St-Takla.org  >   books  >   fr-angelos-almaqary  >   bible-history-edersheim-1
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تاريخ العهد القديم للعلامة ألفريد إدرشيم: الجزء الأول: عالم ما قبل الطوفان وتاريخ رؤساء الآباء الأولين - القمص أنجيلوس المقاري

23- الفصل الثالث والعشرون: البركة الأخيرة ليعقوب - موت يعقوب - موت يوسف (تك49-50)

 

الفصل الثالث والعشرون

البركة الأخيرة ليعقوب - موت يعقوب - موت يوسف (تك49-50)

 

لقد جاء الآن المشهد الأخير، فجمع يعقوب حول فراش موته بنيه الاثني عشر. إن الكلمات التي كلمهم بها كانت مزيج من البركة والنبوة. أمامه رؤيا نبوية كما لو كانت في درج كتابي لصور من الأسباط التي كان لبنيه أن يكونوا أجداد لها، وما رآه رسمه في خطوط عريضة.

من المستحيل تمامًا أن نعتبر هذه الصور النبوية بكونها تصوير دقيق لأية فترة محددة أو حتى حدث بعينه في تاريخ إسرائيل. فهي رسوم للأسباط في سماتها الرئيسية أكثر منها نبوات، سواء لأحداث خاصة أو لتاريخ إسرائيل ككل. وعليها ينطبق بالأخص الوصف الذي أعطاه المرء عن الرؤى النبوية عامة أنها "هي صور مرسومة بدون رسم منظور وبدون أن تبدو الأشياء للعين"، أي كالتي لا يمكن لك أن تميز مسافة بعدك عن الأشياء المختلفة.

توجد ملاحظتان أخريان وعموميتان يمكن أن يعينا القارئ. سنلاحظ أنه عمومًا في البركة التي قيلت، يبدو أن اسم مؤسس السبط يكشف شخصية وتاريخ السبط في المستقبل. ثانيًا كما ضد كل مثيري الاعتراضات التافهة، يمكن القول عن قصد وتروي أن كلمات البركة هذه يلزم أن الذي قالها يعقوب شخصيًا.

عندما نحاول تخيل أنها قيلت في أية فترة أخرى في تاريخ إسرائيل، سنجد أنفسنا مُحاطين بصعاب يستحيل التغلب عليها. لأن هذه الكلمات لا يمكن تطبيقها على الأسباط إلا كما رآها يعقوب. فلا يمكن أن تكون قد كُتبت في أية فترة أخرى حيث أنه في هذه الحالة كل كاتب متأخر سيقول شيئًا ما لا ينطبق تمامًا على سبط ما أو غيره من الأسباط، حتى أنه ما كان يمكنه استخدام هذه اللغة المحددة بخصوصها جميعًا.

بهذه الملاحظات الافتتاحية القصيرة نتقدم لكلمات البركة:

"رَأُوبَيْنُ أَنْتَ بِكْرِي قُوَّتِي وَأَوَّلُ قُدْرَتِي فَضْلُ الرِّفْعَةِ وَفَضْلُ الْعِزِّ". هكذا كان ينبغي أن تكون مكانة رأوبين لكونه البكر، لو لم تفسده أهوائه وما ترتب عليها من خطية. لذا استمر يعقوب في كلامه فقال: "فَائِرًا كَالْمَاءِ لاَ تَتَفَضَّل (لن تكون لك الرفعة والصدارة) لأَنَّكَ صَعِدْتَ عَلَى مَضْجَعِ أَبِيكَ. حِينَئِذٍ دَنَّسْتَهُ. عَلَى فِرَاشِي صَعِدَ".

الابنان اللذان يأتيان بعد رأوبين في العمر هما شمعون ولاوي. قسوتهما المفرطة في شكيم والتي يجفل يعقوب منها برعب حتى على فراش موته، جعلتهما إخوة أو رفاق في الشر. مثلما اتحدا في الشر، هكذا سيفرّقهما في الشر حتى أنه لن يمكن لهما تشكيل أسباط مستقلة ومترابطة كما الأسباط الأخرى.

