ج: أولًا: معتقدات الجماعة المعمدانية: الذي أنشأ بدعة "المعمدانية" هم بعض أتباع يوحنا المعمدان، وليس كل تلاميذ وأتباع المعمدان، فمثلًا كان أندراوس ويوحنا الحبيب من تلاميذ يوحنا المعمدان الأخصاء، ولكن عندما وجدا معلمهما يشير إلى يسوع بأنه حمل الله تركا معلمهما المعمدان وتبعا يسوع، ومن الطرف الآخر كان هناك بعض تلاميذ وأتباع يوحنا المتشددين، فأسرعوا إلى معلمهم يشتكون يسوع: "وَقَالُوا لَهُ يَا مُعَلِّمُ، هُوَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ الَّذِي أَنْتَ قَدْ شَهِدْتَ لَهُ هُوَ يُعَمِّدُ وَالْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ" (يو 3: 26)، وكأنهم يرجعون بالعيب على معلمهم (ويقولون له: الذي عملته قلعك) من عمدته وعظمته وقدمته في الكرامة لم يصون لك هذا الود، ولم يحفظ لك هذا الوفاء، وعوضًا أن يرد الخير بالخير انطلق لينافسك ويأخذ منك جماهيرك ويسحب السجادة من تحت أقدامك، فعليك أن توقفه عند حده، ولا تتركه حرًا طليقًا يفعل ما يشاء، بل عليك أن تُشهر به، وفوجئ مثل هؤلاء المتعصبين بأن معلمهم لا يتراجع عن موقفه قيد أنملة، بل يقول لهم: "يَنْبَغِي " أي لازم وحتمي وضروري ولا مناص من هذا، وهذا ما يسعدني " يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (يو 3: 30)، لم يتفوَّه بها بحزن وألم وتنهد، بل أطلقها من عمق قلبه وهو في قمة السعادة أن ملكوت المسيح ينتشر في شتى ربوع الأرض. فهو "العريس" أما أنا فصديقه: "وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ" (يو 3: 29). ومثل هؤلاء المتشددون لم يفتر حماسهم بعد استشهاد معلمهم، بل تمادوا في غيهم، وبعد صلب المسيح وموته وقيامته وصعوده كونوا مجموعة معمدانية منظمة تناهض المسيحية، وكان من أهم معتقداتهم:
1- عظَّموا يوحنا المعمدان عن يسوع لأنه آتى قبله، وهو الذي عمَّده وشهد له أنه ابن الله وقدمه للشعب، كما أن السيد المسيح شهد ليوحنا المعمدان على أنه أعظم مواليد النساء قائلًا: "لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ" (مت 11: 11) وقالوا حيث أن يسوع المسيح مولود امرأة (غل 4: 4)، فمعنى هذا أن يوحنا المعمدان أعظم منه، فهو بمثابة تلميذ يوحنا المعمدان، وقد سبق مناقشة هذا الفكر والرد عليه، فيُرجى الرجوع إلى (مدارس النقد - عهد جديد جـ 4 س 330).
2- أنكروا ألوهية المسيح وأزليته وولادته من الآب قبل كل الدهور.
3- اكتفوا بمعمودية يوحنا، وادعوا أنها كافية لخلاص الإنسان، فلا حاجة للمعمودية المسيحية.
![]() |
ثانيًا: الجماعة المعمدانية في أفسس: كتب يوحنا الحبيب إنجيله في أفسس، وفيها كان هناك تواجد للجماعة المعمدانية التي بثت أفكارها الفاسدة، فمثلت خطرًا على الكنيسة في أفسس، ويحكي لنا سفر الأعمال: "أَنَّ بُولُسَ بَعْدَ مَا اجْتَازَ فِي النَّوَاحِي الْعَالِيَةِ جَاءَ إِلَى أَفَسُسَ. فَإِذْ وَجَدَ تَلاَمِيذَ قَالَ لَهُمْ هَلْ قَبِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟ قَالُوا لَهُ وَلاَ سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ الرُّوحُ الْقُدُسُ. فَقَالَ لَهُمْ فَبِمَاذَا اعْتَمَدْتُمْ. فَقَالُوا بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا... فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ. وَكَانَ جَمِيعُ الرِّجَالِ نَحْوَ اثْنَيْ عَشَرَ" (أع 19: 1 - 7). بل أن أبولس السكندري الجنس الرجل الفصيح المقتدر في الكتب عندما جاء إلى أفسس يكرز لم يكن يعرف شيء غير معمودية يوحنا، فأخذاه أكيلا وبريسكلا وشرحَا له طريق الرب بأكثر تدقيق (أع 18: 24 - 26). وظل للجماعة المعمدانية تواجد في عدة مناطق حتى القرن الثالث الميلادي.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ثالثًا: رد يوحنا الإنجيلي على الجماعة المعمدانية: وضع يوحنا الحبيب معلمه يوحنا المعمدان في وضعه الصحيح ومكانته الحقيقية بالنسبة للسيد المسيح، فمثلًا:
1- أوضح يوحنا الإنجيلي أن السيد المسيح هو: "النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ" (يو 1: 9)، بينما ذكر قول السيد المسيح عن يوحنا المعمدان أنه السراج المنير (يو 5: 35)، الذي يستمد نوره من النور الحقيقي: "لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ" (يو 1: 8). هو القمر الذي يستمد ضيائه من المسيح شمس البر.
2- يوحنا المعمدان إنسان مخلوق، بينما السيد المسيح هو الإله الخالق: "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ" (يو 1: 3)، فيوحنا المعمدان يدخل ضمن عبارة " كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ"، والسيد المسيح هو الذي جبل يوحنا المعمدان.
3- شهد يوحنا المعمدان للسيد المسيح وعظمته ومكانته، حتى قال عنه: "الَّذِي لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ" (يو 1: 27).
4- أوضح يوحنا الإنجيلي أن السيد المسيح هو العريس، الذي له العروس، أما يوحنا المعمدان فهو صديق العريس الذي يساعد العروس لتجهيز نفسها للعريس " مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ" (يو 3: 29).
5- سجل يوحنا الإنجيلي شهادة يوحنا المعمدان للسيد المسيح عندما قال: "يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ" (يو 3: 30).
6- سجل يوحنا الإنجيلي شهادة المعمدان للسيد المسيح على أنه ابن الله: "وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ الله" (يو 1: 34).
7- ذكر يوحنا الحبيب شهادة المعمدان أنه رسول مُرسل أمام وجه المسيح، هو الرسول الذي يتقدم موكب الملك المسيح ليهيئ الطريق أمامه " أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ" (يو 3: 28). كما شهد أن أصل المسيح سمائي: "اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ" (يو 3: 31)، الكل بما فيهم يوحنا المعمدان نفسه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/644.html
تقصير الرابط:
tak.la/52y2caq