محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
في الأصحاحات الثلاثة السابقة وجه الرسول بولس الكنيسة إلى التمتع بالوحدة الكنسية القائمة على التمتع بحب اللَّه الفائق خلال عمل الابن الخلاصي أو خلال الصليب (ص1)، وشركة الروح القدس (ص2)، وقبول رعاية الآب الذي يهتم بكنيسته بكونها فلاحة اللَّه أو بناء اللَّه (ص3). وكأن الرسول يود ألا ينشغلوا بالانقسامات بل باللَّه الكلي الحب. الآن يلتزم بالدفاع عن نفسه، ليس لكي يسحب أنظارهم إليه، ولا من أجل مجدٍ زمنيٍ يشتهيه، وإنما لتأكيد هذه الوحدة الكنسية. إنه خادم للمسيح الواحد ووكيل أسرار اللَّه الواحد، وهو أب لهم في المسيح يسوع لا يُسر بتكوين فرقة تنسب نفسها إليه وإنما بتحقيق رسالته بأمانة وانشغال المؤمنين باللَّه مخلصهم.
قدم لنا هذا الأصحاح صورة حية لالتزام الخادم بالأمانة: أمانة للَّه كوكيل أسراره، أمانة للكلمة المتجسد ليهتم بخدمة الخلاص، وأمانة للكنيسة ليحمل سماتها المتواضعة، وأمانة للخدمة فيقدم أبوة حانية ملتزمة.
1 - 4. |
|||
5 - 6. |
|||
7 - 8. |
|||
9 - 14. |
|||
15 - 16. |
|||
17. |
|||
18 - 21. |
|||
من وحي 1 كو 4 |
1 هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ، 2 ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِينًا. 3 وَأَمَّا أَنَا فَأَقَلُّ شَيْءٍ عِنْدِي أَنْ يُحْكَمَ فِيَّ مِنْكُمْ، أَوْ مِنْ يَوْمِ بَشَرٍ. بَلْ لَسْتُ أَحْكُمُ فِي نَفْسِي أَيْضًا. 4 فَإِنِّي لَسْتُ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ فِي ذَاتِي. لكِنَّنِي لَسْتُ بِذلِكَ مُبَرَّرًا. وَلكِنَّ الَّذِي يَحْكُمُ فِيَّ هُوَ الرَّبُّ.
إذ يتحدث الرسول بولس عن الوحدة الكنسية يكشف عن الدور الحقيقي للرسول أو الخادم أو المعلم، فهو مجرد خادم للسيد المسيح ووكيل لأسرار اللَّه، ما يشغله هو تمتع شعبه بعمل المسيح الخلاصي وأن يوجد أمينًا في وكالته لأسرار اللَّه، إذ يقول:
كخدام المسيح ووكلاء سرائر اللَّه" [1].
بقوله "يحسبنا" يشير إلى نفسه وإلى أبُلّوس وإلى أي رسول أو معلم في الكنيسة. وبقوله "يحسبنا الإنسان" يعلن الرسول أن رسالته أن يعمل لحساب المسيح ليس في حياة المؤمنين وحدهم، بل وفي حياة كل إنسان. يود أن يكون في أعين كل البشرية خادمًا للمسيح ووكيلًا لأسرار اللَّه.
أولًا: يؤكد الرسول بولس أن عمله الرئيسي هو الخدمة لحساب المسيح، فلا يطلب كرامة أو مجدًا لنفسه. إنه ليس بالسيد الذي يسيطر ويملك، بل الخادم الذي يعمل لحساب سيده. إنه الوكيل الذي يتمم مشيئة سيده، ليس صاحب الوكالة الذي يتصرف حسب أهوائه. إنه عامل بسيط يأخذ أوامره من سيده ويفرح أن يرى أولاد سيده يمثلون أسرة سماوية واحدة.
يسوع المسيح شخصيًا هو راعي الكنيسة ومؤسسها "أبني كنيستي" (مت18:26). هي من عمله هو ولا آخر سواه. يدرك ذلك جيدًا من يشعر بقيمة المهر الذي قدمه لها "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب... بل بدمٍ كريمٍ كما من حملٍ بلا عيب ولا دنس دم المسيح" (1 بط 16:1، 19)؛ فمن يقدر أن يفلح كرم الرب أو يرعى قطيعه؟!
يسوع المسيح في رعايته ليس بمحتاجٍ إلى رعاة مساعدين، إنما من قبيل حبه غير المتناهي للإنسان، دعاه ليشاركه في هذا العمل. وإن كنا مع هذا نُدعى رعاة مجازًا، لأن الذي يرعى ليس نحن بل الراعي ذاته فينا، فلا زال هو الراعي الوحيد رغم دعوتنا نحن رعاة!
ثانيًا: إنه وكيل أسرار اللَّه، يقدم الأسرار الإلهية والكلمة طعامًا للنفوس. لا يقدم شيئًا من عنده، بل مما هو لسيده. وما هي أسرار اللَّه سوى سرّ الحب الذي يربط السمائيين والأرضيين معَا في وحدة أبدية مجيدة. فليس مِن حق الخادم أن يدَّعي الحكمة والمعرفة فيما لا يخص خلاص اخوته. فلا يستغل محبتهم له وثقتهم فيه ليقدم غير أسرار اللَّه السماوية، إنما يترك كل عملٍ في أيدي المتخصصين: السياسة لرجال السياسة والعلم لرجال العلم والقضاء لرجال القانون! إنه وكيل مملكة النعمة الإلهية، ينهل منها ليقدم للجميع. إنه قبل كل شيء هو كارز وخادم للكلمة يقدمها مائدة سماوية لكل إنسانٍ!
تذمر أحدهم على أحد الأساقفة قائلًا بأنه لا يؤمن أن الخبز والخمر يتحولان إلى جسد الرب ودمه على يد كاهنٍ شريرٍ، فطلب منه أن يحضر خاتمًا للقربان من الذهب. ثم أتى بقطعة من العجين وختم نصفها بالخاتم الذهبي والآخر بالخشبي، وقال له: ميزّ إن أمكنك أي القربانتين خُتمت بخاتم الذهب وأيهما بخاتم الخشب؟ وعندئذ نصحه ألا يدين الكاهن سواء أكان ذهبًا أو عشبًا، فإن اللّه سيدينه، لكنه يقبل البركة التي ينالها من يد الكاهن مهما كان شريرًا... وهو لشره تكون إدانته أقسى من الشعب.
* لا تنظر إلى استحقاقات الأشخاص، بل إلى وظيفة الكهنة...
إن كنت تنظر إلى الاستحقاقات، اعتبر الكاهن كإيليا... ففي القديم نزلت نار منظورة حتى يؤمنوا. أما بالنسبة لنا نحن المؤمنون، فإن اللَّه يعمل بطريقة غير منظورة لأن ما حدث في القديم كان رمزًا، وفي نفس الوقت هو تحذير لنا.
آمن إذن أن الرب يسوع هو الحاضر أثناء صلوات الكاهن... لأنه إن كان قد قال:"إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون أنا في وسطهم" (مت 20:18)، فكم بالأكثر يهبنا حضوره عندما تجتمع الكنيسة (الكهنة) وتتم الأسرار؟!
ثالثًا: كوكيل للَّه يستحق الكرامة في الرب، لكنها ليست كرامة للكبرياء والتسلط، إنما كرامة لحساب صاحب الأسرار نفسه.
رابعًا: كوكيل لأسرار اللَّه يليق به أن يدرك أن عمله الرئيسي كما قلنا هو تقديم الأسرار الإلهية لا للتدخل في حياة الناس اليومية وربطهم به بطريقة بشرية.
خامسًا: جاء التعبير اليوناني oihsnomous يعني أنه المدبر أو نائب عن السيد في تدبير أمور أسرته، يهتم بتقديم المئونة للبيت في الوقت المناسب وبكميات مناسبة. عليه التزام بمسؤوليات خطيرة. تحت يديه خزانة سيده ليقدم منها ما هو لازم للعائلة، على أن يعطي حساب الوكالة أمام سيده. إنه ليس مصدر العطايا إنما مؤتمن على مخازن سيده.
سادسًا: سرائر اللَّه هي الإنجيل أو التعاليم الإلهية الخاصة بخلاص العالم. خلال آلام السيد وصلبه وقيامته، التي أعلنها لنا اللَّه عمليًّا.
سابعًا: إذ ظن الكورنثوسيون أنهم رؤوس ورؤساء يريدون أن يحركوا حتى الرسل حسب أهوائهم يؤكد الرسول أنه هو وزملاءه يحسبون أنفسهم عاملين لدى المسيح، منه يأخذون التعليمات لتحقيق إرادته، ومنه وحده ينالون المكافأة. لن يقدر أحد مهما استخدم من ضغوط أو إغراءات أن يغير سلوكهم في الخدمة.