ونحن في الحقيقة نعلم أنه حتى في التعداد الثاني لإسرائيل (عد 26: 14) هبط عدد سبط شمعون ليكون أصغر سبط. وفي البركة الأخيرة لموسى لم يأت أي ذكر على الإطلاق لسبط شمعون (تث33). بل ويبدو أن هذا السبط لم ينل أي نصيب جيد التحديد في الأرض بل كان له فقط مدن معينة داخل إطار ملكية سبط يهوذا (يش 19: 1).

St-Takla.org Image: Jacob's Last Words: Jacob is on his deathbed. The brothers assemble to receive his final blessing. Jacob foretells the fate of each brother. Their destinies will determine the fate of the twelve tribes Israel. Jacob requests that his body be returned to Canaan to be buried with his forefathers, Abraham and Isaac. (Genesis 49: 1-30). - Morgan Bible (image 68), medieval illuminated manuscript, 13th century. صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمات يعقوب الأخيرة: يعقوب على فراش الموت. اجتمع الإخوة لتلقي بركته الأخيرة. تنبأ يعقوب بمصير كل أخ. ستحدد مصائرهم مصير أسباط إسرائيل الاثني عشر. طلب ​​يعقوب إعادة جثمانه إلى كنعان ليُدفن مع جديه إبراهيم وإسحاق. (التكوين 49: 1-30). - نسخة مورجان للكتاب المقدس (صورة 68)، مخطوطة مزخرفة من العصور الوسطى، القرن الثالث عشر.

St-Takla.org Image: Jacob's Last Words: Jacob is on his deathbed. The brothers assemble to receive his final blessing. Jacob foretells the fate of each brother. Their destinies will determine the fate of the twelve tribes Israel. Jacob requests that his body be returned to Canaan to be buried with his forefathers, Abraham and Isaac. (Genesis 49: 1-30). - Morgan Bible (image 68), medieval illuminated manuscript, 13th century.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كلمات يعقوب الأخيرة: يعقوب على فراش الموت. اجتمع الإخوة لتلقي بركته الأخيرة. تنبأ يعقوب بمصير كل أخ. ستحدد مصائرهم مصير أسباط إسرائيل الاثني عشر. طلب ​​يعقوب إعادة جثمانه إلى كنعان ليُدفن مع جديه إبراهيم وإسحاق. (التكوين 49: 1-30). - نسخة مورجان للكتاب المقدس (صورة 68)، مخطوطة مزخرفة من العصور الوسطى، القرن الثالث عشر.

أخيرًا نحن نعرف أن كثير من عشائر شمعون قد ازدادت زيادة هائلة وصارت قوية بعد تركها الأرض المقدسة واستقرارها خارج حدودها (1أخ 4: 38-43). وأيضًا سبط لاوي لم ينل أية ملكية في إسرائيل، لكن تناثرهم فقط تحول من لعنة إلى بركة باختيارهم للكهنوت. هذا البعثرة للسبطين كان إجابة هامة وذات مغزى قدمها الله بتدابير عدله لمحاولة أجدادهم الدفاع عن شرف جنسهم بأساليب وأسلحة جسدية.

