[من أصحاح (12 - 16): الوصايا العملية في رسالة رومية]

(1) تقديس الجسد والعقل للحياة الروحية مع الله (ع 1-2)

(2) أنواع المواهب في الكنيسة (ع 3-8)

(3) الفضائل في المجتمع المسيحي (ع 9-21)

ع3: يبدأ القديس بولس بشرح أسلوب الخدمة وأنواع المواهب في الكنيسة، ليس كمن يتكلم من نفسه، بل بإرشاد الروح القدس في داخله.

ع4-5: إلهنا إله نظام، جعل أفراد كنيسته كأعضاء الجسد الواحد، كل واحد له دور محدد ووظيفة محددة مختلفة عن الآخر ولكن مكملة له. والمواهب المعطاة لكل عضو في الكنيسة هدفها خدمة الآخرين وليس التفاخر الشخصى.

ع6: نعمة الروح القدس تحدد بحكمة شديدة لكل فرد الموهبة التي سيأخذها بحسب استعداده الشخصى لتقبلها. ولم تقسم المواهب إلى أنواع عظيمة وأنواع بسيطة، لأن الكنيسة تحتاج لكل المواهب بنفس الأهمية، فلا يجب أن ينظر أحد إلى موهبة أخيه فيشتهيها. وهذه المواهب هى:

أولًا النبوة: هي كشف الأسرار السماوية وأحداث المستقبل، ومن أشهر هذه النبوات سفر الرؤيا للقديس يوحنا الحبيب. وهذه الموهبة يعطيها الروح القدس إذا وجد الإيمان في الناطق والمستمع.

وفي العهد الجديد، المستقبل هو ملكوت السموات، فالتحدث عنه أي عن علاقتنا بالله وكيف يملك على حياتنا استعدادًا للأبدية هو معنى آخر للنبوة.

ثالثًا التعليم: وهو غير التنبؤ، إذ أنه شرح وتبسيط الحقائق الإيمانية والأمور اللاهوتية، حتى يفهمها المخدوم البسيط.

ونلاحظ أنه على كل مؤمن أن يلتزم بموهبته، ولا يتعدى مجالها إلى مجال موهبة أخرى. لذلك يكرر القديس بولس قوله، الموهبة في نفس نوع الموهبة مثل "الخادم ففى الخدمة".

العطاء: يتحدث عن الفضائل التي يود أن كل المؤمنين يتمتعون بها، بعكس المواهب المعطاة للبعض فقط. والفضائل ضرورية لخلاص الإنسان أما المواهب فلخدمة الكنيسة. والعطاء في مفهوم العالم مقرون بانتظار المقابل من أجرة أو مكافأة، أما العطاء الكنسي فهو بسخاء أي بكثرة ولا ينتظر مقابل، حتى أن الإنسان يقدم نفسه كلها للآخرين.

ويعود ثانيًا للمواهب فيتحدث عن:

خامسًا التدبير باجتهاد: والتدبير هو تنظيم وترتيب وتوزيع المسئوليات بالخدمة، وإرشاد وتوجيه ومساندة الكل. ولماذا الإجتهاد؟ لأن الأمور الكنسية لا بُد أن تؤخذ بجدية وعمق وتفكير حكيم غير متسرع أو سطحى. والمدبر يجتهد، أي لا يكتفى بدور المستشار، بل يعمل على أرض الخدمة بيديه ويشارك الآخرين في أعمالهم وأتعابهم.

ثم يواصل حديثه الطويل عن الفضائل فيكلمنا عن الرحمة، وهي في مفهوم العالم إعفاء المخطئ من العقاب فقط، اما الرحمة الروحية فهي سرور أي إظهار الحب والود والتسامح القلبى للمخطئ، وقبوله كعضو حى فعال خادم في الكنيسة.

ينتقل هنا الرسول بولس إلى الفضائل التي يجب أن يتميز بها المجتمع المسيحي وهي:

أما المحبة الحقيقية بلا رياء، فهي التي تنبع من القلب بالبذل بلا حدود، وتلك لها مكافأة جزيلة من عند الله؛ والذي عنده تلك المحبة يجد نفسه كارهًا لكل شر. فنحن لا نستطيع أن نفعل الشر إلا لمن نكرهه، وعندما نحب شخصًا، نجد أننا نصنع كل الخير الممكن له بتلقائية عجيبه. لذلك صارت المحبة متلازمة مع فعل الخير.

