1- اختار الصغار في السن...
وهكذا قال داود عن نفسه: "صغيرًا كنت في أخوتي، ومحتقرًا كنت عند بني أمي". كان كذلك عند أخوته. ولكن ماذا فعل الله"؟
أخذ داود الصغير من بين الغنم، وجعله مسيحًا للرب.
عندما دخل صموئيل النبي ليمسح ملكًا من بيت يسى البيلتحمي، عرض عليه يسى أبناءه الكبار السمان... عرض عليه اليآب الطويل القامة الحسن المنظر، فقال الرب قد رفضته. ثم عرض عليه أبيناداب وشمه وباقي السبعة، فكان النبي يقول عن كل منهم "وهذا أيضًا لم يختره الرب" (1 صم 16: 5 -10).. وأخيرًا قال يسى:
"بقي بعد الصغير. وهوذا يرعى الغنم" (1 صم 16: 11).
نعم هذا الصغير الذي احتقره أبوه، وتركه مع الغنم دون أن يسمح له بحضور الحفل الذي يشرفه النبي العظيم صموئيل... هذا الصغير هو الذي اختاره الرب ليكون له مسيحًا..!
وحل روح الرب على داود الصغير من ذلك اليوم فصاعدًا، وصار رجل المزامير رجل المزمار والقيثارة والعشرة الأوتار، وواحدًا من أشهر أنبياء العهد القديم. حقًا إن الله لا ينظر إلى الأعمار ولا إلى المنظر الخارجي. وكثيرًا ما اختار الصغار.
وكما اختار الله داود الصغير اختار أيضًا يوسف الصديق صغير إخوته.
وجعله ملكًا عليهم جميعًا، وعلى غيرهم. وأتى أخوته إليه، وسجدوا عند قدميه وهو صغيرهم..! كما جعله أيضًا أبًا لفرعون وسيدًا لكل بيته، ومتسلطًا على كل أرض مصر" (تك 45: 8).
واختار أيضًا أرمياء النبي الصغير الذي قال: "لا أعرف أن أتكلم لأني ولد" (أر 1: 6).
وقال له الرب: "قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيًا للشعوب... ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر. قد وكلتك اليوم على الشعوب والممالك... ها قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد. وأسوار نحاس على كل الأرض، لملوك يهوذا ولرؤساء ولكهنتها ولشعب الأرض (أر 1: 4، 5، 9، 10، 18).
نجد أن أحب التلاميذ إلى المسيح كان يوحنا أصغرهم سنًا...
وهو الذي جعله الرب أحد الأعمدة الثلاثة في رسله (غل 2: 9). وأطال عمره أكثر من جميعهم، وكشف له رؤى السماء، وجعله كاتب الإنجيل المملوء باللاهوتيات.
ولعل من الصغار الذي أكرمهم الرب القديس مرقس الرسول الذي كتب أول الإنجيل. وكان شابًا صغيرًا حدثًا في فترة كرازة السيد المسيح على الأرض، وبدأ حياته خادمًا مع القديس بولس والقديس بطرس.
وبولس الرسول أخًا شابًا صغيرًا ليخدم معه، هو تيموثاوس الذي صار أسقفًا لأفسس، وقال له "لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ" (1 تي 4: 12).
ومن الصغار الذين اختارهم الرب القديس العظيم الأنبا بيشوي.
أختاره الملاك من بين إخوته ليكون نذيرًا للرب، وكان أنحفهم جسمًا، وأضعفهم وأصغرهم. وعرضت أمه على الملاك أن يختار أحد أخوته الكبار الأقوياء ليخدم الرب بقوة. ولكن هذا الصغير النحيف الضعيف كان هو الذي اختاره الرب ليكون "الرجل الكامل حبيب المسيح الذي غسل قدمي مخلصنا الصالح".. لا تقل أنا صغير. فعجيب هو الرب في اختياره للصغار...
القديس أثناسيوس الرسولي كان شابًا صغيرًا في مجمع نيقية.
وكان في هذا المجمع المسكوني العظيم 318 من أشهر الآباء الأساقفة في العالم المسيحي. ومن حيث الرتبة كان أثناسيوس مجرد شماس. ومع ذلك وضعه الله في القمة. وأعطاه القوة في الانتصار على أريوس وفي دحض بدعته، وفي صياغة قانون الإيمان المسيحي.
وصار هذا الشماس الصغير أعظم اللاهوتيين في تاريخ الكنيسة...
وفي تاريخ الرهبنة، من أشهر الصغار العظام القديس تادرس تلميذ الأنبا باخوميوس، والقديس يوحنا القصير، والأنبا ميصائيل السائح.
لقد سمح أن يكون الشاب الصغير تادرس هو المرشد الروحي في كل أديرة القديس باخوميوس الكبير بل هو الذي أسس كثيرًا من هذه الأديرة، وعين المسئولين فيها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... كذلك اختار الرب شابًا صغيرًا آخر ليكون المرشد الروحي في برية شيهيت، ذلك هو القديس يوحنا القصير، الذي قيل عنه أن الأسقيط كله كان معلقًا بإصبعه. وكان الرهبان يجلسون حوله ويستفيدون من تعليمه... وكان شابًا حدثًا، ولكن له نعمة أكثر من الشيوخ! والقديس ميصائيل صار من الآباء السواح وعمره حوالي 17 عامًا.
وأول دير في برية شهيت "دير البراموس"، تُسَمَّى باسم قديسين شابين، هما مكسيموس ودوماديوس... ومن أشهر السواح القديس الأنبا ميصائيل الذي وصل إلى درجة السياحة وهو في حوالي السابعة عشرة من عمره...
