س566: ما هيَ أهمية سلاسل الأنساب، وماذا يستفيد الإنسان من قراءتها؟ وما هو سر الاختلافات بين سلسلة الأنساب التي ذكرها متى وضمت (41) اسمًا (مت 1: 1-17)، وسلسلة الأنساب التي ذكرها لوقا وضمت (75) اسمًا (لو 3: 23-38)، فمثلًا في إنجيل متى تجد يوسف ابن يعقوب، بينما في إنجيل لوقا تجد يوسف ابن هالي، وفي إنجيل متى يأتي المسيح من ذرية سليمان الملك ومن المشاهير، بينما في لوقا يأتي السيد المسيح من ذرية ناثان وآباء بسطاء عاديون، وفي متى تجد شالتئيل من يكنيا وأبيهود بن زربابل، بينما تجد في لوقا شالتئيل ابن نيري وريسا ابن زربابل، علاوة على اختلاف في عدد الأجيال بين داود والمسيح، ففي متى (26) جيلًا، بينما في لوقا (41) جيلًا... إلخ.؟
ج: 1- ما هيَ أهمية سلاسل الأنساب، وماذا يستفيد الإنسان من قراءتها..؟
أ– اهتم اليهود بسلاسل الأنساب جدًا وحافظوا عليها، كما اهتمت الأسفار المقدَّسة بهذا الأمر جيدًا، فمنذ سفر التكوين نجد في الأصحاح الخامس سلسلة أنساب تمتد من آدم إلى نوح، وفي الأصحاح العاشر نجد سلسلة أنساب لأبناء نوح الثلاثة سام وحام ويافث، وفي (تك 11: 10-32) سلسلة أنساب تمتد من سام إلى إبراهيم ولوط، ومن هنا يظهر الاهتمام المبكر بسلاسل الأنساب، وفي سفر أخبار الأيام الأول نلتقي بسلسة ضخمة جدًا من الأنساب تبدأ بآدم أب كل البشرية وتتشعب عبر تسع أصحاحات، وفي مواضع أخرى تجد سلاسل مختصرة أو متسعة، ومن أهم هذه السلاسل ما سجله القديس متى وما سجله القديس لوقا، وهذا يفسر لنا مدى اهتمام الشعب اليهودي بأنسابه، فيقول المؤرخ اليهودي "يوسيفوس" في القرن الأول الميلادي: "كان اليهود يحافظون على نسب رؤساء كهنتهم مدة ألفي سنة، وكان الكهنة في اليهودية، وفي مصر وبابل أحرص الناس على حفظ جداول نسبهم. ولما عادوا من السبي حرموا الكاهن الذي عجز عن إبراز جدول نسبه من وظيفته" (132).
ويقول "القس منيس عبد النور": "وقال "إيرونيموس" أنهم (اليهود) كانوا يعرفون أنسابهم من آدم إلى زربابل كمعرفة الإنسان اسمه، فكانت معرفة الأنساب ضرورة بديهية" (133).
ب- سلسلة الأنساب تؤكد أن اللَّه يهتم بالتاريخ، وأن الكتاب المقدَّس يتكلم عن التاريخ بشكل حقيقي بعيد عن الخرافات والأساطير، فسلسلة الأنساب تعبّر عن تاريخ فعلي، فلا تظهر الأحداث كأساطير، فالأسطورة دائمًا مجهولة المنشأ، أما أحداث الكتاب المقدَّس فقد ارتبطت بأشخاص حقيقيين، وهذا ما تؤكده سلسلة الأنساب التي تخص شخصيات تاريخية وقد دعَّم علم الآثار وجود الكثير من الشخصيات الكتابية مثل إبراهيم ويوسف ويشوع وداود وسليمان...
جـ- سلسلة الأنساب هيَ السند القانوني لانتساب شخص معين لسبط معين، فمثلًا من الذين عادوا من السبي وعجزوا عن إثبات نسبهم أنهم من نسل هرون لم يستطيعوا أن يزاولوا مهامهم ككهنة: "هؤُلاَءِ فَحَصُوا عَنْ كِتَابةِ أَنْسَابِهِمْ فَلَمْ تُوجَدْ فَرُذِلُوا مِنَ الْكَهَنُوتِ" (نح 7: 64).
د– سلسلة أنساب السيد المسيح في إنجيل متى أثبتت انطباق النبوءات على المسيا ابن إبراهيم (تك 22: 18) من سبط يهوذا (تك 49: 10) وابن داود (2 صم 7: 12، مز 132: 11، إش 11: 1، إر 23: 5). أما سلسلة أنساب المسيح في إنجيل لوقا تؤكد حقيقة التجسد إذ صار يسوع ابن الإنسان آدم الأول، وفي سلسلة أنساب السيد المسيح رد على الهراطقة الأوطاخيين الذي اعتقدوا أن جسد المسيح خيالي، فالسيد المسيح إنسان حقيقي شابهنا في كل شيء، وكثيرًا ما دعى نفسه " ابْنَ الإِنْسَانِ"، وقد سبق مناقشة هذا الموضوع فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد جـ 3 س154.
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
2- ما هو سر الاختلاف بين سلسلة الأنساب التي ذكرها متى وضمت (41) اسمًا (مت 1: 1-17)، وسلسلة الأنساب التي ذكرها لوقا وضمت (75) اسمًا (لو 3: 23-38)؟ ... سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد جـ 3 س157، س158، س164، س168، س169، س170، س171.
