س230: هل "إبليس" (مت 4: 1) حقيقة أم أنه وهم وخيال؟ وكيف يكون المسيح هو الله ويجرؤ إبليس على تجربته؟
يقول "علاء أبو بكر": " س260: هل يمكن للإنسان أن يرى اللَّه وجهًا لوجه؟ لا: " اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ" (يو 1: 18)، وكذلك قال الرب لموسى: " لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي" (خر 33: 20).. رآه الشيطان عندما أسره أربعين يومًا في البرية (مت 4: 1 - 11)" (427).
وقال أحد النُقَّاد أن الروح القدس هو ملاك الرب الذي ينزل بالوحي من اللَّه للأنبياء أَصعد عيسى إلى البرية ليمرّنه ويجرّبه على عصيان إبليس والرد عليه، ويعرفه بأساليبه في الغواية ليحذَرها، ويستحيل لو كان عيسى هو اللَّه كما تدعي النصارى أن الملاك يعلمه كيف يتقي شر الشيطان!! فهل يحتاج خالق السموات والأرض إلى تعليم؟
ج: أولًا: هل إبليس حقيقة أم وهم وخيال؟.. إبليس حقيقة مؤكدة لأن ذكره جاء في الكتاب المقدَّس، ومعنى اسم إبليس في اليونانية "ديافولس" أي "المشتكي"، فهو الملاك "زهرة بنت الصبح" إشارة إلى أنه أول مخلوقات الملائكة، وقد سقط من السماء بسبب كبريائه (إش 14: 11 - 15؛ حز 28: 12-19)، ودُعي في الكتاب بأسماء ولُقَب بأسماء عديدة:
1ــ الكروب المنبسط المظلل: " أَنْتَ خَاتِمُ الْكَمَالِ مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ... أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ" (حز 28: 12، 14).
2ــ الأسد: " إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِـرٍ يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1 بط 5: 8).
3ــ الشيطان: " وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِمًا قُدَّامَ مَلاَكِ الرَّبِّ وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَاوِمَهُ" (زك 3: 1)، (مز 109: 6؛ رؤ 12: 10).
4ــ التنين الحيَّة القديمة: " فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ" (رؤ 12: 9).
5ــ بعلزبول: " بِبَعْلَزَبولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ" (مت 12: 24).
6ــ بليعال: " وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ" (2 كو 6: 15).
7ــ الشرير: " لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ" (مت 6: 13).. " لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ" (يو 17: 15).
8ــ الروح النجس: " إِذَا خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ.." (مت 12: 43).
9ــ القتَّال: " أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُـوَ إِبْلِيسُ... ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ" (يو 8: 44).
10ــ الكذاب وأبو الكذاب: " إِبْلِيسُ... لَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ" (يو 8: 44).
11ــ رئيس هذا العالم: " لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ" (يو 14: 30).
12ــ إله هذا الدهر: " إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَـدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ" (2 كو 4: 4).
13ــ رئيس سلطان الهواء: " رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَة" (أف 2: 2).
ويقول "باسل أتكنسون" Basil F. C. Atkinson: " إِبْلِيسُ: هذا أحد أسماء الحيَّة الأصلية التي جلبت السقوط للإنسان، في جنة عدن (رؤ 12: 19) وهو " رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ" (يو 14: 30)، و" رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ" (أف 2: 2). أحيانًا يكون من الصعب في هذه الأيام، أيام العلوم، التصديق بصحة وجود عالم الروح، ولكن لا يوجد ما يناقض العقل في ما يخبرنا به الكتاب المقدَّس، عن وجود عالم عقول (أرواح) غير منظور، التي بطريقة لا نعرف عنها شيئًا، لها تسرُّب لعقولنا بقوة الإيحاء. إن تعليم الكتاب المقدَّس، فيما يتعلق بشخصية إبليس، تعليم متماسك من التكوين إلى سفر الرؤيا...
المجانين: كان الجنون الناشئ عن حلول الشياطين أمرًا عاديًا منتشرًا في أيام خدمة الرب. وطبيعته سر غامض ولكنه موجود في البلاد الوثنية اليوم... وبالرغم من الاعتراضات العقلية، لا يسع المؤمن بالكتاب إلاَّ أن يقبل هذه كما قبلها الرب كحقيقة ثابتة" (428). والأمر العجيب أن من حروب إبليس مع الإنسان أن يقنعه بأنه لا وجود له، وأن سكنى الشيطان في الإنسان مجرد خرافة.
