س567: من أخبر كل من متى ولوقا بأحداث التجارب الثلاث (مت 4: 1-11، لو 4: 1-13) بينما كان السيد المسيح بمفرده وقت التجربة؟ ولماذا اختار الروح القدس مكان التجربة في البرية بالذات (لو 4: 1)؟ وهل كان السيد المسيح محتاجًا للصوم (لو 4: 2)؟ وهل كانت تجارب إبليس مجرد وساوس شيطانية؟
ج: 1- من أخبر كل من متى ولوقا بأحداث التجارب الثلاث (مت 4: 1-11، لو 4: 1-13) بينما كان السيد المسيح بمفرده وقت التجربة..؟ بعد عماد السيد المسيح من يوحنا المعمدان، وشهادة الآب له: "أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ" (لو 3: 22) قاد الروح القدس السيد المسيح إلى البرية الموحشة والتي تدعى "حشمون" (وليم باركلي - تفسير العهد الجديد - إنجيل لوقا) أو "حشمون" (وليم باركلي - تفسير العهد الجديد - إنجيل لوقا) أو "حبشون" (دياكون د. ميخائيل مكس - تفسير الإنجيل بحسب ما كتبه القديس لوقا البشير) ومعناها "خربة"، تقع على ارتفاع 1200 قدم على سطح الأرض، ودائمًا الشياطين تسكن في الأماكن الخربة، والنفوس الخربة. قاد الروح القدس السيد المسيح إلى البرية ليُجرّب من إبليس لمدة أربعين يومًا، وهو في حالة صوم دائم لم يذق فيها طعامًا، وهو منفرد في البرية، فمن أين عرف القديس متى ولوقا الإنجيلي بتفاصيل الأحداث..؟ لا بد أن القديس متى سمع من السيد المسيح شخصيًا، فمًا لأذن بما جرى في هذه البرية، كيف جربه إبليس ثلاث مرات، وكيف هزم السيد المسيح الشيطان وحقق نصرة ثلاثية عليه، أعقبها نزوله إلى حقل الخدمة والكرازة ليهدم أوكاره ويحطم مملكته، فصار يطرد الأرواح الشريرة التي استباحت النفوس البشرية الضعيفة. وما سمعه القديس متى سمعه بقية الرسل وعُرِف لدى الكنيسة الأولى، فسجل الحدث أولًا مرقس الرسول في عبارة موجزة في آية واحدة (مر 1: 13). ثم سجل القديس متى الحدث بتفصيل أكثر كما سمعه من السيد المسيح، واطلع على القصة لوقا الإنجيلي بالإضافة إلى أنه سمع القصة من عدة مصادر فسجلها في إنجيله، ليس كنسخة مطابقة تمامًا لما كتبه القديس متى، بل رتب لوقا الإنجيلي التجربتين الثانية والثالثة بخلاف ترتيب القديس متى الذي التزم بالبُعد الزمني، بينما التزم القديس لوقا بالبُعد المكاني، حيث جرت تجربة الخبز، وطلب السجود للمُجرّب في البرية فذكرها تباعًا ثم ذكر تجربة جناح الهيكل التي جرت في أورشليم. كما انفرد القديس لوقا بقوله: "وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ" (لو 4: 13) ولم يذكر ما قاله القديس متى: "وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ" (مت 4: 11). والحقيقة أن التجارب الثلاث التي ذكرها كل من متى ولوقا لم تتوالى مثل فصول المسرحية، إنما كان لكل تجربة عمقها وأخذت كل تجربة وقتها. وبالطبع عجز إبليس أن يفرض فكره على السيد المسيح، إنما نصب فخاخه بمهارة فائقة، حيث أنه قدم اقتراحاته في صورة عقلية مقنعة. ومن المؤكد أنه كانت هناك أحداث أخرى جرت في الأربعين يومًا لم يذكرها السيد المسيح (راجع مدارس النقد - عهد جديد جـ 3 س234) ربما أن بعضها فوق طاقة البشر فأمسك السيد المسيح عن ذكرها حتى لا نُصاب بالإحباط، ومما يؤيد هذا قول القديس لوقا: "وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ" (لو 4: 1، 2). وقول القديس مرقس: "وَكَانَ هُنَاكَ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنَ الشَّيْطَانِ" (مر 1: 13)، والشيطان هو إبليس، وإبليس من الكلمة اليونانية "ديابوليس" أي "المُشْتَكِي زورًا" (رؤ 12: 10) أو "المجرّب" (مت 4: 3) فهو لا يكف عن أن يشتكي ضد أولاد اللَّه ليل نهار، مُجرّبًا إياهم في كل وقت.