يعتز الرسول بولس وغيره من الرسل بتعبير "خادم المسيح". هكذا يليق بالكاهن أن يدرك أن عمله هو مشاركة السيد المسيح غسله للأقدام، فلا يظن في نفسه رئيسًا. بهذا لن يقبل إقامة فريق باسمه في الكنيسة مما يسبب الانشقاقات.
كوكيل ليس من حقه إخفاء الأسرار الإلهية عن الشعب بل إعلانها للجميع. وكوكيل يلتزم بالآتي:
* يكرس كل طاقاته ووقته لحساب موكله، وليس لحساب آخر.
* أن يكون أمينًا على الوكالة [1-2] فلا يبددها أو يفسدها [4].
* يُدرك أنه مُعيّن من قِبل المسيح نفسه لا من البشر [3].
* لا يرتبك بحكم زملائه بل بحكم الموكل نفسه، يقدم حسابًا له [3-4].
* ينشغل بيوم الرب، يوم سيده لا يوم بشرٍ [5].
يميز العلامة أوريجينوس بين خادم المسيح ووكيل أسرار اللَّه، قائلًا: [يوجد فارق كبير بين أن يكون الشخص خادمًا للمسيح وأن يكون وكيل سرائر اللَّه. أي بين شخصٍ يقرأ الكتاب ليمكنه أن يكون خادمًا للمسيح وشخص يلتزم أن يدخل إلى أعماق الأسفار المقدسة فيكون وكيلًا لسرائر اللَّه. كان بولس يعمل كوكيلٍ لأسرار اللَّه عندما عهد للوقا أن يكتب إنجيله، وعندما أرسل تيموثاوس (1 تي 1: 1 - 4) يفرز (التعاليم الصادقة عن الخرافات) في كنيسة أفسس. أتجاسر أيضًا فأقول أن بولس عمل كخادم المسيح في كورنثوس بينما صار وكيلا لأسرار اللَّه في أفسس(267).]
إنه كخادم المسيح ووكيل أسرار اللَّه يفرز نفسه عن الرسل الكذبة الذين يخدمون أنفسهم ويطلبون كرامتهم الذاتية فيقَّسمون كنيسة المسيح الواحدة.
* قال بولس هذا لأن بعض الكورنثوسيين قد أهانوه. إنه لم يكرز بشيء مختلف عما بشّر به الرسل. فإذ يدعو نفسه خادمًا للمسيح ووكيل أسرار اللَّه يشير بطريقة عملية كاملة لا تحتمل الشك إلى الرسل الكذبة من هم. إنه يرفض القول بأنهم يكرزون بالمسيح، لأن كرازتهم لا تتفق مع التقليد الرسولي(268).
* "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر اللَّه". يقوم الوكيل بإدارة أمور موكله حسنًا دون أن ينسب لنفسه ما لموكله، بل على العكس ينسب ما لديه لسيده... أتريد أن ترى مثالًا لوكلاء مؤمنين؟ اسمع ما يقوله بطرس: "لماذا تشخصون إلينا كأننا بقوتنا أو تقوانا قد جعلنا هذا يمشي؟" (أع 12:3).
وعند كرنيليوس أيضًا قال: "قم أنا أيضًا إنسان"... وبولس الرسول لا يَقِلْ عنه أمانة فيقول: "أنا تعبت أكثر من جميعهم، ولكن لا أنا بل نعمة اللَّه التي معي" (1 كو 10:15).
وعندما قاوم الرسول أولئك الأشخاص غير الأمناء قال: "وأي شيء لك لم تأخذه؟"
"ثم يسال في الوكلاء لكي يُوجد الإنسان أمينًا" [2].
ماذا تعني الأمانة هنا سوى التزام الخادم بتقديم الوصية الإلهية طعامًا لائقًا للأسرة الإلهية أو كنيسة اللَّه. يقدم السيد المسيح الكلمة على المائدة لكي تشبع النفوس منه وتتحد به، فتصير جسده الواحد.
في ذهن الرسول بولس كل خادمٍ أو كل مؤمنٍ يلتزم أن يكون وكيلًا أمينًا في الشهادة للحق الإلهي بروح القوة والشجاعة والحكمة.
يكون أمينًا للَّه الآب لكي يدخل هو واخوته إلى أحضانه الإلهية كابناءٍ له.
يكون أمينًا للسيد المسيح لكي يتمتع الكل بشركة آلامه وصلبه ويختبر الكل قوة قيامته.
يكون أمينًا للروح القدس لكي يشكل البشرية أيقونة حيَّة للعريس السماوي.
يكون أمينًا لكنيسة اللَّه ليعمل بروح القداسة والنقاوة، فيشهد لإيمانه بأعماله في الرب.
ويكون أمينًا لخدمته حتى لا يُلام إنجيل المسيح، فيسلك الطريق الملوكي المعتدل، ويقود قطيع المسيح بحسب فكر المسيح لا فكره الشخصي.
إن كان الرسل يخشون على الدوام أن يسألهم الموكل السماوي عن مدى أمانتهم في الوكالة، فكم يليق بنا نحن أن ندقق في حياتنا وخدمتنا حتى نستطيع مجاوبة اللَّه في يوم الرب العظيم؟
* إن كان بولس ينطق بهذا عن أناس مثله ومثل بطرس وأبلوس فكم يكون هذا بالأكثر صادقًا بالنسبة لنا؟ يلزمنا أن نكون حذرين ومتيقنين أن نوجد وكلاء أمناء(269).
يشعر الخادم الحقيقي أنه كوكيل لأسرار اللَّه مدين له بكل قدراته ومواهبه ومعرفته للحق، وأنه عاجز عن التمتع بسمة الأمانة بدون عون إلهي. لهذا لن يكف عن الصلاة الدائمة لكي تعمل نعمة اللَّه فيه.
* إذ تسلمتم كل شيء، أدعو اللَّه في كل شيء. اعلموا دومًا أنكم مدينون له(270).
كوكيل لأسرار اللَّه يشعر الخادم بالالتزام بالأمانة من جانبين: الجانب الأول أنه أمين على مخازن اللَّه فلا يُقدم طعامًا غاشًا بل طعامًا سماويًا من مخازن موكله السماوي. ومن الجانب الثاني فقد أوتمن على نفوس أبناء سيده، فكل نفسٍ تهلك بسبب تراخيه يُطلب دمها من يديه! هذه هي الوكالة التي يُسأل عنها خادم الرب.
* لا يمكن للصراف أن يستهين ويستخف بودائع الآخرين، إنما بالأحرى يهتم بها لكي يحفظها في آمان إذ هو الشخص الذي وثقوا فيه(271).
"وأما أنا فاقل شيء عندي أن يُحكم فيَّ منكم أو من يوم بشرٍ،
بل لست أحكم في نفسي أيضًا" [3].
يؤكد الرسول بولس أنه لا يرتبك بالناقدين له، هؤلاء الذين أقاموا أحزاب في الكنيسة تحت اسماء بطرس وأبُلوّس والمسيح لمهاجمة الرسول بولس. فإنه لا يطلب ما هو لمجده الشخصي بل ما هو لمجد سيده الذي يطلب خلاص كل النفوس.
المقياس الذي به يتعرف الرسول على أمانته ليس حكم الناس ولا حكمه الشخصي ولكن انشغاله بيوم الرب العظيم الذي فيه يكشف اللَّه السرائر الخفية.
بقوله "أقل شيء عندي" يظهر الرسول أنه لا يستخف بهم ولا بحكمهم عليه، لكنه أن قورن الأمر بحكم اللَّه فلا وجه للمقارنة.
"يوم بشرٍ" أو "يوم إنسانٍ". كل يومٍ قبل يوم الرب يُحسب "يوم بشرٍ".
* واضح أن بولس لم يكن قلقًا من جهة نفسه إذ كان له ضمير نقي(272).
* يتهم بولس أهل كورنثوس بأمرين؛ الأول أنهم يبالغون في المديح، والثاني أنهم يحكمون على الآخرين عندما لا يجوز لهم ذلك(273).
لكنني لست بذلك مبررًا،
ولكن الذي يحكم فيَّ هو الرب" [4].
إذ يُسلم الرسول نفسه بالكلية للَّه الموكل والمعين والديان، ولا ينشغل حتى بالحكم على نفسه، يحمل شعورًا مقدسًا في الرب. فمن جانب يتصاغر أمام عيني نفسه بروح التواضع، وفي نفس الوقت لا يعاني من الشعور بالذنب. ففي تواضع يعلن أنه ليس مبررًا، لأن ما يتمتع به من برَّ هو من فضل النعمة الإلهية.