إن الله حينما شاء هزيمة جليات، هزمه بفتَى صغير.
فتى لا يعرف أن يلبس ملابس الحرب، لأنه لم يتعود عليها (1 صم 17: 38،39)، بل استخدم خمس حصوات ملساء من البرية. وهذا الصغير مسحه الرب ملكًا دون أخوته السبعة الكبار، وهكذا غنَّى داود أغنيته المشهورة "صغيرًا كنت في إخوتي، ومحتقرًا عند بني أمي... إخوتي كبار وسمان... ولكن الله لم يسر بهم"..
"انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الأصاغر" (متى 18: 10).
اهتمام الرب بالأطفال واضح جدًا في الكتاب المقدس، فهو الذي أقام طفلًا وسط تلاميذه وقال لهم "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد، فلن تدخلوا ملكوت الله" (لو 18: 16، 17). وقال أيضًا "أحمدك أيها الآب... لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (متى 11: 25). وقال "من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر" (متى 18: 6). أعرف باستمرار أن "الحرب للرب" (1 صم 17: 47)، و"ليس للرب مانع أن يخلص بالكثير أو القليل" (1 صم 14: 6).
ما أعظم المواهب الروحية والذهنية التي وهبها الله للصغار.
ما أكثر مواهبه للأطفال والفتيان. داود النبي مثلًا: وهبة الشعر والموسيقي. فكان رجل القيثار والمزمار والعشرة الأوتار، وهو بعد حدث صغير وكان يحسن الضر على العود، ويستطيع أن يبعد أن يبعد الروح النجس عن شاول الملك (1 صم 16: 23). وفوق كل ذلك كان رجل حرب وجبار بأس، وهو بعد فتي صغير...
والقديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين وهبه الله نضوجًا روحيًا وهو طفل صغير.
فكان يمار الزهد والصوم والصلاة وهو حدث صغير... إنها موهبة إلهية تدل على اهتمام الله بالصغار. وهكذا كان أيضًا القديس مرقس المتوحد يصوم إلى الساعة التاسعة وهو طفل.
والقديس تكلا هيمانوت وهبه الله صنع المعجزات وهو طفل.
إنها ليست أمرًا موروثًا، وإنما هي هبة إلهية، ومواهب الله ليست قاصرة على الكبار، وإنما الصغار أيضًا يتمتعون بها. وما أكثرها في حياة القديسين الذين بدأوا حياتهم صغارًا، لأن نعمة الله شاءت أن تعمل فيهم في هذه السن المبكرة، كما عملت في أرمياء الذي لم يكن يعرف أن يتكلم لأنه ولد، وكما عملت في صموئيل الطفل، وفي سليمان وهو فتي صغير.
ونفس النضوج الروحي كان في السيدة العذراء وهي طفلة.
العمق في الصلاة وفي التأمل وفي دراسة الكتاب... كل ذلك وهي طفلة صغيرة يتيمة تتربي في الهيكل... وتسبحتها المشهورة (لو 1: 46 - 55) تدل على مدى حفظها للمزامير وآيات الكتاب... كل ذلك وهي صغيرة السن. ولكنها نعمة الله العاملة في هذه الممتلئة نعمة، التي أختارها الله صغيرة، ولكن مملوءة بمواهبه.
لعل يوحنا المعمدان كان أيضًا أحد الأطفال الموهوبين.
والتفسير الوحيد لذلك هو قول الملاك المبشر عنه "ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو 1: 15).. وهكذا كان الروح القدس يعمل فيه وهو بعد في بطن أمه لذلك استطاع أن يرتكض وهو جنين في بطن أمه لها سمعت سلام العذراء، بل أنه ارتكض بابتهاج، وهو جنين في بطن أمه لما سمعت سلام العذراء، بل أنه ارتكض بابتهاج وهو جنين (لو 1: 41 - 44).
إن النضوج المبكر للأطفال الموهوبين، ليس له تفسير إلا موهبة الله الغنية التي تنسكب على الأطفال بغني لا يعبر عنه.
المهم أن المواهب التي يعطيها الله للأطفال، تعطيك رجاء، وتجعلك تكرر العبارة التي قالها رب المجد: "أحمدك أيها الآب... لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (متى 11: 25)، "لأنه هكذا صارت المسرة أمامك".
ماذا نقول عن النضوج المبكر لأثناسيوس وطفولته العجيبة؟
ليس شيئًا سوى موهبة الله التي يمنحها للأطفال بغني مذهل، قد تحار فيه العقول البشرية، وتعللها بأسباب شتى... ولكنها تستريح من حيرتها أن وضعت أمامها عبارتين، هما: "موهبة الله" و"محبة الله للأطفال".
هو القديس أثناسيوس الذي لقبوه بالرسولي، وهو أصغر من جلس على كرسي مارمرقس، وهو أعظم من جلس على هذا الكرسي، وكان بطلًا عظيمًا من أبطال الإيمان، وهو بعد شاب. وصار بطريركًا وهو في حوالي الثلاثين. ووضع كتبًا عظيمة مثل "تجسد الكلمة" و"الرسالة إلى الوثنيين" وهو شاب صغير.
إننا نسعد جدًا، ونمتلئ بالرجاء، حينما نعرف أن نضوج الأطفال المبكر سببه موهبة الله ومحبته.
فالله الذي كان مع هؤلاء الأطفال وأعطاهم بغني من مواهبه، هو أيضًا قادر أن يعطينا. المهم أن نتضع ونصير مثل الأطفال حسب وصيته، ونقف أمامه فارغين.
نكتفي بهذه الأمثلة عن الصغار في السن، ونتكلم عن: الصغار في العدد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/hope/young.html
تقصير الرابط:
tak.la/agr2tht