محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
طوبيا: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
هذا الإصحاح عبارة عن مقدمة للسفر، يروى فيه الكاتب فضائل طوبيا الذي على الرغم من أنه يعيش في السبي، إلا أنه يظل متمسكًا ببره، محبًا للفقراء والغرباء، عاكفًا على عمل الخير.
سِفرُ أخبارِ طوبيتَ بن طوبيئيلَ بنِ حَنَنْئيلَ بنِ عَدوئيلَ بنِ جَبَعْئيل، مِن نَسْلِ عَسائيل ومِن سِبْطِ نَفْتالي.2 في أَيَّامِ شَلْمَنآسَر، مَلِكِ أَشُّور، جُلِيَ مِن تِشْبَةَ في جَنوبِ قادَشَ نَفْتالي في الجَليلِ الأَعْلى فَوقَ حاصور وَراءَ شَمسِ الغُروبِ وإِلى شَمالِ صَفَت.
طوبِيَّا اسم عبري معناه (طيب وصالح) و(الرب طيب - طوف ياه) وقد ورد في مخطوطات قمران في شكل (طوبى) وتعني في اللغة السامية (خيّر).
حَنَنْئيلَ = (حنان الله)، عَدوئيلَ = (الزينة لله)، جَبَعْئيل = (مكافأة الله)، عَسائيل = (عمل الله).
أما السبط الذي ينتمي إليه طوبيا فهو سبط نَفْتالي (نَفْتالي = مصارعتى) الذي وقع نثيبه في القسم الشمالي من فلسطين، ويرجح أن تكون قادش نفتالي هي المدينة التي سكنها طوبيا قبل السبي، وهي مدينة هامة تقع شمال غرب بحيرة الحولة (وَقَادِشُ وَإِذْرَعِي وَعَيْنُ حَاصُورَ. (يش 19: 37)، فَقَدَّسُوا قَادِشَ فِي الْجَلِيلِ فِي جَبَلِ نَفْتَالِي، وَشَكِيمَ فِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَقَرْيَةَ أَرْبَعَ فِي جَبَلِ يَهُوذَا. (يش 20: 7)، فَأَرْسَلَتْ وَدَعَتْ بَارَاقَ بْنَ أَبِينُوعَمَ مِنْ قَادِشِ نَفْتَالِي، وَقَالَتْ لَهُ: «أَلَمْ يَأْمُرِ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ: اذْهَبْ وَازْحَفْ إِلَى جَبَلِ تَابُورَ، وَخُذْ مَعَكَ عَشَرَةَ آلاَفِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نَفْتَالِي وَمِنْ بَنِي زَبُو. (قض 4: 6) وتسمى حاليًا (قرية قديس) حيث كان يقع خلفها أحد الطرق الرئيسية في ذلك الوقت، والكاتب هنا يصف مكانها بدقة بالغة، ويجدر بالذكر أن السيد المسيح، قد زار بعض قرى تلك المنطقة، حيث علم وصنع بعض معجزاته (وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ انْصَرَفَ إِلَى الْجَلِيلِ. وَتَرَكَ النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرِنَاحُومَ الَّتِي عِنْدَ الْبَحْرِ فِي تُخُومِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيمَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: «أَرْضُ زَبُولُونَ وَأَرْضُ نَفْتَالِيمَ طَرِيقُ الْبَحْرِ عَبْرُ الأُرْدُنِّ جَلِيلُ الأُمَمِ- الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورً عَظِيمً وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ». (مت 4: 12 - 16).
أما عن سبى طوبيا، فإنه من المعروف أن تجلث فلاسر (745 - 729 ق.م.) هو الذي سَبَى سبط نفتالي في أيام فقح بن رمليا (فِي أَيَّامِ فَقْحٍ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، جَاءَ تَغْلَثَ فَلاَسِرُ مَلِكُ أَشُّورَ وَأَخَذَ عُيُونَ وَآبَلَ بَيْتِ مَعْكَةَ وَيَانُوحَ وَقَادِشَ وَحَاصُورَ وَجِلْعَادَ وَالْجَلِيلَ وَكُلَّ أَرْضِ نَفْتَالِي، وَسَبَاهُمْ إِلَى أَشُّورَ. (2 مل 15: 29) إلا أنه لم ينقل كل اليهود من هناك إلى بلاد ما بين النهرين، بل أكمل ابنه شلمناسر الخامس (728 - 722 ق.م.) هذا السبي، وهو خليفة تجلث فلاسر، وأبو سرجون الثاني. (705 - 682 ق.م.).
وقد حارب شلمناسر إسرائيل كثيرًا وأخضعها للجزية، فلما تحالف هوشع الملك مع ملك مصر ضد شلمناسر، انتقم منه الأخير بإن أسره قبل أن يحاصره ثلاث سنوات ويستولى على بلاده وينقل أهلها إلى بلاد ما بين النهرين، بما فيهم طوبيا (وَصَعِدَ عَلَيْهِ شَلْمَنْأَسَرُ مَلِكُ أَشُّورَ فَصَارَ لَهُ هُوشَعُ عَبْدً وَدَفَعَ لَهُ جِزْيَةً (2 مل 17: 3) وبذلك يكون قد أتم السبي الذي بدأه أبوه، هذا وقد نسب الكثير من المؤرخين، السبي في الحالتين، إلى شلمناسر نظرًا للقبه الذي اشتهر به وهو (قاهر الملوك) أما الاسم شلمناسر فهو آشورى ومعناه (شلمان رئيس).
