← اللغة الإنجليزية: Law of Moses / Mosaic Law - اللغة العبرية: תֹּורַת מֹשֶׁה (توارة موشي) - اللغة اليونانية: Μωσαϊκός νόμος - اللغة الأمهرية: ሕገ ሙሴ - اللغة اللاتينية: legis Mosi.
ويمكن تلخيصها في الملحوظات الآتية:-
1- بعض أجزاء الشريعة هي أوامر مطلقة، كما في الوصايا العشر (خر 20: 1-17)، وبعض الأجزاء الأخرى تعالج حالات خاصة، وتُستهل عادة بكلمة "إذا" [كما في (خروج 21، 22)]. فالأولي هي مبادئ الشريعة الأساسية (فهي قوانين قاطعة مطلقة)، أما الثانية فتنطبق علي حالات معينة.
2- أثارت بعض التطورات بين الشرائع كما جاءت في سفر الخروج، والشرائع كما جاءت في سفر التثنية، الكثير من الجدل. ولكن هذه الاختلافات بين الشريعة كما أعطيت في جبل سيناء، والشريعة كما استعرضها موسى في سهول موآب، بعد أربعين سنة، يمكن تفسيرها بأن سفر الخروج يذكر هذه الشرائع كما أعطاها الله لموسى، أما سفر التثنية فيذكرها كما استعرضها موسى أمام الشعب، مع تغيير الظروف تبعًا لانتقال الشعب من حياة الترحال البدوية البسيطة في البرية، إلي ظروف أكثر تعقيدًا باستقرارهم في ارض الموعد التي كانوا علي وشك أن يدخلوها.
كما يري البعض تمايُزًا بين الموقف من الناموس في الأناجيل الثلاثة الأولي، والموقف منه في إنجيل يوحنا، فاللهجة في الأناجيل الثلاثة الأولي، لهجة ناموسية: "افعل هذا فتحيا" (لو 10: 28)، بينما يقولون إن إنجيل يوحنا كله محبة ونعمة. وتختفي هذه المشكلة عندما نذكر أن الشريعة يُعبَّر عنها بأسلوبين في الكتاب: بأسلوب النهي كما في الوصايا العشر، لأنها أعطيت لشعب متمرد، وبأسلوب إيجابي في الوصيتين العظيمتين: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوتك" (تث 6: 5؛ انظر مت 22: 37)، و"تحب قريبك كنفسك" (لا 19: 18؛ انظر مت 22: 39). فالأناجيل الثلاثة الأولي تركز علي الجانب السلبي للناموس، أكثر مما علي الجانب الإيجابي، بينما يركز إنجيل يوحنا علي الجانب الإيجابي أكثر مما علي الجانب السلبي. ويجب ألا نظن أن أيًا من الجانبين يستبعد الجانب الآخر، إذ إن الرب يسوع المسيح يجمع بينهما وهو يلخص الوصايا بالقول: "بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مت 22: 4؛ انظر أيضا رو 13: 10).
3- يري البعض أن هناك تمييزًا بين الشرائع الأدبية، والمدنية (أي الأحكام) والطقسية (أي الفرائض) الواردة في التوراة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. فالشريعة الأدبية توجزها الوصايا العشر، والشريعة المدنية توجد في توضيحات الشريعة الأدبية وتطبيقاتها علي حالات معينة (كما في الأصحاحين الحادي والعشرين والثاني والعشرين من سفر الخروج). أما الشريعة الطقسية فترتبط بالخدمة الكهنوتية والذبائح (كما في سفر الخروج 25: 1-31: 17؛ 35-40؛ وكل سفر اللاويين؛ وفي سفر العدد 1: 1-10: 10 و 15، 17-19، 28-36). وسنتناول هذا بشيء من التفصيل في الحديث عن "المسيحي وناموس موسى" في نهاية هذا البحث.
4- قد يكون هناك نوع من التمييز بين الشرائع التي لم يرتبط صدورها بقضية معينة (كما في الوصايا العشر)، والشرائع التي اقتضتها مواقف معينة (عد 7: 1-11؛ 36: 1-12).