[5- شَمْعُونُ وَلاَوِي أَخَوَانِ. آلاَتُ ظُلْمٍ سُيُوفُهُمَا. 6- فِي مَجْلِسِهِمَا لاَ تَدْخُلُ نَفْسِي. بِمَجْمَعِهِمَا لاَ تَتَّحِدُ كَرَامَتِي. لأَنَّهُمَا فِي غَضَبِهِمَا قَتَلاَ إِنْسَانًا وَفِي رِضَاهُمَا عَرْقَبَا ثَوْرًا. 7- مَلْعُونٌ غَضَبُهُمَا فَإِنَّهُ شَدِيدٌ وَسَخَطُهُمَا فَإِنَّهُ قَاسٍ. أُقَسِّمُهُمَا فِي يَعْقُوبَ وَأُفَرِّقُهُمَا فِي إِسْرَائِيلَ. ]

إذ قد تم منع حق البكورية من الثلاثة الإخوة الكبار، وإذ قد تلقى يوسف نصيب الضعفين في الأرض، فإن الامتيازات الأخرى للبكورية قد تم نقلها ليهوذا. كان له أن يكون القائد، "الأسد". كما أن الأسد هو ملك الغابة، كذلك كان ليهوذا أن ينال قضيب الملك من خلال داود ومنه إلى ابن داود، شيلوه، وله كأسد سبط يهوذا ينبغي أن تخضع وتسجد كل الأمم.

بالمثل كان لملء الغنى الأرضي أن يميز نصيب يهوذا، فهذه البركات الأرضية هي ذاتها رموز للغنى الروحي الموزع والمعُطَى في نصيب يهوذا. كل الوصف المذكور هنا مملوء بالإشارات المسيانية، والتي كان لها أن تؤخذ في نبوة بلعام (عد 23: 24؛ 24: 9، 17)، ثم طُبقت على داود (مز 89: 20-37)، ومنه حُملت إلى الأمام في النبوة من خلال (مز72؛ إش9، 11؛ إلى حز 21: 27 و زك 9: 9، إلى أن كان لها أن تتحقق نهائيًا في يسوع المسيح، الذي "قد طلع من سبط يهوذا" (عب 7: 14)، والذي هو "سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا" (أف 2: 14)، والذي "يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه" (1كو 15: 25)، والذي هو "أسد سبط يهوذا، أصل داود"، والذي "قد غلب" (رؤ 5: 5). 

في البركة ليهوذا نلاحظ أنه للمرة الأولى كيف أن المغزى النبوي الاسم ينكشف ويظهر:

[8- يَهُوذَا إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ. يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ. يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. 9- يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ. مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي. جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟. 10- لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ. 11- رَابِطًا بِالْكَرْمَةِ جَحْشَهُ وَبِالْجَفْنَةِ ابْنَ أَتَانِهِ. غَسَلَ بِالْخَمْرِ لِبَاسَهُ وَبِدَمِ الْعِنَبِ ثَوْبَهُ. 12- مُسْوَدُّ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الْخَمْرِ وَمُبْيَضُّ الأَسْنَانِ مِنَ اللَّبَنِ. ](61)

كشروحات محلية لهذا الغنى الذي لنصيب يهوذا، سيتذكر القارئ أن أفضل كروم في فلسطين كانت تنمو بالقرب من حبرون وعين جدي (عد 13: 23؛ نش 1: 14)، وأن بعض أفضل أراضي الرعي كانت جنوب حبرون، حول تقوع والكرمل (1صم 25: 2؛ 2أخ 26: 10؛ عا 1: 1).

البركة التالية أيضًا ترتبط باسم زبولون أو "مسكن" مع أنه مطلوب أن نضع في اعتبارنا لمزيد من الشرح لحقيقة أنه لم يكن مقصود لها أن تكون كنبوة حرفية، فممتلكات سبط زبولون على قدر ما يمكننا أن نحكم من (يش 19: 10-16)، لم تصل قط إلى البحر الأبيض المتوسط، ولا إلى بحر الجليل، بل ولم تصل حرفيًا إلى حدود صيدون:  عِنْدَ سَاحِلِ الْبَحْرِ يَسْكُنُ وَهُوَ عِنْدَ سَاحِلِ السُّفُنِ وَجَانِبُهُ عِنْدَ صَيْدُونَ".

