الله يختبر إرادة الإنسان وعمله. حتى إن كان ناجحًا، يستحق المكافأة، وينال النعيم الأبدي. والعكس صحيح. ذلك لأن الإنسان عندما يفارق هذا العالم "أعماله تتبعه". وما أكثر الاختبارات في حياة البشر. سواء الاختبارات في حياة القديسين، أو في غيرهم ممن قيل عنه "وزنت في الموازين، فوجدت ناقصًا" (دا27:5).
أول اختبار في حياة البشر، كان لأبوينا آدم وحواء.
لا يهم إن كان موضوع الاختبار سهلًا أو صعبًا، في أمر بسيط أو أمر خطير. إنما المهم أن يوجد اختبار، يكشف معدن الإنسان، وطبيعة نفسه، ومدى طاعته...
أبونا إبراهيم أبو الآباء والأنبياء، اجتاز عدة اختبارات.
![]() |
أول اختبار هو قول الرب له "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك، إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة، وأباركك وأعظم أسمك" (تك 12: 1-2). فأطاع إبراهيم "وخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب" (عب8:11).
والاختبار الثاني عندما حدثت مجاعة في الأرض. وبدون مشورة من الله ذهب إلى أرض مصر. وحدثت له مشاكل هناك. وقال لسارة "إني علمت أنك امرأة حسنة المنظر. فيكون إذ رآك المصريون، يقولون هذه امرأته فيقتلونني ويستبقونك، قولي إنك أختي، ليكون لي خير بسببك. تحيا نفسي من أجلك".
وهكذا فشل ابرآم في هذا الاختبار، وأخذت زوجته إلى بيت فرعون، فصنع لإبرآم خيرًا بسببها" (تك 12: 15-16). ولولا تدخل الله، لحدث إشكال ما كنا ندري مداه!!
وقد كرر ابرآم نفس الفشل، حينما تغرب في الجنوب، في أرض أبيمالك ملك جرار. وتدخل الله مرة أخرى لينقذ سارة التي قال إبراهيم عنها أنها أخته. وتوبخ ابرآم من أبيمالك الذي قال له "ماذا فعلت بنا؟ وبماذا أخطأت إليك، حتى جلبت عليَّ وعلى مملكتي خطية عظيمة؟! أعمالًا لا تُعمل عملت بي" (تك9:20).
ولكن أبانا إبراهيم نجح نجاحًا لا مثيل له، في ذلك الاختبار الذي قال له الله فيه "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه، إسحق. أذهب إلى أرض المريا، واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك عنه" (تك2:22). ونفذ إبراهيم أمر الله. ومد يده إلى إسحق ليذبحه. ولكن الله أنقذ إسحق، كما أنقذ أمه مرتين من قبل. وقال لإبراهيم: لا تمد يدك إلى الغلام، ولا تفعل به شيئًا. الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك أبنك وحيدك عني..." (تك12:22). وباركه هناك.
داود النبي نجح أحيانًا في اختبار، وفشل أحيانًا أخرى.
كان جليات الجبار اختبارًا لداود لمعرفة مدى إيمانه في عمل الله معه. ونجح داود حينما تقدم لجليات وقال له "أنت تأتي إليَّ بسيف وبرمح وبترس. وأنا آتي إليك باسم رب الجنود... اليوم يحبسك الرب في يدي..." (1صم17: 45-46). ونجح داود وانتصر وكانت يد الله معه.
نجح داود في اختبار آخر، حينما وقع عدوه شاول الملك في يده، وأغراه رجاله أن يقتله، فرفض وقال: "حاشا لي من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي بمسيح الرب فأمد يدي إليه، لأنه مسيح الرب هو" (1صم6:24).
ولكن داود فشل في اختبار آخر عندما رفض نابال الكرملي أن يقدم له ولرجاله طعامًا في يوم جز الغنم. وعزم داود قتله وكل ما له. لولا أن الرب أرسل إليه أبيجايل التي بحكمتها منعته من إتيان الدماء وانتقام يده لنفسه (1صم 33:25).
وكانت لداود سقطات أخرى أهمها بسبب بثشبع (2صم11).