3 أَنا طوبيتَ سَلَكْتُ سُبُلَ الحَقِّ وأَعْمالَ البِرِّ جَميعَ أَيَّام حَياتي وتَصَدَّقتُ كَثيرً على إِخْوَتي وعلىَ بَني أُمَّتي الَّذينَ جُلوا معي إلى نينَوى في بِلادِ أَشُّور.4 لَمَّا كُنتُ في بِلادي في أَرضِ إِسْرائيل وكُنتُ شابًّ ، اِنفَصَلَ كُلُّ سِبْطِ نَفْتالي جَدِّي عن بَيتِ داوُدَ وعن أُورَشَليم، المَدينةِ المُخْتارةِ مِن بَينِ جَميعِ أَسْباطِ إِسْرائيلَ لِتَكون مَكانَ ذَبائِحِهم، وحَيثُ قُدِّسَ هَيكَلُ سُكْنى الله وبُنِيَ لِجَميعِ الأَجْيال.5 وكانَ جَميعُ إِخْوَتي وبَيتُ نَفْتالي جَدِّي يَذبَحونَ لِلْعِجلِ الَّذي صَنَعَه يارُبْعام، مَلِكُ إِسْرائيل، في دانَ على جَميعِ جِبالِ الجَليل
لا يلتمس طوبيا العذر لنفسه، في أن يسلك كما يسلك بقية أقرانه الذين مالوا بقلوبهم إلى عبادة الأوثان، ومع أنه تعرض مثلهم للضغط العقيدي الوثني في تلك الأيام، ونحن نعرف أن كثيرين من الذين يعيشون في بلاد ليس لنا بها كنائس، يسلكون بلياقة وخوف ممجدين الله بأقوالهم وسلوكهم، على الرغم من عدم وجود خدمة هناك ولا ذبيحة ولا كاهن ولا أسرار، إننا نتذكر هنا لوط البار ويوسف الصديق وشهداء روسيا إبان الاضطهاد الشيوعي.
وطوبيا هنا لا يفتخر ببره وإنما يشهد لإلهه ليصبح قدوة لنسله، راجع ما قاله نحميا عن نفسه في أثناء سرد عمل الله معه في إعادة بناء أسوار أورشليم (اذْكُرْ لِي يَا إِلَهِي لِلْخَيْرِ كُلَّ مَا عَمِلْتُ لِهَذَا الشَّعْبِ (إذكرنى يا إلهي بالخير على جميع ما عملته لإجلهم) (نح 5: 19).
هذا وقد ارتبط اسم يربعام بن ناباط بعبادة الأوثان، حيث حمل اليهود على عبادة العجل متجاوزين بذلك وصايا الناموس (وَهَذِهِ هِيَ الوَصَايَا وَالفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ التِي أَمَرَ الرَّبُّ إِلهُكُمْ أَنْ أُعَلِّمَكُمْ لِتَعْمَلُوهَا فِي الأَرْضِ التِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِليْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا. لِتَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَحْفَظَ جَمِيعَ فَرَائِضِهِ وَوَصَايَاهُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنُ ابْنِكَ كُل أَيَّامِ حَيَاتِكَ وَلِتَطُول أَيَّامُكَ. فَاسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ وَاحْتَرِزْ لِتَعْمَل لِيَكُونَ لكَ خَيْرٌ وَتَكْثُرَ جِدًّ كَمَا كَلمَكَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكَ فِي أَرْضٍ تَفِيضُ لبَنً وَعَسَلً . «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. وَلتَكُنْ هَذِهِ الكَلِمَاتُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليوم عَلى قَلبِكَ. وَقُصَّهَا عَلى أَوْلادِكَ وَتَكَلمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ. وَارْبُطْهَا عَلامَةً عَلى يَدِكَ وَلتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ. وَاكْتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلى أَبْوَابِكَ. «وَمَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلى الأَرْضِ التِي حَلفَ لآِبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَكَ إِلى مُدُنٍ عَظِيمَةٍ جَيِّدَةٍ لمْ تَبْنِهَا. وَبُيُوتٍ مَمْلُوءَةٍ كُل خَيْرٍ لمْ تَمْلأْهَا وَآبَارٍ مَحْفُورَةٍ لمْ تَحْفُرْهَا وَكُرُومٍ وَزَيْتُونٍ لمْ تَغْرِسْهَا وَأَكَلتَ وَشَبِعْتَ. فَاحْتَرِزْ لِئَلا تَنْسَى الرَّبَّ الذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ. الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ. لا تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الأُمَمِ التِي حَوْلكُمْ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ إِلهٌ غَيُورٌ فِي وَسَطِكُمْ لِئَلا يَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ إِلهِكُمْ عَليْكُمْ فَيُبِيدَكُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ. لا تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ كَمَا جَرَّبْتُمُوهُ فِي مَسَّةَ. (تث 6: 1 - 16؛ 1 مل 12: 28 - 33).