اسم يساكر "مكافأة" أو "أجرة" هو أيضًا يرمز لشخصية وصفة السبط، فمن حيث أن نصيبه الغني في الجليل السفلي، فضّل أن يعمل ويكد بهدوء على أن يسعى إلى السيادة والتسلط: [14- يَسَّاكَرُ حِمَارٌ جَسِيمٌ رَابِضٌ بَيْنَ الْحَظَائِرِ. 15- فَرَأَى الْمَحَلَّ أَنَّهُ حَسَنٌ وَالأَرْضَ أَنَّهَا نَزِهَةٌ فَأَحْنَى كَتِفَهُ لِلْحِمْلِ وَصَارَ لِلْجِزْيَةِ عَبْدًا. ].

الإشارة في حالة دان "دينونة" أو "قضاء" هي أيضًا للاسم. مع أن دان كان مجرد ابن لعبدة، فليس له أن يكون خلف إخوته، بل له أن "يدين" شعبه، شعبه إسرائيل، وربما الإشارة إلى أشخاص من أمثال شمشون، وإن كانت تشير بصفة عامة إلى السبط ككل. توجد هنا أيضًا إشارة سرية وفي غاية الأهمية، إليها سنلتفت في الحال:

"دَانُ يَدِينُ شَعْبَهُ كَأَحَدِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. يَكُونُ دَانُ حَيَّةً عَلَى الطَّرِيقِ أُفْعُوانًا عَلَى السَّبِيلِ يَلْسَعُ عَقِبَيِ الْفَرَسِ فَيَسْقُطُ رَاكِبُهُ إِلَى الْوَرَاءِ".

نحن لن نتجاسر على عرض تفسير رسمي وجازم لهذا التشبيه لدان بكونه حية، ولا لذاك النوع من الأفاعي والذي لكونه يأخذ لون الرمال من حوله، يبقى بعيد عن ملاحظة أحد له إلى أن يلسع ويفرغ سمه المميت.

نحن فقط نضعها كاقتراح إن كان هذا الكلام لا يحتوي إلى إشارة إلى الارتداد أو إلى ضد المسيح(62)، ملاحظين في نفس الوقت أن اسم دان قد حُذف من قائمة الأسباط في (رؤ 7: 5-8).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

إنه ذا مغزى أيضًا بعد ذكر هذه المنازعات المرتبطة بدان، كون يعقوب انطلق يصلي - كما يقول أحدهم- ليس فقط ليعبّر عن إيمانه الشخصي ورجائه، بل أيضًا عن ثقته لأجل نسله.his confidence for his descendants. حقًا إن أقدم تعليق بل شرح يهودي لها هو هكذا(63): (نفسي لم تنتظر لخلاص جدعون ولا لابن يوآش، لأنه كان مجرد خلاص مؤقت، ولا لخلاص شمشون لأنه لم يكن سوى خلاص وقتي، بل لخلاص المسيا ابن داود والذي وعدت بكلامك أن ترسله لشعبك بني إسرائيل، لأن هذا الذي ينطبق عليه: "لِخَلاَصِكَ انْتَظَرْتُ يَا رَبُّ". ).

"لِخَلاَصِكَ انْتَظَرْتُ يَا رَبُّ!"

وفي الإشارة إلى جاد لدينا إشارة ثلاثية إلى كلمة ذات أصل واحد وتعني الظلم. وللنبوة ذاتها لا يمكننا أن نربطها بتحقيق تاريخي وحدد.

"جاد يزحمه مزاحم ولكنه يزحم مؤخره" [(تك 49: 19) بحسب النص].

في حالة أشير، من الواضح أن الإشارة إلى اقتناء السبط لأخصب الأراضي والتي تمتد من جبل الكرمل إلى أرض صور (1مل 5: 11):

"أَشِيرُ خُبْزُهُ سَمِينٌ وَهُوَ يُعْطِي لَذَّاتِ مُلُوكٍ".

