أمثلة وعناصر
ومن أمثلة المحبة في ترفقها، محبة الراعي لغنمه.
وفي ذلك يقول السيد الرب (أنا أرعَى غنمي وأربضها... وأطلب الضال، واسترد المطرود وأجبر الكسير، وأعصب الجريح) (خر34: 15، 16). (هكذا افتقد غنمي، وأخلصها من جميع الأماكن التي تشتت إليها...) (خر34: 12). وقال أيضًا (أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف) (يو 10: 11). (ولا يخطفها أحد من يدي) (يو10: 28).
وفي ذلك قال داود الراعي الصغير لشاول الملك (كان عبدك يرعَى لأبيه غنمًا، فجاء أسد مع دب، وأخذ شاه من القطيع. فخرجت وراءه وقتلته، وأنقذتها من فمه. ولما قام علي، أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته. قتل عبدك الأسد والدب جميعًا) (1صم17: 34-36).
ومن أمثلة محبة الراعي في تحننها، قول الكتاب عن السيد المسيح (ولما رأى الجميع تحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومُنْطَرِحين كغنم لا راعي لها) (مت 9: 36)، (مر 6: 34).
كذلك حنوّه على الخروف الضال، إذ خرج يبحث عنه حتى وجده، وحمله على منكبيه فرحًا (لو15: 4، 5). إنها المحبة التي تتعب، وتفرح بالتعب، رفقًا بالضالين.
ومن أمثله المحبة التي تتراءف، المحبة الموجهة إلى التعابى، والحزانَى، وصغيري النفوس.
ومن أمثلتها محبة السامري الصالح الذي رأى في الطريق إنسانًا وقع بين أيدي اللصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت (فلما رآه تحنن) وتقدم فضمد جراحه (وأركبه على دابته، وأتى به إلى فندق، وأعتنى به) (لو10: 30، 34). المهم أن كل عمل الخير هذا، سبقته عبارة (تحنن). إنها المحبة التي تشفق وتترفق بالتعابى.
ولعل أبرز مثل لهذا الحب، هو قول السيد:
(تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم) (مت11: 27).
ومن جهة الحزانَى، نراه في محبته وحنوه، يمسح كل دمعة من عيونهم (رو7: 17؛ رؤ21: 4).
ومن تحننه، إنه لما رأى أرملة نايين تبكي لموت وحيدها، قيل (فلما رآها الرب تحنن عليها، وقال لها: لا تبكي، ثم تقدم إلى النعش وأقام ابنها الميت، ودفعه إلى أمه) (لو7: 12-15). كذلك تحنن على أسرة لعازر التي كانت تبكي بسبب موته، ولم يقل الإنجيل فقط أنة أقام لعازر من الموت، بل قبل أكثر من هذا تعبيرًا عن حبه (بكى يسوع) (يو 11: 35).
ومن أجل هذه المحبة المترفقة، قبل عنة أنه:
عزاء مَن ليس له عزاء، ومعين من ليس له معين.
ولهذا يقول الوحي لأورشليم (لا تبكي بكاء. يتراءف عليك، عند صوت صراخه... حينما يسمع يستجيب لك) (أش30: 19). وقول عنه الكتاب أنه (أبو الرأفة ورب كل عزاء) (2كو1: 3).
ومن محبته وترفقه، اهتمامه بصغيري النفوس:
نقول عنه في صلواتنا أنه (عزاء صغيري النفوس، ميناء الذين في العاصف). لقد عزي بطرس الرسول الذي بكى بكاءً مُرًّا بعد أن أنكره ثلاث مرات (مت26: 57). لذلك قابله بعد القيامة، وقال له (أرع غنمي، أرع خرافي) (يو21: 15، 17) وذلك لئلا يظن بعد نكرانه أنه قد فقط رسوليته، أو أنه أنطبق عليه قول الرب (مَن ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضًا ى قدام أبي الذي في السموات) (مت 10: 33) - فعزَّاه.
