محتويات
من له أذنان للسمع فليسمع (مر4: 9، 23).
الرسائل التي أرسلها الرب إلى الكنائس السبع التي في آسيا كل منها تشمل عبارة أنا عارف أعمالك وتنتهي بعبارة "مَن له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس، ونريد اليوم أن نتأمل هذين الأمرين.
جميل أن الله يرسل رسائل للناس، يبعث كلمته للكل، للأبرار وللأشرار معًا، للذين يحبونه وللذين تركوا محبتهم الأولى. يرسل حتى إلى ملاك كنيسة ساردس الذي قال له الرب "إن لك اسمًا أنك حي وأنت ميت" (رؤ1:3). وإلى ملاك كنيسة لاوديكية الذي قال له "لست حارًا ولا باردًا. بل أنت فاتر، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي" (رؤ3: 15، 16). ومع ذلك يرسل إلى كلٍ منها رسالة.
كل إنسان في الحياة، لا بُد أن تصله رسالة من الله.
يتكلم في قلبه، يرسل له كلمه تناسبه بأية الطرق، عن طريق الكتاب، عظة، عن طريق نصيحة من إنسان.
تصوَّروا أنه كلم حتى قايين، قبل أن يقتل أخاه.
وقال له "عند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها، وأنت تسود عليها" (تك7:4). خُذ حذرك، ما زال الأمر في إرادتك. احترس من تلك الخطية... ومن اشتياقك، احترس من مشاعرك. الله أرسَل رسالة حتى إلى بلعام.
وفي الرسالة إلى العبرانيين يقول الرسول: "الله بعدما كلَّم الآباء بالأنبياء قديمًا، بأنواع وطرق شتَّى، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب1:1، 2). بأنواع وطرق شتَّى...
لا تستطيع أن تقول إن صوت الله لم يصل إليك.
البعض قد يكلمهم الله بالرؤى والأحلام. ولكن ليست كل الرؤى والأحلام من الله! وهناك مَن كلمهم الله بصوته شخصيًا كما حدث للأنبياء... والبعض كلمهم عن طريق الرسل، والكتاب يقول "إلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم" (مز19). ومن كلمهم الرب عن طريق الوحي المقدس، الكتاب المقدس، الذي هو كلمة الله إليك... وهناك من كلمهم الرب عن طريق الملائكة... والكل عن طريق الوعظ. كما كان بولس يقول "كان الله يعظ بنا... نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2كو5: 19، 20).
جائز الكلمة التي يرسلها لك الرب تكون كلمة بركة، أو كلمة تعزية، أو تعليم، أو كلمة إنذار...
ويا ليتك تسأل نفسك باستمرار: ما هي كلمة الله إليَّ؟ إنك تسمع كثيرًا من الناس... ولكن ما هي كلمة الله إليك؟ تصوروا أن السيد المسيح يقو: اكتب إلى ملاك كنيسة أفسس... إلى ملاك كنيسة سميرنا... إلى برغامس... إلى ثياتيرا... إلى فلادلفيا. إلى سادرس... إلى لاوديكية... أكتب كل واحد له رسالة، الله يوجهها إليه.
إنها وصية إلهية: من له أذنان للسمع فليسمع.
هذه العبارة قالها السيد المسيح مرات عديدة في الأناجيل.
قالها بعد كلامه عن يوحنا المعمدان (مت15:11). وبعد مثل الزارع (مت9:13). (مر9:4). وبعد شرح مثل الحنطة والزوان (مت43:13). (مر22:4). وبعد كلامه عن أن ما يخرج من الفم هو الذي ينجس الإنسان (مر16:7). وبعد كلامه عن الملح الذي يفسد (لو35:14). وهكذا قال في سفر الرؤيا للكنائس السبع "مَن له أذنان فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" سبع مرات (رؤ3:2).
وعبارة ما يقوله الروح للكنائس عبارة معزية:
تعني أن الروح القدس ما زال يكلم الكنائس. الروح يعمل فينا، ويرشدنا إلى جميع الحق (يو13:16). ويذكرنا بكل ما قاله الرب لنا (يو26:14).
هناك أشخاص كانت لهم آذان تسمع وتستجيب وتطيع.