الإشارة إلى نفتالي هي من جهة الحيوية والنشاط وسرعة الناس وكذلك من جهة قدرتهم العقلية وسرعة بديهتهم:

"نَفْتَالِي أَيِّلَةٌ مُسَيَّبَةٌ يُعْطِي أَقْوَالًا حَسَنَةً".

في النهاية يأتي يعقوب إلى اسم ابنه المحبوب يوسف. فآنذاك كما لو أن قلبه كان فعليًا يفيض بالمشاعر. أولًا هو يصوّر إثماره كإثمار شجرة مثمرة مغروسة بجانب مجاري المياه (مز 1: 3؛ 80: 8-11)، ثم يصف قوته بكونها مشتقة من الله شخصيًا، وأخيرًا يسكب أغنى بركاته بغنى أكثر من الذي منحه أيًا من آبائه:

[22- يُوسُفُ غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ غُصْنُ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ عَلَى عَيْنٍ. أَغْصَانٌ قَدِ ارْتَفَعَتْ فَوْقَ حَائِطٍ. 23- فَمَرَّرَتْهُ وَرَمَتْهُ وَاضْطَهَدَتْهُ أَرْبَابُ السِّهَامِ. 24- وَلَكِنْ ثَبَتَتْ بِمَتَانَةٍ قَوْسُهُ وَتَشَدَّدَتْ سَوَاعِدُ يَدَيْهِ. مِنْ يَدَيْ عَزِيزِ يَعْقُوبَ مِنْ هُنَاكَ مِنَ الرَّاعِي صَخْرِ إِسْرَائِيلَ. 25- مِنْ إِلَهِ أَبِيكَ الَّذِي يُعِينُكَ وَمِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي يُبَارِكُكَ تَأْتِي بَرَكَاتُ السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَبَرَكَاتُ الْغَمْرِ الرَّابِضِ تَحْتُ. بَرَكَاتُ الثَّدْيَيْنِ وَالرَّحِمِ. 26- بَرَكَاتُ أَبِيكَ فَاقَتْ عَلَى بَرَكَاتِ أَبَوَيَّ. إِلَى مُنْيَةِ الْآكَامِ الدَّهْرِيَّةِ(64) تَكُونُ عَلَى رَأْسِ يُوسُفَ وَعَلَى قِمَّةِ نَذِيرِ(65) إِخْوَتِهِ. ] 

الإشارات إلى بنيامين ستُفهم على أنها تشير إلى إهود (قض 3: 15؛ 5: 14؛ 20: 16؛ 1أخ 8: 40؛ 12: 2؛ 2أخ 14: 8؛ 17: 17)، ولتاريخ شاول ويوناثان:

"بِنْيَامِينُ ذِئْبٌ يَفْتَرِسُ. فِي الصَّبَاحِ يَأْكُلُ غَنِيمَةً وَعِنْدَ الْمَسَاءِ يُقَسِّمُ نَهْبًا".

وإذ قد تكلم يعقوب بآخر بركاته هذه، أوصى يعقوب بنيه مرة أخرى بأن يدفنوه في مغارة المكفيلة. بعدها "ضَمَّ رِجْلَيْهِ إِلَى السَّرِيرِ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ وَانْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ".

هكذا كانت نهاية يعقوب، الأكثر تشبهًا في غربته بآبائه الغرباء. وقد تم التقيد حرفيًا بتنفيذ آخر رغباته. وإذ قد انتهت مشاعر الحزن الطبيعية التي تفجرت عقب موت أبيه مباشرة، "أَمَرَ يُوسُفُ عَبِيدَهُ الأَطِبَّاءَ أَنْ يُحَنِّطُوا أَبَاه"، إما أن يقوموا هم به شخصيًا أو يشرفوا عليه. استمرت عملية التحنيط لمدة أربعين يومًا(66)، وسبعين يومًا مثلما كانت عادة المصريين في البكاء.