2- لماذا اختار الروح القدس مكان التجربة في البرية بالذات (لو 4: 1)..؟
أ– لأن آدم الثاني جاء ليصلح ذلة آدم الأول الذي هزمه الشيطان وأخرجه من الفردوس للبرية، فجاء آدم الثاني وهزم إبليس وأعاد الإنسان من البرية للفردوس ورده إلى رئاسته الأولى. لقد فَقَدَ الإنسان الفردوس وهو في جنة عدن، واسترد السيد المسيح الفردوس وهو في البرية الخربة الموحشة. ولعل أحد يتساءل: عندما جاع يسوع، فما هو الخطأ لو حوَّل الحجارة خبزًا ليُشبِع جوعه؟
(1) لو فعل السيد المسيح هذا يكون قد أطاع مشورة الشيطان الكذاب الذي: "لَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ" (يو 8: 44)، وقد ادعى كذبًا أنه يملك جميع ممالك الأرض، حتى أن "القديس كيرلس الكبير" يقول: "كيف تجرؤ أيها الشيطان المارد اللعين فتُرى السيد ممالك العالم وتخاطبه بالقول: "لَكَ أُعْطِي هذَا السُّلْطَانَ كُلَّهُ وَمَجْدَهُنَّ... إِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي" (لو 4: 6)؟ كيف تعد بأن تهب ما ليس لك؟! من الذي نصَّبك وارثًا على مملكة اللَّه؟! إنك اغتصبت هذه الممالك غشًا وزورًا، فرد ما اغتصبته إلى الابن المتجسد رب العالم بأسره" (137).
(2) لقد أجرى السيد المسيح المعجزات ليس لذاته ومنفعته إنما أجراها حنوًا منه تجاه الآخرين، فالذي حوَّل الماء إلى خمر رأفة بالأسرة التي استضافت المشاركين في الفرح، رفض أن يحوّل الحجارة خبزًا ليُشبع جوعه.
(3) دخل السيد المسيح التجربة كإنسان فلم يستخدم لاهوته لا في تخفيف الجوع عن جسده، ولا ليحوّل الحجارة خبزًا هو في حاجة له، بل سلك كإنسان لكي يهب النصرة للإنسان، ولو انتصر في التجربة بلاهوته فكيف يهبنا النصرة ونحن بلا لاهوت؟!
(4) رفض السيد المسيح المشورة الشيطانية لكي يعلمنا أن لا نتحاور ولا نتفاوض مع إبليس، ولا نصدقه ولا نصادقه.
(5) أراد السيد المسيح أن يعلمنا عدم التكاسل والتواكل، فما نستطيع أن نفعله بأنفسنا لا نطلب بشأنه معجزة.
ب– ذهب السيد المسيح للأسد في أرض ملعبه في البرية حيث عرينه، ودخل المعركة معه كإنسان، بدون أدنى تدخل من لاهوته، فصام أربعين يومًا، وجاع حقًا، وجاز التجربة إلى آخر مداها، ولذلك قال الكتاب عنه أنه: "مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا بِلاَ خَطِيَّةٍ" (عب 4: 15).. " لأَنَّهُ فِي مَا هُو قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ" (عب 2: 18).. دخل السيد المسيح المعركة مع إبليس في البرية وانتصر عليه لحسابنا، فصار الإنسان المسيحي يحارب شيطانًا مهزومًا مكسورًا ليس على جبل التجربة فقط، بل بالأكثر على جبل الجلجثة.
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
3- هل كان السيد المسيح محتاجا للصوم (لو 4: 2)..؟ قال القديس لوقا: "وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا" (لو 4: 2)، والسيد المسيح الذي بلا خطية وحده لم يكن محتاجًا للصوم، ولكن لأن آدم الأول لم يصم عن الشجرة المحرَّمة فأكل منها وسقط في غواية العدو وجلب على البشرية حُكم الموت، فجاء آدم الثاني وصام عما هو محلَّل، فانتصر على إبليس... بعدم الصوم هُزِم رأس جنسنا آدم الأول، وبالصوم انتصر رئيس جنسنا آدم الثاني، رأس خلاصنا... لم يكن السيد المسح محتاجًا للصوم، ولكنه صام عنا ليترك لنا رصيدًا، فأصوامنا الهزيلة عندما تتحد بصومه القوي ينظر إليها الآب على أنها أصوام مقبولة. يقول "القديس كيرلس الكبير" عن السيد المسيح: "ما كان يعوزه شيء لماذا صام؟ لماذا كان ينبغي أن يتعب ويشقى؟ أنه لا يعرف رغبة فاسدة. أما نحن فنمارس الصيام لنميت فينا اللذة، ونحارب شريعة الخطية الطاغية على أجسادنا، ونقضي على الأهواء التي تؤدي بنا إلى الشَّبق. لكن لِمَ احتاج المسيح إلى الصيام؟ يميت... الخطيئة التي في الجسد (جسدنا) بجسده، ويكبح تحركات الجسد فينا. فإلى أي نوع من الصيام يحتاج؟ هو مقدَّس، طاهر بطبيعته، كلي النقاوة، وبلا عيب، ولا يختبر أي تغيير" (تفسير القديس لوقا 12) (138).
