ما أجمل ذلك التعليم الروحي الذي يقول: "شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 20). أي أن الشكر لله تبارك اسمه, لا يكون فقط في مناسبات معينة. بل تكون حياتنا كلها في شكر دائم, معترفين بفضل الله علينا في كل حين.
إننا نشكر الله في بداية هذا العام الجديد, لأنه منحنا صفحة جديدة من الحياة, ينبغي أننا لا نكتب فيها إلا كل خير. علي أننا لا نقتصر علي ذلك. بل نشعر بإحسانات الله إلينا باستمرار علي الرغم مما يمر علينا من ظروف الحياة المتنوعة. إننا ندرك عن يقين وثقة أن الله صانع الخيرات, لا يعمل معنا إلا كل خير, سواء كنا نري هذا الخير أو لا نراه إننا نشكره علي الخفيات والظاهرات. نشكره علي النعم الجزيلة التي يفيض بها علينا,, كما نشكره علي القليل أيضا أو ما نراه قليلا. لذلك فإن الإنسان الروحي يحيا دائما في سلام وفي شكر ليس فقط بالكلام وإنما من عمق القلب أيضا. ويشكر أيضًا علي كل الخير الذي يتلقاه من الله, موقنا أنه لا توجد عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر. بل يصل الشكر أيضًا حتى في وقت الضيقة لان الله لا يسمح للإنسان بالضيقة إلا لو كان وراءها خير لابد يظهر بعد حين. ومن الطبيعي أن يشكر كل شخص علي إنقاذ الرب له من الضيقات التي يراها. ولكن ينبغي أن يشكر أيضا علي الضيقات التي كانت تسعي إليه، ووقفها الله ومنعها قبل أن تحدث. وهنا يكون الشكر ليس علي الضيقات التي أنقذه الله منها, بل أيضا علي الضيقات التي حفظه الله من وصولها إليه.
لو عاش الإنسان حياة الشكر الحقيقية, لكان يشكر الله علي كل نفس يتنفسه, وعلي كل خطوة يخطوها, وعلي كل عمل يعمله, وعلي كل ما يأتي عليه, ولا يري أن هناك شيئا من تدابير الله معه, إلا ويستحق الشكر. وهكذا يقول في كل ما يحدث معه: كله للخير.
هناك أسباب كثيرة يجب أن نشكر الله عليها, ولكننا نادرًا ما نشكر! وبعضها يبدو لنا كأنها مجرد أمور عادية. وعلي الرغم من أنها نعم, إلا أنها لم تستوف حقها من الشكر.
مثال ذلك أنه ينبغي أن نشكر الله لأنه خلقنا وأنعم علينا بالوجود. ولكن من منا يشكر الله علي ذلك؟! كان ممكنا يا أخي أنك لا تكون موجودًا. لم يكن الله مطالبًا أن يزيد العالم واحد! اشكر الله أن والدتك لم تكن عاقرًا, بل منحها الله نعمة أن تلد بنين. أو كان ممكنا أن والديك يكتفيان بولادة إخوتك, دون أن يأتي دورك...
ينبغي أن نشكر الله أيضًا علي الطبيعة التي حولك, وعلي كل ما خلفه الله لأجل راحتك. اشكره علي أنه رتب كل قوانين هذا الكون من حيث الضياء والهواء والحرارة والأمطار وكل الكائنات التي حولنا. اشكره لأنه أقام لك السماء سقفًا, وثبت الأرض كي تمشي عليها. ولم يدعك معوزا شيئا من أعمال كرامتك.
عليك أن تشكر الله أيضًا علي ما وهبك الله من العقل أو الذكاء أو أي موهبة منحك الله إياها: مثل موهبة الرسم أو الموسيقي أو رخامة الصوت, أو جمال الوجه, أو القدرة علي الاحتمال والصبر... وكلها مواهب من الله تحتاج إلي شكرك عليها.
اشكر الله أيضا علي الإيمان الذي أنت فيه, نعم هل تشكره علي أنك ولدت مؤمنًا ولم تبذل أي مجهود لكي تصل إلي هذا الإيمان... ذلك لأن كثيرين يشتهون هذا الإيمان ولا يجدونه, أما أنت فقد نلته مجانًا وسهلًا. إذ ولدت فيه.
سمعت مرة عن قصة فيلسوف ملحد, رأي فلاحًا أمميًا يصلي. وتعجب كيف أن هذا الرجل البسيط يركع في حقله, ليخاطب من لا يراه وذلك من قلبه وبكل مشاعره وبكل ثقة وإيمان! فقال: إنني مستعد أن أتنازل عن كل فلسفتي وكل ما درسته من كتب, مقابل أن أحظي بشيء من إيمان هذا الغلام البسيط.
نعم إن إيمانك نعمة لم تحظ بها البلاد الملحدة ولا أولئك الأشخاص الذين شوه الشيطان عقولهم بشكوك لا يعرفون ردودًا عنها.
اشكر الله أيضًا علي أنك ما زلت حيًا. ذلك لأن حياتك هي منحة من الله, بيده أن يبقيها أو أن ينهيها في أي وقت. وهي يجددها لك يوما بيوم وساعة بساعة. فلتشكره إذن علي هذا اليوم الذي تحياه، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. اشكره أيضًا علي أنه وقد مد في حياتك, إنما قد أعطاك أيضًا فرصة للتوبة. واذكر هنا ما قاله أحد الكتاب: إن ملايين الناس من الذين في الجحيم, يشتهون ساعة واحدة من الحياة التي علي الأرض, أو حتى دقيقة واحدة, ليقدموا فيها توبة لله, ولا يجدون!
لو أن الله قرر أن يأخذ روحك الآن, ألا تشتهي بعض الدقائق من هذا العمر الذي لك؟! تقول له بعض دقائق أستطيع فيها أن أصالح من أخاصمهم, مهما كان المخطئين... وكل ذلك قبل أن يغلق الباب وأقف خارجًا.
اشكر الله أيضا لأنه هيَّأ لك بيئة دينية تعيش فيها, وأنه وهب لك هذا القدر من المعرفة الروحية والسلوك الروحي, وأنه أرسل لك قدوات صالحة في طريقك, تتعلم منها الحياة الحقيقية وكيف تكون. اشكر الله أيضًا لأنه لا توجد عوائق تمنعك عن الحياة مع الله.
نحن أيضًا نشكر الله لأنه, لم يعاملنا بحسب خطايانا, ولم يصنع معنا بحسب آثامنا. بل علي الأكثر فعلي الرغم من أخطائنا يحسن هو إلينا بكل أنواع الإحسان... لذلك علينا أن نشكر الله علي احتماله العجيب وطول أناته علينا... نعم جميل هو التأمل في معاملات الله سواء لك أو لغيرك. إننا نشكره عليها, لأنه حنون وطيب ومحب ولأنه غفور.
نشكره علي الصحة وعلي المرض, ونشكره لأنه سترنا وأعاننا وأشفق علينا وأتي بنا إلي هذه الساعة, ونشكره علي كل عمل صالح استطعنا أن نعمله, لأنه لو لم تكن يد الله معنا ما كنا نستطيع أن نعمل شيئًا صالحًا علي الإطلاق. وأكثر من هذا كله نشكر الله لأنه أعطانا أن نعرفه. كما نشكره لأجل وعوده العظيمة التي منحنا إياها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/zn7tbfs