشليم، التي تمثل البيئة الملائمة لظهور مثل هذه البدعة. وحيث أن اليهود المتشددين كان لهم تواجد كبير في بعض المدن الأخرى مثل أنطاكية وغلاطية وأفسس وإسكندرية وروما لذلك امتدت بدعة التهود هذه للكنائس الأخرى.

 

St-Takla.org Image: Christianity and Judaism, Cross and a Jewish star of David, live as a Jew. - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 27 April 2023. صورة في موقع الأنبا تكلا: المسيحية واليهودية، صليب مع نجمة داود، التهود. - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 27 أبريل 2023 م.

St-Takla.org Image: Christianity and Judaism, Cross and a Jewish star of David, live as a Jew. - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 27 April 2023.

صورة في موقع الأنبا تكلا: المسيحية واليهودية، صليب مع نجمة داود، التهود. - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 27 أبريل 2023 م.

ثانيًا: أسباب ظهور بدعة التهود: من هذه الأسباب، نذكر ما يلي:

1- وُلِد السيد المسيح في اليهودية ونشأ في بيت يهودي، محتفظًا بسلسلة أنسابه حتى داود الملك وإبراهيم أب الآباء، فهو يحمل الدم اليهودي النقي، ويتمم كل مطالب الناموس، خُتن في اليوم الثامن ودخل إلى الهيكل في سن الأربعين يومًا، وفي سن الثانية عشرة أقام نحو ثلاثة أيام في الهيكل يسأل المعلمين اليهود ويسمعهم ويحاورهم، وفي بداية خدمته طهَّر الهيكل وهكذا فعل في نهاية خدمته، وبين المرة الأولى والثانية في تطهير الهيكل، لم يكف عن التردد عليه، يعمل فيه يصعد له في الأعياد بلا انقطاع. وعندما اختار تلاميذه كان جميعهم من اليهود، وفي الإرسالية الأولى أوصاهم: "إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ" (مت 10: 5-6). وعندما نشأت الكنيسة الأولى لم ينقطع الآباء الرسل عن ممارسة عبادتهم في الهيكل (أع 2: 46؛ 3: 1)، لذلك ظن البعض أن المسيحية لم تخرج عن نطاق اليهودية، بل هيَ امتداد فرعي لليهودية. ولم يدركوا لماذا منع السيد المسيح تلاميذه في الإرسالية الأولى أن يذهبوا إلى مدن الأمم، لئلا يتعرضوا لعقبات ومشاكل أعلى من مستواهم فتؤول إلى فشلهم في الخدمة. ولكن عندما اشتد عودهم في الإرسالية الثانية سمح لهم بدخول أي مدينة سواء لليهود أو للأمم، وبعد قيامته أوصاهم: "اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مر 16: 15).

2- قال السيد المسيح: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ" (مت 5: 17-18). فظن البعض أن السيد المسيح لم يأتِ بعهد جديد، بل جاء كأحد أنبياء العهد القديم لاستكمال المسيرة. ولم يدركوا أن السيد المسيح جاء بعهد جديد، جاء ليجدد خلقة الإنسان، فهو ليس نبيًا مثل موسى النبي، بل هو رب جميع الأنبياء، هو واضع الناموس ومن حقه أن يستكمله إلى شريعة الكمال، لذلك قال لهم: قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ... وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ" (مت 5: 21-22).