5- هناك فرق بين الشرائع السابقة لجبل سيناء، مثل الختان (تك 17: 9-27)، والفصح (خر 12: 1-28)، والشرائع التي أُعْطِيَت في جبل سيناء (التي أشرنا إليها من قبل).
6- كما قد نري فرقًا بين الشرائع التي تختص أساسًا بغير الإسرائيليين (أي الغرباء-خر 23 : 9؛ لا 19: 10..إلخ)، والقوانين التي تختص أساسًا ببني إسرائيل (خروج 30-33).
7- كما أن هناك تمييزًا بين الشرائع التي تختص بالكهنة واللاويين (كما في اللاويين 1-10)، والشرائع المختصة بكل إسرائيل (كما في التثنية 19-36).
ولكن ليس ثمة تناقض بين مختلف هذه الشرائع، بل هي متكاملة، وجميعها أعطاها الله لموسى الذي أبلغها للشعب.
للشريعة الأدبية التي أعطاها الله لموسى علي جبل سيناء، مكانة بارزة في الكتاب المقدس، وذلك للأسباب الآتية:
1- إن هذه الوصايا هي وحدها التي كتبها الله بإصبعه (خر 24: 12؛ 31: 18؛ 32: 15-16؛ تث 5: 22؛ 9: 10، 11).
2- إنها هي وحدها التي وضعت في تابوت العهد باعتبارها أساس العهد بين الله وإسرائيل (تث 10: 1-5؛ 1 مل 8: 9).
3- يبدو أن هذا الجزء من الشريعة هو المقصود في الأقوال التي تعبر عن مسرة المؤمنين بناموس الله (مز 1، 119).
4- الأرجح أن هذا الجزء من الشريعة هو الذي كان في فكر الأنبياء في كلامهم عن شريعة الله المكتوبة علي القلوب في عهده الجديد مع شعبه (إرميا 31: 31-34؛ حز 11: 17-20؛ 36: 25-27؛ 37: 24-28).
5- كلما كانت تُثار الأسئلة عن ناموس الله، كانت الوصايا العشر هي التي يُشَار إليها باعتبارها خلاصة الشريعة (مت 19: 16-20؛ لو 10: 25-28؛ رو 2: 17-23؛ 7: 7؛ 13: 9، 10؛ 1 تي 1: 7-10).
6- هذا الجزء من الشريعة هو الذي قال عنه الرسول بولس: "مقدس وعادل وصالح" (رو 7: 12) وروحي (رو 7: 14)، وهو الذي يكشف الخطية للإنسان (رو 7: 7).
7- كانت الوصايا العشر هي التي في فكر المسيح وهو يتحدث عن طاعة القلب وليس المظهر (مت 5: 21-48؛ انظر ايضًا رو 13: 9، 10).
لقد ثارت في القرن التاسع عشر قضية كتابة موسى للشريعة، فأصبحت هناك نظريتان: المحافظة والمتحررة، وتتلخص الاختلافات الجذرية بينهما في الآتي:
1- يتمسك المحافظون بأن الشريعة المعطاة في سيناء (خر 19-عد 9)، وفي سهول موآب (سفر التثنية) هي شريعة واحدة، وأعطاها الله للشعب عن يد موسى. بينما ينكر النقاد المتحررون وجود هذه الشريعة في عصر موسى، ويزعمون أنها من إنتاج مؤلفين مختلفين أو مدارس متعددة علي مدي فترة من التاريخ تمتد إلي زمن العودة من السبي البابلي.
2- يؤمن المحافظون بتاريخية الأحداث المسجلة في الأسفار الخمسة، بينما يشك في ذلك النقاد المتحررون، بل إن بعضهم ينكرون الأحداث البارزة المذكورة في هذه الأسفار، بزعم أنها اضافات من بعض الكتاب المتحررين من عصر متأخر.
3- يؤمن المحافظون بصدق الأحداث المُعجزية لعصر موسى بدون أدني شك في شيء منها،أما النقاد المتحررون فيشككون في هذه الأحداث زاعمين أن هذه المعجزات من اختراع كاتب أو كتاب متأخرين وليست بقلم مؤرخ معاصر للأحداث.