وفي نهاية تلك الفترة -مثلما كان يتطلب الواجب- طلب من فرعون وإن كان لم يقم بهذا شخصيًا، حيث أنه لا يمكنه أن يظهر أمام الملك في ثياب الحزن، راغبًا أن يستأذن لنفسه ولحاشيته بالصعود لدفن أبيه في أرض كنعان.

إن موكب الجنازة شمل بالإضافة إلى يوسف: َكُلُّ بَيْتِ يُوسُفَ وَإِخْوَتُهُ وَبَيْتُ أَبِيه، وأيضًا جَمِيعُ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ شُيُوخُ بَيْتِهِ وَجَمِيعُ شُيُوخِ أَرْضِ مِصْر، أي كل كبار رجال الدولة والموظفين في البلاط الملكي، وَصَعِدَ مَعَهُ مَرْكَبَاتٌ وَفُرْسَانٌ لحراسة الموكب.

ولكون الموكب من أصحاب النفوذ وبوصف الكتاب: "فَكَانَ الْجَيْشُ كَثِيرًا جِدّا"، سيكون من الطبيعي تحاشي منطقة الفلسطينيين -والتي تقع على الطريق المباشر من مصر- خوفًا من أية مصادمات. فسلكوا عن قصد الطريق غير المباشر عبر الصحراء وحول البحر الميت، وهو نفس الطريق الذي سار فيه فيما بعد بني إسرائيل عند عودتهم من مصر، وتوقف الموكب على الشاطئ الشرقي لنهر الأردن عند بَيْدَرِ أَطَادَ.

إن خبر الجنازة كما أيضًا ما يختص بالتحنيط وفي الواقع كل إشارة أخرى تتفق تمامًا مع ما عرفناه من الآثار المصرية وتاريخ المصريين. فعادة مواكب الموتى موجودة في كل مقاطعة في مصر، وصور مثل هذه المواكب نراها في أقدم القبور. وعلى رأي عالم ألماني: "عندما نتطلع إلى الصور على الآثار، يكاد يمكننا تخيل أننا نرى فعليًا موكب قافلة جنازة يعقوب".

وعند بيدر أطاد تم تأدية بقية طقوس الحزن أثناء السبعين يومًا. كان من الطبيعي أن ينجذب انتباه سكان المنطقة فقالوا: "هَذِهِ مَنَاحَةٌ ثَقِيلَةٌ لِلْمِصْرِيِّينَ"، لذلك حملت المنطقة منذ ذلك الوقت اسم "آبَلَ مِصْرَايِمَ" وحرفيًا تعني مرج مناحة المصريين، لكن بتغيير طفيف للنطق تعني "مناحة المصريين". وعند هذا الحد بقي المصريين في الخلف ولم يقف حول قبر يعقوب في مغارة المكفيلة سوى أبناء وأهل بيت يعقوب.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

وعند عودتهم إلى مصر يبدو أن شكوك ومخاوف تافهة خطرت في بال إخوة يوسف. ماذا لو أنه الآن بعد موت أبيهم، أن يقوم يوسف وينتقم لنفسه من الظلم الذي لحق به على أيديهم؟ لكنهم ما عرفوا قلبه ولا قدّروا دوافعه. ولذا مجرد تبنيهم لمثل هذه الأفكار أثر في يوسف ويجعله يبكي.

فحتى لو كان له مثل هذه الأفكار، فهل كان هو مكان الله ليتدخل في إدارته للأشياء؟ ألم يظهر بمنتهى الوضوح أنه أيًا الشر الذي فكروا في عمله له فإن الله قصد به خيره؟ بأقوال كهذه والتأكيد أنه بمحبة سيعولهم ويهتم بهم وبصغارهم سكّن مخاوفهم وجعلها تهدأ.