ثانيًا: كيف يكون المسيح هو اللَّه ويجرؤ إبليس أن يجرّبه؟:
1ــ عندما تجسَّد اللَّه حجب لاهوته من خلال ناسوته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولأن فكر التجسد الإلهي هو نبع الإتضاع، والإتضاع غريب عن الشيطان المتكبر المعتد بذاته، لذلك كان من الصعب على إبليس إدراك حقيقة تجسد أقنوم الكلمة، فظل متشكّكًا في شخصية يسوع... من هو؟ وهل حقيقة يمكن أن يكون ابن اللَّه؟! وهو السؤال الذي ركز عليه إبليس في التجربة على الجبل ولم يحظى بإجابة سواء بالسلب أو بالإيجاب، وظل الشيطان يبذل قصارى جهده ليعرف شخصية المسيح، ولم يسمح له المسيح على الإطلاق بهذا، فالشيطان ليس له شيء في المسيح، وحتى عُلّق السيد المسيح على الصليب كان الشيطان ما زال يصرخ: " إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ... إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْـزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيب فَنُؤْمِنَ بِه" (مت 27: 40، 42)، ولو عرف الشيطان شخصية المسيح ما كان يجرؤ على الإطلاق الإقتراب به: " الْحِكْمَةِ الْمَكْتُومَةِ الَّتِي سَبَقَ اللهُ فَعَيَّنَهَا قَبْلَ الدُّهُورِ لِمَجْدِنَا. الَّتِي لَمْ يَعْلَمْهَا أَحَدٌ مِنْ عُظَمَاءِ هذَا الدَّهْرِ. لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ" (1 كو 2: 7، 8)، والحقيقة أن السيد المسيح عندما أخفى لاهوته عن الشيطان، فهو بهذا رد للشيطان الضربة التي ضربها لآدم الأول عندما أخفى إبليس نفسه في الحيَّة القديمة وأسقطه من مرتبته.
2ــ قول الناقد عن الروح القدس أنه ملاك الرب الذي ينزل بالوحي من اللَّه للأنبياء يكشف عن جهل الناقد بالفكر الإنجيلي في حقيقة الثالوث، وأن الروح القدس هو روح اللَّه، هو روح الآب وهو روح الابن أيضًا... وهل يستطيع الناقد أن يذكر آية واحدة تخبرنا عن أن الروح القدس هو ملاك الرب؟!. وليس هذا فحسب بل أن قول الناقد بأن الروح القدس هو ملاك يعتبر رأي واحد من آراء كثيرة جدًا عن مفهوم الروح القدس في الإسلام، وهذا يعكس إما جهله ببقية الآراء أو تعمده إخفاء هذه الآراء، فالروح القدس في الإسلام مُبهم لأنه قيل عنه الكثير والكثير مثل قولهم عنه جبرائيل، وأنه إنجيل عيسى، وأنه روح عيسى، وأنه ملك أعظم من الملائكة يسبح كل يوم اثنا عشر ألف تسبحة يخلق اللَّه من كل تسبحة ملاكًا، كما قالوا أنه من يحيي القلوب والأموات، وهو درجة من نزول الأنوار، وهو الكتب التي نزلت على الأنبياء، كما قالوا أيضًا هو من خصَّه اللَّه بمعرفته، وهو اسم اللَّه الأعظم، وهو الذي خلق عقول الخلق، وهو روح اللَّه الأزلي غير المخلوق، وهو اللَّه... إلخ. (راجع كتابنا: أسئلة حول حتمية التثليث والتوحيد ط 2 سنة 2016 س62 ص169 - 174).
3ــ حلَّ الروح القدس على السيد المسيح وقت العماد بصفته نائب عن البشرية، وحلَّ عليه بحسب الناسوت، وفيما يخص الناسوت، وليس بحسب اللاهوت، والسيد المسيح بحسب الناسوت قال عنه الإنجيل: " أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّة" (لو 4: 1)، وكما خضع السيد المسيح للَّه الآب وجاء إلى العالم ليخلص العالم، هكذا خضع أيضًا للروح القدس الذي اقتاده للبرية ليسجل نصرته المبدئية على إبليس... لقد حثه الروح القدس للصعود إلى جبل التجربة لينتصر على إبليس لحساب البشرية، ويقول "الأب متى المسكين": " إن المسيح بوضعه البشري مُجرَّب مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها (عب 4: 15)، وبوضعه الإلهي كابن اللَّه يسود على التجربة كسيادته على الموت. فكما دخل الموت ولم يُمسَك فيه فقام دائسًا الموت، هكذا دخل التجربة وساد عليها فكسر شوكة الشيطان. فكان يهم المسيح والروح أن يتجرَّب المسيح من الشيطان ليكسر قوة الخطية ويربط الشيطان" (429).
_____
(427) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 ص181.
(428) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 5 ص21 - 24.
(429) الإنجيل بحسب القديس متى ص187.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/230.html
تقصير الرابط:
tak.la/5m3fpyy