St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   dialogue-with-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حوار مع الله، ومقالات منتقاه - البابا شنوده الثالث

34- أنصاف الحقائق والنصف الآخر للحقيقة

 

الإنسان الحقاني يقول الحقيقة كلها، ولا يكتفي بذكر نصف الحقيقة مخفيًا النصف الآخر، لذلك في الشاهد فالمحكمة يقسم أمام القاضي بعبارة:

أقسم أن أقول الحق، كل الحق، ولا شيء غير الحق.

كذلك في النقد السليم Criticism، يحلل الإنسان الموضوع أو الكتاب الذي أمامه، ويذكر مزاياه وعيوبه، نقاط الجودة، ونقاط النقص أو الخطأ. ويكن مخطئًا إن اكتفى بإحدى الناحيتين دون الأخرى.

أذكر أنني في إحدى المرات دعيت من معهد في إحدى جامعات إنجلترا، متخصص في الدراسات الشرقية، لإلقاء محاضرة عن أولاد العسال، فكان عنوان محاضرتي هو:

ابن العسال: ما له، وما عليه.

ذلك لأن بعض الأقباط -من غير العارفين- يظنون أن القانون الكنسي مركز في كتاب "المجموع الصفوي لابن العسال". بينما ابن العسال له أخطاء جسيمة، على الرغم من المجهود الكبير الذي قام به في جمع القوانين وتصنيفها. ولكنه جمع القوانين الصحيحة والمزورة، ومعها قوانين الملوك أيضًا... ويكفي أن الباب الرابع منه، كله تقريبًا من القوانين المزورة.

حتى كتب التاريخ أيضًا، كثيرًا ما يكتبها البعض حسب اتجاهه الخاص.

ولهذا ينبغي لدارس التاريخ ألا يأخذ معلوماته من كتاب واحد، ولا حتى من مجموعة كتب تسير كلها في تيار واحد. بل يقرأ للكل، ويفحص ويبحث ويدقق، ويقارن المعلومات، ويستنتج ما يكون السليم منها.

ومثلًا تاريخ كاتِب شهير مثل أوريجانوس، من علماء عصره، ندرسه بنفس القاعدة: ما له، وما عليه.

وهذا هو الفارق بين من يحكم حكمًا سليمًا بعد تحليل دقيق، ومن يندفع في تيار معين، يتحمس له عن غير معرفة.

لذلك أنتقد أحيانًا بعض الجرائد حينما تكتب عن (رأى المثقفين) مكتفية بأسماء تُعَد على أصابع اليد الواحدة، كما لو كان باقي الكتاب وأصحاب الرأي من غير المثقفين!!

St-Takla.org Image: Half of the truth صورة في موقع الأنبا تكلا: نصف الحقيقة، أنصاف الحقائق

St-Takla.org Image: Half of the truth.

صورة في موقع الأنبا تكلا: نصف الحقيقة، أنصاف الحقائق.

التكنولوجيا مثلًا، ننظر إليها أيضًا بمقياس: ما لها وما عليها.

وقد يكشف لنا المستقبل في يوم ما عن أضرار بعض الأجهزة التي يعجب البعض بها اليوم مثل الـMobile Phone. فمع فوائده الكثيرة في الاتصال السهل السريع، إلا أن التجربة أثبتت أنه يتسبب في سرطانات في الأذن وفي المخ، إذا التصق الجهاز بالجسم مباشرة. لذلك يستعمله المحترسون بواسطة Cord مع بقاء الجهاز بعيدًا عن الجسم نصف متر على الأقل...

الورد يحيطه الشوك. فالبعض يعجبه الورد، ولا يحسب حسابًا للشوك. والبعض يخاف الشوك فيبعد عن الورد. وكلاهما ينظر بأنصاف الحقائق.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

* في الكتاب المقدس آية تقول "أيها النساء اخضعن لرجالكن".

وإلى جوارها في نفس الإصحاح "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وبذل نفسه لأجلها" (أف 5: 22، 25). وطبيعي أن الرجل إذا أحب امرأته كما أحب المسيح الكنيسة، فسوف تخضع له المرأة، خضوع الحب لا خضوع العبودية.

إذن لا نستخدم الآية الواحدة التي تعبر عن نصف الحقيقة.

* قد نسمع عن فتاة قد انحرفت فنلومها بشدة.

هذه نصف الحقيقة. وربما عن النصف الآخر. فنجد أنها عاشت في بيت منحل أسريًا، ومع أب قاسي يعاملها بقسوة بالغة. فبحثت عن صدر حنون خارج البيت فانحرفت.