ومن جهة أخرى يعلن عدم معاناته من الشعور بالذنب إذ يقول: "لست أشعر بشيء (من عدم الأمانة) في ذاتي". لا يعني أنه بلا خطأ، إنما الرب يحكم عليه خلال رحمته ونعمته الفائقة. يشعر بالتقصير مهما كان أمينًا لكن الرب يكمل ضعفاته ويبرره. فلماذا يحكم أهل كورنثوس عليه كمخطئ؟ كأنه يقول: "من جهتي لست أحسب نفسي شريرًا أو غير أمين في وكالتي". إذ له ضمير صالح، لن يشك في أن الله يبرره (رو 5: 1)، لكنه لا يحسب نفسه بلا ضعف. لكنه يحرص ألا يفقد إكليله في يوم الرب العظيم (1 كو 3: 14 - 15).
مع مقاومة حتى الذين خدمهم له، يبقى الرسول مملوء بروح الرجاء واليقين أن خدمة المسيح لن تفشل وخطة اللَّه حتمًا تتحقق!
* يعرف بولس أنه وإن كان قلبه لم يزل يميل إلى الخطية إلا أن أعماله مستقيمة(274).
* ألا ترون أنه لا ينتفخ، بل بكل وسيلة يتواضع، وأنه بقي هكذا حتى بلغ إلى القمة.
5 إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ. 6 فَهذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ حَوَّلْتُهُ تَشْبِيهًا إِلَى نَفْسِي وَإِلَى أَبُلُّوسَ مِنْ أَجْلِكُمْ، لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا فِينَا: «أَنْ لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ»، كَيْ لاَ يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ.
"إذًا لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب،
الذي سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب،
وحينئذ يكون المدح لكل واحدٍ من اللَّه" [5].
يطالب الرسول المهتم بخلاص نفسه وخلاص إخوته ووحدة الكنيسة أن توضع الأمور في نصابها. فمن جانب لا يستطيع أحد أن يحكم عليه، فلا يأتمن حتى قرار نفسه الداخلي لأن فحص القلوب هو من سلطان اللَّه وحده. ومن جانب آخر فإن اللَّه ترك الحكم إلى يومه العظيم وأيضا هو وحده القادر أن يمدح بتقديم المكافأة السماوية والمجد الذي لا يزول ولا يفسد! فلماذا نغتصب كرسي اللَّه بإدانة الآخرين؟ لنترك الحكم في يد القادر على إصدار الحق والعارف بخبايا القلوب، ولا نتعجل الزمن، فالوقت مقصر ويوم الرب قادم سريعًا، والمجد مُعد لنا! كأنه يقول: "إن كان اللَّه ينتظر حتى اليوم الأخير لكي يمدح السالكين بأمانة لينالوا مجدًا سماويًا، فلماذا تنشغلون بإدانة الخدام وتحكمون عليهم كمن يجد لذة في هلاك الآخرين؟"
نحن الآن ننظر ما هو من الخارج لكن لا يقدر أحد أن يدرك نية الغير ودوافعه، فلا يستطيع أن يحكم على أمانته. لذا يليق الانتظار حتى يحل يوم الرب فيكشف الداخل ويكون المدح من الله لا الناس (يع5: 7).
* إن كنت عاجزًا عن الحكم على نفسي، فكيف أدعى الحق في الحكم على الآخرين؟(275)
* سيحكم اللَّه في وقته المناسب. فإن القاضي يُهان متى ادعى خادم ونطق بحكم قبل معرفة قرار الحكم الذي للقاضي(276).
يحاول العدو أن ينحرف بنظر الكنيسة عن العريس الحقيقي إلى صديق العريس، تمجده في ذاته أو تذمه. والكنيسة من حيث هي عروس للعريس الواحد يسوع، ليس لها آخر سواه، ليس لها إلا أن يسيطر العريس وحبه والتفكير في مجيئه على أفكارها وعواطفها فيملأ قلبها وعقلها وحياتها من كل جانب. والعدو من حيث لا يطيق أن يرى نفسًا تنشغل بيسوع المسيح يعمل جاهدًا على الانحراف بنا عن العريس نحو آخر، ولو كان صديقًا للعريس فننشغل بالرعاة الصالحين بتمجيدهم في ذواتهم ومدحهم، دون أن تمجد اللَّه معطي البشرية هذا السلطان أو هذه الإمكانية. أما الأشرار فتدينهم وتنقدهم. وهكذا يتحول فكرها من حب العريس إلى الإدانة بالمدح أو الذم(277).
* جلب حام بن نوح على نفسه اللعنة، لأنه ضحك عندما رأى عورة أبيه. أما اللذين سترا عورة أبيهما فقد نالا البركة(278).
* من جهة الرعاة الصالحين يجب علينا ألا نضع رجاءنا فيهم بسبب أعمالهم الصالحة، إنما نمجد اللَّه أبانا السماوي الذي جعلهم صالحين هكذا. وأما الرعاة الأشرار الذين أشار إليهم الرب بالكتبة والفريسيين فقد أوصانا عنهم بأنهم يعملون بما هو صالح رغم أعمالهم الشريرة.
فبخصوص الرعاة الصالحين قال: "أنتم نور العالم. لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة، فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات" (مت 5: 14-16).
أما عن الرعاة الأشرار، فقد أوصى الرعية قائلًا: "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون" (مت23: 2-3).
يا قطيع المسيح، عندما تصغون حتى إلى المعلمين الأشرار، اسمعوا صوت يسوع، وبهذا تقتاتون في آمان، ولو كان الذين في مرعى الرب رعاة أشرارَا...!
أما بالنسبة لأولئك الذين يرونهم صالحين، فانهم لا يكتفون بسماع أقوالهم بل يقتدون بأعمالهم. ومن بين هؤلاء الرعاة كان الرسول القائل: "متمثلين بي كما أنا أيضًا بالمسيح" (1 كو11: 1). إنه نور استضاء بالنور السرمدي أي بالرب يسوع المسيح نفسه الموضوع على منارة متمجدًا على صليبه. أما عن الرسول نفسه فقد قال: "حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم" (غلا 6: 14). فلم يكن يطلب لنفسه شيئًا بل يطلب ما هو ليسوع المسيح لذلك بينما يطلب ممن ولدهم خلال الإنجيل أن يتمثلوا به (1كو4: 15)، نجده يعنف بشدة أولئك الذين سببوا انقسامات تحت أسماء الرسل، زاجرًا إياهم"..ألعل بولس صلب لأجلكم؟! أم باسم بولس اعتمدتم؟!" (1 كو 1: 13).
فالرعاة الصالحون هم الذين لا يطلبون ما لذواتهم بل ما ليسوع المسيح، والقطيع الصالح هو الذي رغم تمثله برعاته الصالحين الذين بخدمتهم يجمعونه، لكنهم (المؤمنون) لا يضعون رجاءهم في رعاتهم بل في الرب، الذي خلصهم بدمه. حتى أنهم إن خضعوا لرعاة أشرار، يبشرون بتعاليم المسيح غير عاملين بها، فانهم يعملون بما يسمعون منهم لا بأعمالهم، دون أن يتركوا مراعي الكنيسة الواحدة بسبب الرعاة الأشرار. ففي الكنيسة الجامعة ستجد رعاة صالحين ورعاة أشرارًا(279).
* لكوني كنت جاهلًا بهذه الأمور، فقد هزأت بأبنائك وخدامك القديسين، ولكن لم أربح من وراء هذا سوى ازدرائك بي.
* أضف إلى ذلك، لو أعطى ملك هذا الشرف لأحد الخاضعين له، واهبًا إياه سلطانًا أن يسجن من يراهم يُسجنون ثم يطلق من يستحق أن يُطلق، فإن هذا الشخص يكون موضوع حسد واحترام كل الناس، فكم بالأحرى ذلك الذي نال من اللَّه هذا السلطان العظيم جدًا، بقدر سمو السماء عن الأرض، وعظمة الأنفس عن الأجساد، مع أن البعض يبدو لهم كما لو أنهم نالوا شيئًا قليل القيمة...
ليُنزع عنا مثل هذا الجنون!! لأن الازدراء بعملٍ عظيمٍ كهذا هو جنون مطبق لأن بغيره يستحيل الحصول على الخلاص أو نوال الأمور الصالحة التي وعدنا بها. فإن كان أحد لا يدخل إلى ملكوت السماوات ما لم يولد من الماء والروح، ومن لا يأكل جسد الرب ويشرب دمه يُستبعد من الحياة الأبدية، وهذه جميعها تتم على أيديهم المقدسة، أقصد أيدي الكهنة، فكيف يمكن لأحد بدونهم أن يهرب من نار جهنم أو يقدر أن يربح تلك الأكاليل المعدة للفائزين؟
لاحظ العلامة أوريجينوس أن الرسول بولس لم يقل: "يكون المدح والذم لكل واحد من اللَّه"، فإن اللَّه لا يود أن يذم أحدًا ولا أن يهلك أحدًا، بل أن يمدح ويمجد!
* لماذا يشير بولس فقط إلى المدح الذي من اللَّه، ولم يشر إلى شيء من الإدانة؟ يبدو لي أن السبب أن ما يستحق المديح يصل إلى أذني اللَّه، أما الأمور الأخرى فتعبر في سكون. بل ويمكنني أن أقول أكثر من هذا بأن اللَّه يتقبل الأمور المستحقة المديح، أما الأمور الأخرى فتعبر إلى إبليس(280).
