† أريد أن أكلمكم الليلة عن الضمير. كثيرًا ما يقابلني شخص ويسألني: لماذا (فلان) يتصرف بهذا الشكل؟! لماذا ينتهر ولا يراعي الغير في تصرفاته ولا يراعي التصرف بما يرضي الله؟! ألا يوجد ضمير؟!
فأقول له: لا يا حبيبي هناك ضمير. فيتساءل مرة أخرى قائلًا: إذًا لماذا يأتي بهذه الأفعال؟! أو لماذا تحدث تلك الأحداث؟!
أول حاجة أريد أن أقولها لكم إن الضمير ليس هو صوت الله في الإنسان كما يظن البعض فهذا فهم خاطئ. فصوت الله في الإنسان هو صوت الروح القدس لكنه ليس صوت الضمير لأن الضمير يمكن أن يخطئ والله لا يمكن أن يقود للخطأ.
قد تخطئ فتاة وتحمل سفاحًا ثم تذهب إلى الطبيب طالبة المساعدة. ومن أجل مساعدتها يقرر الطبيب أن يقتل الجنين وهو في ذلك يعتقد أنه يفعل هذا من أجل الرحمة ومن أجل أن يسترها من الفضيحة ولكن بالطبع هو في ذلك يقوم بجريمة قتل. ثم يقرر أن يقوم بعملية تستر بكارتها التي ضاعت وهذه جريمة أخرى. هذا الطبيب أمام ضميره يظن أنه يقوم بعمل خير. ولكنه في الحقيقة قد ارتكب خطيتين، وضميره مستريح وموافق على ذلك، فالضمير قد يتوقف عن العمل بينما العقل يفكر ويبرر الخطايا.
قد يقع الأولاد في خطأ فتخاف الأم عليهم من عقاب الأب. فتخفي خطأهم عن الأب وقد تلجأ في هذا إلى الكذب. ويعتاد الأولاد أن يخطئوا وأن لا يعاقبوا على خطئهم والأم تسترهم وهي في ذلك ضميرها الخاطئ مستريح لأنها تظن أن ما تفعله هو رحمة وعطف على أولادها بينما تصرفها هذا خاطئ وقد يؤذي أولادها في المستقبل.
قد يغشش تلميذ زميله في الامتحان ويظن أنه بذلك ينقذه من الرسوب في الامتحان. بينما الغش خطية. ولكنه يبرر الغش بأنه يساعد زميله.
وما أكثر إن الضمير يأخذ أجازة ويترك العقل يفكر، والعقل يبرر وكله ماشي. أو الخطيئة تلبس الفضيلة.
فالمنظمين مثلًا من أجل النظام يطردوا هذا وينتهروا هذا وهم في ذلك يؤذون مشاعر الناس. وفي كل هذا لا يشعرون بأي خطأ لأنهم يحققون النظام المطلوب! ولكن لابد أن تعلموا أن الهدف السليم لكي يتحقق يجب أن تكون وسيلة تحقيقه سليمة أيضًا. ولكن كثيرًا ما يكون للضمير أحكام مختلفة.
الضمير أيها الآباء والإخوة له ثلاثة أنواع:-
الضمير الصالح مثل ميزان الصيدلي الكثرة تضره والقلة تضره فهو ضمير مضبوط تمامًا. وقد كان بولس الرسول يقول: "أنا بضميري الصالح أمام الله"، ونص الآية هو: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، إِنِّي بِكُلِّ ضَمِيرٍ صَالِحٍ قَدْ عِشْتُ للهِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ»." (سفر أعمال الرسل 23: 1). فهذا هو الضمير الصالح.
وهذا الضمير يصف عن البعوضة ويبلع الجمل، فهو ضمير واسع يتسع لكل شيء. تجد صاحبه يقول: (يا عم ما تدققش، إفرجها شوية، خليها تمر). وإذا كذب وواجهته بكذبه يرد عليك قائلًا: ( لا لا لا ده أنا كنت بضحك، دي نكتة). وبالمثل يصف أي خطيئة بأي فضيلة.
الضمير الضيق يعتبر كل شيء خطيئة، فيحسب الخطية حيث لا يوجد خطية، أو يكبر حجم الخطية. ويطلقون عليه "الضمير الموسوس".
في الأيام الأولى لي في الدير. كان هناك راهب كلما أقابله يقول لي: "أنت يا أبونا زعلان مني؟" أقول له: "لا يا حبيبي مش زعلان". يقول لي: "الحمد لله الله يعوضك يا أبونا". ولم أكن أغضب منه في أي شيء ولكنه كان يخيل إليه أشياء غير موجودة.
الضمير أيضًا يتأثر بالعقائد (بعقائد الناس)، ففي زمان الوثنية كان الذي لا يبخر للوثن ضميره يتعبه لأنه لم يبخر للوثن. وكانوا في كل عام يلقون بفتاة في النيل لكي يرضى النيل عنهم. وكان ضميرهم يتعبهم إذا لم يقوموا بذلك.
الانتقام للشرف والعرض نوع من التقاليد يتأثر بها الضمير:
فالضمير أيضًا يتأثر بالتقاليد. فهناك نوع من التقاليد مثلًا إذا وقعت أخت في زنا يصمم أخوها على قتلها اعتقادًا منه أنه بذلك يمحو عار الأسرة ويغسل الخطيئة بالدم. نوع من التقاليد. وضميره يساعده على القتل. وهو في ذلك يقوم بخطيئة قتل ويحرم أخته من فرصة التوبة.
العرف أو التقاليد في بعض البلاد تجعل الرجل يصمم أن يأخذ بثأر أبيه أو أخيه أو قريبه الذي قُتل. وإن لم يأخذ بالثأر يعتبر نفسه في عار. ضميره يقول له لازم تقتل. العرف أو التقاليد كده في بعض البلاد.