4- يتمسك المحافظون بأن الشرائع الموسوية فريدة في بابها وتسمو فوق كل الشرائع المشابهة في العصور القديمة (كمجموعة قوانين حمورابي الشهيرة). أما النقاد المتحررون، فمع تسليمهم بسمو بعضها، فانهم يميلون إلي المساواة بين شرائع إسرائيل وما سبقها أو عاصرها من شرائع. بل تبلغ بهم الجرأة إلي الزعم بأن بعض الطقوس قد أُخِذَت عن الكنعانيين وغيرهم.
إن أهمية الشريعة الموسوية في تاريخ إسرائيل تتضح من هذا الموجز السريع:
1- نفذ يشوع- في الجيل التالي لموسى، بكل دقة- ما أمر به الرب موسى في الشريعة (يش 1: 13-18؛ 4: 10 ؛ 8: 30؛ 11: 12، 15، 20، 23؛ 14: 1-14؛ 17: 4؛ 20: 2؛ 21: 2، 8؛ 22: 2، 4، 5، 9؛ 23: 6).
2- تُليت علي الشعب وصايا الشريعة التي تدعو إسرائيل للطاعة، في كل المناسبات الهامة (1 مل 2: 1-3؛ 1 أخ 22: 11-13؛ 28: 8، 9؛ 29: 19).
3- طبقت وصايا الشريعة في مناسبات محددة (انظر 2 مل 14: 6 مع تث 24: 16؛ 1 أخ 15: 15 مع عد 4: 1-15؛ 7: 9؛ 1 أخ 23: 13 مع خر 28: 1؛ 29: 33-37، 44؛ 30: 6-10؛ عد 6: 23-27؛ 18: 3-8؛ 2 أخ 8: 13 مع خر 23: 14-17؛ لا 23 : 37؛ 2 أخ 23: 18 مع عد 28: 1-31؛ 2 أخ 24: 6-9 مع خر 30: 12-14؛ 2 أخ 30: 16-20 مع عد 9: 1-14؛ عزرا 6: 18-22 مع عد 3: 6-13؛ 8: 6-19؛ عزرا 9: 11-12 مع لا 18: 24-30؛ تث 7: 13؛ نح 13: 1-3 مع تث 23: 3-5).
4- عواقب العصيان المبنية في الشريعة، تمت تمامًا في تاريخ إسرائيل (انظر 2 مل 18: 11-12 مع تث 29: 24-28؛ 2 مل 21: 8-15؛ 2 أخ 34: 24، 25، 30-32 مع تث 28: 15-68؛ نح 1: 7-9 مع تث 30: 1-61؛ نح 9: 13-38؛ دانيال 9: 11-13 مع تث 32: 15-43).
5- في كل تاريخ بني إسرائيل، نسبت الشريعة إلي موسى (يش 1: 7؛ 22:5؛ 23: 6؛ قض 3: 4؛ 1 مل 2: 3؛ 2 مل 18: 6، 12؛ 2 أخ 8: 13؛ 34: 14؛ عزرا 6: 18؛ 7: 6 و 10؛ نح 1: 7، 8؛ 9: 14؛ ملاخي 4: 4).
6- تنسب الوصايا بحفظ السبت والعبادة في الخيمة إلي عصر موسى (1 أخ 21: 29؛ 2 أخ 1: 3؛ نح 9: 14).
7- كان كلام الأنبياء تأييدًا لأقوال الشريعة (2 مل 17: 13، 23؛ دانيال 9: 10-14).
يتضح لكل قارئ للعهد القديم، أن الشريعة الموسوية لم تكن غاية في ذاتها، ولا كانت الصورة النهائية للعبادة التي يطلبها الله، بل كانت تُعِد الطريق لإعلان العهد الجديد، كما يتضح من الملحوظات الموجزة الآتية:
1- تتضمن الشريعة إشارات إلي أنه لا يمكن إتمامها إلا بتغيير جذري في طبيعة الإنسان (تث 10: 16؛ 30: 6؛ انظر أيضا إرميا 6: 10؛ 9: 25، 26).