. 6 أَمَّا أَنا فكَثيرً ما كُنتُ أَذهَبُ وَحْدي إِلى أُورَشَليمَ في الأَعْياد، بِحَسَبِ ما كُتِبَ في كُلِّ إسْرائيلَ بِفَريضةٍ أَبَدِيَّة. كُنتُ اسرعُ إِلى أُورَشَليمَ بِالبَواكيرِ الأَبْكارِ وعُشورِ الماشِيَةِ وأُولى جِزَزِ الخِراف،7 فأُقَدِّمُها لِلكَهَنَةِ بَني هارونَ مِنِ أَجْل المَذْبَح. وكنتُ أُقدِّمُ لِبَني لاوِيَ الخادِمينَ في أُورَشَليم عُشورَ الخَمْرِ والقَمْحِ والزَّيتونِ والرُّمَّانِ وسائِرِ الفَواكِه. وأمَّا العُشورُ الثَّانِيَة فكُنتُ أُؤَدِّيها فِضَّةً مُدَّةَ سِتِّ سَنَواتٍ وأَمْضي فأُنفِقُها كُلَّ سَنَةٍ في أُورَشَليم.8 وكنتُ أُقَدِّمُ العُشورَ الثَّالِثَةَ لِلْيَتامى والأَرامِلِ والنُّزَلاءِ المُقيمينَ مع بَني إِسْرائيل، أَذهَبُ بِها وأُقَدِّمُها لَهُم كُلَّ ثَلاثِ سَنَوات، فنَأكُلُها بِحَسَبِ ما رُسِمَ بِشأنِها في الشَّريعَةِ الموسَوِّية وبِحَسَبِ ما أَوصَت بِه دَبورةُ أُمُّ حَنَنْئيلَ أَبينا، لأِنَّ أَبِي تَرَكَني يَتيمً بَعدَ مَوته.9 ولَمَّا صِرتُ رَجُلً ، اِتَّخَذتُ لِيَ أمرَأَةً مِنْ نَسْلِ قَرابَتِنا اَسمُها حَنَّة، ووَلَدتُ مِنها ابْنً وسَمَّيتُه طوبِيَّا.
كان على اليهودي أن يذهب إلى الهيكل ثلاث مرات في السنة (عيد الفطير وعيد الأسابيع وعيد المظال) ليقدم هناك عشوره ونذوره وتقدماته "ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَحْضُرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي المَكَانِ الذِي يَخْتَارُهُ فِي عِيدِ الفَطِيرِ وَعِيدِ الأَسَابِيعِ وَعِيدِ المَظَالِّ. وَلا يَحْضُرُوا أَمَامَ الرَّبِّ فَارِغِينَ. كُلُّ وَاحِدٍ حَسْبَمَا تُعْطِي يَدُهُ كَبَرَكَةِ الرَّبِّ إِلهِكَ التِي أَعْطَاكَ" (تث 16: 16، 17) ويتضح لنا من النص، أنه كانت لطوبيا أراضي ومواشي كثيرة، مما يحتم عليه تقديم باكورات القمح والزيتون والفاكهة وصوف الأغنام (كانت الأغنام تُجَز في احتفال سُمِّيَ بموسم الجزّ ويقع في فصل الربيع) أما فيما يختص بالسنة الثالثة فقد قضت الشريعة بأن يقدم عشر المحصولات كل ثلاث سنوات لللاوي واليتيم والغريب (فِي آخِرِ ثَلاثِ سِنِينَ تُخْرِجُ كُل عُشْرِ مَحْصُولِكَ فِي تِلكَ السَّنَةِ وَتَضَعُهُ فِي أَبْوَابِكَ. فَيَأْتِي اللاوِيُّ لأَنَّهُ ليْسَ لهُ قِسْمٌ وَلا نَصِيبٌ مَعَكَ وَالغَرِيبُ وَإلىَتِيمُ وَالأَرْمَلةُ الذِينَ فِي أَبْوَابِكَ وَيَأْكُلُونَ وَيَشْبَعُونَ لِيُبَارِكَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ فِي كُلِّ عَمَلِ يَدِكَ الذِي تَعْمَلُ (تث 14: 28، 29) وهو ما كان طوبيا يفعله فيخصص ذلك للغرباء والنزلاء.
ويروى القديس جيروم عن شخص في أورشليم اسمه يواقيم، كان يعمل راعيًا ، ويقسم ماله إلى ثلاث حصص، حصة منها لخدمة الرب والثانية لخدمة الفقراء مثل طوبِيَّا، وأما الثالثة فلمعيشته هو وبيته 1.
لم يقف طوبيا عند مستوى حفظ الشريعة، ولم تكن يهوديته نوعًا من القبلية والطائفية، ولكنه تخطى ذلك إلى السلوك بمقتضى الشريعة.
حسنا ً ... لم يكن طوبيا حاخامًا ولا كاهنًا ولا لاويًا ، ولكنه حول كتب الشريعة إلى حياة، يقول القديس أمبروسيوس (إن طوبيا قد ترك حياة اللهو ومتع الدنيا، واتجه نحو التقشف والزهد). 2
وفي لمحة عابرة يشير طوبيا إلى الحالة الاجتماعية، إذ صار يتيمًا وهو لا يزال طفلًا ، حيث تربى في كنف جدته دبورة،، وكانت امرأة يهودية تقية علمته الناموس وفرائض الشريعة (لأَنَّ أَبِي تَرَكَني يَتيمً بَعدَ مَوته) (وكنتُ أُقَدِّمُ العُشورَ الثَّالِثَةَ لِلْيَتامى والأَرامِلِ والنُّزَلاءِ المُقيمينَ مع بَني إِسْرائيل، أَذهَبُ بِها وأُقَدِّمُها لَهُم كُلَّ ثَلاثِ سَنَوات، فنَأكُلُها بِحَسَبِ ما رُسِمَ بِشأنِها في الشَّريعَةِ الموسَوِّية وبِحَسَبِ ما أَوصَت بِه دَبورةُ أُمُّ حَنَنْئيلَ أَبينا، لأِنَّ أَبِي تَرَكَني يَتيمً بَعدَ مَوته. (طو 1: 8).