* اعترف أنني أخطئ كل يوم بخصوص هذا، فإنني لست أعرف متى وكيف ألاحظ حكم الكتاب المقدس: "الذين يخطئون وبّخهم أمام الجميع لكي يكون عند الباقين خوف" (1تي20:5) والحكم: "اذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما" (مت15:18)، وبين الحكم: "لا تحكموا في شيء قبل الوقت" [5]. فإنه لا يُعرف أحد من آخر بدقة كما يعرف الشخص نفسه. بل ولا يعرف الشخص حتى ذاته حتى يتأكد من سلوكه في الغد ماذا سيكون. لذلك فإنه بالرغم من أن كثيرين يُعرفون من ثمارهم، فالبعض يبهجون أقرباءهم بحياتهم الصالحة بينما يحزن الآخرون أقرباءهم بحياتهم الشريرة، إلا أن أذهان البشر غير مدركة وغير مستقرة، لذا فإنه من باب الحكمة العلوية أن يحثنا الرسول: "لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكل واحدٍ من اللَّه".
* كم تكون خطيتنا ضد الآخرين عندما نستخدم نفس الطريقة التي يستخدمونها عندما يوبخنا هؤلاء الذين يجدون خطأ في آرائنا فيشتهون أن يجرحوننا لا أن يصححوا خطأنا.
حقًا هذا يحدث بسبب العداوة المرة بين الأشخاص حتى بين المرتبطين ببعضهم البعض بعاطفة قوية وصداقة حميمة، عندما "يفتكروا فوق ما هو مكتوب كي لا ينتفخ أحد لأجل الواحد على الآخر" [6]. وبينما يعض الواحد الآخر ويفترسه يلزم أن نخاف لئلا يهلك الواحد الآخر (غلا 15:5).
واضح أن حديثه هنا عن "خفايا الظلام" لا يعني أعمال الظلمة أو الليل، أو ما كان يمارسه البعض خفية في هياكل الأوثان ليلًا، وإنما يقصد الأمور السرية، أي نيات القلب ودوافعه وأسراره وخططه التي تبدو كما في مكان خفي مظلم، فلا تقدر الأعين البشرية أن تعاينها. تبقي هذه جميعها مخفية حتى يكشفها الديان القدير في يوم الرب العظيم. لا يعني هنا أعمال الظلمة الشريرة، إنما كل النيات الصالحة أو الفاسدة المخفية عن أعين البشر، والتي يكشفها يوم الرب العظيم.
"فهذا أيها الإخوة حولته تشبيهًا إلى نفسي وإلى أبلوس من أجلكم،
لكي تتعلموا فينا أن لا تفتكروا فوق ما هو مكتوب
كي لا ينتفخ أحد لأجل الواحد على الآخر" [6].
جاءت الكلمة اليونانية المترجمة تشبيهًا تعني تغيير شيء بآخر أو تحويل شيء إلى آخر ليكون رمزًا له.
لقد أشار الرسول بولس إلى نفسه وإلى أبلوس في تشبيه حتى يخفي أسماء المتهمين الكورنثوسيين الحقيقية لكي يمنع استياء الناس اليهم حتى يرجعوا ويتوبوا.
الاثنان كخادمين أمينين للمسيح يحملان ذات الفكر. فلا يحسبوا هذه الرسالة شخصية منه إنما تحمل فكر الإنجيل الذي يكرز هو به ويكرز به أبلوس أيضًا.
يليق بهم أن يروا خطة القديسين بولس وأبلوس وعمل اللَّه في حياتهما وخدمتهما، كيف عملا بكل طاقتهما بروح الحب والتواضع والانسجام معًا، دون أن يطلب أحدهما أن يكون رئيسًا للكنيسة، ولا سببا انشقاقًا. لهذا لاق بالخدام والشعب في كورنثوس عوض أن يقيموا فرقًا تحت اسميهما أن يسلكوا بروحهما.
7 لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟ 8 إِنَّكُمْ قَدْ شَبِعْتُمْ! قَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ! مَلَكْتُمْ بِدُونِنَا! وَلَيْتَكُمْ مَلَكْتُمْ لِنَمْلِكَ نَحْنُ أَيْضًا مَعَكُمْ!
بعد أن تحدث الرسول عن التزام الشخص بعدم إدانة خدام المسيح ووكلاء أسرار اللَّه كشف لهم عن مرارة نفسه من جهة ما أصاب بعض الخدام من كبرياء.
يسألهم ما هو أساس كبريائهم؟ ما هو الذي يميز المؤمن عن أخيه أو حتى عن غير المؤمن؟ فإن كل ما يتمتع به هو عطية إلهية. فمن الغباء والجهالة أن ينسب المعلم أو المؤمن ما قد ناله كأنه من قدرته، بل يليق به أن يسبح اللَّه قائلًا: "ليس لنا يا رب، ليس لنا، لكن لاسمك أعطِ مجدًا، من أجل رحمتك، من أجل أمانتك" (مز 115: 1).
وأي شيء لك لم تأخذه؟
وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟" [7]
هنا يوجه الرسول حديثه إلى بعض المعلمين الذين نالوا مواهب معينة ككلمة الوعظ أو المعرفة الخاصة بإنجيل المسيح. فهو يسألهم لماذا يفتخرون بما وهبهم اللَّه، ألم يقدمها اللَّه لهم لكي يحملوا روح التواضع لا الكبرياء؟
إن كان اللَّه قد ميز البعض بمواهب معينة فهي هبات مجانية مقدمة لا عن استحقاق الشخص ولا من أجل جهاده الشخصي ومهارته وسعيه بل من أجل بنيان الجماعة المقدسة. لهذا يليق بالمعلم الموهوب أن يشكر اللَّه الذي ميزه بمواهب معينة فلا يرد العطية بالعجرفة والجحود بل بروح الشكر في تواضعٍ.
* لا يمكن بإرادة أي إنسان أو رغبته مهما كانت غيرته واشتياقه للفضيلة أن يصل إلى مكافأة الكمال وشرف الطهارة المستقيمة، وإن تكون هذه الإرادة كافية، طالما هو مُحاط بالجسد الذي يحارب الروح ما لم تسنده مراحم اللَّه.
ولكي يدرك رغبته العظيمة التي يسعى إليها عليه أن يدرك "أن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار" (يع17:1)، "لأنه من يميزك وأي شيء لك لم تأخذه، وإن كنت قد أخذت، فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟!" (1كو7:4) (281).
* ما كنا نصلي لكي لا ندخل في تجربة لو كانت إرادتنا فيها الكفاية لحمايتنا... لذلك تُقدم لنا الإرادة عندما نصير حكماء بعطيته (الإلهية)، لكن يلزمنا أن نصلي لكي نصير قادرين على تحقيق ما نريده. في الواقع إذ تبدأ في ممارسة هذه الحكمة الحقيقية تجد مجالًا لتشكر: "أي شيء لك لم تأخذه؟ وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟" [7]، إي إن كنت قادرًا أن تأخذ من عندك. إذ تعلم من أين أخذت هذه اسأل ذاك الذي بعطيته بدأت أن تنال حتى تصير العطية كاملة.
يدفعهم الرسول بولس إلى التواضع بطريقة لطيفة، فإنهم يظنون أنهم مكتفين وملوك وحكماء أفضل من الرسل.
قد استغنيتم،
ملكتم بدوننا،
وليتكم ملكتم لنملك نحن أيضًا معكم" [8].
الشبع هنا يشير إلى الشبع من الطعام خاصة في الاحتفالات والأعياد. فقد ظنوا أن سعادتهم وغناهم في الفلسفات الزمنية والحكمة الزمنية أو في المواهب الروحية التي أعطيت لهم (1 كو 14: 26)، فصاروا أغنياء وملوكًا، يتمتعون بأمور كثيرة، في كرامة ومجدٍ. فحسبوا بروح الكبرياء أنهم ليسوا في عوز إلى أحد.
يشتهي بولس الرسول أن يملكوا بالحق، فإنهم إذ يبلغوا الملكوت يصيرون إكليل فرحه في حضرة ربنا يسوع (1 تس 2: 19).
9 فَإِنِّي أَرَى أَنَّ اللهَ أَبْرَزَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ آخِرِينَ، كَأَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِالْمَوْتِ. لأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَرًا لِلْعَالَمِ، لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ. 10 نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي الْمَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلاَ كَرَامَةٍ! 11 إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ، 12 وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. 13 يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الآنَ. 14 لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهذَا، بَلْ كَأَوْلاَدِي الأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ.
إذ وبخهم الرسول على كبريائهم وتشامخهم بدأ يكشف لهم عما يحتمله الرسل وخدام المسيح الحقيقيين من أجلهم.
