St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   bible-history-edersheim-2
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الثاني: الخروج والتيه في البرية - القمص أنجيلوس المقاري

2- الفصل الثاني: بني إسرائيل في مصر - مساكنهم وأعمالهم وترتيباتهم الاجتماعية، قوامهم ودينهم - قيام ملك جديد لم يعرف يوسف (سفر الخروج بأكمله)

 

الفصل الثاني

بني إسرائيل في مصر - مساكنهم وأعمالهم وترتيباتهم الاجتماعية، قوامهم ودينهم - قيام ملك جديد لم يعرف يوسف (سفر الخروج بأكمله)

 

كانت الفترة الزمنية التي تخللت نهاية سفر التكوين والأحداث التي تم بها افتتاح سفر الخروج ثلاثة قرون ونصف. لكن أثناء تلك الفترة الطويلة كان تاريخ بني إسرائيل يكاد يكون عليه تعتيم كلي. وردت إلينا أسماء أسرهم لكن بدون أي أخبار تختص بتاريخهم، وتم تحديد أحوالهم النهائية في زمن الخروج لكن بدون أية إشارة إلى تطورهم الاجتماعي أو القومي. ولولا إشارات قليلة مختصرة متناثرة عبر العهد القديم ما كنا عرفنا شيئًا على الإطلاق عن حالهم وحياتهم أو تدينهم أثناء كل تلك الفترة.

هذه الصمت الكتابي لمدة ثلاثة قرون ونصف مهيب جدًا في عظمته كمثل خلوة وعزلة سيناء جبل الله. لقد تم الإنباء بشيئين يميزان هذه الفترة، وهذان وحدهما يظهران كحقائق بارزة في الرواية الكتابية.

فعلى حدود الأرض المقدسة شجع الرب إسرائيل قائلًا له: "لاَ تَخَفْ مِنَ النُّزُولِ إِلَى مِصْرَ لأَنِّي أَجْعَلُكَ أُمَّةً عَظِيمَةً هُنَاكَ" (تك 46: 3). وسفر الخروج يُفتتح بتسجيل لتحقق هذا الوعد لأنه قيل: "وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَأَثْمَرُوا وَتَوَالَدُوا وَنَمُوا وَكَثُرُوا كَثِيرًا جِدًّا وامْتَلأَتِ الأَرْضُ مِنْهُمْ" (خر 1: 6).

لكن نبوة أخرى قيلت من قبل لأبرام بقرون كان لها أن تتحقق. كان لنسله أن يكونوا في أرض ليست لهم ويتم استعبادهم وإذلالهم (تك 15: 13-16). ولما أوشكت تلك القرون المحددة على الانتهاء، آنذاك "قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُف" (خر 1: 8)، "وأساء إلى آبائنا" (أع 7: 19).

هكذا في أحلك فترة في عبوديتهم، كان يمكن لبني إسرائيل أن يدركوا أنه بنفس اليقينية التي تم بها التحقق الحرفي لهاتين النبوتين، كذلك سوف يتبرهن أيضًا صدق الوعد المضاعف: "وَأَنَا أُصْعِدُكَ أَيْضًا" (تك 46: 4)، وذلك "بِأَمْلاَكٍ جَزِيلَةٍ" (تك 15: 14).

وهنا نرى تشابه قريب مع الحالة الراهنة لليهود. في كلا الحالتين المستقبل الموعود به يقف في تناقض بارز للحال الفعلي للأمور. لكن كمثل إسرائيل في القديم، لدينا أيضًا "الكلمة النبوية وهي أثبت" كمثل "سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار" (2بط 1: 19).

السنوات الختامية للثلاثة قرون ونصف منذ دخولهم مصر، وجدنا إسرائيل في سلام ونجاح وازدهار، ومن أوجه كثيرة كانوا مشابهين للمصريين من حولهم. الآباء الأولين رقدوا، لكن بنيهم ظلوا يمتلكون تلك المنطقة التي مُنحت لهم في البدء بلا أي إزعاج.