نعم، داود، وسليمان، وشمشون قبلهما، اختبروا بالنساء وسقطوا.
شمشون اختبر بدليلة فكسر نذره، وفقأت عيناه، وجرّ الطاحون كالحيوان، وأذله أعداؤه. لولا أن الله أشفق عليه أخيرًا، وأعاد إليه قوته وردّ له اعتباره.
وسليمان أحكم أهل عصره "كان في زمان شيخوخته، أن نساءه أملن قلبه وراء آلهه أخرى. ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه... وعمل الشر في عيني الرب" (1 مل 11: 4-5). وبنَى مرتفعات لآلهة الأمم. وسمح الله أن تنقسم مملكة سليمان بعد موته...
وداود صاحب المزمار والقيثار اختبر ببثشبع زوجة أوريا. وفشل في الاختبار، وزنا مع بثشبع، وتسبب في قتل زوجها أوريا، وأخذها زوجه له (2صم11). وعاقبه الله على فم ناثان النبي ووبخه بشدة (2صم12).
حقًا إن الخطية، هذه الخطية بالذات "طرحت كثيرين جرحي. وكل قتلاها أقوياء" (أم26:7). وكانت اختبارًا لأولئك الأقوياء، وفشلوا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
آباؤنا رسل السيد المسيح، جازوا الاختبارات أيضًا.
* اختُبروا أحيانًا، فسقطوا في محبة العظمة، ومن يكون الأول فيهم. فوبخهم السيد الرب وقال لهم: أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم، والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا، فليكن لكم خادمًا. ومن أراد أن يكون فيكم أولًا، فليكن لكم عبدًا (مت 20: 26-27).
* واختُبروا بمن يجلس فيهم عن يمين الرب ومن يجلس عن يساره، كما حدث لإبني زبدي التي طلبت أمهما هذا الطلب لهما (مت21:20).
* واختبُروا أحيانًا بالخوف الذي يجلب الشك ففشلوا. كما حدث للقديس بطرس الرسول الذي سمح له السيد أن يمشي معه على الماء. ولكنه لما رأى الريح شديدة، خاف وصرخ إذ ابتدأ يغرق. فقال له للرب "يا قليل الإيمان لماذا شكتت؟!" (مت31:14). حقًا إن الخوف هو اختبار، وبخاصة الخوف من الموت.
* وقع الآباء الرسل في الشك وقت محاكمة السيد وصلبه. وقد قال لهم الرب "كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة" (مت31:26). وقال لهم أيضًا "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة" (لو 22: 31). ولقد فشلوا في هذا الاختبار، وشكوا... واغلقوا على أنفسهم في العلية من فرط الخوف. وكان الخوف اختبارًا آخر.
* ونحن نعلم كيف أن توما الرسول شكّ في القيامة. فظهر له الرب وأنقذه من شكه. وقال له: "لا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا" (يو24:20 -27).
* اختُبروا بترك كل شيء، ونجحوا في هذا الاختبار. وساروا وراء المسيح، وهم يعلمون أنه ليس له أين يسند رأسه (لو58:9).
* وبعد حلول الروح القدس اختبروا باضطهادات اليهود وبالجلد والحبس "وأما هم فذهبوا فرحين... لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع41:5).
* واختُبروا بتهديدات لكي يتركوا الشهادة بقيامة المسيح. فرفضوا أن يسكتوا. وقالوا تلك العبارة الخالدة "ينغبي أن يُطاع الله أكثر من الناس" (أع29:5).
* واختُبروا باختبارات أخرى كثيرة نجحوا فيها.
كان عكس ذلك الشعب في العهد القديم، الذي قد اختبر رجاله كثيرًا في البرية، ففشلوا في كل اختباراتهم.
اختبروا بالجوع والعطش ففشلوا وصرخوا. فأنزل لهم الرب المن من السماء، وفجّر لهم من الصخرة ماء. وبقوا على عنادهم وتذمروا، وبكوا لما اشتاقوا لأكل اللحم. وقالوا "من يطعمنا لحمًا. قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانًا، والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم. والآن يبست أنفسنا. ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المن..." (عد4:11-6). ومنحهم الرب لحمًا عن طريق السلوى، وضربهم ضربة شديدة (عد 11: 33-34).