"فإني أرى أن اللَّه أبرزنا نحن الرسل آخرين،
كأننا محكوم علينا بالموت،
لأننا صرنا منظرًا للعالم، للملائكة والناس" [9].
اقتبس الرسول هذا الأمر مما كان يحدث في المسارح الدموية الرومانية حيث كان المجرمون المحكوم عليهم بالموت يُقدمون إلى الساحة ليصارعوا مع الوحوش المفترسة أو ليُقاتلوا بعضهم البعض. وكان الشخص الغالب لا ينجو من الموت إذ يدخل مع معركة ثانية وثالثة حتى ينتهي مصيره بسفك دمه.
وكانوا أحيانًا يُلزمون بدخول الساحة عراة ليسخر الكل منهم، ويجد الكل مسرتهم في ما يعانوه من جراحات قاتلة. إذ كان الأباطرة الرومان يلقون المجرمين في الساحة كنوع من الترفيه عن الشعب الذي يجد لذته في هذه العروض العنيفة.
وصف سنيكا هذه المشاهد في رسالته السابقة بأنها كانت مجازر، وأن الذين كانوا يلقون للوحوش المفترسة الجائعة في الصباح يُحسبون أنهم يُعاملون بالرحمة والشفقة عن الذين يتركون إلى الظهيرة ليقاتل المحكوم عليهم بالموت بعضهم البعض.
حُسب الرسل كسيدهم ليسوا أهلًا أن يعيشوًا كمن حُكم عليهم بالموت لكي يتخلص العالم منهم (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). يرى البعض أن الرسول بولس يكتب هذا وفي ذهنه عادة عامة بين كثير من الدول الوثنية أن يقدموا ذبائح بشرية في وقت الكوارث الخطيرة وحلول الأوبئة. غالبًا ما يختاروا أشر الأشخاص وأدناهم في المركز الاجتماعي وأسوأهم خلقًا. هذا وكان البعض في العصور الأولى يتطلعون إلى المسيحيين كمصدر غضب الآلهة وعلة حدوث الكوارث الطبيعية أو الهزيمة أمام الأعداء، فكانت الجماهير تثور عليهم وتلقي القبض عليهم وتقدمهم ذبائح للآلهة كي يرفعوا غضبهم عنهم. كانوا يحسبونهم كأقذار العالم ووسخ كل شيء، ينبغي الخلاص منهم تمامًا. إنهم لا يستحقون الحياة.
يرى البعض أنه يقصد هنا "الملائكة الأشرار" حيث يجد إبليس وملائكته لذتهم في السخرية بالمؤمنين وتعذيبهم.
ولعل الرسول يعلن هنا بأن البشر جميعًا، حتى غير المؤمنين، لا يقدروا أن ينكروا طول أناة الرسل وقبولهم حكم الموت بفرحٍ، بل وتدهش الملائكة لعمل نعمة اللَّه فيهم.
يسمح السيد المسيح لتلاميذه ورسله أن يعانوا هذه المتاعب لكي يصيروا منظرًا للناس والملائكة، حيث تتجلى أمانتهم وتُعلن نعمة اللَّه التي تهبهم قوة واحتمالًا وتدخل بهم إلى الأمجاد السماوية.
* كان بولس أهلًا أن يكون منظرًا للملائكة إذ جاهد لينال مكافأة المسيح، فقد صارع ليقيم حياة الملائكة على الأرض، وأن ينزع شر الملائكة في السماء، إذ صارع مع الشر الروحي. بحق كان العالم يتطلع إليه ليقتفي آثاره(282).
* كانت الملائكة تتعجب لاحتمال الرسل. أما بالنسبة للبشر فالبعض يفرحون بأحزان الرسل، بينما آخرون يشفقون عليهم ولكن ليس لهم ما يقدمونه من عون لهم(283).
"نحن جهال من أجل المسيح، وأما أنتم فحكماء في المسيح.
نحن ضعفاء، وأما أنتم فأقوياء.
أنتم مكرمون، وأما نحن فبلا كرامة" [10].
* واضح أن ما قيل هو أن بولس ورفقاءه كانوا ضعفاء بينما كان الكورنثوسيون أقوياء(284).
يحدثهم الرسول بنوعٍ من التوبيخ الهادئ إذ لم يكن بولس الرسول جاهلًا ولا ضعيفًا ولا بلا كرامة، وهم ليسوا حكماء ولا أقوياء ولا مكرمين، هذه وجهة نظرهم من نحوه ونحوهم. إنه لا يعترض على ذلك ولا يثور على اتهاماتهم ضده وضد سائر الرسل، وإنما يقبل هذا "من أجل المسيح".
بقوله: "أنتم حكماء في المسيح" تعني أنه من أجل المسيح يراهم الرسول حكماء أو في طريقهم لنوال الحكمة الروحية.
* الذين يحبون المسيح هم جهلاء كما يحسبهم العالم(285).
"إلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونُعرى ونُلكم وليس لنا إقامة" [11].
يستعرض الرسول بولس متاعبه هو والعاملين معه فإنه "إلى هذه الساعة"، أي بعد خدمتهم بينهم وبين كنائس كثيرة لا يزالوا يجوعون ويعطشون ويتعرون ويلكمون كعبيدٍ (1 بط 2: 20)، ليس لهم مكان إقامة يستقرون فيه، ويعملون بأيديهم لأجل احتياجاتهم اليومية بالرغم من التزاماتهم ومسئولياتهم العظيمة التي في أعماقهم نحو العالم. يالها ما صورة مؤلمة لرسل ملك الملوك الذين يحتاجون إلى أكل وشرب وملبس ومكان يستقرون فيه فلا يجدون! لكنهم لم يبلغوا بعد الفقر الذي للسيد المسيح الذي ليس له أن يسند رأسه (لو 9: 58 ؛ مت 8: 20).
تبدو هذه الصورة لخدام المسيح الحقيقيين قاتمة للغاية، فمن أجل الخدمة ليس فقط يتهموا بالجهل والضعف ويصيبهم الهوان [10]، وإنما يعانون من الجوع والعطش والعري واللكم والتشريد. لكن هذه الصورة تصير بهية للغاية إن أدرك الخادم أن ما حلّ به لا يقُارن بما حلّ بسيده، الذي لم يكن له موضع يسند فيه رأسه (لو 9: 58). إنه يشاركه جوعه وعطشه وعريه على الصليب وآلام الصلب والرفض حتى من خاصته! الحب يحول الآلام والأتعاب إلى شركة مجد مع المصلوب!
بقوله "إلى هذه الساعة" يؤكد الرسول أن الآلام والضيقات ليست عارضة ولا أحداث ماضية لكنها مستمرة خلال الخدمة، هي جزء لا يتجزأ من العمل الرسولي. وهي ليست خاصة بشخصٍ معين، بل بكل الرسل والخدام، إذ يتحدث الرسول بصيغة الجمع.
بكامل حرية إرادتهم يود الرسل أن يشاركوا سيدهم آلامه فيصومون حتى يجوعوا ويعطشوا، أما أنهم يتعروا فتحمل معنى تحركهم المستمر حتى تبلى ثيابهم ولا يجدوا مالًا يشترون به ثيابًا جديدة.
لم يخجل بولس الرسول من الوقوف أمام ملوك وولاة بثياب بالية، لأنها تبلى بسبب خدمة سيده.
لم تمنعه ثيابه البالية من الدخول إلى بيت الرب والوقوف أمام اللَّه للعبادة. إنها في عيني اللَّه مجد وكرامة لبولس!
لا يخجل الرسول من القول بأن "ليس لنا إقامة" يُطردون من موضع إلى آخر ويجولون بلا موضع استقرار. ليس له عائلة مستقرة تعطيه شيئًا من التعزية خلال السلام الأسري.
بينما يظن الكورنثوسيون أنفسهم ملوكًا [8] إذ به يُلكم، أي يُعامل كعبدٍ مرذولٍ (ا بط 2: 20)، فقد لُكم سيده وهو في طريقه إلى الموت كعبدٍ (مت26: 67).
نُشتم فنبارك،
نُضطهد فنحتمل" [12].
يالها من صورة رقيقة عجيبة، فإن الإنسان بطبعه، بعد السقوط، متعجرف يود أن ينتقم لنفسه، فيرد الشتيمة بشتيمة، مدافعًا عن كرامته وعن مصالحه. إنها نعمة اللَّه هي التي تفتح قلب المؤمن كي لا يقاوم المسيئين إليه بل يحبهم، مباركًا لاعنيه، مقدمًا خيرًا لمن يضايقونه.
يعلنون عمليًا عن فكر مخلصهم الذي قابل شر البشرية بالحب وطول الأناة. إنها نعمة اللَّه القادرة وحدها أن تهبهم الشركة في سمات السيد المسيح.
