محتويات |
يكون عائقًا للفضيلة إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره (عب4:2).
في ميلاد السيد المسيح، نتذكره أنه جاء لخلاصنا. وقال إنه:
"جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو10:9).
ولهذا فإن سمعان الشيخ، لما رأى في ميلاد الرب تباشير الخلاص، قال "الآن يا رب تطلق عبدك بسلام، لأن عيني قد أبصرتا خلاصك" (لو30:2). مع أن الخلاص لم يكن قد تم، لكنه رأى في الميلاد تباشير أو بداية هذا الخلاص.
وبهذا الخلاص بشر الملاك الرعاة قائلًا "إنه قد ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب" (لو11:2). ولهذا في ميلاد المسيح، دعي اسمه يسوع أي مخلص، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (مت21:1).
ومع أن السيد المسيح جاء لخلاص العالم كله، فإن العالم كله لم يخلص، لأن البعض رفضوا هذا الخلاص!!
"إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ"، "أَضَاءَ النُّورُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ" (يو1: 11، 5). إذن أمامنا موضوعان هامان:
الخلاص الذي جاء المسيح ليقدمه، وقبول أو رفض هذا الخلاص.
"الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله" (يو11:1).
وفي نفس الوقت رفض هذا الخلاص من الكتبة والفريسيين والصدوقيين والناموسيين، والكهنة ورؤساء الشعب وغيرهم.
لما سمع هيرودس الملك بميلاد المسيح "اضطرب وجميع أورشليم معه" (مت3:2). ودبَّر مؤامرة لقتله، ولو أدَّى الأمر أن يقتل كل أطفال بين لحم. أنه لم يفرح بهذا الخلاص الآتي، ولم يؤمن به!! وهكذا يحذرنا الرسول قائلًا:
"كيف ننجو، إن أهملنا خلاصنا هذا مقداره؟! (عب4:2).
هذا الخلاص الذي تنبأ عنه أنبياء كثيرون، ووردت عنه العديد من الرموز، وانتظرته أجيال طويلة... حينئذ يقف أمامنا سؤال هام: ما موقفنا من هذا الخلاص؟
لا تقل: هل الله يريدني أن أخلص أم لا؟
"فالله يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يرجعون" (1تي4:2). والمهم هو أنك تريد أن تخلص... كما كان الرب يسأل المريض أحيانًا "أتريد أن تبرأ" (يو6:5). لأن هناك مرضي يحبون المرض ولا يريدون الشفاء، كما قيل:
"أحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو19:3).
الذين يحبون الظلمة، ولا يحبون أن يخلصوا، إن أراد الرب أن يخلصهم من خطاياهم، يرفضون ويتمسكون بها بالأكثر!!
وهذا يذكرنا ببكاء المسيح على أورشليم، وحينما قال لها "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا..."(مت27:23). انظروا ماذا يقول؟
كَمْ مرة أردت... ولم تريدوا!!
ولذلك كانت النتيجة "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا".
إنه العتاب الذي عاتب به الرب شعبه منذ القديم، واشهد عليه السماء والأرض، وأنشد له نشيد الكرمة، وقال "أحكموا بيني وبين كرمي. ماذا يصنع لكرمي، وأنا لم اصنعه؟! (أش5: 3، 4).
إنها قاعدة يجب أن نعرفها في الخلاص الذي يقدمه الرب.
الرب يقدم الخلاص. ولكن لا يرغم أحدًا على قبوله.
الله يريد القلب، يريد الحب، ولا يجذب أحدًا إليه بالعنف إطلاقًا. إنه يترك الأمر لاختيار البشر، ويقول "قد جعلت قدامك الحياة والموت، البركة واللعنة، فأختر الحياة لكي تحيا" (تث30: 19، 15).
الله يرشد وينصح، وتبقى الإرادة كلها في يدك، تعمل أولًا تعمل، تقبل أولًا تقبل.
هو واقف على الباب يقرع (رؤ20:3). وأنت حر، تفتح أو لا تفتح...
وهكذا حدث مع عذراء النشيد، قرع على بابها طويلًا، وأنتظر حتى امتلأ رأسه من الطل، وقصصه من ندي الليل، وخاطبها بأرق العبارات، ولكنها اعتذرت عن فتح بابها، وتأخرت، فكانت النتيجة أنه: تجول وعبر" (نش5: 2- 6). وهكذا نتيجة حريتها فقدت الحياة مع الله فترة، ثم عادت بعدها ورجعت إليه.
إن دم السيد المسيح كفارة غير محدودة، كاف لمغفرة جميع الخطايا، لجميع الناس، في جميع العصور. ومع ذلك لم يخلص الكل , والسبب راجع إليهم هم.
النعمة مستعدة أن تعمل مع كل واحد، ولكن ليس الجميع يستسلمون لعمل النعمة... الروح القدس مستعد أن يهب القوة للكل ويعمل فيهم، ولكن ليس الكل يشتركون مع الروح القس في العمل. الخلاص مقدم للجميع. ولكن كثيرون لاهون عن خلاصهم... فلماذا كل هذا؟
أول سبب يضيع خلاص الإنسان هو محبته للخطية.