أرض جاسان التي أقاموا فيها تُعتبر إلى هذا اليوم أغنى مقاطعات مصر، بل والآن يمكنها بسهولة أن تعول مليون شخص أكثر من عددها الفعلي(76). تمتد أرض جاسان بين أقصى شرق أفواه النيل السبعة القديمة وأرض فلسطين. وربما كان يشغل أرض الحدود الفروع الأكثر بدوية من بني إسرائيل حيث المناطق الشاسعة ستوفر مراعي رائعة لقطعانهم، بينما الضفاف الخصبة على نهر النيل وقنواته ستكون محل إقامة ممتاز لمن يهوون الزراعة.

ومن المرجح جدًا أن مثل أولئك المزارعين سيندفعون أيضًا بأعداد كبيرة إلى الشواطئ الغربية للنيل حيث نجد مجموعات منهم في مختلف مدن أرض مصر (خر12)(77). هناك سوف يقتنون معرفة فنون وصناعات المصريين.

يبدو أنه من الطبيعي تمامًا أن بلد لها مثل هذه المحفزات للزراعة، أن يهجر أغلب بني إسرائيل مهنتهم الأصلية في رعاية الغنم ويصيروا فلاحين ومزارعين. وإلى هذا اليوم يُلاحظ تغير مشابه في البدو الذين يستقرون في مصر.

بل وحياتهم الجديدة هذه لم تكن غريبة عنهم تمامًا، فجدهم إسحق أثناء فترة مكوثه بين الفلسطينيين زرع وحصد (تك 26: 12). وبخلاف ذلك فإنه عند بدء استقرارهم في مصر قام فرعون مصر ليس فقط بإسكانهم، بل أيضًا منحهم في أفضل الأراضي في أرض رعمسيس ملكًا في أرض مصر وهذا تعبير يعني ضمنًا ملكية ثابتة يتم توريثها لبنيهم من بعدهم (تك 47: 11، 27).

وذكرياتهم الماضية عن مصر مؤخرًا في أرض سيناء تتفق مع وجهة النظر هذه. ففي البرية تطلعوا إلى الخلف بشهوة خاطئة إلى الوقت الذي كانوا فيه يلقون بشباكهم في النيل ويجذبونها محملة بالأسماك، وعندما حقولهم وبساتينهم التي كانوا يروونها من مياه النيل التي بجانبهم كانت تنتج محاصيل وافرة من "القِثَّاءَ وَالبَطِّيخَ وَالكُرَّاثَ وَالبَصَل وَالثُّومَ" (عد 11: 5). وفيما بعد عندما وصف لهم موسى الأرض التي سوف يرثونها قارن زراعتها بخبرتهم السابقة في مصر فقال لهم: "لأَنَّ الأَرْضَ التِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِليْهَا لِتَمْتَلِكَهَا ليْسَتْ مِثْل أَرْضِ مِصْرَ التِي خَرَجْتَ مِنْهَا حَيْثُ كُنْتَ تَزْرَعُ زَرْعَكَ وَتَسْقِيهِ بِرِجْلِكَ كَبُسْتَانِ بُقُولٍ" (تث 11: 10).

وكدليل إضافي على هذا التغير من مهنة الرعي إلى الزراعة، لوحظ أنه بينما اقتنى رؤساء الآباء جمال، لا توجد إشارة إليها في رواية أحفادهم. وبدون شك خدم هذا التغير مقصد أسمى. لأن الاستقرار وامتهان الزراعة يعني ضمنًا التحضر والمدنية ومثل هذا كان مطلوبًا لإعداد إسرائيل لأن يصيروا أمة.

ونحن في الواقع لدينا دليل على أنهم اكتسبوا معظم فنون وصناعات مصر القديمة. فإعداد مختلف مواد صناعة خيمة الاجتماع كما أيضًا إنشائها وتركيبها يتضمن هذا. وكذلك لدينا أقوال مباشرة تؤكد مثل هذا كما على سبيل المثال بعض عشائر يهوذا كانوا "صناعًا"(78) (1أخ 4: 14)، "عشائر عاملي البز" (1أخ 4: 21)، "الخزافون" (1أخ 4: 23). وبالطبع يلزم اعتبار هذه مجرد أمثلة لمختلف الحرف والصناعات التي تعلموها في مصر.