مثل إبرآم أبو الآباء، حينما قال له الرب "أخرج من أهلك ومن عشيرتك" (تك12). وحينما قال "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه، إسحق، وقدمه لي محرقة..."(تك22). أطاع، ولم يناقش. له أذنان للسمع... لوط لما قال له الملاك أخرج من سادوم... لا تقف في كل الدائرة (تك19). سمع وأطاع...
من أكثر خلق الله سمعًا: الملائكة.
يقول عنهم المرتل في المزمور "باركوا الله يا ملائكته... الفاعلين أمره، عند سماع صوت كلامه" (مز20:103). بمجرد سماع الكلمة ينفذون، سواء للإنقاذ أو للعقاب... لذلك ونحن نريد أن نكون سامعين لكلمة الله، منفذين لمشيئته نقول: كما في السماء، كذلك على الأرض"، أي نطلب أن تكون لنا آذان للسمع.
ومن أمثلة الذين سمعوا الكلمة واستجابوا، تلاميذ المسيح.
متى (لاوي) حالما سمع كلمة الله "اتبعني "ترك مكان الجباية وتعبه" (مت9:9). وكذلك بطرس وأخوه أندراوس تركا السفينة والشباك والأهل، حالما سمعا عبارة هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس (مر1: 17، 18). وكذلك فعل يوحنا ويعقوب... ونفس الوضع أيضًا من شاول الطرسوسي (أع9). ولهذا قال السيد المسيح مطوبًا تلاميذه:
"أما انتم فطوبى لآذانكم لأنها تسمع".
ذلك لأن هناك آخرين لهم آذان لا تسمع (مز11:8) (رؤ21:28). وما أكثر الأمثلة لهذا النوع وما أكثر أسبابها... السيد المسيح نفسه، كان كثير من معاصريه، لهم آذان ولكنها لا تسمع آذان لا تسمع.
أول أذن لم تسمع، كانت لآدم وحواء.
سمعا الوصية، وكأنهما لم يسمعا. تذكرا الوصية بحذافيرها، وعملا العكس! (تك3) لماذا؟ لأن كلمة أخرى قالتها الحية، غطت على كلمة الله إليهما، وكانت أكثر تأثيرًا وأكثر إغراء، وإذا كلمة الله وكأنها لم تُسْمَع.
لذلك احترس من أن الكلمة، يخطفها أحد منك.
كما قيل في مثل الزرع أن بذارًا خطفها الطير فلم تنبت (مت4:13). ألقيت البذار، أي نزلت على الأذن، ولكن هناك مَن خطفها... تسمع النصيحة أو العظة، وتتأثر، ويأتي إنسان آخر، تأثير آخر يغطي على الكلمة ويخطفها منك، ويترك عندك تأثيره هو.
قايين سمع الإنذار من الله، وكأنه لم يسمع! فلماذا؟
كانت هناك مشاعر وانفعالات في القلب، غطت على كلمة الله، وأزالت تأثيرها وكأنه لم يسمع!
كانت مشاعر الحسد والحقد والغضب التي في قلبه، كأنها حاجز قوي يمنع كلمة الله من أن تدخل. فسمعها، وكأنه لم يسمع... كان مشغولًا بسماع صوت الحقد والحزن الذي في قلبه... قال له الله احترس، الخطية أمامك، ولا تزال تسود عليها. أحرص ألا تخطئ... ولكن الانفعالات الداخلية كانت تمنعه من سماع النصيحة. وبعد أن كلمه الله، ذهب وقتل أخاه!!
احترس إذن من انفعالاتك الداخلية، ومن سيطرتها.
الشاب الغني، كلمة المسيح، وقدم له كلمة منفعة. ولكنه مضى حزينًا، ولم يسمع للرب (مت22:19). فلماذا؟
لأن هناك شهوة في القلب، تمنع وصول الكلمة للقلب.
مع أن هذا الشاب كان يحفظ الوصايا منذ حداثته. ولكنة عند الوصية الخاصة بالمال، لم يستطع أن يسمع. لأن هنا كانت الشهوة المسيطرة التي تحجب كل وصية وكل كلمة وتصد وترد...
كإنسان مستعد أن يسمع لك في كل شيء، ما عدا شيئًا واحدًا لا يستطيعه.