3- اعتزاز اليهود بقوميتهم وتمسكهم بالشرائع التي وُلدوا فيها وتربوا عليها، وقد رأوا أن التمسك بهذه الشرائع هو نوع من الوفاء لإلههم. كما أن الآباء الرسل وجميعهم من اليهود، لم يلفت نظرهم أن تمسك بعض المؤمنين بالختان وحفظ السبت يمثل ثمة مشكلة، فلم يستهجنوا أفكار هؤلاء المتهودين، ولم تظهر بشاعة بدعة التهود في كنيسة أورشليم، بل ظهرت بالأكثر في كنائس الأمم، مثل أنطاكية وغلاطية وأفسس.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ثالثًا: موقف المتهودين من بولس الرسول وموقفه منهم: خدم بولس الرسول مع برنابا الرسول في أنطاكية عندما ظهرت بدعة التهود من بعض المؤمنين من أصل يهودي متشدد، فطالبوا المؤمنين من الأمم بالالتزام بالختان وحفظ السبت وشرائع الناموس، وعندما احتج عليهم بولس الرسول ناصبوه العداء وطعنوا في إرساليته، وتطوَّرت الأمور مما استدعى انعقاد مجمع أورشليم نحو سنة 50 م، وانتهى إلى قرارات حازمة حاسمة: "اَلرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ وَالإِخْوَةُ يُهْدُونَ سَلاَمًا إِلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ مِنَ الأُمَمِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ. إِذْ قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ أُنَاسًا خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا أَزْعَجُوكُمْ بِأَقْوَال مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ وَقَائِلِينَ أَنْ تَخْتَتِنُوا وَتَحْفَظُوا النَّامُوسَ الَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ... لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلًا أَكْثَرَ غَيْرَ هذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبحَ لِلأَصْنَامِ وَعَنِ الدَّمِ وَالْمَخْنُوقِ وَالزِّنَا" (أع 15: 23 - 29) ولكن للأسف لم تنتهي مشكلة التهود. وقام بطرس الرسول بزيارة لكنيسة أنطاكية، وإذ كان يأكل مع المؤمنين، وبعضهم من الأمم وبالطبع لم يكونوا مختتنين، وفجأة أقبل عليهم بعض من الذين أثاروا مشكلة التهود في أورشليم، فخشى بطرس الرسول من أن يتهموه بالتسيب وعدم التدقيق، مثلما لاموه عندما دخل بيت كرنيليوس الأممي، فأفرز نفسه عن الأنطاكيين المسيحيين الذين من أصل أممي، ورأى بولس الرسول أن ما فعله بطرس هذا يحمل بذرة انشقاق الكنيسة إلى نصفين، من أصل يهودي، ومن أصل أممي، فغضب وعاتب بطرس الرسول مع أنه يحبه ويجله: "وَلكِنْ لَمَّا أَتَى بُطْرُسُ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ قَاوَمْتُهُ مُواجَهَةً لأَنَّهُ كَانَ مَلُومًا. لأَنَّهُ قَبْلَمَا أَتَى قَوْمٌ مِنْ عِنْدِ يَعْقُوبَ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ الأُمَمِ وَلكِنْ لَمَّا أَتَوْا كَانَ يُؤَخِّرُ وَيُفْرِزُ نَفْسَهُ خَائِفًا مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ. وَرَاءَى مَعَهُ بَاقِي الْيَهُودِ أَيْضًا حَتَّى إِنَّ بَرْنَابَا أَيْضًا انْقَادَ إِلَى رِيَائِهِمْ..." (غل 2: 11 - 21).

وعندما ظهرت هذه البدعة الخطيرة في غلاطية كتب إليهم بولس الرسول يعنفهم: "إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيل آخَرَ. لَيْسَ هُوَ آخَرَ غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ" (غل 1: 6-7)... (راجع غل 3: 1 - 5؛ 5: 11-12). وكان على بولس الرسول أن يواجه أيضًا "بدعة التهود" في أفسس، حتى أنه قال: "إِنْ كُنْتُ كَإِنْسَانٍ قَدْ حَارَبْتُ وُحُوشًا فِي أَفَسُسَ" (1كو 15: 32) (راجع أيضًا 1كو 16: 8-9). لم يكف المتهودون عن مهاجمة كاروز الأمم، ورفضوا رسائله، وطعنوا في رسوليته، وأحاقوا له المؤامرات وألَّبوا اليهود عليه. يقول "أوريجانوس": "هناك بعض الفرق الهرطوقية لا يقبلون رسائل الرسول بولس مثل فرقتي الأبيونيين... فأولئك لا يعدون الرسول قديسًا أو حكيمًا ولا يقرون عبارته القائلة: "العالم قد صُلب لي وأنا للعالم؟..." (الرد على كلسس ك 5 ف 65)... تارة يصف بولس الرسول هؤلاء المتهودين المتشددين أنهم وحوش، وتارة يصفهم بأنهم أخوة كذبة: "بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ" (2كو 11: 26). فقد دخلوا للمسيحية اختلاسًا ليتجسسوا على الإخوة ويعودون بهم إلى عبودية الناموس (غل 2: 4). ولم يكف بولس الرسول أن يضع الناموس في وضعه الطبيعي، فتارة يُظهِر عجز الناموس عن خلاص الإنسان (رو 8: 3)، فبأعمال الناس لا يتبرر الإنسان (رو 3: 8)، وقال عن الناموس أنه أركان ضعيفة: "فَكَيْفَ تَرْجِعُونَ أَيْضًا إِلَى الأَرْكَانِ الضَّعِيفَةِ الْفَقِيرَةِ الَّتِي تُرِيدُونَ أَنْ تُسْتَعْبَدُوا لَهَا مِنْ جَدِيدٍ" (غل 4: 9). لقد حرَّرنا المسيح من عبودية الناموس (غل 5: 1-2) وافتدانا من لعنة الناموس (غل 3: 13)، فالختان لا ينفع شيئًا (1كو 7: 18-19؛ غل 5: 6؛ 6: 15)، وحذر من العودة للظلال القديمة (كو 2: 16-17).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/642.html

تقصير الرابط:
tak.la/42kjpk6