محبة الجسد والمادة والأشياء التي في العالم. الناس يهتمون بأجسادهم أكثر مما يهتمون بأرواحهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. عقلهم ينشغل بالعالم وليس بالسماويات. فتتعلق قلوبهم بالدنيا وما فيها، ويركزون فيها رغباتهم. وهكذا لا يصبح القلب لله. وتتدرج علاقتهم بالخطية: وقد تصبح الخطية عادة، وتسيطر. وقد تصبح شهوة ويستعبد الإنسان لها.
وبتدرج الإنسان من محبة الخطية إلى العبودية لها.
يدخل في حالة من السبي، حتى أنه يفقد إرادته تمامًا.
وقد شرح القديس بولس الرسول هذه الحالة فقال "... الشر الذي أريده، إياه أفعل... فلست بعد افعله أنا، بل الخطية الساكنة في... أرى ناموسًا في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية..." (رو7: 19-32).
إذا ليس المهم فقط، الخلاص من العقوبة.
إنما الأصل والأهم هو الخلاص من الخطية.
ضع أمامك إذن كيف تخلص من الخطية، وتصل إلى التوبة، وإلى النقاوة، وإلى محبة الله. وهذا ما ينبغي أن تفكر فيه من بداية سنة جديدة، فتكون لك حياة مع الله...
كثيرون يفقدون الخلاص لأن نظرتهم تغيرت.
نظرته للروحيات تغيرت، نظرته إلى الله نفسه تغيرت. لم يعد له الاهتمام الأول، ولا الحماس السابق. بل لم تعد له لذة في العشرة مع الله. وقد يصلي، ويقرأ الكتاب، ويحضر القداسات والاجتماعات. ولكن بغير روح.
وربما نظرته إلى الخطية أيضًا قد تغيرت:
وأصبح الضمير واسعًا، ويبتلع أشياء كثيرة. وهكذا صار في أعمال عديدة يفقد حرصه واحتراسه، ويفقد تدقيقه، وبالوقت يصل إلى الاستهانة واللامبالاة. أي يرتكب الخطية بلا مبالاة، ونفس الاستهانة في صلواته وعبادته...
وبمرور الوقت تختفي مخافة الله من قلبه.
وإذا بعبارات الله حنون محب غفور طيب، تجعله لا يبالي، كأنما يستغل محبة الله استغلالًا سيئًا في كسر وصايا الله بدون خوف. وهنا يقف أمامه قول الرسول عن العلاقة بالرب "أم تستهين بغنَى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة" (رو4:2).
وهذه الاستهانة تجعله بفقد الجدية في حياته الروحية.
لا ينظر إلى وصايا الله في جدية، ولا يعترف ويتناول في جدية. ويمكن أن يتناول ويخطئ مباشرة، بلا خجل، بغير مخافة لله، ولا هيبة ولا خشية!! وبلا اهتمام... لا يضع في ذهنه أن الله يراه، وأن أرواح الملائكة وأرواح معارفه الذين انتقلوا تراه!!
يصاب ببرودة في حواسه الروحية، فتتبلد!
وهذا النوع ربما يسمع العظات فلا يتأثر، ويقرأ عن الروحيات فلا يتأثر. بل تتحول الروحيات عنده إلى معلومات تزيد معرفه، وليست إلى مناخس تنخس قلبه وضميره...
ويفقده الواعِز الداخلي، تفقد الدوافع الخارجية تأثيرها.
لأنها لا تجد في داخله ما يقبلها وينفعل بها، أو لأنه تعودها. كما يتعود مريض دواء معينًا، فيفقد الدواء تأثيره عليه. وهكذا تدخل حياته في فتور روحي، أو في بروده روحية، وقد يبعد حياة الروح تمامًا. ولا يفكر مطلقًا في خلاص نفسه. وإن ناداه الرب، لا يجد في قلبه صدي، إذ قد وصل إلى قساوة القلب التي حذر منها الرسول قائلًا:
"إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7، 15).
وحتى هذا الإنسان، تحاول النعمة أن تجذبه. وقد يسمع صوت الله فيتأثر به، ويود أن يرجع إلى الحياة مع الله. ولكنه يدخل في صراع داخلي. ويصبح مثل إنسان مشلول يريد أن يقف، فلا تقوي قدماه على ذلك.
وهكذا يبرر رفضه للخلاص بعنصر التأجيل.
تمامًا مثل فيلكس الوالي، الذي ارتعب لما سمع بولس الرسول يتحدث عن البر والدينونة والتعفف. ولكنه قاوم التأثير الروحي بقوله للرسول "اذهب الآن، ومتى حصلت على وقت أستدعيك" (أع25:24).
بالإضافة إلى كل هذا، توجد الحروب الخارجية.
التي تنتهز الضعف الداخلي، فتهجم وتضغط. وتفتح أمامه أبوابًا واسعة للخطية طالما اشتهاها من قبل وما كان يجدها...
وإن حاوَل أن يضع أمامه قول الرسول "لا تُشاكِلوا أهل هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو12: 2). يصور له العدو صعوبة التغير، وردود الفعل في الوسط الذي يعيش فيه. وماذا يقول الناس عنه، وقد تعودوا عليه في صورة معينة!!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/righteousness/salvation.html
تقصير الرابط:
tak.la/th64zgc