وقد تزوج فتاة من سبطه حسبما تقضي الشريعة والتقاليد والتقاليد (تك 24) وقد كان من الضروري أن يتزوج امرأة من سبطه، حيث كان لقانون الزواج هذا الآثر الكبير في إثبات القديس يوحنا ذهبي الفم أن السيدة العذراء والتي ولد منها السيد المسيح جسديًا ، تنتمي وتنتسب إلى جميع الشخصيات التي ورد ذكرها في سلسلة الأنساب الخاصة بيوسف النجار والمذكورة في (مت 1، لو 3) لكي يدلل على أن السيد المسيح منسوب بالجسد إلى تلك الشخصيات، حيث قال (إن السيدة العذراء قد خطبت إلى رجل من سبطها حسبما يقضي الناموس). 4
10 وبَعدَ الجَلاءَ إِلى أَشُّور ولَمَّا جُليتُ أَنا أَيضًا، ذَهَبتُ إِلى نينوى. وكانَ جَميعُ إِخوَتي وبنو أُمَّتي يأكُلونَ مِن طَعام الأمَم. 11 أَمَّا أَنا فكُنتُ أَصونُ نَفْسي مِن أَكْلِ طَعامِ الأُمَم. 12 ولَمَّا كُنتُ أَذكُرُ اللهَ بِكُلِّ قَلْبي، 13 أتاني العَلِيُّ حُظْوَةً لدى شَلْمَناسَر، فكُنتُ أَتَسَوَّقُ لَه كُلَّ ما يَحْتاجُ إِلَيه، 14 فأَذهَبُ إِلى ميديا وأتسَوَّقُ لَه فيها حَتَّى وَفاتِه، فأَودَعتُ جَبَعْئيل، أَخا جَبْري، في راجيسَ ميدِيا، أَكْياسً مِنَ الفِضَّةِ تَبلغٌ عَشرَةَ قَناطير.
نقل طوبيا إلى نينوى عاصمة الآشوريين في ذلك الوقت، وكان ملوك آشور يحضرون إليها الغنائم والأسرى لكي يثروها، وأول من جعل من نينوى عاصمة لآشور هو شلمناسر الأول في سنة 1270 ق.م.، وكانت نينوى قد بنيت على أحد فروع نهر دجلة، وأشتهرت بجمال شوارعها وقصورها التي عكست ولع الآشوريين بالعمارة والتشييد، وقد تنبأ كثير من الأنبياء بخراب نينوى، حتى دمرها نبو بلاسر الرابع في سنة 612 ق.م.
وفي نينوى استقرت جالية يهودية كبيرة في تأثر أفرادها - مع الوقت - بعادات هذه المدينة الوثنية لا سيما فيما يتعلق لالأكل والشرب، ولكن طوبيا هنا لا يشترك في الطعام غير طقسي، الذي لا تراعي فيه أحكام الناموس. فقد حرّمت الشريعة الاشتراك في أطعمة الأمم [راجع (لا 11؛ تي 14؛ دا 1: 9) إذ يعّد الاشتراك في طعام الأمم، مظهرًا من مظاهر الاشتراك في عباداتهم، ولا سيما وأن الطعام في كثير من الأحيان كان يتم في ولائم طقسية يصحبها ممارسة للشعائر الوثنية، ومن بين الأطعمة التي حرمها الناموس الحيوانات غير الطاهرة كالجمل والأرانب والخنزير، وبعض أكلات معينة (مثل الجدى المطبوخ بلبن أمّه، والذبائح المخنوقة والدم)، وأما في العهد الجديد فقد رفع هذا الخطر وصار مسموحًا بأكل ما كان محرمًا ، في إشارة لقبول الأمم في شركة الإيمان (أع 10) هذه من ناحية ومن ناحية أخرى ارتفاعنا في العهد الجديد عن مستوى الناموس.
وقد نال طوبيا نعمة في عيني الملك، وقد يعني هذا أنه كان من مشاهير اليهود هناك وله سيرة حسنة، مما يعني هذا أنه كان من مشاهير اليهود هناك وله سيرة حسنة، مما جعل الملك يقربّه إليه ويودعه ثقته، إذ كلفه بقضاء بعض أموره، وقد حدث ذلك أكثر من مرة في أسفار الكتاب المقدس إذ أعطى الله بعض الشخصيات نعمة في أعين الحكام حتى يستخدمهم في إعانة الآخرين ونجدتهم، مثل يوسف (وَرَأَى سَيِّدُهُ أَنَّ الرَّبَّ مَعَهُ وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ. فَوَجَدَ يُوسُفُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ وَخَدَمَهُ فَوَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَدَفَعَ إِلَى يَدِهِ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ. وَكَانَ مِنْ حِينَ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَعَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ أَنَّ الرَّبَّ بَارَكَ بَيْتَ الْمِصْرِيِّ بِسَبَبِ يُوسُفَ. وَكَانَتْ بَرَكَةُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْحَقْلِ. فَتَرَكَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ فِي يَدِ يُوسُفَ. وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ يَعْرِفُ شَيْئً إلاَّ الْخُبْزَ الَّذِي يَأْكُلُ. وَكَانَ يُوسُفُ حَسَنَ الصُّورَةِ وَحَسَنَ الْمَنْظَرِ. (تك 39: 3 - 6) ونحميا (وَفِي شَهْرِ نِيسَانَ فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ. كَانَتْ خَمْرٌ أَمَامَهُ فَحَمَلْتُ الْخَمْرَ وَأَعْطَيْتُ الْمَلِكَ. وَلَمْ أَكُنْ قَبْلُ مُكَمَّدً أَمَامَهُ. فَقَالَ لِي الْمَلِكُ: لِمَاذَا وَجْهُكَ مُكَمَّدٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مَرِيضٍ؟ مَا هَذَا إِلاَّ كآبَةَ قَلْبٍ! فَخِفْتُ كَثِيرً جِدًّ .وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: لِيَحْيَ الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ. كَيْفَ لاَ يَكْمَدُّ وَجْهِي وَالْمَدِينَةُ بَيْتُ مَقَابِرِ آبَائِي خَرَابٌ وَأَبْوَابُهَا قَدْ أَكَلَتْهَا النَّارُ.؟ فَقَالَ لِي الْمَلِكُ: مَاذَا طَالِبٌ أَنْتَ؟ فَصَلَّيْتُ إِلَى إِلَهِ السَّمَاءِ. وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: إِذَا سُرَّ الْمَلِكُ وَإِذَا أَحْسَنَ عَبْدُكَ أَمَامَكَ تُرْسِلُنِي إِلَى يَهُوذَا إِلَى مَدِينَةِ قُبُورِ آبَائِي فَأَبْنِيهَا. فَقَالَ لِي الْمَلِكُ وَالْمَلِكَةُ جَالِسَةٌ بِجَانِبِهِ: إِلَى مَتَى يَكُونُ سَفَرُكَ وَمَتَى تَرْجِعُ؟ فَحَسُنَ لَدَى الْمَلِكِ وَأَرْسَلَنِي فَعَيَّنْتُ لَهُ زَمَانً . وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ: إِنْ حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ فَلْتُعْطَ لِي رَسَائِلُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ لِيُجِيزُونِي حَتَّى أَصِلَ إِلَى يَهُوذَا. وَرِسَالَةٌ إِلَى آسَافَ حَارِسِ فِرْدَوْسِ الْمَلِكِ لِيُعْطِيَنِي أَخْشَابً لِسَقْفِ أَبْوَابِ الْقَصْرِ الَّذِي لِلْبَيْتِ وَلِسُورِ الْمَدِينَةِ وَلِلْبَيْتِ الَّذِي أَدْخُلُ إِلَيْهِ. فَأَعْطَانِي الْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ إِلَهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ. (نح 2: 1 - 8) ودانيال (حِينَئِذٍ عَظَّمَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَأَعْطَاهُ عَطَايَا كَثِيرَةً وَسَلَّطَهُ عَلَى كُلِّ وِلاَيَةِ بَابِلَ وَجَعَلَهُ رَئِيسَ الشِّحَنِ عَلَى جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ. فَطَلَبَ دَانِيآلُ مِنَ الْمَلِكِ فَوَلَّى شَدْرَخَ وَمِيشَخَ وَعَبْدَنَغُوَ عَلَى أَعْمَالِ وِلاَيَةِ بَابِلَ. أَمَّا دَانِيآلُ فَكَانَ فِي بَابِ الْمَلِكِ (دا 2: 48، 49) وإستير.
وقد جعل ذلك لطوبيا رحلات عديدة إلى بلاد ميديا حيث كان يشتري من هناك للملك احتياجاته، فصارت له علاقات كثيرة مع اليهود السكان فيها، يرشدهم ويقوى عزائمهم (كما ورد في النص اللاتيني)، وفي بداية عهدهم بالسبي كان اليهود محدودي الحركة، محرومين من امتيازات كثيرة، ومع ذلك فقد اتسعت تجارة العديد منهم في بلاد الشتات وازدادت ثروتهم فيها، محتكرين بعض المجالات الحيوية الهامة.
وقد انقسم اليهود خلال فترة السبي التي تشتتوا فيها إلى مجتمعين: أحدهما شديد التمسك والتقوقع والالتصاق ببعضهم البعض، وعدم معاملة الأمم باعتبارهم أنجاس وهو ما يسمى اصطلاحًا بـ(الجيتو اليهودي Jewish ghetto) والثاني مجتمع شديد السعي إلى سعة العيش والثراء، وهو في ذلك مستعد للتضحية بكل شيء كالوصايا والقيم وغيرها (لا سيما في فترة المكابيين) ومن هنا فإن طوبيا أقام الموازنة بين التقوى والبر من جهة والنجاح على المستوى الاجتماعي من جهة أخرى.
وقد وجد طوبيا رجلًا في راجيس التابعة لميديا ويدعى غابليوس (كلمة عبرية = مكافأة الله) في ضائقة مالية فأقرضه مبلغًا يصل إلى ما يوازي 440 كجم من الفضة وقد كانت الفضة والذهب وقتها تقوم مقام العملات والأوراق المالية فيما بعد، وقد سلمها له بموجب صكّ من نسختين إحداهما مع الدائن، ويتضح لنا أن المبلغ قد أقرض لا كهبة لأجل معيشة الرجل وإنما لمساعدته في عمله وتجارته، وتبلغ قيمة المبلغ حاليًا ، حوالي نصف مليون جنيه مصري.