كان ليوسف أن يعيش 54 سنة أخرى في مصر، وكان له فرح أن يرى بركة أبيه بدأت في التحقق. فأبناء أفرايم من الجيل الثالث وأحفاد منسى ولدوا على ركبتي يوسف. وعندما وصل بشيبة صالحة إلى سن 110 سنة، لما شعر أن الموت يتقرب، جمع إخوته حوله. كان يوسف شبعان بالأمجاد في مصر، فقد أسس أسرة، لم يكن أحد في مستوى أعلى منها.

لكن آخر عمل له هو أن يجحد مصر وأن يختار أن يكون حظه ونصيبه مع بني إسرائيل في الفقر والازدراء والغربة: أن يجحد ويرفض الحاضر لكي يلتصق بالمستقبل. لقد كان تصرفه تصرف نبيل إيماني، صادق مثل الذي لآبائه! كانت آخر كلماته هي هذه: "أَنَا أَمُوتُ وَلَكِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ وَيُصْعِدُكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ". وكان آخر عمل له هو أن يستحلف بني إسرائيل، أن يحملوا معهم عظامه إلى أرض الموعد.

وطاعة لرغبته، حنطوا جسده وأودعوه في واحد من تلك التوابيت المصرية، المصنوعة عمومًا من خشب الجميز والتي تشبه شكل الجسد البشري. وهناك عبر كل عصور المعاناة والعبودية، وقف تابوت يوسف جاهز لحمله من هناك عندما تحين الساعة الأكيدة للخلاص والتحرر.

لذلك يوسف وإن مات يتكلم بعد إلى إسرائيل يخبرهم أنهم مجرد غرباء بصفة مؤقتة في مصر وأنه يلزم أن تحيد أعينهم عن مصر إلى أرض الموعد، وأنه بصبر الإيمان عليهم أن ينتظروا لتلك الساعة التي فيها يقينًا سيتفضل بتنفيذ وعده.

عندما في ختام هذه الفترة الأولى من تاريخ العهد نتطلع حولنا نشعر كما لو أنه الآن فعلًا "الرعبة المظلمة العظيمة" وقعت سريعًا على إسرائيل، هذه التي اختبرها إبراهيم عندما كشف الله له مستقبل نسله (تك 15: 12). فلقد توقف كل تواصل شخصي بين السماء والأرض.

فمن الوقت الذي فيه وفى يعقوب نذره في بيت إيل (تك 35: 15)، ليس من ظهور شخصي لله كالذي كثيرًا ما أبهج آبائه وإياه، بات يُمنح بعد سوى عند دخوله إلى مصر (تك 46: 2-4)، وذاك لغرض خاص.

بل ونحن لم نقرأ عن شيء من هذا القبيل على مدى كل حياة يوسف الزاخرة بالمحن والأحداث الخطيرة. والآن كان لقرون طويلة من الصمت التام أن تتبع هذا. فأثناء كل تلك الفترة الشاقة مع بؤس عبوديتهم وإغراء عبادة الأصنام الذي كان يتزايد على الدوام من حولهم، لم يكن هناك صوت من السماء ولا ظهور مرئي ليحذر أو ليشجع بني إسرائيل في مصر.

نمط واحد من الهداية والإرشاد تم سحبه لبعض الوقت. لم يكن لبني إسرائيل الآن سوى الماضي ليؤازرهم ويرشدهم. لكن ذلك الماضي بتاريخه ووعوده كان كافيًا. بجانب هذا فإن كشاف (مصباح) النبوة الذي كانت تمسك به يدي يعقوب على فراش الموت، ألقى بضوئه في المستقبل المظلم الآخر.

بل حقيقة أن حياة يوسف والتي شكلت نقطة تحول عظمى في تاريخ إسرائيل، والتي سمح الله لها أن تعبر بدون ظهورات إلهية مرئية له ولهم، كانت في حد ذاتها لها مغزى.