الضمير أيضًا يتأثر ببعض الرغبات. فأحيانًا يكون الإنسان أمام مشكلة أو أمام اتهام فيلجأ للكذب لأنه يرى فيه المخرج الوحيد من هذا الاتهام أو المشكلة. فيقول عن أشياء حدثت أنها لم تحدث وضميره يساعده على الكذب. ويعتبر أن هذا لون من الذكاء في الدفاع عن النفس ونوع من الحيلة ومن الدهاء. ضميره يساعده. أي أن رغبته في تبرئة ذاته أثرت على ضميره وأسكتت هذا الضمير.
أو شخص يلاقي إن المشكلة أو الطلب لا يحل إلا بالرشوة. بدون الرشوة لا فائدة. فيقول لا مانع أدفع رشوة واعتبرها ضريبة مفروضة علي وأنا بدفع الضريبة. يبرر لنفسه الرشوة للحصول على طلبه.
وهكذا ممكن الشهوة تقود الإنسان وتسكت الضمير. أي شهوة. مثل شهوة النجاح. ينجح بأي وسيلة ولو يسكت الضمير.
الضمير أيضًا يتأثر بالمعرفة. وبالمعرفة يستنير الضمير ولذلك هناك خطايا تسمى خطايا الجهل أي أخطأ لأنه يجهل. وعندما تزداد معرفته لا يخطئ مرة أخرى. هذا كله عن المعرفة الصالحة التي تقود إلى التوبة مثلًا.
لكن الضمير قد يتأثر بمعرفة خاطئة أو معرفة ملتوية مثل شخص يقابل آخر ويقول له أشياء خاطئة عن أناس معروفين لديه ويعطيه مشورة خاطئة في كيفية التعامل مع مثل هؤلاء الناس، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ويردد عليه هذا الكلام حتى يتأثر بالمعلومات الخاطئة التي تضله ويتأثر ضميره ويتصرف بطريقة خاطئة بناءًا على تلك المعرفة المضللة. فهناك أنواع من المعرفة تقود إلى الخطيئة.
الضمير أيضًا قد يتأثر بالمرشدين، فهناك أشخاص يطيعون مرشديهم مهما قالوا لهم ومبدأهم "الذين بلا مرشد يسقطون مثل أوراق الشجر". فتجد الشخص يتصرف بضمير مرشده وليس بضميره هو. يلغي ضميره ويضع أمامه ضمير مرشده.
ويترك للمرشد التصرف في ضميره فإما أن يلغي ضميره وإما أن يشكله. يشكل الضمير بالطريقة التي يريدها. مثال لذلك، قد يكون المرشد يحب الجدية فيقول له الضحك حرام خليك جد. بينما مرشد آخر يحب البشاشة يقول له خليك بشوش كده. وعلى حسب توجيه المرشد يتصرف الشخص. مرشد يعلم المرح ومرشد يعلم الرزانة.
الضمير أيضًا يتأثر بالمرشدين في موضوع مثل تنظيم النسل فبعض المرشدين يحللون تنظيم النسل والبعض الآخر يحرمونه وكما يقول المرشد يشتغل الضمير.
الضمير أيضًا يتأثر بالبيئة التي يعيش بها الإنسان.
مثال لذلك الأولاد الذين يخرجون في مظاهرة. فالذي يسير في مظاهرة لا يسير بضميره بل يسير بضمير الجماعة. هم يهتفون وهو يهتف معهم. فإذا اندفعوا في كلام يؤذيهم يندفع معهم ويقول كما يقولون. ثم يُقْبَض على هذا الشخص ويُلْقَى في السجن. ثم وهو جالس في السجن وليس معه مَنْ كانوا يهتفون حوله في المظاهرة، يبدأ في التفكير بطريقة مختلفة (طريقة أخرى). لأنه عندما كان في وسط الناس كان يفكر بضمير الناس. يفكر بالانفعال والإثارة وبنفس طريقة الناس الذين كانوا حوله.
وهناك إنسان ضميره يتأثر بالصحف وبما يقرأه في الصحف وما يصدقه.
وهناك ناس وسط جيل معين له صفات معينة يكون ضميرهم متأثرًا بصفات هذا الجيل. بينما من بين هؤلاء الناس يظهر بعض المصلحين يقفون ضد الاتجاه العام ويكونوا اتجاه جديد لأنهم أناس مصلحين.
بعد هذا نقول أن الضمير شيء والإرادة شيء آخر، وهناك فرق بين ما يريده الضمير وما يريده الشخص. فالضمير يشبه إشارات المرور. فإذا كانت العربة سائرة وإشارة المرور حمراء فعليها أن تقف. أي أن إشارة المرور ترشده ولكنها لا ترغمه فمن الممكن أن يكسر الإشارة ويسير. كذلك الضمير فإنه يرشد لكن لا يرغم.
ولذلك قيل مرة عن الضمير أنه "قاضي عادل" ولكنه لا يستطيع أن ينفذ أحكامه. الضمير يرشد فقط ولكن التنفيذ في يد الإرادة.
ماذا يفعل الإنسان إذا كانت إرادته شريرة وتضغط عليه؟ قد يكون الإنسان سائرًا في اتجاه معين خاطئ وضميره غير قادر على إيقافه. هنا تتدخل النعمة، نعمة ربنا لكي ترشد الإنسان في طريق سليم تغير وجهته. ولكن النعمة أيضًا لا ترغم فله أن يقبل النعمة أو لا يقبل.
إذا قبل الإنسان النعمة يسير في الطريق الصحيح وإذا لم يقبلها فإنه يضيع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/v4c8jfm