عاكفين على إضافة الغرباء: وكلمة عاكف تعني الاهتمام المستمر بهؤلاء الغرباء. والغرباء ليسوا فقط المحتاجين للعناية بهم ماديًا، بل أيضًا نفسيًا، فكثيرون يعانون من العزلة والإحساس بالوحدة، إما لانشغال الناس عنهم أو لانتقالهم من بلد إلىأخرى، ويحتاجون لمن يظهر لهم الإهتمام والمحبة.

وأبارك المضطهد، لأن اضطهاداته ستؤول إلى نياشين على صدرى أمام المسيح. ففى الحروب قديمًا كان الجندى الشجاع يشعر بالفخر إزاء جراحاته وأعضائه المبتورة، تلك التي تحمَّلها بشرف.

والخلاصة نشفق على المسيئين لأن الخطية ضعف، ونقبل الضيقة من يد الله فهي لخيرنا، ونفيض بالحب الإلهي الساكن فينا فنباركهم ونصلي لأجلهم.

ع15: ثم يوجهنا القديس بولس إلى مشاركة الآخر في فرحه، أي أفرح له من قلبى بلا غيرة وبلا حسد، ويجب أن تكون مشاركتى في مظاهر فرحه في حدود لا تحزن روح المسيح الساكن فىًّ. وإن كان الإنسان في العالم اليوم يرفض مشاركة الآخر في حزنه لأنه ببساطة لا يستطيع أن يحتمل الآخر أو حتى يستمع إلى أحزانه وهمومه، فالإنسان الروحي هو دائمًا صدر حنون، وأذن مصغية ولسان لطيف معزى.

ومن فضائل المتواضع أنه يسمع ويتعلم ويطيع ويخضع، أما المتكبر الحكيم فهو الذي يسير بحسب أهوائه الشخصية وآرائه، غير خاضع للمرشدين أو الكهنة أو الكنيسة ولا حتى الله نفسه. فالحكمة الحقيقية هي في الخضوع لله والمرشدين، أما الحكيم في عينى نفسه فهو المتكبر، فتكون حكمته زائفة ومجرد ذكاء أو معلومات ولكن لا يستطع أن يتصرف حسنا لأن الحكمة هي التصرف الحسن.

ع17: لغى السيد المسيح فكرة مجازاة الآخر بالمثل، أي الشر بالشر لأن طبيعته أصبحت المحبة لكل أحد حتى من يسيئون إليه؛ وليس ذلك فقط بل على المسيحي ألا يكون سبب عثرة بأى تصرف خاطئ منه أمام الناس، بل يكون دائما متصرفا بلياقة وأدب ولطف لكي يرى العالم صورة أولاد الله الحسنة فيمجدوه.

ولماذا قال القديس بولس "على قدر طاقتكم"؟

لأنه يوجد أناس قد يرفضون صنع السلام معي بلا أي سبب منى لمجرد أننى مسيحي أو لأي شر في قلوبهم، وهنا أكون بريئا من هذا الخصام الذي هو من جهتهم فقط، أما قلبى فمفتوح للحب لهم وإن كانوا هم يصرون على مقاطعتى.

ع19: لاشك أن النفس المظلومة تحارب بالغضب والرغبة في الانتقام، وهنا يوجه القديس بولس، كطبيب حكيم، المؤمن إلى طريقة صحية نفسيا وروحيًا لتصريف هذا الغضب وتلك الرغبة في الانتقام بقوله، إعطِ مكانًا للغضب الإلهي، فاجعل الله يغضب بدلًا منك وفي غضبه سينتقم لك، لأن الله عادل وهو الوحيد الذي له حق المجازاة لأنه بلا خطية. فنترك الله الأب الحكيم ليؤدب ويعلم أولاده الصلاح، أما أنا فأصلى لأجل الذين أساءوا إلى، وبهذا ينتهى حقدنا على الظالم، ولن يكون هناك مجال للشماته فيه إذا ما امتدت يد الله لتؤدبه، بل بالعكس هو هنا في موضع يدعو للشفقة عليه من انتقام الله.

ع20: لذلك إذا علمت أن عدوك جوعان ومحتاج إعطه وساعده، أو عطشان فاروه. وبذلك ستضطره إلى الخجل من نفسه، وسيراجع ضميره ويوبخ نفسه ويتوب، وكأنك بمحبتك وضعت نارًا تحرق في رأسه أفكاره الخاطئة من نحوك فيعود ويحبك.

ع21: تلك هي وسيلة الغلبة على الشر، ليس بالرد عليه بالشر بل بصنع الخير. فالمتكبر نغلبه باتضاعنا، والغضوب بكلامنا اللين، والسارق باحتوائنا له.