15 ولَمَّا ماتَ شَلْمَنآسَر ومَلَكَ سَنْحاريبُ ابنُه مَكانَه فأُغلِقَت طُرُقُ ميدِيا، لم أَعُدْ أَستَطيعُ الذَّهابَ إلَيها. 16 في أَيَّامِ شَلْمَنآسَر، تَصَدَّقتُ كَثيرً على إخوَتي بَني قَومي. 17 فكُنتُ أُقَدِّمُ خُبْزي لِلجِياعِ وثيابً لِلْعُراة، وإِذا رَأَيتُ أَحَدً مِنِ بَني أُمَّتي قد ماتَ وأُلقِيَ مِن وَراء أَسْوارِ نينوى، كُنتُ أَدفِنُه. 18 وإِذا قَتَلَ سَنْحاريبُ أَحدً عِندَ عَودَتِه هارِبً من إلىَهودِيَّة، في أيَّامِ العِقابِ الَّذي أَنزَلَه بِهِ مَلِكُ السَّماءَ بِسَبَبِ التَّجاديفِ الَّتي فاهَ بها، كنُتُ أَدفِنُه. لَقَد قَتَلَ في غَضَبِه كَثيرً مِن بَني إِسْرائيل. فكُنتُ أَسرِقُ جُثَثَهم وأدفِنُها. وكانَ سَنْحاريبُ يَبحَثُ عَنها فلا يَجِدُها. 19 وقَدِمَ احَدُ سُكَّانِ نينَوى فأَخبَرَ المَلِكَ في شأني بِأَنِّي أدفِنُها، فاختَبَأت. ولَمَّا بَلَغَني أَنَّ المَلِكَ عالِمٌ بِأَمْري وأَنَّه يَسْعى لِقَتْلي، هَرَبتُ خُفْيَةً . 20 فاستولى على كُلِّ ما هو لي ولم يُترَكْ لي شيءٌ إِلاَّ صُودِرَ لِبَيتِ المال، عَدا حَنَّةَ اَمْرأَتي وطوبِيَّا ابني.
قلنا أن شلمناصر الخامس (728 - 722 ق.م.) أعقبه في الملك سرجون الثاني (722 - 705 ق.م.) ومن ثم خلفه سنحاريب (704 - 682 ق.م.) وفي أيام سنحاريب كانت هناك قلاقل كثيرة شملت المنطقة الواقعة بين نينوى وميديا (حيث يوجد السلاميون).
والذي يعيننا هنا، هو أن الله غيّر قلوب الملوك الجدد من نحو بني إسرائيل فبدأوا في التضييق عليهم، وربما جاء ذلك من إحساس أولئك الملوك بأن اليهود صاروا قوة كبيرة سياسية واقتصادية، وهو الأمر الذي حدث من قبل لبني إسرائيل في مصر (فَجَعَلُوا عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ تَسْخِيرٍ لِكَيْ يُذِلُّوهُمْ بِأَثْقَالِهِمْ فَبَنُوا لِفِرْعَوْنَ مَدِينَتَيْ مَخَازِنَ: فِيثُومَ وَرَعَمْسِيسَ. وَلَكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هَكَذَا نَمُوا وَأمْتَدُّوا. فَاخْتَشُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَاسْتَعْبَدَ الْمِصْرِيُّونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِعُنْفٍ. وَمَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ فِي الطِّينِ وَاللِّبْنِ وَفِي كُلِّ عَمَلٍ فِي الْحَقْلِ. كُلِّ عَمَلِهِمِ الَّذِي عَمِلُوهُ بِوَاسِطَتِهِمْ عُنْفً . (خر 1: 11 - 14) ولكن يجب ألاّ ننسى أن قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ (الله) (أم 21: 1) يحركه حسبما يرى ذلك لخير أولاده.
وقد حرص الملوك الآشوريين على إفقاد اليهود هويتهم الدينية والسياسية، حتى لا يصبحوا قوة كبيرة ومجتمع متماسك ملتف حول عقيدة وهيكل وإله مما يشجعهم على التمرد، ولهذا فقد كان معظم الفاتحين في حروبهم، يقومون بتدمير الهياكل وتحطيم تماثيل الآلهة، ومن ثم يحاولون صبغ الشعب بالصبغة الدينية والثقافية للشعب المستعمر ولنا مثال في ذلك، ما حدث مع اليهود من قبل الحكام السلوقيين، الذين عملوا بكل وسيلة لطمس الهوية اليهودية ونشر الحضارة الهيلينية (الإغريقية).
فقد كانت عادة الملوك الآسرين قديمًا ، تعريض جثث الهاربين والمحاولين الهرب، دون دفن، ذلك لكي يراها المارّة، إلى الحد الذي يعرضها للإهانة والنهش من الوحوش والجوارح (مَنْ مَاتَ لِيَرُبْعَامَ فِي الْمَدِينَةِ تَأْكُلُهُ الْكِلاَبُ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْحَقْلِ تَأْكُلُهُ طُيُورُ السَّمَاءِ، لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّمَ.. [راجع (1 مل 14: 11)]، فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يَقُولُ الرَّبُّ يُخْرِجُونَ عِظَامَ مُلُوكِ يَهُوذَا وَعِظَامَ رُؤَسَائِهِ وَعِظَامَ الْكَهَنَةِ وَعِظَامَ الأَنْبِيَاءِ وَعِظَامَ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ مِنْ قُبُورِهِمْ. وَيَبْسُطُونَهَا لِلشَّمْسِ وَلِلْقَمَرِ وَلِكُلِّ جُنُودِ السَّمَاوَاتِ الَّتِي أَحَبُّوهَا وَالَّتِي عَبَدُوهَا وَالَّتِي سَارُوا وَرَاءَهَا وَالَّتِي اسْتَشَارُوهَا وَالَّتِي سَجَدُوا لَهَا. لاَ تُجْمَعُ وَلاَ تُدْفَنُ بَلْ تَكُونُ دِمْنَةً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. وَيُخْتَارُ الْمَوْتُ عَلَى الْحَيَاةِ عِنْدَ كُلِّ الْبَقِيَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَشِيرَةِ الشِّرِّيرَةِ الْبَاقِيَةِ فِي كُلِّ الأَمَاكِنِ الَّتِي طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهَا يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. (أر 8: 1 - 3). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وإن كانت الشريعة لم تحرمّ ذلك، على سبيل تحذير بقية الشعب من كسر الناموس (وَتَكُونُ جُثَّتُكَ طَعَامً لِجَمِيعِ طُيُورِ السَّمَاءِ وَوُحُوشِ الأَرْضِ وَليْسَ مَنْ يُزْعِجُهَا. (تث 28: 26) إلاّ أنها حددت مدة عرض جثة المجرم، بيوم واحد فقط (وَإِذَا كَانَ عَلى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا المَوْتُ فَقُتِل وَعَلقْتَهُ عَلى خَشَبَةٍ. فَلا تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلى الخَشَبَةِ بَل تَدْفِنُهُ فِي ذَلِكَ اليوم لأَنَّ المُعَلقَ مَلعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلا تُنَجِّسْ أَرْضَكَ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبً (تث 21: 22 - 23) راجع أيضًا (وَلَمَّا سَمِعَ سُكَّانُ يَابِيشَ جِلْعَادَ بِمَا فَعَلَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ بِشَاوُلَ،. (1 صم 31: 11)، فَأَخَذَتْ رِصْفَةُ ابْنَةُ أَيَّةَ مِسْحً وَفَرَشَتْهُ لِنَفْسِهَا عَلَى الصَّخْرِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْحَصَادِ حَتَّى انْصَبَّ الْمَاءُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَمْ تَدَعْ طُيُورَ السَّمَاءِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ نَهَارً وَلاَ حَيَوَانَاتِ الْحَقْلِ لَيْلً . (2 صم 21: 10)، كُلُّ مُلُوكِ الأُمَمِ بِأَجْمَعِهِمِ اضْطَجَعُوا بِالْكَرَامَةِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتِهِ. وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ طُرِحْتَ مِنْ قَبْرِكَ كَغُصْنٍ أَشْنَعَ. كَلِبَاسِ الْقَتْلَى الْمَضْرُوبِينَ بِالسَّيْفِ الْهَابِطِينَ إِلَى حِجَارَةِ الْجُبِّ. كَجُثَّةٍ مَدُوسَةٍ. لاَ تَتَّحِدُ بِهِمْ فِي الْقَبْرِ لأَنَّكَ أَخْرَبْتَ أَرْضَكَ قَتَلْتَ شَعْبَكَ. لاَ يُسَمَّى إِلَى الأَبَدِ نَسْلُ فَاعِلِي الشَّرِّ. (أش 14: 18 - 20)، وَالشَّعْبُ الَّذِي يَتَنَبَّأُونَ لَهُ يَكُونُ مَطْرُوحً فِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ مِنْ جَرَى الْجُوعِ وَالسَّيْفِ وَلَيْسَ مَنْ يَدْفِنُهُمْ هُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَبَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ وَأَسْكُبُ عَلَيْهِمْ شَرَّهُمْ. (أر 14: 16).
ويرد في التاريخ عن الإسكندر الأكبر، أنه علّق أكثر من ألفي شخص، مصلوبين على أعمدة بطول الطريق في مدينة صور، وذلك بعد أن أسقطها عقب حصار طويل، وهو نفس الأمر الذي صنعه مع أهل مدينة غزة بعد إسقاطها، ذلك بغرض الانتقام والتشفي من أهلها، كذلك فقد شهّر ملك آخر بجثث قتلاه بعد أن قتلهم على الخوازيق، حيث كان يتلذذ بمشاهدتهم على تلك الحال الرهيبة.
وقد كانت هناك ثلاثة أسباب، تدفع طوبيا إلى دفن الجثث، أولها العمل بموجب الشريعة، وثانيها الشفقة التي يمليها عليه ضميره وحسّه المرهف، والثالث الخشية من أن تضعف قلوب أولئك اليهود الذين يشاهدون القتلى من جنسهم.
هكذا سلك القديّسين يوليوس الأقفهصى، وبقطر بن رومانوس، اللذين إهتما بفن (بدفن) أجساد الشهداء وتدوين سيرهم وإكرامهم، وقد صار الاهتمام بدفن الموتى ومساعدة أهل الميت في ذلك، بخدمة طوبيا، في كثير من الكنائس.
إلا أن غيرة طوبيا في هذا العمل، قد عرضته لتجارب متنوعة، أولها المتاعب التطهيرية، أي ما يحيط بدفن الميت من قيود، إذا يعتبر نجسًا كل من لمس ميتًا ، بل ويبقى في نجاسته مدة أسبوع كامل يتطهر خلاله في اليومين الثالث والسابع (أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَنْفُوا مِنَ المَحَلةِ كُل أَبْرَصَ وَكُل ذِي سَيْلٍ وَكُل مُتَنَجِّسٍ لِمَيِّتٍ. (عد 5: 2)، مَنْ مَسَّ مَيِّتً مَيِّتَةَ إِنْسَانٍ مَا يَكُونُ نَجِسً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. يَتَطَهَّرُ بِهِ فِي اليوم الثَّالِثِ وَفِي اليوم السَّابِعِ يَكُونُ طَاهِرً . وَإِنْ لمْ يَتَطَهَّرْ فِي اليوم الثَّالِثِ فَفِي اليوم السَّابِعِ لا يَكُونُ طَاهِرً . كُلُّ مَنْ مَسَّ مَيِّتً مَيِّتَةَ إِنْسَانٍ قَدْ مَاتَ وَلمْ يَتَطَهَّرْ يُنَجِّسُ مَسْكَنَ الرَّبِّ. فَتُقْطَعُ تِلكَ النَّفْسُ مِنْ إِسْرَائِيل. لأَنَّ مَاءَ النَّجَاسَةِ لمْ يُرَشَّ عَليْهَا تَكُونُ نَجِسَةً . نَجَاسَتُهَا لمْ تَزَل فِيهَا. (عد 19: 11 - 13) بل إن المشكلة تتضخم هنا عندما يلمس طوبيا ميتًا في يوم يعتبر الأكل فيه مقدسًا فيحرم منه (كما سيجيء في الإصحاح الثاني).
