س164: كيف يورد "متى" أسلاف المسيح من سليمان الملك مرورًا بملوك بني إسرائيل (مت 1: 7 - 12)، بينما يورد "لوقا" أسلاف المسيح من عامة الشعب منتهيًا بناثان ابن الملك داود (لو 3: 23 ــ 31)..؟ كيف يأتي المسيح من نسل سليمان ومن نسل أخيه ناثان في وقت واحد؟
يقول "علي زلماط": " يُعلَم من إنجيل متى أن جميع آباء المسيح من داود إلى جلاء بابل سلاطين مشهورين، ومن إنجيل لوقا ليسوا بسلاطين ولا مشهورين، غير داود وناثان. كما يُعلَم من متى أن يوسف بن يعقوب، ومن لوقا أنه ابن هالي" (150).
ويقول "أحمد ديدات": " يقول متى (1: 6) بأن عيسى هو ابن داود مارًا بسليمان، ولكن لوقا (3: 31) يقول بأن (عيسى) ابن داود مارًا بناثان، ولا يحتاج الأمر إلى عالِم متخصَّص في عِلم الأنساب ليخبرنا بأنه لا يمكن لبذرة داود أن تكون قد وصلت إلى والدة عيسى من خلال سليمان وناثان في نفس الوقت. ونحن نعلم أن المؤلفين كذابان، لأن عيسى قد جاء إلى الحياة بدون أي تدخل... ورغم بساطة المنطق السابق إلاَّ أنه لا يدخل ذهن النصراني المتحيز فلنعطه مثالًا مشابهًا يستطيع عقله المتحيز أن يتقبله.
نحن نعلم من تاريخنا بأن نبي الإسلام محمد (صلعم) وهو ابن إبراهيم مارًا بإسماعيل، ولذلك إذا حاول أي كاتب " يدَّعي الإلهام "أن يخبرنا بأن محمدًا هو ابن إبراهيم مارًا بإسحاق، فردنا المباشر هو أن الرجل كذَّاب مفترٍ لأن نسل إبراهيم لا يمكن أن يصل آمنة (والدة محمد) عن طريق إسماعيل وإسحاق في نفس الوقت ! فرق نسل ابني إبراهيم هنا هو الفرق بين اليهود والعرب" (151).
ويتناول "الإمام أبو محمد ابن حزم الظاهري" هذه المسألة متطاولًا على القديس متى والقديس لوقا، ومن يؤمن بإيمانهما، واستخدم عبارات توافق مستواه الأدبي فيقول مثلًا: " فأعجبوا لهذه المصيبة الحالة بينهم، ما أفحشها وأوحشها وأقذرها وأوضرها وأرذلها وأنذلها!! متى الكذَّاب ينسب المسيح إلى يوسف النجار، ثم ينسب يوسف إلى الملوك من ولد سليمان... ولوقا ينسب يوسف النجار إلى آباء غير الذي ذكر متى، حتى يُخرِجه إلى ناثان... ولابد ضرورة من أن يكون أحد النسبين كذبًا، فيكذب متى أو لوقا، أو لابد أن يكون كلا النبيين كاذبًا، فيكذب الملعونان جميعًا... ولوقا عندهم - لوَّق اللَّه صورهم، وألان وجوههم، ولقاهم البلاء، وألقى عليهم الدمار واللعنة" (الفصل في الملل والأهواء والنحل جـ 2 ص10) (152).
(راجع أيضًا يوسف هريمة - ولادة المسيح وإشكالية التثاقف اليهودي المسيحي ص 141، وعلاء أبو بكر - البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 س42 ص 60، وجـ 4 س347 ص 389).