ومن ناحية أخرى لم يكن الفصل بين بني إسرائيل والمصريين يرقى إلى مستوى الانعزال التام بينهم. فجاسان سيكون سكانها بالطبع أغلبيتهم من بني إسرائيل. أولئك الإسرائيليون سيختلطون مع جيرانهم من المصريين في المناطق الزراعية، ومن الطبيعي أن تزداد خلطتهم بجيرانهم المصريين بدرجة أكثر في المدن. وبناء على ذلك تطلب الأمر رش دم خروف الفصح للتمييز بين بيوت الإسرائيليين عن تلك التي للمصريين (خر 12: 13)، بينما (خر 3: 22) يبدو أنه يعني ضمنًا أنهم ليسوا فقط جيران بل أحيانًا كانوا يقيمون في نفس البيت. هذا أيضًا يفسر "اللفيف" الذي صاحب بني إسرائيل في الخروج ومؤخرًا في البرية، لأنه وجد في الجماعة أبناء من زواج تم بين نساء يهوديات وأزواج مصريين (لا 24: 10).

St-Takla.org Image: Children of Israel: And the Egyptians made the children of Israel to serve with rigor. (Exodus 1: 13) - from "The Coloured Picture Bible for Children" book, 1900. صورة في موقع الأنبا تكلا: بنى أسرائيل: فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف (خروج 1: 13) - من كتاب "الكتاب المقدس الملون المصور للأطفال"، إصدار سوك لنشر المسيحية، 1900 م.

St-Takla.org Image: Children of Israel: And the Egyptians made the children of Israel to serve with rigor. (Exodus 1: 13) - from "The Coloured Picture Bible for Children" book, 1900.

صورة في موقع الأنبا تكلا: بنى أسرائيل: فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف (خروج 1: 13) - من كتاب "الكتاب المقدس الملون المصور للأطفال"، إصدار سوك لنشر المسيحية، 1900 م.

وبينما الجزء الأكبر من بني إسرائيل قد اكتسبوا هكذا العادات المستقرة لأمة، فإن سكان منطقة الحدود بين جاسان وأرض كنعان استمروا في حياتهم البدوية. وهذا يفسر كيف أن سبط رأوبين وجاد ومنسى اقتنوا مواشي كثيرة وافرة جدًا أكثر من بقية إخوتهم بحيث أنهم فيما بعد طالبوا بأراضي الرعي الواسعة شرق الأردن (عد 32: 1-4). ولدينا أيضًا بين سجلات "الأمور القديمة" (1أخ 4: 22) إشارة إلى بعض نسل يهوذا يمارسون سيادتهم في موآب، ونقرأ في (1أخ 7: 21) عن غزوة للسلب قام بها بعض أبناء سبط أفرايم وقتلهم رجال جت المولودين في الأرض. لكن من العدل الافتراض أن هذه مجرد أمثلة مذكورة، واحدة منها لأجل نجاحها المميز والأخرى لأجل فشلها، وأن كليهما يعني ضمنًا عادات بدوية وغزوات في أرض كنعان من جانب من سكنوا على حدود الأرض.

لكن سواء كانوا بدو رحّل أو مستقرين في أماكنهم، فإن إسرائيل حافظ على بنيته ودينه القديمين وإن كنا هنا أيضًا نلاحظ تكيف وتأقلم نشأ من إقامتهم الطويلة في مصر. فالانقسام الأصلي لبني إسرائيل إلى اثنى عشر سبطًا بحسب أعداد بني يعقوب الاثني عشر، ترتيب استمر وصار ساريًا مع أن ابني يوسف صارا سبطين (أفرايم ومنسى)، حيث أن السبط الكهنوتي للاوي ليس له موقف سياسي مستقل. هذه الأسباط الاثني عشر انقسمت مرة أخرى إلى عشائر (أو بالأحرى قبائل)، مؤسسة في الغالب على أحفاد يعقوب والتي نجد سجل لها في (عد26) والتي تصل في مجموعها إلى ستين.