وثانى هذه المتاعب، هو تعرضه للقتل والمطاردة من السلطات الحاكمة، التي اعتبرت عملية دفن الجثث، أمرًا يعطّل مقاصدهم من تركها بدون دفن، لاسيمّا وأن سنحاريب كان عائدًا لتوه من كسرة عظيمة بعد أن قتل الملاك الرب من جيشه 185 ألفًا .. فعاد يحنق بشدة على اليهود في مملكته.
أما ثالث هذه المتاعب، فهو تعرض طوبيا نفسه للسخرية من أهله وأصدقائه، لا سيما زوجته التي عانت كثيرًا من اضطهاد الحكام لزوجها.
21 ولم يَنقَضِ أَربَعونَ يَومً حَتَّى قَتَلَ المَلِكَ ابناه وهَرَبا إلى جبالِ أَرارات. فمَلَكَ آسَرحَدُّونُ ابنُه مَكانَه. وولَّىَ أَخيكارَ اَبنَ أَخي عَنائيل على جَميعِ حِساباتِ مَملَكَتِه، وكانَ لَه سُلْطانٌ على جَميعِ الشُّؤُونِ الإِدارِيَّة. 22 فتَوَسَّطَ لي أَخيكار فعُدتُ إِلى نينَوى. ذلك بأَنَّ أَخيكارَ كانَ رَئيسَ السُّقاةِ وأَمينَ السِّرِّ ورَئيسَ الشُّؤُونِ الإدارِّيَةِ والحِساباتِ على عَهْدِ سَنْحاريبَ مَلِكِ أَشُّور، وقد ثَبَّتَه آسَرحَدُّونُ في مَناصِبِه. وكانَ ابنَ أَخي ومِن قَرابَتي.
سريعًا ما انقضت أيام اضطهاد طوبيا، فقد قام ابني الملك أدرمالك وشرآسر، بقتله بينما كان يتعبد بين تمثالين لاثنين من الآلهة وذلك في معبد الإله نسروخ (وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ نِسْرُوخَ إِلَهِهِ ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرَآصَرُ ابْنَاهُ بِالسَّيْفِ، وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ أَسَرْحَدُّونُ ابْنُهُ عِوَضً عَنْهُ. [راجع (2 مل 19: 37)]، فَأَرْسَلَ الرَّبُّ مَلاَكً فَأَبَادَ كُلَّ جَبَّارِ بَأْسٍ وَرَئِيسٍ وَقَائِدٍ فِي مَحَلَّةِ مَلِكِ أَشُّورَ. فَرَجَعَ بِخِزْيِ الْوَجْهِ إِلَى أَرْضِهِ. وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتَ إِلَهِهِ قَتَلَهُ هُنَاكَ بِالسَّيْفِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ أَحْشَائِهِ. (2 أخ 32: 21)، وَفِيمَا هُوَ سَاجِدٌ فِي بَيْتِ نِسْرُوخَ إِلَهِهِ ضَرَبَهُ أَدْرَمَّلَكُ وَشَرْآصَرُ ابْنَاهُ بِالسَّيْفِ وَنَجَوَا إِلَى أَرْضِ أَرَارَاطَ. وَمَلَكَ أَسَرْحَدُّونَ ابْنُهُ عِوَضً عَنْهُ. وَالثَّلاَثُونَ (أش 37: 38) حيث هربا بعد ذلك إلى جبال أرارات (بين أرمينيا وكردستان) ومع أن السجلات الأشورية لا تشير إلى ذلك، الاّ أن السجلات البابلية ذكرت أنه قتل بيد ابنه، وفي قصة إعتلاءه العرش بعد موت أبيه، لا يذكر آسَرحَدُّونُ (اسم بابلي معناه أشور أعطى أخا) حادثة إغتيال أبيه ولكنه يشير إلى خلافات بينه وبين معارضيه مما اضطره إلى التخلص منهم في (هاين جلبات) وهروب اثنين منهم إلى أَرارات 5 وذلك في سنة 681 ق.م.
وكان سنحاريب قد عيّن أسرحدون نائبًا للملك في بابل ووارثًا للعرش على الرغم من أنه لم يكن الابن الأكبر مما دفعه أخويه إلى قتل أبيه وإشعال نار الفتنة والتي استمرت حوالي خمسة وأربعين يومًا 6 ثم ملك من سنة 680 إلى سنة 668 ق.م.
أما طوبيا وعلى الرغم من أن ابن أخيه كانت له مكانة كبيرة ووظيفة مرموقة في البلاط الملكي إلا أنه لم يستطع تقديم يد العون له إلا بعد موت الملك الذي اضطهده، حيث توسطّ له في الرجوع إلى بلده وإسترجاع ما فقده من أموال ومقتنيات.
وسوف نعود إلى الحديث عن إخيكار ابن أخي طوبيا في تفسير الإصحاح الرابع عشر.
وتشبه Thisbe وتقع في شمال الجليل جنوب قادش نفتالي وأعلى أشير، وتضيف النسخة السينائية أنها تقع شمالي (فوجون) وأما الفولجاتا فقد وردت فيها باعتبارها مدينة صفت.
← تفاسير أصحاحات طوبيا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14
تفسير طوبيت 2 |
قسم
تفاسير العهد القديم الأنبا مكاريوس الأسقف العام |
مقدمة سفر طوبيا |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sqh2pyh