4- هل كانت تجارب إبليس مجرد وساوس شيطانية..؟ بالقطع لم تكن هذه التجارب وساوس داخلية، إنما كان صوت إبليس مسموعًا بوضوح، وكما سجلتها الأناجيل هكذا جرت، والحوار الذي ذكرته الأناجيل هكذا جرى على أرض الواقع. ويقول "الأنبا غريغوريوس" أسقف عام الدراسات القبطية والبحث العلمي عن عدو الخير: "بدأ هجومه على السيد المسيح منذ أول لحظة من لحظات الوحدة في البرية، ولم يكن هجومه في صورة وساوس أثيمة يُوحى به إليه، أو إغراءات شريرة يبثها في نفسه، كما يفعل مع سائر الناس، لأن الوقوع فريسة الوساوس والإغراءات لا يتعرض له إلاَّ ضعاف النفوس من بني الإنسان الذين سرعان ما ينقادون لإبليس في كل ما يوسوس لهم به أو يغريهم بارتكابه. في حين أن السيد المسيح كان طاهرًا طهارة كاملة، لا خطأ ولا خطيئة فيه أبدًا. ومن ثمَ كان إبليس ليظهر لهم علانية في صورة خارجية مرئية، متوهمًا أنه قادر أن يثنيه عن أداء رسالته التي جاء من أجلها إلى العالم، بأن يجعله زاهدًا في تلك الرسالة أو غير أهل لأدائها، بأن يغريه بالمجد الدنيوي أو يشككه في بنوته للَّه، أو في عناية اللَّه به، أو يدفع به في أي صورة من الصور إلى ارتكاب خطيئة نحو اللَّه.."(139).
أسئلة متعلقة بالتجربة: هناك عدة تساؤلات تتعلق بالتجربة على الجبل تم طرحها من قبل والإجابة عليها في مدارس النقد - عهد جديد جـ 3، وهيَ:
(1) لماذا جاءت التجربة (لو 4: 1-3) بعد المعمودية مباشرة (لو 3: 21، 22)؟ وعندما اقتاد الروح القدس يسوع للبرية (لو 4: 1) أين كانت حريته الشخصية..؟ س229.
(2) هل إبليس (لو 4: 2) حقيقة أم وهم وخيال؟ وكيف يكون يسوع المسيح هو اللَّه ويجرؤ إبليس على تجربته..؟ س230.
(3) ما معنى أن المسيح يُجرَّب من إبليس (لو 4: 2)؟ وهل كان من الممكن أن يسوع يخطئ كقول الإخوة الأدفنتست؟ وإن كان من المستحيل أن يخطئ، فكيف تكون التجربة حقيقية..؟ س231.
(4) كيف يصوم السيد المسيح (لو 4: 2) وهو اللَّه؟ وهل كات يتعبد بالصوم والصلاة لنفسه؟ وكيف يجوع وهو اللَّه؟ وهل من يجوع يمكن أن يكون إلهًا؟ وما هيَ ضرورة الصوم له..؟ س232.
(5) بأي معنى استخدم الشيطان تعبير " ابْنَ الله" (لو 4: 3)؟ هل بالطبيعة أم بالتبني؟ ولماذا طلب إبليس من يسوع أن يحوّل الحجارة إلى خبز؟ ولماذا الحجارة بالذات؟ ولماذا لم يُفحم المسيح كلمة اللَّه بفصاحته عوضًا عن الكلمة المكتوبة (لو 4: 4)؟ أم أنها محاولة للربط بين يسوع وشريعة موسى..؟ س233.
(6) هل جرَّب الشيطان السيد المسيح بعد صوم الأربعين يومًا (مت 4: 2، 3) أم طوال الأربعين يومًا (لو 4: 2، مر 1: 13)؟ ولماذا اختلف ترتيب التجربتين الثانية والثالثة بين لوقا (لو 4: 5-12) ومتى (مت 4: 5-10)؟ وكيف يجهل إبليس اللَّه الكلمة؟ وهل طلب الشيطان طلب منطقي..؟ س234.
(7) كيف يقتبس إبليس من الأسفار المقدَّسة (لو 4: 10)؟ وهل تلاوة المزامير تطرد الشيطان أم أن الشيطان ينطق بالمزمور..؟ س235.
(8) لماذا أخذ إبليس يسوع إلى جبل عالٍ (لو 4: 5)؟ وأي جبل في فلسطين تستطيع منه أن تعاين جميع ممالك العالم (لو 4: 5) مع أن الأرض كروية..؟ س236.
(9) هل يملك إبليس ممالك العالم حتى يعرضها على يسوع (لو 4: 6)؟ وكيف يصمت يسوع إزاء هذا الإفتراء الشيطاني؟ وهل أسر إبليس يسوع أربعين يومًا في البرية؟ ومن يؤكد لنا أن يسوع لم يسجد لإبليس مع عدم وجود شاهدي عيان على هذا؟ وكيف يطلب يسوع من إبليس أن يسجد للَّه (لو 4: 8)..؟ س237.
_____
(137) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص108.
(138) التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدَّس - العهد الجديد جـ 3 - الإنجيل كما دوَّنه لوقا، ص136.
(139) موسوعة الأنبا غريغوريوس - الكتاب المقدَّس "الجزء الرابع" في تفسير إنجيل القديس لوقا، ص52.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/567.html
تقصير الرابط:
tak.la/ddg52pm