ومن (يش 7: 14) نعلم أن تلك العشائر في ذلك الوقت -إن لم يكن في وقت مبكر عن هذا- منقسمة إلى بيوت وتلك أيضًا منقسمة إلى ما يمكن أن رجال يترأسون أسرهم (وردت هنا بتعبير "يتقدم برجاله"). وهذا التعبير الأخير يعادل فعليًا كلمة "أسرتنا" كما يتضح من مقارنة (يش 7: 14)، مع (يش 7: 17-18). هكذا لدينا في أقدم الأزمنة أسباط وعشائر (قبائل)، وفي زمن يشوع -إن لم يكن في وقت مبكر- تنقسم العشيرة إلى بيوت وأسر. ورؤوس تلك العشائر والأسر كانوا رؤسائهم، والذين من الأسباط "الرؤساء" (عد 1: 4، 16، 44؛ 2: 3؛ 7: 10).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

أولئك الرؤساء الاثني عشر كانوا "رؤساء الجماعة" (خر 34: 31؛ عد 7: 2؛ 30: 1؛ 31: 13؛ 32: 2؛ 34: 18). بجانب أولئك الرؤساء الذين شكلوا طبقة حكام بالوراثة، نجد فئتين: "موظفين منتخبين" (تث 1: 9-14) كممثلين للجماعة (عد 27: 2). وأولئك تم الإشارة إليهم في (تث 29: 10) بكونهم "الشيوخ" و"العرفاء"، أو بالأحرى الكتبة. هكذا حكم الشعب أُسند إلى الرؤساء والشيوخ والعرفاء معًا(79).

إن تأسيس حكم الشيوخ والعرفاء كان موجود بالفعل بين بني إسرائيل في مصر قبل زمن موسى. لأن موسى جمع شيوخ إسرائيل ليعلن لهم إرساليته الإلهية (خر 3: 16؛ 4: 29)، ومن خلالهم نقل فيما بعد إلى الشعب فريضة الفصح (خر 12: 21). بل إن ذكر العرفاء ككتبة وموظفين حدث في وقت مبكر عن وقت تعيين الشيوخ، لأن إليهم كطبقة متعلمة، يبدو أن مسخري الشعب ومدبريه من المصريين أوكلوا لهم الإشراف على الأعمال المفروضة على الشعب (خر 5: 6، 14-15، 19).

ومن آثار مصر نعرف أي دور مهم كان يلعبه الكتبة في مصر وكيف أنه يتم ذكرهم دومًا. ربما رتبة الكتبة (العرفاء) تم استحداثهم هكذا بين بني إسرائيل. كطبقة متعلمة، سيكون من الطبيعي للكتبة أن يكونوا وسطاء بين إخوتهم والمصريين. لذلك يمكننا أن نعتبرهم أيضًا بكونهم يمثلون المعرفة المصرية والإسرائيلية على السواء. وكون فن الكتابة كان معروفًا للإسرائيليين في زمن موسى بات معترفًا به الآن بصفة عامة.

في الواقع إن المعرفة المصرية نفذت إلى كنعان ذاتها، ويشوع وجد سكانها في الأغلب في مرحلة متقدمة جدًا من المدنية والتحضر، بل إن أحد مدنها تحمل اسم "قرية سفر" أي "مدينة الكتب" (يش 15: 15)، أو "قرية سنَّة" (يش 15: 49)، والتي في الغالب قد تعني "مدينة الجامعة".

ومن جهة ديانة إسرائيل، من المهم أن نضع في بالنا أنه أثناء الثلاثة قرون ونصف منذ موت يعقوب، قد توقف تمامًا على قدر ما نعرف كل اتصال مباشر من السماء سواء بنبوة أو برؤيا. بل إن ميلاد موسى لم تأت به إشارة إلهية(80). وفي هذه الظروف كان بني إسرائيل يعتمدون على المعرفة التي اكتسبوها من الآباء، والتي بدون شك كانت محفوظة بينهم.

يكاد يكون أمرًا لا يحتاج لشرح مع أنها تبين حكمة تدابير الله، كون أشكال العبادة البسيطة في زمن رؤساء الآباء ستناسب الظروف في مصر بطريقة أفضل من تلك التي تلقاها فيما بعد دين إسرائيل.