لأنه حتى كما أن جسده غير المدفون كان يبدو أنه يكرز ويتنبأ، فإن كل حياته ستظهر مثل سفر لا يزال غير مفتوح أو فقط سفر مفتوح جزئيًا، نبوة عظيمة غير مقروءة، سيكشفها المستقبل. وليس فقط المستقبل القريب كما يخص إسرائيل، بل المستقبل الأكثر بعدًا كما يخص كل كنيسة الله.

لأنه وإن كان ليس شخص يوسف(67)، لكن الأحداث البارزة في حياته هي رمز لحقائق عظيمة مرتبطة بحياة وعمل من تم (خيانته و) تسليمه وبيع إخوته له، لكن الله "رفّعه بيمينه رئيسًا ومخلصًا" (أع 5: 31).

تم الانتهاء من الترجمة الأحد أول يونيه 2008م الموافق عيد دخول السيد المسيح أرض مصر - نياحة حبقوق النبي - شهادة الراهب بشنونة المقاري.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(61) نلاحظ هنا أن شبُّه بجرو لأجل رشاقته وسرعته، وأسد كامل النمو لأجل قوته وكلبوة لأجل شراستها في الدفاع عن صغارها. وبالنسبة لكلمة شيلوه فليس المجال هنا للنقاش النقدي، لكننا نقرر بكونه قناعتنا الأكيدة أن كلمة شيلوه يمكن أن تشير فقط إلى لقب شخصي مميز للمسيا أيًا كان المعنى الاشتقاقي للكلمة.

(62) كثير من الآباء قد اعتبروا هذه الحية بكونها تشير إلى ضد المسيح.

(63) ترجوم أورشليم في أصح نسخة تم تنقيحها.

(64) أي بقدر ما أن الجبال تعلو تمامًا فوق الوديان، هكذا البركات التي يتلقاها يوسف الآن تفوق جدًا ما منحها أيًا من أجداد يعقوب.

(65) أي فخر ومجد إخوته.

(66) كل شيء هنا مصري حقًا: عدد الأطباء في خدمة يوسف حيث إنه في مصر كل طبيب يعالج نوع معين من الأمراض، والبكاء كان يدوم عادة لمدة سبعين يومًا، وعملية التحنيط تأخذ من أربعين إلى سبعين يومًا. توجد طريقتان للتحنيط، بجانب التحنيط للفقراء، الأكثر اتقانًا تكلف حوالي 250 جنية، بينما الأبسط تكلف 81 جنية. كان يتم أولًا تفريغ الجمجمة من المخ من خلال فتحتي الأنف، ثم تُعمل فتحة بالمشرط في الجانب الأيسر ويتم نزع كل الأمعاء عدا الكليتين والقلب. ثم يتم ملئ الجسد بعد ذلك بمختلف أنواع الطيب -عدا اللبان- ثم يُخيط ويُنقع في النطرون والذي يوجد في بحيرات النطرون في مصر ويتكون من كاربونات وسلفات وميورات الصودا.

نحن هنا أغفلنا عن عمد عدد كبير من التفاصيل كمثل استخدام زيت النخيل في غسل الأجزاء الداخلية وطلاء الأظافر الذي يحدث أحيانًا، واللف المتقن للجسد بكتان نقي وبقية التفاصيل الأخرى. ومن الملاحظ كيف كان يتم بصورة جيدة حفظ كل أجزاء الجسد بل وملامحه طوال هذه العملية. كان الجسد يوضع إما في شكل مستطيل، أو الأكثر حدوثًا أن يكون الذي لشكل المومياء ذاتها.ووصفنا هذا ينطبق بالأساس على أغلى نمط للتحنيط.

(67) إنه أمر يستحق الانتباه أن شخص يوسف غير مذكور في العهد القديم أو الجديد كرمز للمسيح. هذا بالطبع لا ينطبق على حقائق وأحداث حياته في صلتها وعلاقتها بالمستقبل، لكون هذه رمزية بما لا يدع أي مجال للشك أو التساؤل.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-1/jacob-final-blessing.html

تقصير الرابط:
tak.la/pgwp53s