* إن حفظنا وصايا المسيح، إن احتملنا مضرات، إن سمحنا بأن نُحرم من المكاسب، إن شُتمنا نبارك، إن اضطهدنا نفعل صلاحًا؛ إن كانت هذه هي الممارسة العامة بيننا فليته لا يكون أحد متوحشًا كمن لم يتغير إلى الصلاح. بإظهار هذا، فإن بولس كان رجلًا واحدًا لكنه كم من الناس جذبهم ليكونوا مثله؟!
* يأخذ المسيحيون موقفًا مناقضًا من أجل المغفرة للآخرين ونسيان تعدياتهم. فقد قيل: "نُشتم فنبارك، نُضطهد فنحتمل". اسمع إسطفانوس يقول: "يا رب لا تقم لهم هذه الخطية" (أع 6:6).
* "سمعتم أنه قيل: تحبُّ قريبك وتبغض عَدُوَّك. وأما أنا فأقول لكم أَحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السماوات... فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل".
ولكن من أين لنا القدرة على احتمال كل تلك الأضرار السابق الإشارة إليها، إلا إذا كنا قد نفذنا أوامر السيد المسيح بمحبتنا لأعدائنا ومضطهدينا؟
فإن كمال الرحمة والمحبة والاحتمال لا يمكن أن يمتد إلى أكثر من الأعداء. لذلك اختتم رب المجد ذلك بقوله: "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل؟" على أنه ينبغي أن نذكر أن كمال اللَّه يختلف عن كمال نفوسنا كبشر...(286)
صرنا كأقذار العالم،
ووسخ كل شيء إلى الآن" [13].
جاءت الكلمة اليونانية المترجمة " يُفتري" بمعنى يُجدف علينا. يُفترى على اللَّه حين يُجدف عليه بإنكار وجوده ومقاومة الإيمان به أو الإساءة إلى سماته وعنايته الإلهية ونعمته ومقاومة تعاليمه ووصاياه؛ حينما يحتقر الشخص هذه الأمور أو ينكرها أو يقاومها. ويُجدف على الإنسان حين يؤذيه أحد في شخصه أو كرامته أو سلوكه أو ممتلكاته.
لكي نفهم هذه العبارة يليق بنا أن نعرف بعض العادات التي كانت تسود العالم الوثني. عندما كانت تحل كارثة عامة كانت الجماهير تختار بعض الأشخاص المرذولين والبائسين والأدنياء في أعينهم الذين يقوم المجتمع بإعالتهم طول السنة، ويقودونهم بعد وضع أكاليل من الورود على رؤوسهم ليقدموهم ذبائح كفارية لإرضاء الآلهة. يلقون باللعنات التي للبلد كلها على رؤوسهم ثم يجلدونهم سبع مرات، ويحرقونهم أحياء، ويأخذون الرماد ليلقونه في البحر بينما تقول الجماهير: "كونوا كفارة عنا".
هكذا يرى الرسول بولس أن رسل السيد المسيح الذين هو كفارة عن العالم كله، يُعاملون كمن حُكم عليهم بأنهم لا يصلحون لشيء سوى أن يكونوا ذبائح كفارية للشياطين وذلك من أجل السلام والصالح العام.
كلمتا "أقذار" و"وسخ" في اليونانية تشيران إلى تقديم ذبيحة خلاصية للتطهير. كما تشيران إلى الزبالة التي تجمع من البيت وتُلقي فيصير البيت نظيفا. في مثل هذه الحالات يُلقي الشخص في البحر مثل الذبيحة. يقول العلامة أوريجينوس أن ربنا في تقديم ذاته كفارة عن خطايانا كان أكثر من تلاميذه الذين هم ذبيحة تطهير للعالم، وذبيحة معينة عن كل البشر.
كأن الرسول يعني أنه هو وزملاءه كانوا يعاملون ككائنات بائسة حُكم عليهم ألا يصلحوا في شيء إلا أن يكونوا ذبائح بشرية لاسترضاء الآلهة من أجل سلام الآخرين وخلاصهم.
بقوله: "أقذار العالم" يعني هنا أنه يُنظر إليهم أنه لا يوجد في العالم من هم أكثر منهم خسة وحقارة ليتخلص منهم.
بعد أن أبرز ما يلحق بهم هو وزملاءه من إهانات حتى حُسبوا كأقذار العالم ووسخ كل شيء يجب الخلاص منهم لأجل تطهير العالم منهم، يتحدث معهم بلغة الحب واللطف. إنه أب وليس رئيسًا، إذ ينذر إنما في حب أبوي وحنو. أبوته تلزمه أن ينذرهم ليخجلهم ويصلح من شأنهم.
"ليس لكي أخجلكم أكتب بهذا
بل كأولادي الأحباء أنذركم" [14].
كأنه يقول: "لست أكتب إليكم كمن يبحث عن خطأ ضدكم، ولا كمن يطلب منكم حتى الاحتياجات الضرورية للحياة (1 كو9: 15)، بل كأبٍ يبحث عن بذل ذاته لأجل أبنائه المحبوبين لديه جدًا.
لست أكتب إليكم لكي أخجلكم متى قارنتم أتعابكم بأتعابي. هذا ليس هو هدفي أن أخجلكم فأظهر كمن غلبكم وأفحمكم. إني أب، لن أقبل أن تكونوا في عارٍ أو خزيٍ.
* يعمل بولس هنا كطبيبٍ صالحٍ يهدئ من الألم الذي تسبب من العملية التي قام بها ليزيل المر، حتى يُشفي المريض(287).
15 لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ. 16 فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي.
"لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون،
لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" [15].
كأبٍ يكتب إليهم لا لتوبيخهم أو إبراز أخطائهم كأعداءٍ له، بلا خلال أحشائه الأبوية يطلب بنيانهم. يشتهي إصلاحهم وتقديسهم لا دينونتهم والحكم عليهم.
إذ ينذرهم يميز بينهم وبين خطاياهم، يحبهم كأولاد له، ولا يطيق خطاياهم إذ يطلب تقديسهم في الرب.
يميز الرسول بين المعلمين والأب، فهم محتاجون إلى معلمين يرشدوهم ويدربوهم على الحق، لكنهم لم يبلغوا أحشاء الأب الذي ولدهم في الإنجيل فحملهم إلى البنوة للَّه. هو وضع الأساس إذ أنشأ الكنيسة هناك وآخرون أقاموا البناء عليه.
كأنه يصرخ إليهم أن يدخلوا إلى أحشائه ليجدوا فيها دفء الحب الفائق في المسيح يسوع. يحمل أبوة روحية لهم إذ قبلوا الإيمان بالمسيح على يديه خلال كرازته. لقد وضع الأساس الإنجيلي ويأتي من بعده من يكمل البناء فيكون هو كمن ولدهم والآخرون يرشدونهم.
كلمة "المرشدون" هنا تشير إلى المدربين الذين يقودون الأطفال إلى المدرسة ويراعون سلوكهم أثناء المدرسة حتى يهذبون حياتهم. كما تحمل معنى المعلمين بصفة عامة الذين يقدمون تعاليم للتلاميذ من أي نوع.
وما هي المدرسة؟ "في المسيح"، فهم مرشدون روحيون يدخلون بهم إلى المعلم الحقيقي والمهذب الإلهي القادر وحده بروحه القدوس أن يجدد أعماقهم.
بقوله: "ربوات من المرشدين" واضح كثرة عدد الخدام والمعلمين في كورنثوس.
يكشف لنا القديس يوحنا الذهبي الفم عن مفهوم الأبوة الروحية للخادم في صورة رائعة، سبق أن اقتبست منها بعض عبارات تعبر عن خبرته الحية العجيبة(288).
* ليس أحب إليَّ أكثر منكم،
لا، ولا حتى النور! إني أود أن أقدم بكل سرور عيني ربوات المرات وأكثر، إن أمكن، من أجل رجوع نفوسكم!
عزيز عليّ جدًا خلاصكم، أكثر من النور نفسه...
لأنه ماذا تفيدني أشعة الشمس إن أظلم الحزن عينيّ بسببكم...؟
أي رجاء يكون لي إن كنتم لا تتقدمون؟
وعلى العكس أي يأس يقدر أن يحل بي ما دمتم نامين؟ فإنني إذ أسمع عنكم أخبارًا مفرحة أبدو كمن صار له أجنحة... تمموا فرحي...
إني أحبكم، حتى أذوب فيكم، وتكونون ليّ كل شيء، أبي وأمي واخوتي وأولادي(289).
ويحدثنا القديس يوحنا الذهبي الفم عن أبوة الرسول بولس العملية لكل البشرية فيقول في عظاته في مدح الرسول(290):
[لقد رأيتم إنسانًا جاب الأرض كلها، لأن طموحه وهدفه هما أن يقود كل إنسانٍ إلى اللَّه. وقد حقق بكل ما ادخره من قوة هذا الطموح، وكأن العالم كله قد صاروا أبناءه، لهذا كان على عجلة من أمره.