2- توصف الطاعة لله في تاريخ بني إسرائيل وفي النبوات بأنها أهم من حفظ الطقوس والفرائض (1 صم 15: 21-23؛ مز 40: 6-8؛ إش 1: 11-17؛ هو 6: 6).
3- عجز الإنسان عن إتمام الشريعة، كثيرًا ما كان هو لب اعترافات شعب الله (نح 9: 13-38؛ مز 51 : 1-9؛ دانيال 9: 4-19).
4- لشدَّة ما فسدت الصورة الخارجية لحفظ الشريعة، حتى نبه الأنبياء إلي الطاعة الداخلية (إش 1 : 11-17؛ ارميا 7: 21-28؛ عا 5: 21-24؛ ميخا 6: 6-8).
5- يتضح عجز الشريعة عن تبرير الإنسان، في أمثال إبراهيم (تك 15: 6؛ انظر أيضا رومية 4: 1-25؛ غل 3: 9-29)، وفي تأكيد داود (مز 32: 1، 2)، وفي تصريحات وتلميحات الأنبياء (إش 53: 11، 12؛ 60: 21؛ 62: 1، 2؛ إرميا 33: 15، 16؛ حب 2: 4؛ زك 3: 1-10)، فقد أُعْطِيَت الشريعة لكشف مدى فساد الإنسان، وهي تُرْشِد للمسيح الذي سيأتي ويُخَلِّص الإنسان.
6- بناء علي ذلك كان الأنبياء يتطلعون إلي الزمن الذي فيه ستكتب الشريعة على القلب المتجدد وليس علي ألواح حجرية (إرميا 31: 31 و 33؛ خر 11: 19، 20؛ 36: 24).
7- كان انتظار الأنبياء لمجيء المسيَّا قويًا وغالبًا، حتى إنهم أدركوا أن تغييرًا كاملًا سيحدث في العبادة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. فَسَيُعَاد بناء الهيكل (هيكل أورشليم: أي كنيسة العهد الجديد) (حز 40-48)، وسيكون للأمم نصيب في العبادة وفي تقديم الذبائح الروحيَّة (إش 2: 1-4؛ 56: 3-8؛ زك 6: 13، 15؛ ملاخي 1: 11؛ انظر أيضا رومية 15: 9-12؛ أف 2: 11-22).
8- إذ كان أمام الأنبياء هذا الرجاء المجيد، تكلموا عن الشريعة التي ستخرج من أورشليم، والتي لابد-في ضوء العهد الجديد-أنها الإنجيل الذي سيكرز به في كل العالم بيسوع المقام (إش 2: 3؛ 51: 4، 5 مع لو 24: 47؛ أع 1: 8؛ 13: 46-48؛ رو 10: 18) وهكذا كانت الشريعة مقدمة للإنجيل (انظر غل 3: 19-25).
يمكن إيجاز علاقة المسيح بشريعة موسى في الآتي:
1- وُلِدَ "يسوع" "تحت الناموس (الشريعة) " (غل 4: 4) و"تحت" هنا إنما تشير إلي أنه كان خاضعًا لطقوس الشريعة (لو 2: 21-27)، وأنه حفظ هذه الطقوس الأساسية (مر 1: 21؛ 14: 12)، وعلَّم الآخرين أن يحفظوها (لو 5: 14؛ 17: 14)، فقد كانت هذه الفرائض والطقوس سارية إلي أن أُبْطِلَت في الصليب (مت 27: 51). إنها كانت ترمز للمسيح؛ فهذه الأمور كانت ظِل للحقيقة. فعندما أتت الحقيقة والمرموز إليه، بُطِلَ الرَّمز؛ فهذه الأمور كانت غايتها أن تشير للحقيقة (التي هي المسيح).
2- لقد نقَّى الرب يسوع الشريعة الأدبية من كل الشوائب والتفسيرات الخاطئة التي ألصقها بها اليهود (مت 5: 27-48)، كما نقَّى الشريعة الطقسية من مثل هذه الشوائب (مت 15: 1-11). وكان ذلك متفقًا مع ما جاء بالنبوات (ملاخي 3: 1-4).
