إن الأيمان النظري هو مجرد
إيمان
العقل بوجود الله وبصفاته, وبوجود
الملائكة والأرواح, وبوجود
الأبدية والعالم
الآخر.. ولكننا في هذا المقال سوف لا نتكلم عن هذه الأمور إنما نتكلم عن
الأيمان العملي الذي تظهر علاماته في الحياة العملية وبسلوكياتها.
وفي هذا الأمر توجد
درجات
من الإيمان: فهناك إيمان قوي, وإيمان آخر ضعيف. كما يوجد إيمان شامل يشمل
كل تصرفات الحياة, وإيمان
محدود. إيمان دائم. وإيمان يهتز أحيانًا ويرتبك أو يضعف.
ولعل أهم ما يضعف الإنسان عن الأيمان بالله هو الذات. حينما تحاول الذات أن ترفض الله لأنه ضد رغباتها الخاطئة, وضد حريتها الخاصة في أن تفعل كل ما تريد حتى الأمور التي لا يوافق الله عليها, ومثال ذلك الوجوديون الملحدون الذين صار شعارهم هو: من الخير أن الله لا يوجد, لكي أوجد أنا, والمقصود الوجود بكامل حريتهم دون عائق من وصايا الله. وهم هنا لا يفهمون معني الحرية. بل يتصورونها ألوانًا من التسيب.
فهل أنت يا أخي القارئ يتعطل إيمانك بسبب ذاتك؟ بسبب رغباتك وغرائزك وأفكارك وشهواتك؟ هل هناك تعارض بين محبتك لله ومحبتك لذاتك؟! إن كان كذلك فعليك أن تدرب نفسك علي فضيلة إنكار الذات, نعم لان كثيرين ذاتهم هي صنمهم الذي يتعبدون له.
فيمنعهم عن حياة العملية محبة الذات والاعتداد بالذات, والرغبة في تكبير الذات وتضخيم الذات, وتحقيق شهوات الذات, والهروب من كل من يكشف هذه الذات أو يظهر مساوئها. وهكذا يريدون أن تحيا ذاتهم في جو من التدليل والمجاملة.
كذلك يضعف الإيمان سيطرة الحواس, وسيطرة العقل فالعقل له حدود لا يتعداها أما الإيمان فهو مستوي اعلي من العقل, ولكن هناك أشخاصًا يريدون أن تعي عقولهم اللامحدود والمعجزات, وما هو فوق إدراكهم, وإلا فإنهم يرفضون كل هذا! وكذلك الحواس لها حدودها. فمن الصعب عليها أن تدرك ما لا يُرى كالأرواح والملائكة. ومن أمثلة هؤلاء من يريدون إخضاع الوحي والمعجزة للبحث العلمي, أو لمجرد التفسير الرمزي وبهذا ينكرون كثيرًا من المعجزات ويدخلونها في علم الأساطير Mythology.
ومما يضعف الإيمان أيضًا: معاشرة الشكاكين, أو قراءة أفكارهم من بعض الكتب أو المقالات, فإن تلك الأفكار تغرس الشك في العقول والقلوب إن كانت بمداومة أو من النوع العميق التأثير. أو إن كان المستوي الخاضع للشكوك اقل في المعرفة أو في المستوي العقلي, أو كان غير عميق في الإيمان، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ولهذا مما يضعف الإيمان أيضًا: الانقياد وضعف الشخصية, الذي لا يستطيع أن يصمد أمام الشكوك أو أمام الشائعات أو كلام غير المؤمنين فيهتز من الداخل بسبب التأثير الخارجي الضاغط والانقياد إليه. لان الشخصية اضعف من أن تصمد. وقد يضعف إيمان البعض وينقادون وراء من يدعي الرؤى والأحلام, كما لو كانت حقيقة ينخدعون بها, ولو ضد معتقداتهم أو مبادئهم الروحية. كمن ينقاد وراء من يتكلمون عن السحر والعمل.