كان دائم التجوال، كان دائم الحماس لدعوة كل البشرية لملكوت السموات، مقدمًا الرعاية والنصح والوعود والصلاة والمعونة وانتهار الشياطين، طاردًا الأرواح المصرة على التحطيم.
استخدم إمكانيته الشخصية ومظهره والرسائل والوعظ والأعمال والتلاميذ وإقامة الساقطين بجهده الشخصي. فكان يسند المجاهدين ليثبتوا في جهادهم، ويقيم كل من طُرح ساقطًا على الأرض. كان يرشد التائبين ويعزي المتألمين ويحذر المعتدين، ويراقب بشدة المقاومين والمعارضين. شارك القائد والطبيب الشافي في الصراع، فمدّ يد المعونة ليهاجم أو يدافع أو يرشد حسب الحاجة في ساحة العمل، فكان كل شيءٍ للمنشغلين بالصراع.]
* الأب هو ذاك الذي غرس بذرة الإنجيل في نفوسهم. المرشدون هم الذين أخذوا الطفل بعد ولادته وأعانوه لكي ينمو(291).
* يخبر بولس الكورنثوسيين بأنه ليس أحد غيره سيحبهم مثله(292).
* إذ لا يطلب ما لنفسه، بل مما ليسوع المسيح، وهو يحث الذين ولدوا بالإنجيل أن يتمثلوا به ومع هذا فإنه يوبخ بعنف الذين يسببون انشقاقات تحت أسماء الرسل، ويوبخ الذين يقولون: "أنا لبولس، هل صُلب بولس لأجلكم؟ أو هل اعتمدتم باسم بولس؟" (1 كو 12:1، 13).
تتحقق بنوتنا للَّه خلال عمل الثالوث القدوس، فالروح القدس يهبنا البنوة إذ يربطنا بالابن الوحيد الجنس ويُقيم منا أعضاء جسده. والكلمة نزل إلينا ليسكن فينا ونحن فيه فنتمتع بالبنوة خلاله، أما الآب فمسرته أن يحقق الخلاص بابنه الوحيد الجنس لنتأهل للبنوة له.
* الآن قد تسلمنا في الإنجيل الثلاثة أقانيم والثلاثة أسماء خلالهم يتحقق الميلاد الجديد أو تجديد المؤمنين. من يولد من هذا الثالوث يولد من الآب والابن والروح القدس. فيتحدث الإنجيل عن الروح أن "المولود من الروح روح هو"، ويلد بولس "في المسيح"، والآب هو "أب الجميع".
* يعلن في أقوال اللَّه في أية مناسبة يكون الحبل والميلاد أمرًا صالحًا، وأي أنواع من الولادات الكثيرة يشتهيها قديسو اللَّه. فإن كلا من إشعياء النبي والرسول الإلهي أوضحا ذلك وأكّداه. صرخ أحدهما: "بخوفك يا رب أنا حبلت". والآخر يفتخر أنه صار والدًا لأضخم أسرة، إذ أنجب مدنًا بأسرها وأممًا، ليس فقط الكورنثوسيين الذين شكّلهم للرب بالآلام، بل الكل في دائرة أورشليم حتى إلليريكيون (رو 15: 19)، فقد ملأ أبناؤه العالم، مولودين بواسطته في المسيح خلال الإنجيل.
يذكر آدم كلارك أنه جاء عن الحاخام شيموث أن فتاة فقدت والديها فقام الوصي بتربيتها وكان رجلًا أمينًا ومخلصًا. وإذ بلغت الفتاة سن الزواج أراد أن يُظهر حبه لها فتقدم لزواجها. إذ بدأ الكاتب يسجل عقد الزواج سأل الفتاة عن اسمها فأجابته. عاد يسألها عن اسم والدها فصمتت طويلًا حتى دُهش الكل. تطلع إليها الوصي وقال لها: "لماذا تصمتين؟" أجابت الفتاة: "لأني لا أعرف لي أبًا سواك، لأن من يهذب طفلًا في حياة صالحة هو أفضل من الأب الذي ولده". ربما كانت هذه هي مشاعر الرسول بولس الذي اهتم بتربية مخدوميه في المسيح بعد أن قدم لهم الإنجيل ونالوا الولادة الجديدة في المعمودية.
"فأطلب إليكم أن تكونوا متمثلين بي" [16].
يسألهم أن يتمثلوا به كما هو بالمسيح (1 كو 11: 1).:انه يقول: "إني تلميذ المسيح، أريدكم كأبناء لي لا أن تكونوا تلاميذي بل تلاميذ المسيح نفسه الأمناء. بكل أمانة قد جلس في السماويات ويسلك نحو السماء". إنه يسألهم أن يتمثلوا به فيحملوا معه ذات الخبرة، ويسلكوا نفس الطريق.
هنا لم يطلب الرسول بولس من الخدام والشعب أن يطيعوا وصاياه بل كأطفال يقلدون أباهم عمليًا ويحملون روحه. حقًا كثيرًا ما نجد من يقدم تعاليم ووصايا لكن قليلين هم الذين يقدمون حياتهم عظة عملية للمخدومين.
يرى ثيؤدرت أسقف قورش أن الرسول هنا يدعوهم للاقتداء به في تواضعه واحتماله الآلام فيجدوا مجدهم في قبولهم المصاعب بفرحٍ لا في نوالهم مواهب معينة(293).
* يقول بولس للكورنثوسيين: "تواضعوا كما أنا متواضع. احتملوا الآلام كما أتألم أنا. فإنكم ستكافئون لا على مواهبكم بل على آلامكم(294)".
* يود بولس أن يكونوا مقتدين به في تلك الأمور، كما احتمل مصاعب من غير المؤمنين لأجل خلاصهم ولا يزال يحتمل ما دام يكرز بعطية نعمة اللَّه المجانية ليلًا ونهارًا، حتى يبقوا في إيمانه وتعليمه ولا يقبلوا التعاليم الشريرة التي للرسل الكذبة(295).
يوبخ الرسول أولئك الذين أشاعوا بأنه لم يرد أن يزورهم بل اكتفي بإرسال الشاب تيموثاوس استهانة بهم.
"لِذلِكَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسَ، الَّذِي هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ وَالأَمِينُ فِي الرَّبِّ،
الَّذِي يُذَكِّرُكُمْ بِطُرُقِي فِي الْمَسِيحِ
كَمَا أُعَلِّمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ." [17].
أرسل إليهم تلميذه الشاب تيموثاوس ليس استخفافًا بهم لكنه هو الابن الحبيب والابن في الرب، قادر أن يذكرهم بكلمات الرسول وسلوكه العملي في الرب. دعاه ابنه لأنه قبل الإيمان بالسيد المسيح على يديه (أع 14: 6- 7).
ما يقدمه القديس تيموثاوس ليس بالأمر الجديد إنما يجدد أذهانهم ليتذكروا ما سمعوه وما رأوه في الرسول بولس. هذا وأن ما كرز به الرسول في كورنثوس هو بعينه قدمه في كل مكان: الحق الإنجيلي الواحد. فإن الإنجيل هو طريق كل عصر ويناسب كل إنسانٍ، فالسيد المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد (عب13: 8).
لم يقل أنه يعلمكم لئلا يتضايقوا بسبب صغر سنه إنما يذكرهم بما علمهم به الرسول بولس.
* بقوله: "طرقي في المسيح" يعني بولس أعماله الصالحة التي أخذت شكلًا ثابتًا. إنه يخبر الكورنثوسيين أن يتذكروها، فإنها تحمل شهادة ذاتية ولا تحتاج إلى من يعلم بها(296).
* حقًا إن محبته له (لتيموثاوس) واضحة في كل موضع (1 كو 17:4؛ 1 كو 10:16-11؛ عب 23:13).
18 فَانْتَفَخَ قَوْمٌ كَأَنِّي لَسْتُ آتِيًا إِلَيْكُمْ. 19 وَلكِنِّي سَآتِي إِلَيْكُمْ سَرِيعًا إِنْ شَاءَ الرَّبُّ، فَسَأَعْرِفُ لَيْسَ كَلاَمَ الَّذِينَ انْتَفَخُوا بَلْ قُوَّتَهُمْ. 20 لأَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ لَيْسَ بِكَلاَمٍ، بَلْ بِقُوَّةٍ. 21 مَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَبِعَصًا آتِي إِلَيْكُمْ أَمْ بِالْمَحَبَّةِ وَرُوحِ الْوَدَاعَةِ؟
"فانتفخ قوم كأني لست آتيًا إليكم" [18].
* كان بعض الكورنثوسيين غاضبين لأن بولس لم يأتِ إليهم، ليس لأنهم كانوا يريدونه، وإنما لأنهم كانوا متكبرين، وكانوا يظنون أن بولس يحسبهم غير أهلٍ لزيارته لهم. في الواقع كان بولس يود أن يذهب لكنه كان مشغولًا بأعمال أهم(297).
"ولكني سآتي إليكم سريعًا إن شاء الرب،
فسأعرف ليس كلام الذين انتفخوا بل قوتهم" [19].