لسنا نبرر انحرافها، إنما نضع صورة للحقيقة كاملة... وفيما نلوم انحرافها، نلوم في نفس الوقت أباها القاسي وأسرتها المنحلة.

* قد يقول شخص: المنطقة الفلانية شعبها ضال ومرتد.

هذه نصف الحقيقة. والنصف الآخر هو ضعف الرعاية في المنطقة وعدم الافتقاد وقلة التعليم. لذلك ضل الشعب. لقد رأى السيد المسيح شعبًا كهؤلاء "فتحنن عليهم، إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها..." (مت 9: 36).

* أحيانًا ترى إنسانًا تملكه الغضب والنرفزة، فتدينه.

وتنسى النصف الآخر من الحقيقة، وهو سبب نرفزته، ومن الذي أثاره. إذ لا يوجد قتيل بلا قاتل!

المرأة الخاطئة التي ضبطوها في ذات الفعل، وأرادوا تنفيذ الشريعة عليها بالرجم (يو 8: 4-5)... لا بُد كان هناك رجل أخطأ معها في ذات الفعل. ولكن الكتبة والفريسيين تجاهلوا هذا النصف الثاني من الحقيقة. أما السيد المسيح فخلصها من أيديهم...

* أبونا آدم قال للرب "المرأة التي جعلتها معي، هي أعطتني من الشجرة فأكلت" (تك 3: 12). هذه نصف الحقيقة. أما النصف الآخر، فهو لماذا أكلت، وأمامك الوصية أخذت بها تحذيرًا من قبل بأنه "يوم تأكل منها موتًا تموت" (تك 2: 17). لذلك عاقبه الرب قائلًا له "لأنك سمعت لقول إمرأتك وأكلت" (تك3: 17).

المرأة هي نصف الحقيقة. والنصف الآخر لماذا سمعت لها؟

* أب يعاقب ابنه. فيصرخ البعض: أين الأبوة؟ أين الحنان؟

فإن كان الابن عاقًا متمردًا تضع النصف الآخر من الحقيقة وأيضًا أين البنوة؟ والكتاب يقول "أي ابن لا يؤدبه أبوه؟! وإن كنتم بلا تأديب صار الجميع شركاء فيه، فأنتم نغول لا بنون" (عب 12: 7-8).

* الذي ينظر إلى العقوبة، ويتجاهل الذنب الذي هو سبب العقوبة، ليس هو إنسانًا عادلًا، بل يعمل بأنصاف الحقائق.

وإذا كان الله يعاقب مع أنه كلي الرحمة، فكم بالأولى الإنسان... وإذا لم توجد عقوبة، سيوجد تسيب. لأن الذي لا يخاف، يفعل ما يشاء، ويتمادَى فيما يفعل...

والعقوبات لم تكن في العهد القديم فقط، وإنما في العهد الجديد أيضًا.

القديس بطرس الرسول ألم يعاقب حنانيا وسفيرا، دون أن يعطيهما فرصة للنقاش ولا للتوبة (أع5)؟ ألم يعاقب أيضًا سيمون الساحر بالهلاك (أع8: 20) ولا تزال لعنته باقية حتى الآن...

والقديس بولس الرسول: ألم يعاقب عليم الساحر وضربه بالعمى فجعله يدور ملتمسًا من يقوده بيده، وذلك لأنه قاوم كلمة الله (أع 13: 8- 12).

إن أبوة الله، وكرامة الله لا ينفصلان.

إنه القائل "إن كنت أنا أبًا فأين كرامتي؟! وإن كنت سيدًا فأين هيبتي؟! لا يجوز أن نأخذ نصف الحقيقة ونترك الباقي! إن قال أحد: أين حنان الأبوة؟ نقول له: وأين واجبات البنوة؟! في العهد القديم كان من يشتم أبًا أو أمًا، موتًا يموت (خر21: 17).

* لا ننظر فقط إلى النتيجة، بل نبحث أيضًا عن السبب.

لا تقل فقط: فلان سقط، بل فتش عن أسباب سقوطه. ابحث عن حالة قلبه الداخلية، وعن العثرات التي من الخارج.

* يتحدث البعض عن نشاط الطوائف. ويثور.

هذه نصف الحقيقة. فأين النصف الآخر. ربما لا توجد رعاية ربما عدد الكهنة قليل. أو ربما لا يقومون بواجبهم، أو لا يوجد من يحاسبهم. وإن حاسبهم أسقفهم وعاقب المخطئ، يقولون له: أين الأبوة؟! فيجيبهم: وأين الرعاية؟! ليت من يحتج ويثور، يقرأ الاصحاح الرابع والثلاثين من سفر حزقيال النبي. إنه يعطي النصف الآخر من الحقيقة...