3- دافع المسيح عن الشريعة بأن شهد بأنها من الله (مت 5: 18؛ لو 16: 17) وجعلها معادلة لأقواله هو (يو 5: 45-47)، وذكر أن فيها نبوات عنه (لو 24: 27، 24؛ يو 5: 45، 46).
4- لخص السيد المسيح الشريعة في المحبة الكاملة لله وللقريب (مت 7: 12؛ 22: 34-40؛ مرقس 12: 28-34؛ لو 10: 25-37).
5- تمم هو الشريعة الطقسية (لو 2: 21-27)، والشريعة المدنية بأن خضع لقانون الرومانية (مت 17: 24-27؛ 22: 17-22)، والشريعة الأدبية بالطاعة الكاملة لوصايا الله، وهي الطاعة التي بها صار هو البر الكامل للخاطيء كاسر الشريعة (دانيال 9: 24؛ مت 3: 15 ؛ رومية 10: 3، 4؛ 2 كو 5: 21؛ غل 4: 4، 5).
6- لقد أبْطَل المسيح بموته علي الصليب الفرائض والشرائع الطقسية (مت 27: 51) لكونها مجرد كانت رمز لذبيحة المسيح. بل قبل الصليب، نطق المسيح بأقوال كانت تمهيدًا للطريق إلي العبادة الأبسط في عصر الإنجيل (مر 7: 15، 19؛ لو 11: 41؛ يو 4: 23، 24؛ انظر أيضا أع 10: 15؛ 11: 9؛ رو 14: 1-12؛ كو 2: 16؛ عب 10: 10، 14، 18؛ 13 : 9-16).
كانت العلاقة بين الشريعة والإنجيل مثار أخطاء واضحة، وسوء فهم كثير في التعليم والممارسات المسيحية منذ عهد الرسل إلي يومنا الحاضر. فيحسن أن نذكر بعض جوانب هذه العلاقة في ضوء إعلان الله الكامل في الكتاب المقدس:
1- لم تغير الشريعة التي أعطاها الله للشعب في جبل سيناء، من وعد النعمة الذي سبق أن أعطاه لإبراهيم (تك 12: 3؛ 18: 18، 19؛ 22: 18؛ 26: 4، 5؛ أع 3: 25، 26؛ رو 4: 11-18؛ غل 3: 5-9، 16-18). لقد أُعطى الناموس لإظهار شناعة الخطية في ضوء نعمة الله (رو 7: 7-11؛ غل 3: 19-25). ويجب أن نذكر علي الدوام أن كلا من إبراهيم وموسى وكل قديسي العهد القديم، قد خلصوا بالإيمان العامِل بالمحبة، وبالفهم الروحي للناموس وليس الحرف (عب 11: 1-40).
2- الشريعة كانت موجود كي تعلن حالة الإنسان، وهي مكتوبة في قلبه من البداية (رو 2: 14)، ولكنها لا تُخَلِّص. ولكنها فقط تشير إلى مجيء الذي سوف يُخَلِّص (المسيح) (يو 3: 16). ومَنْ يقبل الناموس بحق يؤمن بالمسيح الذي يأتي (رو 16: 25-26؛ أف 3: 3)؛ فالناموس يشير إلى الخلاص، ولكنه لا يُقَدِّمهُ. فالإنجيل أعلن لنا هذا الخلاص؛ فقبول الخلاص هو قبول الإنجيل. كما أن قبول الناموس وهو قبول للإنجيل، فمن يقبل الناموس يقبل الإنجيل الذي يُعلن بدوره عن المسيح (غل 3: 19-25).
3- تحكم الشريعة علي الإنسان بأنه خاطئ علي أساس عصيانه (رو 3: 19، 20؛ 5: 20)، فهو يحكم فقط ولكن لا يُخَلِّصه، فهو يشير للمسيح الموجود به الخلاص من هذا الحكم. أما الإنجيل فيعلن تبرير الإنسان علي أساس الإيمان بالرب يسوع المسيح (إش 45: 24، 25؛ 54: 17؛ إرميا 23: 6؛ 23: 16؛ رو 3: 22-28؛ 4: 6-8، 22-24؛ 5: 19؛ 1 كو 1: 30؛ 2 كو 5: 31؛ في 3: 9).