هنا عدم السمع ليس مطلقًا، ولكنه في شيء واحد. في نقطة الضعف، في الشهوة المسيطرة... مثال سليمان الحكيم، كان أحكم الناس جميعًا، وقد أخذ الحكمة من الله... ولكنه من جهة شهوة النساء والتزوج بالنساء الغريبات، لم يستطع أن يسمع كلمة الله، ولم يكن قلبه أمينًا للرب مثل أبيه (1مل 11: 1-10)... ولم يحفظ ما أوصى به الرب...
إذا وجدت أذنك لا نسمع، ابحث ما هو السبب؟
اذهب إلى طيب آذان يعالجك، بل اذهب بالأكثر إلى طبيب قلب، يكشف ما في قلبك من شهوات. مثل أي إنسان يخالف أباه وأمه، ويخالف الوصية والكنيسة، يخالف القانون أيضًا، لأن هناك شهوة في قلبه يريد أن يحققها. والشهوة تصم أذنيه عن السماع...
أحيانًا يكون عدم السماع بسبب قساوة القلب...
ولذلك يقول الكتاب "إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم" (عب 3: 15)... فرعون كان من هذا النوع القاسي القلب، الذي لم يستطع أن يسمع لكل إنذارات الله، ولم تؤثر فيه كل الضربات. وكم من مرة صرخ إلى موسى وهرون، ووعد بأن ينفذ، ثم عاد كما كان.
والقساوة تولِّد العناد. والعناد يمنع من سماع الكلمة.
العناد الذي يغلق القلب، ويغلق الفكر، مهما قيل له من كلام نافع ومقنع، لا يسمع! إنسان متشبث بفكره، مهما كلمته، كأنك لم تتكلم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأن في التشبث بالفكر نوعًا من الكبرياء. تغلق الأذن عن السماع، بعكس الوديع المتواضع يمكن أن يسمع. حتى إن أخطأ، يقبل التأديب والنصيحة، ويصلح طريقه ويسمع.
الهراطقة كانت لهم آذان لا تسمع، أغلقها العناد والكبرياء.
آريوس مثلًا، لم يسمع لصوت بطريركه، ولا لصوت المجمع المحلى الذي عقد في الإسكندرية من مائة أسقف، ولم يسمع لإقناعات القديس أثناسيوس، ولم يسمع لقرار المجمع المسكوني. كان عناده يغلق أذنيه، وكانت كبرياؤه تغلق أذنيه. ومات في هرطقته دون أن يسمع... تمنعه العزة بالذات، والتمسك بالفكر...
وكذلك كل حوار لاهوتي من نفس النوع.
قد تحاوِر إنسانًا، وتجده متحفزًا للرد قبل أن تكمل كلامك. لسانه أسرع من أذنيه، لا رغبة لدية في السماع، ولا رغبه في الاقتناع. يمنعه التشبث والعناد. له آذان ولكنها لا تسمع. وبالمثل كل إنسان متمسك بفكره الخاص، مصر عي فكره، كأنك تكلم صخرًا صلبًا. لا توجد منافذ تدخل منها الكلمة...
ونفس الوضع مع كل إنسان معتز بكرامته.
قد يشعر أن نصيحتك كأنها تهينه، وتهز كرامته، وتشعره بخطأه، وتتعب نفسيته فلا يكون مستعدًا إطلاقًا، لأن السماع يحتاج إلى تواضع. ولهذا ليس كل عتاب يأتي بنتيجة: المتواضع المحب تعاتبه فتكسبه. والمتكبر المعتز بكرامته، تعاتبه فيزداد الأمر سوءًا...
هيرودس الملك، لم يستطع أن يسمع كلمة يوحنا المعمدان.
كلام يوحنا المعمدان واضح "لا يحل لك أن تكون لك امرأة أخيك" (متي4:14). إنها وصية إلهية واضحة في موانع الزواج (لا18:16). والكتاب يعتبرها نجاسة (لا21:20). ولكن هيرودس لا يسمع. إغراء هيروديا يمنعه. كما كان إغراء دليلة يمنع شمشون من بقاء وصية النذير في أذنيه (قض7:13).
هناك تأثير آخر، يمنع تأثير كلمة الرب عليه.
