وطول الأناة صفة من صفات الله. وقد أطال الله أناته على اليهود وعلى الأمم كليهما:
أطال الله أناته على اليهود، الذين كانوا شعبًا صلب الرقبة، متمردًا للغاية، وكثيرًا ما أتعبوا موسى النبي الذي (كان حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجهه الأرض) (عد12: 3). (وكم قتلوا الأنبياء، ورجموا المرسلين إليهم) (مت23: 37). وهنا فلنستمع إلى قول نحميا النبي (آباؤنا صلبوا رقابهم، ولم يسمعوا وصاياك... وأنت إله غفور وحنان ورحيم طول الروح... فلم تتركهم...) (نح9: 16، 17).
ونرى هنا طول الأناة يرتبط بالحنان والرحمة والمغفرة.
حنان الله ورحمته نابعان من محبته للبشرية، ومن نتائجها المغفرة وطول الأناة هذا الأمر غرفه البشر منذ البدء. ويذكره موسى النبي في سفر العدد (الرب طويل الروح وكثير الإحسان، يغفر الذنب والسيئة) (عد 14: 18). وكثير نفس الكلام في المزامير (مز86: 15؛ 145: 8).
ويشرحه المرتل بتفصيل في (مزمور 103) فيقول:
(الرب رحيم ورؤوف، طويل الروح وكثير الرحمة، لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض، قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا كما يتراءف الأب على الابن يتراءف الرب على خائفيه لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن (مز103: 8-14).
وطول أناة الله، كانت لتقتاد الناس إلى التوبة.
كما قال القديس بطرس الرسول (لكنه يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أناس، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة) (2بط3: 9). وقال أيضًا في نفس الرسالة (احسبوا أناة ربنا خلاصًا، وكما كتب إليكم أخونا الحبيب بولس) (2بط3: 15). فما الذي كتبه القديس بولس؟ لقد قال:
(أم تستهين بغِنَى لطفه وطول أناته، غير العالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة) (رو2: 4).
طول الأناة هو فرصة من الله المحب، تقود إلى التوبة وليس إلى الاستهانة والاستهتار. لذلك يقول الرسول بعد عبارته السابقة (ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب. تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة، الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله) (رو2: 5، 6).
هكذا فعل الله مع فرعون.
أطال الله أناته عليه مرات عديدة. وكما كان يعترف بالخطأ، ويطلب الرحمة ورفع الضربة عنه، كان الرب يرفع الضربة، ويعطيه فرصة للتوبة. فبما استهان بطول أناة الله، ضربه بالغرق مع جنوده في البحر الأحمر.
وأطال الرب أناته على اليهود مرارًا، وغفر لهم عبادتهم للأصنام ولآلهة الأمم. فلما استهانوا بطول أناته، ودفعهم إلى سبي بابل وأشور وقال لهم (حين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم. وإن أكثرتم الصلاة، لا أسمع. أيديكم ملآنة دمًا) (أش1: 15).
الله في محبته، أطال أناته على الأمم.
الأمم الذين عبدوا الأصنام، واتخذوا لهم آلهة أخرى غير الرب. وقال الجاهل منهم في قلبه ليس إله (مز14: 1)...
وأخيرًا جاء ملء الزمان الذي دخل فيه الأمم إلى الإيمان، وطمعت الزيتونة البرية في الزيتونة الأصلية (رو11: 3). وقال الرب لتلاميذه (اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخلقية كلها) (مر 16: 15).
ظهرت طول أناة الله على نينوى وعلى يونان.
على نينوى المدينة الأممية الخاطئة التي كان (يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم) (يون4: 11). وبطول أناة الله، وبكرازة نبيه يونان، تاب أهل نينوى، وصاموا وجلسوا في المسوح والرماد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وغفر لهم الله وقبل توبتهم، كما قبل توبة أهل السفينة أيضًا.
وبنفس طول أناة تعامل الرب مع يونان، الذي هرب أولًا من وجه الرب واخذ سفينة إلى ترشيش (يون1: 3).