وكان أيضًا مترفقا بتوما في شكوكه. وسمح له أن يلمس جراحه ويؤمن (يو20: 26، 28). وترفق أيضًا بالمجدلية، وأزال شكوكها وثبتها في الإيمان (يو20)... ولهذا كله يقول الرسول (شجعوا صغار النفوس. وأسندوا الضعفاء. تأنُّوا على الجميع) (1تس5: 14).
ولعل من ابرز الأمثلة للمحبة المترفقة: الرفق بالخطاة.
وفيها يقول الرسول (اذكروا المقيدين، كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد) (عب13: 3). ما أعظم محبة الرب في ترفقه على المرأة السامرية، وعدم إخجالها (يو4). وكذلك ترفقه على المرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل، وكيف أنقذها من الذين أدنوها وطلبوا الحكم برجمها. ثم قال لها في رفق (ولا أنا أدينك. أذهبي ولا تخطئي أيضًا) (يو18: 11). وبنفس الرفق عامل المرأة الخاطئة التي سكبت الطيب على قدميه في بيت سمعان الفريسي (يو 7: 36، 50). وأظهر للفريسي إنها أفضل منه...
كذلك ترفقه بالابن الضال حينما رجع، ولم يبكته على ذهابه إلى كورة بعيدة (لو15). ونفس الموفق مع زكا العشار (لو19). وباقي العشارين والخطاة.
ونفس الرفق عامل أورشليم الخاطئة (خر16).
قال لها (بسطت ذيلي عليك وسترت عورتك... ودخلت معك في عهد... ويقول السيد الرب - فصرت لي. فحممتك بالماء (أي المعمودية)... ومسحتك بالزيت (في سر الميرون)... وكسوتك بزًا (من جهة البر) وحيلتك بالحلي... ووضعت تاج جمال على رأسك... فصلحت لمملكة. وخرج لك اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليك) (خر16: 8-14).
ومن المحبة المترفقة بالخطاة، إنذارهم قبل العقاب.
إنذار قدمه الرب قبل الطوفان (تك6). وإنذار قدمه لأهل سادوم على يد لوط (تك19). وإنذارات يقدمها في سفر الرؤيا قبل المجيء الثاني (رؤ8). وإنذار أمر به في سفر حزقيال النبي. فقال له (اسمع الكلمة من فمي، وأنذرهم من قبلي) (حز3: 17). (وتحذرهم من قبلي) (حز33: 7)... وما أكثر إنذارات الرب وتحذيراته. لأنه في محبته، لا يريد أن يضرب الضربة على حين غفلة...
وهوذا بولس الرسول يقول لشيوخ أفسس (اسهروا متذكرين أنني ثلاث سنين ليلًا ونهارًا، لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل واحد) (أع20: 31).
ومن المحبة المترفقة، فتح باب التوبة للخطاة.
حتى اللص على الصليب في آخر ساعات حياته، إذ قال له (اليوم تكون في الفردوس) (لو23: 43).
وأيضًا (أعطي الله الأمم التوبة للحياة) (أع11: 18). وهكذا فتح باب الرجاء أمام كل واحد (لا يسر بموت الخاطئ، بل أن يرجع ويحيا) (حز18: 23).
وأعطانا خدمة المصالحة (2كو5: 18). لكي في محبة وترفق بالخطاة، ندعوهم أن يصطلحوا مع الله.
ومن فيض المحبة المترفقة: الترفق أيضًا بالفقراء، والجياع والمرضى.
وهنا يقول الكتاب (وأما الصديق فيترءاف ويعطي) (مز37: 21). ويقول أيضًا (طوبى للرجل الذي يترءاف ويقرض) (مز112: 21). ويهمنا هنا كلمة (يتراءف). فلا يكفي أن يعطي الإنسان غيره، وإنما بمشاعر الحب (يتراءف). ومن الرأفة أن الرب منع أخذ الربا من أولئك المحتاجين. وأعتبر أن من يعطي المحتاجين، كأنه يعطي الرب نفسه، فقال.
"بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد فعلتم" (مت25: 40).
إذن ينبغي أن يكون العطاء بحب، وفيه ترفق بمشاعر المحتاجين. وهنا ألوم الجمعيات التي تؤسس الملاجئ، وتخرج شعور اللاجئين بما تنشره عنهم من صور وإعلانات، لكي تجمع بذلك مالًا!
اهتمام الرب بالجياع والعطاش والمحتاجين، واضح جدًا في وصيته للتلاميذ (أعطوهم أنت ليأكلوا) (مت 14: 16).
نلاحظ أيضًا أن معجزات الشفاء التي قام بها الرب، لم تكن مجرد شفاء إنما امتزجت أيضًا بالحنان والرأفة.
ففي منح البصر للأعميين، يقول الكتاب (فتحنن يسوع ولمس أعينهما. فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه) (مت 20: 34).
وفي شفاء الأبرص وتطهيره، قيل (فتحنن يسوع ومد يده ولمسه، وقال له أريد فاطهر) (مر1: 41)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ويقول الكتاب أيضًا (فلما خرج يسوع أبصر جمعًا كثيرًا، فتحنن عليهم وشفي مرضاهم) (مت14: 14). إذن الحنان هو الدافع، والشفاء هو النتيجة.
ما أكثر تحننه أيضًا على العواقر.
وما أجمل تلك التسبحة التي سجلها سفر إشعياء: (ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد. أشيدي بالترانيم... لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك) (اش54: 1، 7)...
وهنا نذكر تحننه حنة ومنحها صموئيل الذي صار نبيًا مسح الملك (1صم10: 16). وتحننه على أليصابات في شيخوختها، فمنحها يوحنا الذي صار أعظم مَن ولدته النساء (مت11: 11). وتحننه على ليئة المكروهة، فجاء من نسلها المسيح.
ومن أبرز أمثلة الترفق، أمر الرب ببناء) مدن الملجأ (التي يلجأ إليها القاتل الذي قتل نفسًا سهوًا) (عد35: 11)، فيحتمي فيها لئلا يقتله ولي الدم، وقيل أن يفصل القضاء في أمره.
وهكذا يقول المزمور (الرب يحكم للمظلومين).
إن الله ضد قساوة القلب. فالقاتل الذي يقتل عن غضب وحقد وقسوة، لا تنطبق عليه قاعدة مدن الملجأ... لقد قال يعقوب أبو الآباء في نصائحه لأولاده قبل موته (شمعون ولاوي أخوان، آلات ظلم سيوفهما. في مجلسهما لا تدخل نفسي. وبمجمعهما لا تتحد كرامتي. لأنهما في غضبهما قتلًا إنسانًا، وفي رضاهم عرقبا ثورًا) (تك49: 5، 6).
من أجمل صور الحب والرفق، والترفق بالأعداء.
أو بالذين سلكوا سلوك الأعداء، حتى لو كانوا إخوة. مثلما فعل يوسف بأخوته. إذ بكى لما عرفهم بنفسه (تك45: 1، 2). وغفر لهم، وأكرمهم وأسكنهم في ارض جاسان التي كانت صالحة لمراعيهم.
كذلك بكاء داود على أبشالوم، عن حب، على الرغم من كل تعدياته.
وكذلك الرفق بالأحباء الذين سلكوا مسلكًا ضعيفًا.
مثل نوم التلاميذ في بستان جثسيماني، بينما قال لهم السيد (أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟!) ومع ذلك أوجد لهم عذرًا وقال لهم (أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف) (مت26: 41). ولم يوبخهم لما هربوا وقت القبض عليه، ولما خافوا واختبأوا في العلية...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/love/ex.html
تقصير الرابط:
tak.la/wp4n2wk