ثلاثة فرائض عظيمة تقف هنا بصفة بارزة وأساسية. يمكن القول أنه تجمع حولها على السواء إيمان وعبادة رؤساء الآباء القدامى وبني إسرائيل فيما بعد. وهذه الفرائض هي الختان والذبائح والسبوت. لدينا شهادة مباشرة على أنه كان يتم مراعاة طقس الختان من قبل بني إسرائيل في مصر (خر 4: 24-26؛ يش 5: 5). وبالنسبة للذبائح، فإن طلب الاحتفال بتقديم ذبيحة عظيمة في البرية (خر 8: 25-28) يعني ضمنًا أن العبادة الذبائحية استمرت قائمة بين الشعب. أخيرًا، التوجيه بجمع مئونة يومين من المن يوم الجمعة (خر 16: 22)، وتقديم وصية السبت بالكلمة "اذكر" (خر 20: 8) تنقل لنا الانطباع بمراعاة سابقة وحفظ يوم السبت من جانب بني إسرائيل.

في الواقع إن الطريقة التي بها جاء كلام في الناموس عن أمور كثيرة ومنها على سبيل المثال ممارسة النذور، يبدو أنها تشير إلى طقوس دينية سابقة كان يتم ممارستها بين بني إسرائيل. إلى هذا الحد هذه الفرائض الظاهرية والتي تشير كيف أنه حتى في قرون الصمت والعزلة في مصر تلك، كان بني إسرائيل لا يزالوا يولون اهتمامًا بالغًا للحقائق الأساسية التي لدين أجدادهم.

بل لا يزال يوجد موضوع آخر يحمل إشارة ليس إلى بنود إيمانهم أو فرائضهم، بل إلى الحياة الدينية للأسرة والإفراد في إسرائيل. هذا يتضح ويظهر في الأسماء التي أعطاها الولدين لبنيهم أثناء فترة العبودية الطويلة والشاقة في مصر. من المعروف جيدًا أية أهمية ترتبط في العهد القديم بالأسماء. كل حدث روحي مهم أعطاه الكتاب اسمًا جديدًا ومميز للشخص أو المنطقة. أحيانًا -كما في حالة أبرام وساراي ويعقوب- كان الله شخصيًا هو الذي أعطى الأسماء الجديدة، وفي حالات أخرى كان الاسم نتاج تعبير القلوب التي اعترفت بتدخل خاص وحاسم لله، وإلا كان الاسم يهمس برجائهم وخبرتهم كما في حالة ابني موسىيوسف).

لكن أي شخص يتأمل مثل هذه الأسماء المكررة كثيرًا بين رؤساء إسرائيل مثل "ألياساف"، "أليصور" وغيرها من الأسماء التي تحمل معنى قريب [مثل أليآب، أليشمع - انظر (عد 1: 5، 9-10)] سوف يستنتج كم يضرب رجاء إسرائيل بجذور عميقة في قلوب وقناعات الشعب.

هذه النقطة سوف يتم الإشارة إليها أيضًا في سياق الكلام. أثناء ذلك سنجذب الانتباه فقط لأسماء رؤساء ثلاث عشائر للاويين (عد 3: 24، 30، 35): ألياساف (إلهي الذي يجمع)، أليصافان (إلهي الذي يراقب الكل، أو يسهر على الكل)، وصوريئيل (صخرتي هو الله)، الاسم الإلهي "إيل" هو الاسم الذي به استعلن الله نفسه للآباء.

بجانب طقوسهم الموروثة، قد يكون بني إسرائيل تعلموا أشياء كثيرة من المصريين أو تشددوا وتقووا في التمسك بها. وهنا بجانب التشابه، نلاحظ أيضًا تضاد ملحوظ بينهم. لقد سبق أن رأينا أن ديانة المصريين في الأصل قد احتوت الكثير من الحق والذي مع الأسف فسد تدريجيًا ومال إلى الخرافات. قد يكون المصريون وبني إسرائيل تمسكوا بنفس الحقائق، لكن مع الاختلاف في الفهم والتطبيق ما بين التقليد (الشفاهي) المعتم والاستعلان الإلهي الواضح.