4- الناموس ليس فيه النعمة والخلاص، لكونه يفقِد التبرير بدم المسيح. هو يطلب الطاعة الكاملة من كل إنسان (لا 18: 5؛ لو 10: 28؛ رومية 10: 5؛ غل 3: 10، 12؛ يع 2: 10)، ولكن لا يستطع أحد من ذاته أن يفعل (أع 13: 39؛ رومية 3: 20؛ غل 2: 16)، لأن "الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا..." (رو 3: 12). أما بمجيء المسيح فقد أعطانا نعمة أن نُتَمِّم الناموس، وأن نعمل كل بِر ونكمله (إش 53: 10-12؛ دانيال 9: 24؛ رو 5: 18، 19؛ في 2: 8؛ تي 3: 4-7؛ رؤ 7: 9-17). فالناموس يعلن لنا الحكم، ولكنه لا يقدِّم الخلاص. أما في الإنجيل، فنحن نأخذ النعمة ونأخذ التبرير بدم المسيح، من خلال التوبة والإيمان به.
5- الشريعة تعلن وضع الإنسان الخاطئ الذي تحت العبودية (أع 15: 10؛ رو 8: 15؛ غل 4: 1-7، 9-11، 21-31)، وهي تشير إلى مجيء المسيح الذي يُخلِّص، ولكنها لا تُقَدِّم التحرير. أما الإنجيل فيعلن مجيء المسيح الذي حرَّرنا، وكيف ننال هذا التحرير ومفاعيله (يو 8: 36؛ 2 كو 3: 17؛ غل 2: 4؛ 3: 23-26؛ 5: 1، 13).
6- تعامل البشر العاديين في القديم على أن الشريعة (وصايا الله) أنها مكتوبة على ألواح حجرية (خر 24: 12؛ 34: 1، 4، 28). في حين بالطبع أن الأنبياء والمؤمنين فكانت الشريعة في قلوبهم (يش 22: 5؛ 2 مل 10: 31؛ عز 7: 10؛ أي 22: 22؛ مز 37: 31). أما في مجيء المسيح فقد أعطانا نعمة أن تكون وصايا الله محفورة في قلوبنا (إرميا 31: 31، 33؛ حز 11: 19، 20؛ 36: 24-27؛ رو 7: 6؛ 8: 1-10؛ 2 كو 3: 3؛ 7: 12؛ غل 5:22، 23؛ عب 8: 10؛ 10: 16).
7- تضع الشريعة للإنسان مقياسًا كاملًا للسلوك، ولكنها لا تمنحه الوسيلة لبلوغ هذا المقياس (رو 7: 21-25). أما الإنجيل فيمنح الإنسان الوسيلة التي بها يمكن للمؤمن بلوغ مقياس الله للبر، وذلك بالإيمان بالرب يسوع المسيح (مت 5: 20؛ رو 8: 1-4؛ 10: 3-10؛ غل 2: 21؛ في 3: 9).
8- تعلن الشريعة وقوع الإنسان بخطيته الإرادية تحت غضب الله (رو 2: 1-29؛ 3: 19، 4: 15)، ويشير للمسيح المُنْقِذ من هذه العقوبة. أما في المسيحية، فهي تعلن مجيء المسيح الذي يبرر. ومَنْ يقبل المسيح يتم إنقاذه من غضب الله (رو 5: 9؛ أف 2: 3-6؛ 1 تس 1: 10؛ 5: 10)، وفي المسيحية كذلك مَنْ لا يقبل المسيح فهو يستمر تحت غضب الله (يو 3: 36)
ما هي العلاقة الصحيحة بين المسيحي الآن وشريعة موسى؟ لقد أثار هذا السؤال جدلًا لا ينتهي. فهناك مواقف متعارضة ومتباعدة، وما يراه طرف يرفضه طرف آخر. وليس من حل جامع مانع، ومتي جمعت كل الشرائع الموسوية بلا تمييز. ولكن كما ذكرنا في البند الأول من هذا البحث عن "الجوانب المختلفة للشريعة"، هناك تمييز واضح (لا 26: 46) بين الشريعة الأدبية (الوصايا)، والشريعة المدنية (الأحكام)، والشريعة الطقسية (الفرائض). وهذا التقسيم يساعدنا علي أن نضع الأمور في نصابها الصحيح:
(أ) الشريعة الأدبية:
يمكن تلخيص موقف المسيحي من هذا الجزء من الشريعة، كما يلي:
1- لا يمكن أن يخلص إنسان بحفظ الوصايا العشر، وهذه الحقيقة لا نجدها واضحة في العهد الجديد فحسب (أع 13: 39؛ رو 3: 20؛ غل 2: 16) [انظر الشريعة والإنجيل في البند السابق]، بل هي حقيقة واضحة في كلا العهدين القديم والجديد .
