والإيمان مستوى أعلى من العقل:
إن العقل قد يوصلك إلى بداية الطريق. أما الإيمان فيكمل معك الطريق إلى أقصاه. الإيمان لا يتعارض مع العقل. ولكنه يتجاوزه إلى مراحل أبعد بما لا يُقَاس، لا يستطيع العقل بمفرده أن يصل إليها.
وما لا يدركه العقل، نسميه "غير المُدْرَك". ونحن نصف الله بأنه "غير مدرك". لأنه أيضًا غير محدود. بينما العقل البشري محدود ولا يدرك سوى الأمور المحدودة، التي تدخل في نطاقه. العقل يستطيع أن مجرد معرفة الله، وإلى بعض صفاته. ولكن بالإيمان "الروح يفحص كل شيء، حتى أعماق الله" (1 كو 2: 10). وبالنسبة إلى المؤمن، يكشف الله له ذاته. أو يكشف له ما يحتمل الطبيعة البشرية أن تدركه...
العقل قد لا يدرك أشياء كثيرة، ولكنه يقبلها:
العقل ليس من طبيعته أن يرفض كل ما لا يدركه. بل حتى في المحيط المادي في العالم الذي نعيش فيه، توجد مثلًا مخترعات كثيرة لا يدركها إلا المتخصصون. ومع ذلك فالعقل العادي يقبلها معها، دون أن يدرك كيف تعمل، وكيف تحدث. والموت يقبله العقل، ويتحدث عنه، ومع ذلك فهو لا يدركه، ولا يعرف كيف يحدث.
فإن كان العقل يقبل أمورًا كثيرة في عالمنا، وهولا يدركها. فطبيعي لا يوجد ما يمنعه من قبول أمورًا أخرى أعلى من مستوى هذا العالم.
العقل لا يدرك (المعجزة) كيف تتم. ولكنه يقبلها ويطلبها، ويفرح بها.
لقد سُمِّيَت المعجزة معجزة، لأن العقل يعجز عن إدراكها وعن تفسيرها. ولكنه يقبلها بالإيمان... الإيمان بوجود قوة غير محدودة، أعلى من مستواه، يمكنها أن تعمل ما يعجز العقل عن إدراكه. وهذه القوة هي قوة الله القادر على كل شيء.
إننا نحترم العقل. ولكننا في نفس الوقت ندرك حدود النطاق الذي يعمل فيه. ولا نوافق العقل. المغرور الذي يريد أن يعي كل شيء، رافضًا كل ما هو فوق مستوى إدراكه.
ينبغي للعقل أن يتضِع، ويعرف مستواه "ولا يرتئي فوق ما ينبغي" (رو 12: 3). وفي الأمور التي هي فوق إدراكه، يجب أن يسلم قياده للإيمان.
أما إن أراد العقل أن يحطم كل ما لا يدركه، فإنه سيحطم نفسه أخيرًا، ويفقد الإيمان ويحصر نفسه في دائرة ضيقة جدًا، هي دائرة إدراكه المحدود.
والذين يسلكون هكذًا، اعتاد البعض أن يسميهم (العقلانيون)، لأنهم يعتمدون على العقل وحده، ودون الروح!
إن العاقل يمكنه أن يصل إلى الله. أما العقلاني فلا يصل.
والمؤمنون عاقلون، ويحترمون العقل، ويستخدمونه أيضًا في الأمور الدينية واللاهوتية. ويوجد بين المؤمنين فلاسفة وحكماء وأشخاص على مستوى عال من الفكر والذكاء. ولكنهم على الرغم من كل هذا، لا يمزجون العقل بالغرور ولا يثقون بقدرة العقل على إدراك كل شيء (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وإنما في بساطة واتضاع، يعترفون أن عقولهم محدودة، وقصره عن إدراك كل ما يحيط بالله غير المدرك... وبالإيمان تقبل قلوبهم وعقولهم ما هو فوق مستوى العقل...
العقل البسيط المتواضع، هو الذي يقبل الإيمان، والمعجزة.
نقصد بعبارة (التواضع) إنه لا يعتز بإدراكه الخاص. ولا يحطم كل ما هو فوق إدراكه. ونقصد بعبارة (البسيط)، العقل الذي لا يعقد الأمور، ولا يصر على إدخال كل شيء في حدود معامله ومقاييسه الخاصة.
ولعنا سنعود إلى هذه النقطة، حينما نتحدث عن (بساطة الإيمان).
الإيمان ليس هو مجرد تلاوة قانون الإيمان، إنما هو حياة نحياها.
إن كنت تحيا في الإيمان، والإيمان له ثماره في حياتك العملية، فإنك تستطيع أن تختبر إيمانك بالفضائل التي تبدو واضحة في حياة المؤمن، وهي عديدة... وبها تنفيذ قول الرسول "امنحوا أنفسكم: هل أنتم في الإيمان؟ اختبروا أنفسكم" (2 كو 13: 5).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9x7j5km