ج: 1ــ ذكرنا من قبل أنه طبقًا للأعراف والتقاليد والشريعة اليهودية (تث 25: 5، 6) يمكن أن يُنسب الشخص نفسه إلى أبوين، أحدهما الأب الشرعي والآخر الأب الطبيعي، الأب الشرعي هو الذي تزوج أمه ووافته المنية فمات قبل أن تحبل به أمه، والأب الطبيعي هو الولي أقرب المقربين لهذا الزوج الذي أنجبه فعلًا، والقديس متى عندما أورد سلسلة أنساب السيد المسيح اتبع النسب الطبيعي، وأيضًا النسب التنازلي لأنه بالتناسل الجسدي ورثنا الخطية، والقديس لوقا عندما ذكر سلسلة أنساب المسيح اتبع النسب الشرعي، وأيضًا النسب التصاعدي، لأن الآب تبنانا من خلال المعمودية. ويمكن أيضًا أن يُنسَب الشخص إلى حميه والد زوجته إذا كان ليس لديه أبناء ذكور، وكذلك يمكن أن يُنسَب الشخص إلى سبطين إذا كان أبوه من سبط وأمه من سبط آخر، وقد سبق مناقشة هذا الأمر بشيء من التفصيل فيُرجى الرجوع إلى س156.
2ــ ناقشنا من قبل الاختلافات بين سلسلتي أنساب السيد المسيح في إنجيلي متى ولوقا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقلنا أن القديس لوقا إنفرد بالمرحلة بين آدم وإبراهيم، التي لم يذكرها القديس متى. ثم اتفق الاثنان تمامًا في المرحلة من إبراهيم إلى داود، واختلفا في المرحلتين من داود إلى سبي بابل، ومن سبي بابل إلى المسيح، وقلنا أن الرأي الأرجح أن القديس متى تتبع نسب يوسف النجار من سليمان الملك، أما القديس لوقا قد تتبع نسب العذراء مريم من ناثان إبن داود حتى أبيها "هالي" Heli وهو اختصار الاسم اليوناني Heliachim وترجمته للعبرية يواقيم Joachim، وقد نُسِب إليه يوسف النجار، ويعتبر يوسف النجار والد يسوع بالتبني، والجميع كانوا يعرفون أنه والد يسوع، فقالوا عن يوسف: " أليس هذا ابن يوسف"، كما قالت العذراء ليسوع " هوذا أبوك وأنا.." (يُرجى الرجوع إلى س157).
3ــ لو نظر الإمام أبو محمد إلى القديسين متى ولوقا نظرة حق ثاقبة فاحصة لأدرك قداستهما، وما كان ينعتهما بالكذب... ألا يدري أن القديس متى قد تخلى عن كل أمواله وممتلكاته وعمله المميَّز وتبع المسيح، وبعد القيامة وحلول الروح القدس ترك وطنه ودولته وجال يكرز في البلاد بملكوت السموات فذهب إلى سوريا وبلاد فارس وبلاد الحبشة؟!.. ألا يدري أن القديس لوقا الطبيب قد ضحى بمهنته العظيمة وحياته الهنيئة وخاطر بحياته وهو يصطحب بولس الرسول يجوز معه الإضطهادات والآلام والمخاطر يومًا فيومًا من أجل الكرازة بالملكوت؟!!.. ألا يدري هذا الإمام أن من شهد شهادة الدم، مضحيًَّا بحياته من أجل التمسك بمبادئه السامية هو بعيد تمامًا عن حياة الكذب والخداع والنفاق؟!.. حقًا لو نظر هذا الإمام للمسيحيين ومحبتهم وخدمتهم للآخرين وتضحياتهم وبذلهم وصفحهم عن المعتدين وصلواتهم من أجل المسيئين، ما كان يتطاول عليهم ويشتمهم... وهل من مصوغات الإمامة أن يكون الإمام شتامًا لعَّانًا؟!!، وإن كانت خطية هذا الإمام شنيعة فخطية الدكتور محمد عبد اللَّه شرقاوي هيَ أشنع، لأنه سمح لنفسه أن ينقل هذا المستوى الهابط، بل ويبرَّره ويُعظّم من قدره قائلًا: " لقد تناول الإمام... هذه المسألة بالتفنيد والرأي".. عجبًا لمن يعتبر الشتيمة والتطاول والإزدراء والإساءة للغير هو تفنيد ورد !!!.. سامحك اللَّه وسامحه.
_____
(150) دراسة في إنجيل لوقا ص71.
(151) هل الكتاب المقدَّس كلمة اللَّه؟ ص 68 ، 69.
(152) أورده د. محمد عبد اللَّه الشرقاوي - نقد التوراة والأناجيل الأربعة ص 176، 177.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/164.html
تقصير الرابط:
tak.la/c44ky3z