2- ما زَال لهذه الوصايا أهميتها لأنا تكشف للمسيحي طبيعة الخطية وقوتها. وقد علَّم الرسول بولس بهذا الحق (رو 3: 20؛ 5: 20؛ 7: 7؛ غل 3: 19).
3- لأن الشريعة "مقدسة" (رو 7: 12)، فلا بُد أن تكون موضع مسرة روحية لأولاد الله. وما أجمل ما قاله المرنم "كم أحببت شريعتك. اليوم كله هي لهجي" (مز 119: 97).
4- إنها نموذج للحياة المسيحية، فجميع الوصايا العشر -باستثناء الوصية المختصة بحفظ السبت (والذي تحوَّل إلى يوم الأحد؛ يوم القيامة)- نجدها مُلْزِمَة للمسيحي في العهد الجديد (مت 5: 21-48؛ رو 7: 7؛ 13: 9؛ 1 كو 8: 1-6؛ 10 : 14-22؛ أف 5: 3-5؛ 6: 1-3). وهكذا نري أن الشريعة الأدبية ترشدنا إلي إرادة الله، وهي جزء هام لازم لبلوغ حياة القداسة، وفي نفس الوقت، لا يمكن إتمام مطالب هذه الشريعة إلا بعمل الروح القدس في المؤمن (رو 8: 3، 4).
(ب) الشريعة المدنية (الأحكام):
لقد كانت هذه الأحكام ملزمة لبني إسرائيل، وما زال المؤمن يجد فيها ما يرشده في أمور الحياة، وفي علاقاته مع الآخرين. وبغالبية القوانين المدنية التي تسنها الدول الآن، قلما تتعارض مع هذه الأحكام، يجب علي المؤمن أن يخضع للسلاطين الكائنة المرتبة من الله (رو 13: 1-5؛ 1 بط 2: 13-16)، علي أن يكون الولاء الولاء لله وكلمته.
(ج) الشريعة الطقسية (الفرائض):
وهنا يلاحظ المسيحي بعض الحقائق الواضحة في ضوء العهد الجديد:
1- أن الفرائض اللاوية والطقوس كانت سارية إلي وقت صلب المسيح (مت 27: 51). ولكنها منذ ذلك الوقت لم تعد تسري علي حياة المسيحي (غل 5: 1-12؛ كو 2: 16-23)، فقد كانت هذه الطقوس مفروضة علي إسرائيل، رموزًا للخلاص الذي صنعه الرب يسوع (عب 9: 9، 10) ولكن بعد أن مات الرب يسوع وقام، أُبطلت هذه الفرائض تمامًا ولم تعد طريقًا للعبادة (عب 10: 8-10، 18). والعودة إلي مثل هذه الطقوس لا يتفق إطلاقًا مع العبادة بالروح (يو 4: 23، 24؛ في 3: 3).
2- لكن هذا لا يعني أن يهمل المسيحي المعاني الروحية الكثيرة التي كانت لهذه الفرائض، فهو يدرك الآن أن المسيح هو خروف الفصح الحقيقي (يو 1: 29؛ 1 كو 5: 7)، وأن كل مؤمن الآن يستطيع ككاهن (1 بط 2: 5، 9؛ رؤ 1: 6) أن يقدم ذبائح روحية مقبولة عند الله (ملاخي 1: 11؛ رو 12: 1؛ في 4: 18؛ عب 13: 15، 16).
_____
(1) مراجعة أ. مينا مختار، 10 مايو 2024 م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ahaxn7m