* إنسان غني سرقه اللصوص. هذه نصف الحقيقة.

والنصف الآخر: ربما كان ذلك الغني بخيلًا لا ينفق على أحد. يجمع المال ويخزنه دون أن يعطي. ويعيش في ترف ورفاهية تثير المحتاجين والمعوزين. وويل لمن تأتي من قبله العثرات (مت 18: 7).

مثل سيدة غنية تدخل إلى أحد الفنادق، ويداها مثقلتان بالذهب، وصدرها كأنه فاترينة للمجوهرات. وتصبح عثرة للصوص. فيتبعونها لأنهم أعثروا من غناها. لا يستطيع أحد أن يبرأهم، ولكن في نفس الوقت نذكر النصف الآخر من الحقيقة.

لا ننسى مطلقًا أن الغنَى الفاحش المثير الذي كان في روسيا في عهد القيصرية، كان أحد أسباب البلشفية والثورة الشيوعية. بل كان أحد أسباب الإلحاد الماركسي Marxist atheism الذي اتهم الله بعدم العدل في توزيع الثروة؟!

قد يقول البعض: يوجد شباب بعيد عن الكنيسة.

هذه حقيقة لا ننكرها. ولكنه نصف الواقع. أما النصف الآخر فهو لماذا يبعد بعض الشباب عن الكنيسة؟ هل لأنه لا توجد فيها أنشطة تشغله؟ هل لأنه لا توجد عظات وقداسات تشبعه؟ هل لأن العالم أكثر جاذبية له؟ هل لأنه لا توجد رعاية تحفظه؟ هل لأن الكنيسة لا تجلس مع الشباب وتحاوره في أسباب بعده؟ هل لكل هذه الأسباب مجتمعة؟ أو لبعضها؟

لا بُد أن نبحث عن النصف الآخر من الحقيقة ونعالجه.

من الناحية الأخرى، قد نقول إن فلانًا خير.

هذه نصف الحقيقة، وربما النصف الآخر أنه يوجد أشخاص كرماء يعطونه من عشورهم ليعطي الفقراء. وكما يقول الشاعر:

يجود علينا الخيرون بمالهم         ونحن بمال الخيرين نجود

هؤلاء الذين أسماؤهم مخفاة، هم أكثر أجرًا عند الله.

يشبه ذلك كثيرًا من الأغاني الشعبية، يقول المعجبون بها: هذه أغنية فلان أو أغنية فلان. أما اسم الشاعر أو المؤلف الذي كتب الأغنية فقد لا يعرفونه. ولولاه ما كانت تلك الأغنية!

مثال آخر إنسان ناجح في خدمته، يمدحه الناس.

بينما هذه نصف الحقيقة. أما النصف الآخر والأهم، فهو النعمة المعطاه له، التي لولاها ما نجح في خدمته.

وفي هذا قال القديس بولس الرسول "... أنا أصغر الرسل، الذي لست أهلًا لأن أدعى رسولًا لأني اضطهدت كنيسة الله. ولكن بنعمة الله أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة. بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو 15: 9-10).

حقًا ما أكثر ما ننسى هذا النصف الآخر من الحقيقة الذي هو نعمة الله العاملة معنا، التي لولاها ما عملنا شيئًا.

أو مثل شخص يمدحونه للقيام بمشروع عظيم. وهذه نصف الحقيقة.

أما النصف الآخر المنسي فهو من اشترك معه من الناس. ولولا اشتراكهم، ما كان يتم ذلك المشروع.

هنا وأذكر أبًا قد تنيح من الرهبان: كان إذا عمل عملًا يستحق المديح، يُشرك معه أحد الآباء، ولو في جزء طفيف منه. حتى إذا ما تم العمل ونجح، ومدحه الناس عليه، يقول: البركة في الأب فلان الذي اشترك معي فيه.

يا ليتنا باستمرار، نذكر النصف الثاني من الحقيقة.

حتى فيما بيننا وبين أنفسنا: إن حوربنا بالمجد الباطل في فضائل قمنا بها، نذكر أيضًا خطايانا ونقائصنا.

وبهذا تتكامل الصورة، ولا ننسى النصف الاخر من حقيقتنا.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/dialogue-with-god/half-truths.html

تقصير الرابط:
tak.la/a4ng7zm