هناك محبة أخرى طغت على محبة الله، فمنعت الأذن من أن تسمع... كم نسمع كلام الله في القراءات وفي العظات في كل قداس، وكأننا لم نسمع، والطبع هو نفس الطبع. شعب اليهود كانت تتلي عليه البركات من فوق جبل جزريم، واللعنات من فوق جبل عيبال باستمرار (تث28:27). ومع ذلك ما كان يعبًا!!
السيد المسيح كان يكلم علماء اليهود، فلا يسمعون، على الرغم من قوة إقناعاته، ولكنهم تشبثوا بآرائهم.
كانت الحَرْفِيَّة وتقاليد آبائهم الخاطئة وتعاليمهم، تمنعهم من السماع...
وربما كانت هناك مشاعر الحسد التي في قلوبهم التي كانت تدفعهم إلى محاولة التخلص من السيد المسيح، وليس سماع كلامه. ماذا أيضًا. هل أسباب أخرى تمنع من السماع؟
الخوف أيضًا يسد الأذن أحيانًا عن السماع.
بيلاطس البنطي كان مقتنعًا ببراءة المسيح، وقال إنه لا يجد فيه علبة تستوجب الموت (لو22:23). وقد حذرته زوجته قائلة "إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم لأجله" (مت19:27). ولكنه لم يسمع، لأن الخوف كان يمنعه من السماع. كان يخاف أن يشكوه إلى قيصر. الخوف على المركز وربما نفس الخوف منع أغريباس الملك من سماع تبشير القديس بولس الرسول، مع أنه قال له "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيا" (أع28:2)... إن قبل أغريباس المسيحية، سيضيع منه منصب الملك.
كثيرون يضيعون البعض بالخوف... إن فتحت فمك لتتكلم، إن هربت منا، إن كشفت المؤامرة، إن لم تخضع، سيحدث كذا وكذا من التهديد. وبهذا الخوف لا تنفع معه كل نصيحة لإنقاذه! تكلمه لا يسمع... الخوف يسد أذنيه...
هناك سبب آخر يمنع الأذن من السماع، وهو الاستهتار واللامبالاة.
أهل سدوم نصحهم لوط أن يخرجوا من المدينة فبل أن تحترق، فقابلو كلامه باستهزاء "وكان كنماذج في وسط أصهاره" (تك14:19). ونفس الوضع حينما تكلم بولس الرسول في مدينة أثينا، قابلوه بنفس التهكم قائلين "ماذا يريد هذا المهذار أن يقول" (أع18:17). إنه أيضًا نوع من الاستهتار، لم يأخذوا فيه الكلام بجدية. لذلك لم تكن آذانهم للسمع... كإنسان تنصحه، فيقابلك بتهكم، أو يحول الجو إلى عبث... ولا يسمع بل يتهكم ويهزأ...
إنسان أيضًا لا يسمع، لأنه يعرج بين الفرقتين.
آخاب إن سمع كلمة من إيليا تستطيع إيزابل أن تعمل له غسيل مُخ، وتحوله إلى الناحية الأخرى... فإن أردت أن تعطي نفسك فرصة للسماع، لا بُد أن تبعد عن الجو الذي يمكنه أن يحولك... كشاب يشمع عظة، فيضيع تأثيرها بسبب أصدقائه.
أصعب مثل في عدم السماع، هو مثال يهوذا، الذي كانت تمنعه الخيانة من السماع. كم مرة أنذر السيد المسيح... ولكن الخيانة كانت تصم أذنيه، مضافة إليها شهوة المال. القلب كان في تلف، كذلك تلفت أذناه فلم تسمع.
لكي تسمع أذناك، ينبغي أن تكون لك رغبة في أن تسمع، وتكون لك الجدية في التنفيذ. وتكون مشتاقًا أن تسمع الكلمة، ولو أدَّى الأمر أن تبذل حياتك من أجلها, إن أتاك الصوت الإلهي، احتفظ به في قلبك وفي إرادتك. كما فعل القديس أنطونيوس لما سمع كلمة الرب، وللحال نفذها في جدية، بغير إبطاء بغير توان.
ولنحاسب أنفسنا، كم مرة سمعنا ولم نعمل، وكأننا لم نسمع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/righteousness/ears.html
تقصير الرابط:
tak.la/87wbdbx