دمار المدينة والهيكل:
أخيرًا -في يولية سنة 70 م- باغت الرومان حصن أنطونيا Antonia ليلًا واستولوا عليه. وبسقوط هذا الحصن، أصبح الطريق ممهدًا لوضع أيديهم على الهيكل، فتوقفت الذبائح اليومية في اليوم السابع عشر من يولية، لأن اليهود كانوا في حاجة إلى كل الأيدي للدفاع في الحرب... ولعل آخر ذبيحة وأغزرها دماء قدمت على مذبح المحرقة كانت آلاف اليهود الذين ذبحهم الرومان وقد تجمهروا حول هيكلهم للدفاع عنه!!
كان تيطس -بحسب رواية يوسيفوس- ينوي في بادئ الأمر أن يبقى على الهيكل، كعمل معماري رائع يحفظ ذكرى انتصاره. وعندما هددت ألسنة النيران قدس الأقداس، شق طريقه بصعوبة بين اللهب والدخان، فوق جثث القتلى، وتلك التي كانت بين الحياة والموت، حتى ما يحصر النيران لكن جنوده كانوا في حالة هياج هستيري نتيجة المقاومة العنيدة التي أبداها اليهود، والطمع في كنوز الهيكل الذهبية، لم يكن في الإمكان إيقافهم عن أعمال التخريب(74).
كانت الأروقة المحيطة بالهيكل هي أول ما احترق منه. ثم ما لبثت أن طرحت كتلة نارية عبر البوابة الذهبية. وعندما تصاعدت ألسنة اللهب، أطلق اليهود صرخات هستيرية مفزعة، وحاولوا إخماد النار، بينما وجد آخرون عزاءهم -وهم يتعلقون بآخر أمل لهم في خلاص المسيا- في أن يعلنوا نبوءة نبي كاذب، مؤداها أن الله وسط حريق الهيكل، وسيعطي علامة الخلاص لشعبه!!.. تنافس الجنود الرومان في تغذية ألسنة النيران، وسرعان ما تحول كل البناء الضخم إلى شعلة نارية أضاءت السماء... هكذا أُحرق الهيكل في العاشر من أغسطس سنة 70 م. وهو حسب التقليد، نفس اليوم الذي خرب فيه الهيكل قديمًا على يد نبوخذنصر ملك بابل(75)!!
يقول يوسيفوس -وهو شاهد عيان- في وصفه لخراب الهيكل: (لا يمكن أن يتصور أحد أصوات أعلى وأكثر فزعًا مما حدث من كل ناحية أثناء احتراق الهيكل. صيحات الانتصار والفرح الصادرة من الجنود الرومان تختلط بصيحات عويل الشعب المحاصر بالنار والسيف فوق الجبل وداخل المدينة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وكان الصدى الواصل من كل الجبال المحيطة يُزيد هذا الزئير الذي يصم الآذان. ومع ذلك فالبؤس نفسه كان أفظع من هذا الاضطراب. كان التل المقام عليه الهيكل يغلي من السخونة، وبدى وكأنه ملفوف حتى سفحه بطبقة واحدة من اللهب. كانت الدماء في كميتها أكثر من النار، والمذبوحون أكثر عددًا ممَنْ ذبحوهم. ولم تعد الأرض تُرى في أي موضع، إذ كانت مغطاة بأكوام من جثث القتلى، سار فوقها الجند وهم يتعقبون الهاربين)(76).
وما لبث الرومان أن ثبتوا شعاراتهم (النسور الرومانية) فوق الأنقاض في الجهة المقابلة لبوابة أورشليم الشرقية، وقدموا لها القرابين، وهتفوا لقائدهم المظفر تيطس بأعظم تهاليل الفرح... هكذا تمت النبوءة الخاصة (برجسة الخراب القائمة في الموضع المقدس)(77).
_____
(74) يتضارب المؤرخون في مدى مسئولية تيطس في حرق الهيكل، بين مَنْ يحمله هذه المسئولية، ومَنْ يعفيه منها. انظر:
Schaff, Vol. 1, p. 397.
(75) Schaff, Vol. 1, pp. 397, 398.
(76) Josephus, Wars of Jews, 6.5.1.
(77) انظر: دانيال 9: 27؛ مت 24: 15؛ بالمقارنة مع لوقا 21: 20 - انظر أيضًا:
Josephus: Wars of the Jews, 6.6.1.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/jerusalem-destruction.html
تقصير الرابط:
tak.la/5wt9b2f