يتحدث هنا عن بعض المعلمين الذين ظنوا في أنفسهم شيئًا، فسلكوا بروح العجرفة، وأشاعوا بأن بولس يحتقرهم ويرفض زيارتهم.
في خطته أن يذهب إليهم لكنه لن يجزم بذلك، لأنه أداة في يد الرب الذي يقوده حسب مشيئته. أخبرهم ماذا سيفعل عندما سيأتي إليهم. إنه لا يدخل مع المتعجرفين المقاومين له في حوار، لكن حضوره سيكون إجابة وافية مقنعة وقوية ضد افتراءاتهم عليه. من جهة يعدهم الرسول بالزيارة لكي يتهيأوا باصلاح أمورهم في الرب، وفي نفس الوقت يؤكد أنه لا يتحرك بدون مشيئة اللَّه.
* ليس الكلام اللطيف هو الذي يعلن عن حضرة ملكوت اللَّه بل القوة. متى وجدت قوة في الكلمات يكون الملكوت حاضرًا فيها(298).
* يقدم بولس وعده بأنه سيأتي بإرادة اللَّه، لأن اللَّه يعرف أكثر من الإنسان. إن كان هناك نفع لزيارة بولس لكورنثوس فسيكشف اللَّه عن ذلك. أما إذا لم يتحقق ذلك فليعلم الكورنثوسيون أن اللَّه لا يشاء هذا(299).
"لأن ملكوت اللَّه ليس بكلامٍ بل بقوةٍ" [20].
ملكوت اللَّه هو تمتع بالحياة المُقامة في المسيح يسوع، والتي تحول المؤمن كما إلى كائنٍ سماوي، يحمل روح القوة.
* إننا نصير متساوين مع الملائكة. يٌقدم لنا الملكوت فنُحسب متحدين مع المسيح. إننا نعلم أننا بدون الفضيلة نصير أدنى من الحيوانات العاقلة، لذا يليق بنا أن نتدرب أن نكون بشرًا، لا بل بالأحرى نكون ملائكة، لكي ننعم بالبركات الموعود بها خلال نعمة ومحبة بنا يسوع المسيح(300).
* يمكننا إن أردنا وبمعونة نعمة اللَّه العاملة فينا أن ننافس بأرواحنا الأرواح السماوية، بل وقد نفوقها(301).
* لا تكفي الكرازة بملكوت اللَّه للخلاص، إنما يليق بالشخص أن يسلك الطريق اللائق بالملكوت(302).
* يليق بنا ألا نخدع أنفسنا بالأمان الكاذب، ظانين أن الإيمان دون التجاوب معه بأعمال صالحة يمكن أن يخلصنا في يوم الدينونة(303).
أبعصا آتي إليكم أم بالمحبة وروح الوداعة؟" [21].
ما هي العصا التي لا يريد الرسول بولس أن يستخدمها سوى سلطانه الرسولي للتأديب، لقد قدم لهم حق الخيار بين استخدامه السلطان الرسولي الأبوي أن أصروا على العناد والمقاومة، أو استخدام روح اللطف والحنو إن أظهروا توبة ورجوعًا إلى الحق. بالنسبة له فهو يفضل الاختيار الأخير لا الأول، لكن الأمر بين يديهم، وهم أصحاب القرار الأخير.
في قصتي حنانيا وسفيرة وعليم الساحر وغيرهم واضح أنه كان للرسل سلطان التأديب العلني للعصاة لكي يكونوا عبرة للكل.
* هكذا يعلم بولس ويسير في خطوات سيده مقدمًا مقاله حسب احتياجات تلاميذه، فيستخدم تارة السكين والمشرط وأحيانًا الأدوية البسيطة.
* لا تعني العصا عدم وجود المحبة، ولكن المحبة مخفية وراء ضرباتها، ولا يدركها ذاك الذي تسقط عليه(304).
* يشير بولس أولًا إلى العصا لكي يعطيهم بعد ذلك الراحة بروح الوداعة(305).
* يقصد بولس بالعصا قوة الروح المُلزمة، التي اعتاد أن يستخدمها ضد عليم، والتي استخدمها اللَّه ضده(306).
* في أحضانك الإلهية أجد دفء الحب،
اجتمع مع كل مؤمن بروح الوحدة الحقّة،
واشتهي أن أجد كل البشرية معي!
* حسبتني خادمًا لك، ووكيل أسرارك الإلهية.
وأي خدمة ألتزم بها سوى الكرازة بالحب؟
وأية أمانة أقدمها لك سوى ممارسة الحب؟
هب لي القلب المتسع،
فيحمل أيقونة حبك،
ويضم كل نفسٍ إليك.
هب لي أن أكون سفيرًا بالحب العملي،
يا أيها الحب الحق!
* في أحضانك أنشغل بما يشغل قلبك،
أنشغل بخلاص كل نفس!
فلا أجد فرصة لإدانة خادم أو مخدوم!
لا أطلب في حب استطلاع أن أعرف ما في قلوبهم،
ولا أتعجل يوم الدينونة،
ولا أسرق كرسي حكمك!
هبني بالبساطة أرى في كل أحد بهاء مجدك.
أراك في الجميع فتفرح نفسي بك،
ولا يتسلل فكر الدينونة إلى قلبي!
* عِوض الإدانة أقدم ذبيحة شكر لك.
أراك مصدر كل موهبة روحية لي ولكل خادم، بل ولكل مؤمن!
قلبي يرنم لك تسبيحًا جديدًا.
ونفسي تغني لك أغنية فائقة.
ولساني يلهج دومًا بالشكر لك.
لم تنقصني وأخوتي شيئًا،
ولم تعوزنا من مواهبك،
بل بكل فيض تهب ولا تعير!
* مع كل أغنية شكر أقدم تسبحة المحبة.
اشتهي أن يملك الجميع بدوني،
وأن يتمجد الكل على حسابي،
ويستريح الكل وسط آلامي معك.
ليغتنوا، أما أنا فغِناي هو شركة فقرك.
ليتمجدوا، فعاري هو شركة عار صليبك!
* حكموا عليك بالموت يا واهب الحياة.
فلماذا تئن نفسي إن حسبوني منظرًا للتسلية.
ولماذا أتضايق إن صرت منظرًا للناس والملائكة.
لأُطرد، وأموت معك.
فأحسب عارك مجدًا فائقًا.
* هب لي روح الأبوة يا أب كل البشرية.
لاحتضن الكل في أحشائي، يا من تحتضني في أحشائك.
لأحب الكل أكثر من النور الزمني،
فأشاركك حبك يا من سلمت نفسك من أجلي!
* ماذا أطلب منك يا أبي؟
لن أطلب إلا أن أكون أيقونة حيّة لك.
كل ما في داخلي أبوة مُحِبْة وحكيمة!
_____
(267) Comm. On 1 Cor.2:18:10-16.
(268) CSEL 81:41.
(269) Comm. On 1 Cor.2:18:25-27.
(270) On Theodosius.
(271) Comm. On 1 Cor., 188. PG 82:255
(272) CSEL 81:42.
(273) Comm.On 1 Cor., 186.
(274) Comm. On 1 Cor.2:18:49-51.
(275) Comm. On 1 Cor., 187.
(276) CSEL 81:43.
(277)للمؤلف: الحب الرعوي، إدانة أبي الكاهن.
(278)للمؤلف: الحب الرعوي، إدانة أبي الكاهن.
(279)للمؤلف: الحب الرعوي، إدانة أبي الكاهن.
(280) Comm. On 1 Cor.2:18:106-112.
(281) Institutions 12:10.
(282) Episcopal Election at Vercelae 63:71.
(283) Comm. On 1 Cor., 189. PG 82:258.
(284) Pauline Commentary from the Greek Church.
(285) CSEL 81:47.
(286) Sermon on the Mount, Book 1:21 {69}.
(287) CSEL 81:49.
(288) راجع للمؤلف: القديس يوحنا الذهبي الفم، 1980، ص 169 إلخ.
(289) In Acts, Hom. 3.
(290) Sermon 3.
(291) Comm.On 1 Cor.2:21:9-11.
(292) CSEL 81:49.
(293) PG 82:259.
(294) Comm. On 1 Cor.2:21:12-14.
(295) CSEL 81:49-50.
(296) Comm. On 1 Cor.2:21::20-22.
(297) CSEL 81:50-51.
(298) Comm.On 1 Cor.2:22:6-8.
(299) CSEL 81:51.
(300) In Philip., Hom 7.
(301) In Gen. PG 54:104.
(302) PG 82:259.
(303) Sermons 209:3.
(304) Comm.On 1 Cor.2:23:6-8.
(305) Synagogue at Callinicum 41:4.
(306) Pauline Commentary from the Greek Church.
← تفاسير أصحاحات كورنثوس الأولى: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير كورنثوس الأولى 5 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير كورنثوس الأولى 3 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/d842x6s