ونضيف هنا قول "وليم ماكدونالد": "يعتبر العلماء أن هذه القائمة (في إنجيل لوقا) هيَ سلسلة نسب الرب يسوع من خلال نسل مريم، وذلك للأسباب الآتية:
1- السبب الأوضح هو أن سلسلة عائلة يوسف قد تم تتبعها في إنجيل متى (مت 1: 10- 16).
2- إن الأصحاحات الأولى من إنجيل لوقا تبرز مريم أكثر من يوسف، فيما إنجيل متى يوجّه الضوء أكثر إلى يوسف.
3- قلَّما تُستخدم أسماء النسوة في الأنساب بين أوساط اليهود، الأمر الذي يسوغ حذف اسم مريم.
4- ورد في (مت 1: 16) جليًّا أن يعقوب وَلَدَ يوسف، أما هنا في لوقا لم يذكر الوحي أن هالي وَلَدَ يوسف، بل قال أن يوسف هو ابن هالي، والكلمة "ابن" قد تعني الصهر (زوج الابنة).
5- لقد سبقت "ال" التعريف في اللغة الأصلية جميع الأسماء إلاَّ اسمًا واحدًا، وهو اسم يوسف، مما يثبت بكل وضوح أن اسم يوسف قد ورد فقط لأنه خطيب مريم" (134).
ويقول "ماك نيكل": "هذه السلسلة (في إنجيل لوقا) تختلف عن السلسلة الواردة في (مت 1: 1-17) لأنها تقدِّم خط تسلسل مريم بدلًا من خط يوسف... والخطان يختلفان بين داود ويوسف. متى يتتبع خط داود الملكي من سليمان إلى يوسف مبينًا يسوع في كونه الوريث الشرعي لداود. ولوقا يتتبع أجداد مريم إلى ناثان وهو ابن آخر لداود، مبينًا أن يسوع من نسل داود بحسب الجسد (رو 1: 3) ولا يذكر اسم مريم، ولكن يوسف يدعى ابن هالي (23) على اعتبار أنه صهر هالي. ويختم لوقا سلسلته بتسمية آدم ابن اللَّه (38) في آدم كان للبشرية بدايتها الأولى بفعل خلاَّق أجراه اللَّه. وفي يسوع كان للبشرية بداية جديدة بفعل خلاَّق آخر"(135).
ويقول "وليم إدي": "الأرجح أن نسبَهُ (نسب المسيح) في بشارة متى من جهة يوسف الذي حسبه اليهود أبًا ليسوع. وأن نسبَهُ في بشارة لوقا من جهة أمه. وعلة ذلك أن "متى" كتب إنجيله لإفادة اليهود، فأراد أن يثبت لهم حق يسوع شرعًا في أن يُدعى ابن داود، وأن لوقا كتب للأمم فأراد أن يبرهن أن يسوع من نسل داود بواسطة أمه، وأنه إنسان تام لاتصال نسبَهُ بآدم، والذي يؤيد ذلك ثلاث مرات:
الأول: قول لوقا: "عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ"، وهذا دليل على أن يسوع ليس ابن يوسف حقيقة، فلا يُتوقَّع أن يبين لوقا بعد ذلك نسب يوسف ويتتبعه إلى اثنين وسبعين سلفًا من الناس... فإذ قيل لماذا لم يقل لوقا أن يسوع ابن مريم بنت هالي إلخ. قلنا لم تجر العادة في جداول أنساب اليهود ولا في جداول أنساب اليونان أن يُنسب الإنسان إلى أمه، ولكنها جرت بين العرب.
الثاني:.. ما يقنع اليهود... دليلًا قاطعًا أن يسوع حسب الجسد من نسل داود ومن نسل إبراهيم حقيقة كما وعد اللَّه، فبمجرد نسبته إلى يوسف لا تثبت ذلك لأن يسوع ليس ابن يوسف حقيقة فنحتاج لإثبات ذلك إلى نسب مريم. على أن لنا برهانًا آخر على أن يسوع من نسل داود وهو قول الملاك (ص 1: 32، 35).
الثالث: أن غاية لوقا من جدوله خلاف غاية متى، فإن لوقا انتهى من نسب يسوع بآدم من الناس، ليُظهِر أن المسيح هو آدم الثاني. وأن آدم الأول رمز له، وأن المسيح يشترك باعتبار ناسوته في كل نسب آدم خلافًا لغرض متى فإنه بيان كون يسوع من نسل إبراهيم. وهاتان الغايتان تقتضيان جدولين أحدهما ليوسف والآخر لمريم حقيقة. ابن هالي الابن هنا بمعنى "صهر" كما جاء في سفر صموئيل الأول (1 صم 24: 16، 26: 21، 25) ولا مانع أن يكون يوسف ابن هالي بالتبني. وعلى ذلك يكون بمنزلة ابنه في الشريعة. ولو كان معنى لوقا أن يوسف ابن هالي حقيقة لوقع التناقض بين قوله وقول متى. لأن متى قال أن يوسف ابن يعقوب" (136).
_____
(132) شبهات وهمية حول العهد الجديد، ص71.
(133) شبهات وهمية حول العهد الجديد، ص71.
(134) الإنجيل بحسب لوقا، ص261.
(135) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس، جـ 5 ص179.
(136) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل، جـ 2 ص181.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/566.html
تقصير الرابط:
tak.la/w8cb4j6