كذلك كل من بني إسرائيل والمصريين يؤمنون بالتعاليم العظيمة لخلود النفس وبالثواب والعقاب في المستقبل. لكن بالإشارة إلى هذا، فإن بني إسرائيل تعلموا درس آخر -أكثر صعوبة لإيماننا- والذي قدماء المصريين لم يتعلموه قط وهو أن الله هو إله الحاضر كما أيضًا إله المستقبل، وأنه حتى هنا على الأرض هو يحكم ويوزع الخير والشر.

وربما كان لأجل هذا أن العواقب الزمنية للخطية كان يتم التشديد عليها كثيرًا في ناموس موسى. لم تكن هناك حاجة خاصة للإشارة إلى العواقب في الحياة الأخرى. فالمصريون كما أيضًا بني إسرائيل اعترفوا بعقاب الخطية في العالم الآخر، لكن المصريين لم يعرفوا شيء عن العقاب الزمني للخطية.

لكن هذه الحقيقة الجديدة سوف تعلّم بني إسرائيل أن يدركوا على الدوام الرب بكونه الإله الحي والحقيقي. ومن الناحية الأخرى، فإن التشابه بين بعض فروض بني إسرائيل والمصريين يبرهن بوضوح أن الناموس لم يُعط في فترة متأخرة، بل أُعطي لمن خرجوا من مصر ومباشرة بعد مغادرتها.

في نفس الوقت فإن بني إسرائيل اكتسبوا أيضًا كثير من الشرور بمخالطتهم للمصريين. في بعض فقرات أسفار موسى الخمسة نكتشف إشارات ليس فقط للفساد الأخلاقي الذي تم معاينته وربما تعلمه في مصر، بل أيضًا إشارات إلى الممارسات الوثنية الشائعة هناك.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ربما لم تكن الطقوس الجميلة للمصريين هي التي أثرت بمثل هذا الانطباع العميق، بل العبادات التي عاينوها هناك على الدوام قد جعلت الذهن متعود تدريجيًا على عبادة الطبيعة. وكأمثلة على هذا الميل بين بني إسرائيل، نتذكر عبادة العجل الذهبي (خر32)، والتحذير في (لا 17: 7) من تقديم ذبيحة للتيوس (آلهة عبدها المصريون على شكل التيس)، والنصيحة الصريحة حتى من قبل يشوع (يش 24: 14): "انْزِعُوا الآلِهَةَ الَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ فِي عِبْرِ النَّهْرِ وَفِي مِصْر"، ولنفس الهدف كان التأمل في الماضي واستعادته في (حز 20: 5-8)، وفي (عا 5: 26)، وفي خطاب إستفانوس أمام المجمع اليهودي (أع 7: 43).

لكن من الملاحظ أنه وإن كانت أنماط عبادة الأصنام المشُار إليها تُمارس كلها في مصر، يوجد سبب معقول للاعتقاد أنها لم تكن -إن جاز القول- مصرية صرف في منشأها، بل هي بالأحرى طقوس أجنبية تم استيرادها ربما من الفينيقيين(81).

هذه كانت في ذلك الوقت الأحوال السياسية والاجتماعية والدينية لبني إسرائيل عندما السلام الطويل لهم قطعته فجأة الأخبار بأن أحمس الأول كان يشن حروبًا ناجحة ضد الأسرة الملكية الأجنبية التي للهكسوس. وإذ تقدم في انتصاراته استولى في النهاية على أڤاريس Avaris، الحصن العظيم وعاصمة الملوك الرعاة وطردهم هم وحاشيتهم من البلاد. ثم واصل تقدمه تجاه حدود أرض كنعان واستولى على مدن كثيرة بهجوم خاطف.

وكل ما يمت بصلة من ذكريات للحكم المشئوم للرعاة تم محوه بسرعة، والعبادة التي أدخلوها مصر تم إبطالها وتم استرداد أشكال العبادات المصرية القديمة. وبزغ الآن حكم جلب معه رخاء عظيم ونجاح هائل.