لم يأخذه الرب في وقت خطيئته وهربه.
بل أطال أناته عليه على الرغم من عصيانه. وأعد له حوتًا عظيمًا ابتلعه ولقنه درسًا، فأطاع أخيرًا. وذهب ونادي لنينوى حتى تاب شعبها وخلص (يون3: 3). كل ذلك لأن الله في محبته، لا يشاء أن يموت الخاطئ، بل أن يعطي فرصة لكي يتوب ويرجع فيحيًا (خر18: 23).
وهكذا في محبة الله، أطال أناته على الخطاة.
أطال أناته على زكا العشار الذي تعجب الناس من أن يدخل الرب إلى بيته وهو رجل خاطئ. ولكن الرب أعلن قائلًا (اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضًا ابن لإبراهيم) (لو19: 9). وحدث المثل مع متى العشار، الذي لم يترك فقط مكان الجباية، بل صار واحدًا من الاثني عشر.
وبالمثل أطال أناته على المرأة السامرية التي كان لها خمسة أزواج، وتابت وكرزت به (يو4). وأطال أناته على المجدلية التي أخرج منها سبعة شياطين (مر16: 9). فتبعته هي التي بشرت التلاميذ بالقيامة.
وأطال أناته علب الابن الضال، الذي كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوجد (لو15: 24، 32).
بل بالأكثر أطال أناته على شاول الطرسوسي الذي اضطهد الكنيسة بعنف، وحوله إلى رسول عظيم وكارز...
وهذا الذي قال عن نفسه (أنا الذي كنت من قبل مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا...) (1تي1: 13). وقال (الخطاة الذين أولهم أنا. ولكني رحمت ليظهر يسوع المسيح في أنا أولًا كل أناة، مثالًا للعتيدين أن يؤمنوا) (1تي1: 15، 16)...
وبالمثل أطال الله أناته على أريانوس وإلى أنصنا في عهد ديوقلديانوس، الذي كان أكثر الولاة تعذيبًا للمسيحيين... وبطول أناة الله عليه، آمن وصار شهيدًا...
وأطال الله أناته حتى تاب خطاة وصاروا قديسين.
نذكر من بينهم أوغسطينوس الذي تاب وترهب وصار أسقفًا، وكتب تأملات عميقة انتفعت بها الأجيال من بعده، وموسى الأسود الذي تاب وصار أبًا للرهبان، وقدوة في المحبة والوداعة. كذلك مريم القبطية التي تابت من زناها، وصارت من السواح، وباركت زوسيما القس. ويعوزني الوقت إن تكلمت عن جمرة من الخطاة أطال الله أناته عليهم، وقادهم إلى التوبة وإلى القداسة ولعلني أذكر تلك الشجرة التي ما كانت تعطي ثمرًا، وكانت على وشك أن تقطع. ولكن قلب عنها:
"اتركها هذا السنة أيضًا، حتى أنقب حولها زبلًا. فإن وضعت ثمرًا، وإلا ففيما بعد نقطعها" (لو 13: 8، 9).
هذه أمثلة من طول أناة الله، نضع إلى جوارها أناته على تلاميذه الاثني عشر، سواء في قلة فهمهم، أو في وضعفهم فما قدروا أن يسهروا معه ساعة واحدة في بستان جثسيماني (مت26) أو في سؤالهم أكثر من مرة من يكون الأول فيهم والرئيس (مت20: 26) (لو20: 24). أو في شكوكهم مثل ما فعل توما (يو20) أو في هربهم أثناء القبض عليه وخوفهم واختبائهم أو شكهم في قيامه (مر16)... ولكنه تأني عليهم وصبر، وعالج ضعفهم، وجعلهم قادة للمؤمنين...
كل هذه دروس لنا نتعلم منها طول الأناة.
ولكن لا نطيل أناتنا في ضجر، بل في حب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/love/forbearing.html
تقصير الرابط:
tak.la/32h9z68