س236: لماذا أخذ إبليس يسوع إلى جبل عالٍ (مت 4: 8) وهو كان في مكان مرتفع على حجاب الهيكل؟ وأي جبل عالٍ في فلسطين تستطيع من فوقه أن تعاين جميع ممالك العالم، مع أن الأرض كروية؟
ج: لم يفلح ارتفاع جناح الهيكل في إسقاط يسوع في تجربة المجد الباطل، هكذا تصوَّر إبليس فأخذه إلى ارتفاع أعلى فوق جبل عالٍ، لعله في هذا المكان الجديد يستطيع أن ينتصر عليه، فقد غيَّر إبليس مكان التجربة مؤملًا هزيمته، وهذا ما فعله قديمًا بالاق ملك موآب مع بلعام النبي، إذ طلب منه أن يلعن الشعب، فباركه، فغيَّر المكان عدة مرات لعله ينجح في خطته دون جدوى (عد ص 22 - 24)، وما فعله بالاق قديمًا مع بلعام ولم ينجح فيه جاء إبليس اليوم يجربه مع يسوع لعله يصل إلى هدفه.
وغالبًا هذا الجبل المرتفع لم يكن في أرض فلسطين، بل هو " جبل نبو " شرق الأردن الذي صعد عليه موسى ومات هناك منفردًا، وبالطبع من المستحيل أن يرى الإنسان جميع ممالك العالم بالعين المجردة من مكان واحد، مهما بلغ ارتفاعه، لذلك في هذه الجزئية ربما كان هناك جزء واقعي وجزء رؤى، مثلما رأى حزقيال النبي في رؤياه هيكل أورشليم وهو في بابل (حز 8: 1 - 3، 11: 24).. لقد مدَّد السيد المسيح نظره في لحظة من الزمن، بطريقة غير عادية وغير مألوفة، فشهد أمجاد الممالك وغناها، قادتها وساستها، جيوشها وقصورها... إلخ.
ويقول "متى هنري": " لا شك في أنه كانت للشياطين نية خبيثة وحيلة دنيئة، لعل ذاك الذي أراه إياه لم يكن إلاَّ لمحة خاطفة على قدر ما تستطيع أن تراه العين لأول وهلة، تمثيلًا وهميًّا للعالم في السحاب، على قدر ما يستطيع ذلك المخادع العظيم أن يجمع معًا وأن يصوّر بسهولة، وعلى قدر ما يستطيع أن يبرز في صوُّر خلابة بهية أمجاد الرؤساء والملوك. ثيابهم وتيجانهم، خدمهم وحشمهم ومعداتهم وحرسهم، أمجاد عروشهم، وبلاطهم، قصورهم الفخمة، الأبنية الشاهقة في المدن، الحدائق الغنَّاء التي تحيط بأماكن إقامة العظماء بمظاهر الثروة والعز والترف، وغير ذلك مما يثير الإعجاب ويخلب الألباب. هكذا المناظر التي رآها المسيح" (466).
ويقول "دكتور وليم إدي": " أراه: ليس في رسم أو رؤيا بل جعله يمتد نظره باختياره وبطريقة غير طبيعية على كل ممالك الأرض، أو أنه أراه بعضها عيانًا وبعضها تخيلًا، إذ شخَّصها أمامه على نوع جلي لكي يراها بعين ذهنه ويرى عظمتها وغناها ومجدها. كل ممالك الأرض: أي ممالك فلسطين التي كانت أمام عينيه أولًا وبقية المملكة الرومانية وغيرها من ممالك الأرض التي تصوَّرها المسيح أمام عقله بمجرد وصف المجرّب لها" (467).
ولعل محاربات الشيطان للآباء العظماء مثل الأنبا أنطونيوس، وكيف كان يصوَّر له مناظر مختلفة، تارة طرب وغناء وصور النساء، وتارة وحوش وفهود وأسود وحيَّات... إلخ. تقرّب لنا فهم التجربة الثالثة عندما عرض الشيطان على السيد المسيح جميع ممالك العالم وأمجادها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى...
ويقول "الخوري بولس الفغالي": " وما اكتفى الشيطان بالمدينة المقدَّسة، بالمدينة المسيحانية، بل وسَّع ساحته وسع العالم. عاد إلى رؤية موسى الذي أراه الرب أرض كنعان من أعلى جبل نبو (تث 34: 1 - 4)، وعرض على يسوع "صفقة" أعطيك كل هذه إن سجدت أمامي. ولكن لم يخدع بمثل هذا المشهد... وعاد يسوع إلى الوصية الأولى من وصايا العهد: " للَّه وحده تسجد وإياه وحده تعبد ". لقد ظل يسوع أمينًا لرسالته، لم يتخل عن ملكوت السموات من أجل ملكوت الأرض. لم يترك إرادة الآب ليخضع لإرادة إبليس. هو لا يسجد إلاَّ للَّه، ومنه يقبل حياته، كما يقبل موته وقيامته. لهذا فهو يرضى أن يمر في الجوع والعطش، في الحرب والتعب، في الألم والموت. هكذا يكون إنسانًا حقيقيًا فيرفع الإنسان، كل إنسان.." (468).
ويقول "بنيامين بنكرتن": " في التجربتين السابقتين لم يظهر إبليس كخصم مضاد للَّه مضادة علنية أو مكشوفة. بل ظهر أولًا كأنه يطلب فقط من المسيح برهانًا على كونه ابن اللَّه، وثانيًا كأنه يحمله إلى إثبات صدق اللَّه. أما في هذه التجربة الثالثة، فقد انكشف أنه العدو، طالبًا، إن أمكنه، أن يفسد الإنسان الثاني ، إذ أنه بكيفية عجيبة لا ندركها أراه في لحظة ممالك العالم ومجدها (لو 4: 5) وعرض عليه أن يملّكه عليها إذا سجد له، فعند ذلك طرده المسيح قائلًا: " اذْهَبْ يَاشَيْطَانُ ". ثم اقتبس شهادة على وجوب تقديم السجود للَّه وحده" (469).
_____
(466) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير إنجيل متى جـ 1 ص96.
(467) الكنز الجليل في تفسير الإنجيل جـ 1 شرح بشارة متى ص42.
(468) دراسات بيبلية - 14 - إنجيل متى جـ 1 ص215.
(469) تفسير إنجيل متى ط (3) 1981م ص55.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/236.html
تقصير الرابط:
tak.la/q9f442t