ومع أنه يوجد فرق في الآراء على الموضوع، لكن الاحتمال القوي (كما أظهرنا في الفصل السابق) يرجح التمسك بالاعتقاد أن وصول هذه الأسرة الملكية إلى الحكم كان الفترة التي عنها قيل: "قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُف"(82). للأسباب التي قد شرحناها، تكون أول وأهم التدابير لإدارته الداخلية للبلاد هي أن يُضعف قوة المستوطنين الغرباء الذين كانوا يشكلون أغلبية هائلة في مقاطعة جاسان الحدودية. فهو كان يخشى لئلا في حالة قيام حرب ضد أجانب أَنَّهُمْ يَنْضَمُّونَ إِلَى أَعْدَائِنَا وَيُحَارِبُونَنَا وَيَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ (خر 1: 10).

إن الخوف الأخير يبين أيضًا أن الملك كان حتمًا يعرف الظروف التي بمقتضاها استقروا في الأرض في البدء. وأيضًا من آثار مصر يتضح أنها كانت سياسة الفراعنة في كل الأوقات أن يجلبوا أسرى إلى مصر ويحتفظوا بهم فيها كعبيد لأعمال السخرة الشاقة. وإلى حد ما كانت تُتبع آنذاك سياسة مشابهة تجاه بني إسرائيل.

فمع أنه سُمح لهم بالاحتفاظ بقطعانهم وحقولهم، لكن أُجبروا على الأعمال الشاقة لحساب الملك. تم تعيين مسخرين مصريين عليهم، استبعدوا بني إسرائيل بعنف، وأذلوهم بأثقالهم. وشرح وافي لهذا نراه في أحد الآثار المصرية: "عمال من الواضح أنهم غرباء ويُفترض أنهم يمثّلون الإسرائيليين، منهمكين في مختلف مراحل صنع طوب اللبن تحت إشراف أربعة مصريين، اثنين من بينهم يظهر أنهم موظفين أرفع مقامًا، بينما الاثنين الآخرين ملاحظين يمسك كل واحد منهم بسياط غليظ ويصرخان "اعملا بلا كلل ولا فتور!".

إن العمل الذي تم استخدام بني إسرائيل فيه كان صناعة الطوب اللبن، الري الصناعي للأرض، وربما يشمل هذا أيضًا حفر قنوات واسترداد ما رُدم منها، وبناء أو ترميم وتوسيع مدينتي مخازن فيثوم ورعمسيس، اللتين تم التوصل لموقعهما في جاسان، واللذين عملا كمستودعات للتجارة وللجيش.

وبحسب المؤرخين اليونانيين فلقد كان افتخار وتباهي المصريين أنه في أعمالهم الكبيرة لا يستخدمون سوى الأسرى والعبيد ولا يستخدمون مطلقًا شعبهم. لكن أحمس الأول كان له احتياج خاص للاستفادة من العمالة الإسرائيلية، إذ نعلم من نقش يرجع تاريخه إلى السنة الثانية والعشرين من حكمه أنه كان منهمكًا على نطاق واسع في استرداد المعابد والمباني التي دمرها الملوك الرعاة.

لكن هذا التدبير الأول للفراعنة ضد بني إسرائيل أحدث نتيجة معاكسة للتي كانوا يتوقعونها. فبدلًا من أن يتقلص عددهم، معدل نموهم السابق مضى في تصاعده الهائل حتى أن المصريين اختشوا(83) من بني إسرائيل (خر 1: 12).

بناء عليه لجأ فرعون إلى تدبير ثاني بمقتضاه يتم قتل كل ابن ذكر يولد ربما بدون علم من والديه. لكن هاتين المرأتين العبرانيتين -اللتين كما نفترض نحن- على رأس كتيبة من القابلات، لا يبدو أنهما نقلا أوامر الملك إلى مرؤوسيهما. على كل حال لم يتم تنفيذ الأمر.

احتفظ السفر باسم هاتين المرأتين الشجاعتين وأخبرنا أن دافعهما هو مخافة الله (في العبرية إضافة أداة التعريف لله تشير إليه بكونه الإله الحي والحقيقي). ومن حيث أنهما كانتا وسيلة لصنع وبناء بيوت إسرائيل، كذلك الله "صَنَعَ لَهُمَا بُيُوتًا". نعم عندما تحداهما الملك، أخفقا في الإفصاح عن دافعهما الحقيقي، لكن كما يعلّق القديس أُغسطينوس قائلًا: "غفر الله الشر لأجل الخير وكافأ تقواهما وإن لم يعاقب غشهما".