حقًا إن التذمر هو أحد الاختبارات، وله أسباب كثيرة.
وقد فشل بنو إسرائيل في تلك الأسباب ووقعوا في التذمر. وكانوا دائمي السخط. وأقسم الله أن لا يدخل أحد منهم إلى أرض الموعد (عب11:3).
وراء الاختبارات أكاليل لِمَن ينجح فيها.
وما أكثر الوعود التي منحها الرب في سفر الرؤيا (رؤ 2-3) لمن يغلب. وطبعًا لا يغلب إلا الذي دخل اختبارات وغلب. وبمقدار ما تكون الاختبارات صعبة، على ذلك القدر تكون الأكاليل أكثر مجدًا.
من الاختبارات المشهورة أيضًا: المال.
تعرض القديس الأنبا أنطونيوس لهذا الاختبار. فما أن سمع وصية الرب في الكنيسة حتى مضى وباع كل ما له ووزعه على الفقراء، وعاش حياة الوحدة والفقر... وعكس ذلك: الشاب الغني الذي سمع تلك الوصية من فم المسيح نفسه "فمضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة" (مت22:19).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إن الإنسان قد يُختبر في نقطة الضعف التي فيه.
وعليه أن ينتصر على ضعفاته، ويغلب فيما يتقدم إليه من اختبارات. ومغبوط هو الإنسان الذي يغلب نفسه من الداخل. إنه أعظم من قائد يفتح مدينة...
هناك قديسون اختبروا في فترة قصيرة من العمر. فلما نجحوا، اكتفى الرب بهذا، وأخذهم إليه وهم صغار.
* من أمثلة هؤلاء: القديس يوحنا المعمدان الذي اختبرت خدمته في فترة قصيرة جدًا، ربما في عام واحد أو عام ونصف من عمره. وإذ نجح في فترة اختباره بدرجة أنه أخذ لقب "أعظم من ولدته النساء" (مت1:11). سمح له الرب أن يُسجن بسبب شهادته للحق، وأن ينال إكليل الشهادة (مت14). ثم أخذه إليه ليتنعم بما يستحقه من رضَى الرب عليه.
* مثال آخر بعض الشهداء والمعترفين الذين كانت فترة اختبارهم قصيرة. ولكن الرب اكتفى بها ومنحهم أكاليل...
منهم أطفال، مثل الشهيد أبانوب، والشهيد قرياقوص ابن يوليطة.
وعمومًا فترة الاختبار للشهداء والمعترفين، في السجن والتعذيب، كانت قصيرة، أثبتوا فيها محبتهم لله وثباتهم في الإيمان، ففتح لهم الرب باب الفردوس.
كذلك بعض الآباء والسواح، كانت فترة اختبارهم قصيرة.
مثل ذلك: القديس ميصائيل السائح، الذي صار من السواح وهو في حوالي السابعة عشر من عمره، بعد فترة اختبار في حياة الرهبنة كانت قصيرة، ولكنها كانت جادة وناجحة جدًا.
أيضًا فترة الاختبار بالنسبة إلى القديسين مكسيموس ودوماديوس في حياة الرهبنة كانت قصيرة وناجحة، فنقلهما الله إليه وهما في زهرة الشباب.
نأخذ أيضًا مثالًا من مشاهير بابواتنا: البابا كيرلس الرابع.
هذا الذي لقبوه في تاريخ البطاركة بأبي الإصلاح، على الرغم من أنه لم يقضِ في البابوية سوى ثماني سنوات وبضعة أشهر. لكنه برهن في تلك الفترة الوجيزة من الاختبار على أنه يستحق ذلك اللقب (أبو الإصلاح)، وعلى أنه يستحق أيضًا أن يأخذه الله إلى فردوسه.
أما البابا أثناسيوس الرسولي، فقد قضى في البطريركية 45 سنة.
لم تكن كلها فترة اختبار، لأن الله قد اختبره منذ شبابه المبكر الذي أصدر فيه كتاب تجسد الكلمة، وكتاب الرسالة إلى الوثنيين. مع اختبار آخر له في مجمع نيقية صار فيه بطلًا للإيمان ضد الأريوسية بكل عنفها.