الشهوة أيضا تضعف الأيمان, وبخاصة لان الذين يمارسون شهواتهم لا يؤمنون بأن الله يراهم, أو أن الله يفحص قلوبهم. ويعرف أفكارهم و نياتهم! كل ذلك لا يضعونه أمامهم وكأنهم لا يؤمنون به بسبب الشهوة.
ومما يضعف الأيمان أيضًا ضلالات الشياطين. ومن أهمها الرؤى الكاذبة التي يندمج بها إرشاد معين يضل الإنسان, ومن أمثال ضلالات الشياطين: الأحلام والنبوءات الكاذبة, وأفكار الضلالات والبدع.
الشك أيضا يضعف الأيمان. كما أن ضعف الأيمان يولد الشك. فإن حاربتك شكوك من جهة وجود الله أو بعض العقائد الأساسية, فلا تخف هذه محاربات من العدو, وليست إنكارًا منك للإيمان, وبخاصة إن كان قلبك رافضًا لها. أما إن كانت الشكوك منك, وأنت مقتنع بها, فعليك أن تعالجها بفهم إيماني سليم. وبسؤال المتخصصين وأهل العلم, وبقراءة الكتب المفيدة في موضوعك.
وهناك أمور تستطيع أن تختبر بها إيمانك العملي: من أمثلتها الضيقة. قد تحل الضيقة باثنين: أحدهما مؤمن والآخر غير مؤمن فيضطرب غير المؤمن ويخاف ويقلق, ويتصور أسوأ النتائج, وتزعجه الأفكار, أما المؤمن فيلاقيها بكل اطمئنان, وبسلام قلبي عجيب, وقد يسأله البعض عن شعوره إزاء الضيقة فيقول: هذه المشكلة سوف يتدخل الله فيها ويحلها, وسوف تئول إلى الخير, وقد تسأله كيف سيتدخل الله؟ وكيف سيحلها؟ فيجيبك: أنا لا أعرف ولكن ما اعرفه إننا لا نهتم بمشاكلنا فالله هو المهتم بالكل. إذن إن كانت الضيقة تفقدك سلامك القلبي, فاعرف أن إيمانك ضعيف. وهو ضعيف من جهة الإيمان بالله الحافظ والراعي, لذلك فإن الإنسان المؤمن يجعل الله بينه وبين الضيقة, فتختفي الضيقة ويظهر الله, أما غير المؤمن فإن الضيقة تخفي عنه معونة الله.
المؤمن مهما بدت كل الأبواب مغلقة, يري باب الله مفتوحًا. تختبر إيمانك أيضًا ببعض الوصايا. ومنها وصية العطاء, التي تعطي بها نصيبا من مالك ولله, إي للفقراء والمحتاجين. وبخاصة إذا كان المؤمن محتاجًا, أو مطلوبًا منه أن يعطي من أعوازه. فإن ضعف إيمانه يقول: إن كان المرتب كله أو الإيراد كله لا يكفي, فكيف يكون الحال أن نقص ما أعطيه لله؟! أما المؤمن الحقيقي فإنه يؤمن بان الله سيبارك باقي ما يملكه إن دفع للمحتاجين. انه اختبار لإيمانك: هل الله قادر أن يعولك بما تبقي لك بعد دفع نصيب الفقراء.
كذلك من الاختبارات الهامة: مدي محبتك للصلاة. فهل تنساها و تمر عليك أوقات كثيرة لا نصلي فيها؟ وهل إذا وقفت للصلاة تفكر في كيف تنتهي منها لتنشغل بأمور أخرى تهمك بالأكثر؟ وهل أثناء صلاتك يمكن أن يسرح فكرك في أمور أخرى, وتنسي انك واقف إمام الله تخاطبه؟!
تختبر إيمانك أيضا بأنه هل يدركك اليأس أحيانًا, واليأس ضد الأيمان ولاشك أن المنتحرين يكونون قد فقدوا إيمانهم بحقيقة الحياة بعد الموت, التي يدخل إليها المنتحر وهو قاتل نفس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pgvbcz2