أما كيف أن أية حيلة بشرية لم يمكنها أن تفلح في تدمير إسرائيل، فهذا يتضح من التدبير الثالث الذي تبناه فرعون الآن. إذ وضع جانبًا كل تحفظ ونسي في تصميمه وعزمه حتى مصالحه الخاصة، أصدر هو قرارًا عامًا بإلقاء كل طفل ذكر فور ولادته في النيل.

هل كان هذا الأمر ربما صدر من فرعون وهو غاضب، فلم يسري مفعوله لوقت طويل، أم كان المصريين غير راغبين أن يتقيدوا على الدوام لمثل هذه القسوة والوحشية، أم أن الإسرائيليين وجدوا سبل بها يحفظون بها بنيهم من هذا الغضب، فمن المتيقن أنه بينما يلزم أن كثيرين عانوا، والكل احتاج لاستخدام أعظم الاحتياطات، فإن هذه المحاولة الأخيرة القاسية لاستئصال بني إسرائيل قد برهنت هي أيضًا عقمها وبطلانها.

هكذا قد تحققت النبوتان. وحتى تحت أقسى الظروف المعاكسة قد تزايد بني إسرائيل جدًا بدرجة ملئت المصريين بالخوف والرعب، ومذلة بني إسرائيل وصلت إلى ذروة قمتها. والآن كان للخلاص الموعود به أن يظهر هو أيضًا. وكما في أمثلة كثيرة جدًا، يأتي الخلاص بطريقة يدعونها الناس الطريقة غير المتوقعة بالمرة.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(76) Robinson’s Bibl. Res. (2nd ed.) vol. i., p. 54.

(77) تعليق للمترجم: يستشف الكاتب هذا من كون بني إسرائيل المجاورين في السكن للمصريين طلبوا منهم أمتعة فضة وذهب وثياب (خر 12: 25).

(78) بحسب النص الإنجليزي وردت "نجارين"، والعبارة التي تليها وردت في النص الإنجليزي هكذا: "عشائر نساجي الكتان النقي المصري".

(79) انظر أيضًا (تث 31: 28). يبدو أن اجتماع هذه الفئات الثلاث للحكام يبدو أنه كان يتم بواسطة نفخ بوقين من الفضة، بينما النفخ من بوق واحد يستدعي فقط مجلس الرؤساء (عد 10: 3-4). إنه أمر يستحق ملاحظة خاصة أن هذا الحكم المختلط بالوراثة والموظفين المنتخبين استمر بكونه مؤسسة الحكم للشعب ليس فقط أثناء فترة حكم القضاة، بل أيضًا تحت حكم الملوك. ونجد مثيله أيضًا في حكم المجمع (مجمع السنهدرين).

(80) رأي للمترجم: لا أدري لماذا تخامرني فكرة كون مريم أخت هارون وموسى والتي نُعتت بكونها "نبية" (خر 15: 20) قد يكون الله أنبئها بشيء عن ميلاد موسى وتحقيق التحرر على يديه؟

(81) هذه فرضية دافع عنها باقتدار السيد ر. ج. بوولي في قاموس سميث للكتاب المقدس، الجزء الثالث "رمفان".

(82) إن الكلمة العبرية "قام" تكاد تُستعمل على الدوام لوصف بداية جديدة كما في (تث 34: 10)، والكلمة "جديد" مرتبطة بتغير كلي (كما في تث 32: 17؛ قض 5: 8)، بينما التعبير "لم يعرف" (تث 28: 36) لا تُطبق كثيرًا على العوز التام للمعرفة بقدر ما تعني غياب المعرفة الودودة من المرء لشخص آخر. لو بدأ هذا الملك عائلة ملكية جديدة، فيلزم أن يكون إما أول ملوك الهكسوس وإلا يكون من الذين طردوهم. من جهة الافتراض الأول يكاد يكون مستحيلًا، ولذا نحن مُلزمين بالثاني.

(83) نفس هذا التعبير موجود في (عد 22: 3)، ويعني ضمنًا أنه أصابهم الرعب والفزع.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-2/israelites-egypt.html

تقصير الرابط:
tak.la/s27gd5g