أما حياته في البطريركية، فكانت اختبارًا له في تحمل الألم والعزل والنفي والاتهامات الكاذبة. وقد أطال الله حبريته إلى 45 عامًا لمنفعة الكنيسة، وليس لأجل الاختبار الذي كان قد نجح فيه من قبل.
ما أكثر أنواع الاختبارات التي تجتازها النفس البشرية.
سواء أتت من الشيطان، أو من الناس الأشرار.
من الشيطان: مثل الاختبار الصعب الذي اجتازه أيوب الصديق، حيث فقد أولاده وبيته ومركزه وغناه، ثم فقد صحته وكرامته وأصدقاءه. وكان ذلك اختبار لصبره وإيمانه. وقد نجح فيه.
قد يُختبر الإنسان بشيء ما، وقد يُختبر بعكسه.
يُختبر بالصحة والقوة مثل شمشون الجبار. وقد يُخْتَبَر بالمرض مثل القديس بولس الرسول الذي أصيب بشوكة في الجسد، تضرع إلى الله بسببها ثلاث مرات، فقال له "تكفيك نعمتي" (2كو9:12).
قد يُختبر الإنسان بالمال مثل الشاب الغني (مت19) الذي فشل في الاختبار. وقد يُختبر بالفقر، مثل الأرملة التي دفعت الفلسين ونجحت.
قد يُختبر الإنسان بالنعمة العاملة فيه، مثل القديس بولس الذي قادته النعمة إلى الاتضاع (1كو10:15). وقد يُختبر بتخلي النعمة عنه جزئيًا، مثل عذراء النشيد، التي قالت "حبيبي تحول وعبر. وطلبته فما وجدته، دعوته فما أجابني" (نش6:5).
قد يُختبر الإنسان بالأحلام التي تظهره عظيمًا، مثل يوسف الصديق (تك37) وقد يُختبر هو نفسه بالسجن يُلقي فيه ظلمًا (تك20:39).
مدة الاختبار قد تطول أحيانًا وقد تقصُر.
مثل عدم الإنجاب الذي اختبر به إبراهيم وسارة، حتى وصل إبراهيم إلى المائة من عمره، وسارة إلى التسعين. وحتى قالت سارة حينما تلقت الوعد الإلهي "أبعد فنائي يكون لي تنعم، وسيدي قد شاخ؟!" (تك 18: 11-12). ونفس الوضع بالنسبة إلى زكريا وأليصابات (لو1).
وقد تقصر فترة الاختبار، مثل إلقاء دانيال في جب الأسود (دا 6). ولو أن كل دقيقة مرت عليه كانت كأنها دهر.
وقد يُختبر الإنسان بشيء بسيط، أو بشيء كبير.
بشيء بسيط مثل دفع العشور، وبشيء هائل مثل "اذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء". بشيء بسيط مثل تقديس يوم الرب، وبشيء كبير مثل تكريس الحياة كلها الله.
وقد يختبر الإنسان بالمواهب الفائقة للطبيعة.
هل هذه المواهب ترفع قلبه أم لا. لقد اختبر إبليس بأنه كان كاروبًا منبسطًا، ملآن حكمة وكامل الجمال (حز 25: 12، 14). ولكنه ارتفع قلبه، وأراد أن يصير مثل الله (أش 14: 13-14). لذلك قال أحد الآباء:
إذا منحك الله موهبة، فاطلب منه أن يمنحك تواضعًا يحميها.
القديس بولس الرسول منحه الله مواهب كثيرة. ولذلك قال "ولئلا ارتفع بفرط الاستعلانات، أعطيت شوكة في الجسد: ملاك الشيطان ليلطمني لكيلا ارتفع" (2كو7:12). مساكين أولئك الذين يطلبون موهبة الألسنة لكي يرتفعوا!
إن ثمار الروح هي المطلوبة لخلاص الإنسان، وليس مواهب الروح.
وقد قال الرسول إن المحبة هي أفضل من الإيمان الذي ينقل الجبال، وأفضل من أن ينطق الشخص بألسنة الناس والملائكة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/dialogue-with-god/tests.html
تقصير الرابط:
tak.la/djt38dt