St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   nt  >   fr-youhanna-fayez  >   james
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   nt  >   fr-youhanna-fayez  >   james

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص يوحنا فايز زخاري

يعقوب 1 - تفسير رسالة يعقوب

 

* تأملات في كتاب رسالة يعقوب الرسول:
تفسير رسالة يعقوب: مقدمة رسالة يعقوب | يعقوب 1 | يعقوب 2 | يعقوب 3 | يعقوب 4 | يعقوب 5 | موضوعات الرسالة | ملحق: عبيد وأبناء

نص رسالة يعقوب: يعقوب 1 | يعقوب 2 | يعقوب 3 | يعقوب 4 | يعقوب 5 | يعقوب كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإصحاح الأول

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

مقدمة

يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ،

يُهْدِي السَّلاَمَ إلَى الاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ.

 

التَجَارِبَ

اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ،

عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ.

 

الصلاة

وَإنَّمَا إنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ

الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ.

وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ،

لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ.

فَلاَ يَظُنَّ ذلِكَ الإنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ.

رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ.

 

المال

وَلْيَفْتَخِرِ الأَخُ الْمُتَّضِعُ بِارْتِفَاعِهِ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَبِاتِّضَاعِهِ،

لأَنَّهُ كَزَهْرِ الْعُشْبِ يَزُولُ. لِأَنَّ الشَّمْسَ أَشْرَقَتْ بِالْحَرِّ، فَيَبَّسَتِ الْعُشْبَ،

فَسَقَطَ زَهْرُهُ وَفَنِيَ جَمَالُ مَنْظَرِهِ. هكَذَا يَذْبُلُ الْغَنِيُّ أَيْضًا فِي طُرُقِهِ.

 

التَجَارِبَ

طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إذَا تَزَكَّى يَنَالُ إكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.

لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إذَا جُرِّبَ "إنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ"،

لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا.

وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ.

 

تدرج الْخَطِيَّةُ

ثُمَّ الشَّهْوَةُ إذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا.

 

عَطِايَّا الله

لاَ تَضِلُّوا يَا إخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ. شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ.

 

الْغَضَبِ

إذَنْ يَا إخْوَتِي الأَحِبَّاءَ،

لِيَكُنْ كُلُّ إنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ لأَنَّ غَضَبَ الإنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ.

 

العَمِل بِالْكَلِمَةِ:

لِذلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ،

فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ.

وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ.

لأَنَّهُ إنْ كَانَ أَحَدٌ سَامِعًا لِلْكَلِمَةِ وَلَيْسَ عَامِلًا، فَذَاكَ يُشْبِهُ رَجُلًا نَاظِرًا وَجْهَ خِلْقَتِهِ فِي مِرْآةٍ، فَإنَّهُ نَظَرَ ذَاتَهُ وَمَضَى، وَلِلْوَقْتِ نَسِيَ مَا هُوَ.

وَلكِنْ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ ­نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ­ وَثَبَتَ وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلًا بِالْكَلِمَةِ، فَهذَا يَكُونُ مَغْبُوطًا فِي عَمَلِهِ.

 

اللِسَانَ

إنْ كَانَ أَحَدٌ فِيكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ، وَهُوَ لَيْسَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ، بَلْ يَخْدَعُ قَلْبَهُ، فَدِيَانَةُ هذَا بَاطِلَةٌ.

 

اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ

الدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: "James, a bondservant of God and of the Lord Jesus Christ, to the twelve tribes which are scattered abroad: Greetings" (James 1: 1) - James, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "يعقوب، عبد الله والرب يسوع المسيح، يهدي السلام إلى الاثني عشر سبطا الذين في الشتات" (يعقوب 1: 1) - صور رسالة يعقوب، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: "James, a bondservant of God and of the Lord Jesus Christ, to the twelve tribes which are scattered abroad: Greetings" (James 1: 1) - James, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "يعقوب، عبد الله والرب يسوع المسيح، يهدي السلام إلى الاثني عشر سبطا الذين في الشتات" (يعقوب 1: 1) - صور رسالة يعقوب، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

مقدمة

«يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (يعقوب1:1)

يَعْقُوبُ: اسم عبري معناه "مَن يتَعَقَّبُ" أو يُمسِك بِعَقِبِه أو يحل مَحَلَّهُ. وفي الكتاب المقدس ثلاثة أشخاص بهذا الاسم. أحدهم في العهد القديم واثنان في العهد الجديد.

يعقوب العهد القديم: هو يعقوب أب الآباء، الذي دعاه الله "إسرائيل"، أي شعب الله. وقد جاء اسمه في القصة المعروفة عند ولادته، فلما كملت أيام رفقة أُمِّه لِتَلِد «إذَا فِي بَطْنِهَا تَوْأَمَانِ. فَخَرَجَ الأَوَّلُ أَحْمَرَ، كُلُّهُ كَفَرْوَةِ شَعْرٍ، فَدَعَوْا اسْمَهُ "عِيسُوَ". وَبَعْدَ ذلِكَ خَرَجَ أَخُوهُ وَيَدُهُ قَابِضَةٌ بِعَقِبِ عِيسُو، فَدُعِيَ اسْمُهُ "يَعْقُوبَ» (تكوين25: 24-26). واشترى يعقوب البكورية من أخيه عِيسُوَ، ولذلك من نسله جاء السيد المسيح.

يعقوب العهد الجديد: ظن كثيرون من الباحثين أن هناك ثلاثة يعاقبة في العهد الجديد. حتى أن قاموس الكتاب المقدس كتب ذلك، ولكن الباحث المدقق(2) يعرف أنهما اثنان فقط، وهما:

1. يعقوب الكبير ابن زبدي: أمه سالومَى وأخوه يوحنا الحبيب، وهو مع أخيه ضمن الاثني عشر.

2. يعقوب الصغير ابن حلفى (أو كلوبا): أمُّه مريم شقيقه العذراء مريم لذلك لُقِّب أخَا الرب،

هو واحد من الثلاثة، المعتبرين أعمدة: يعقوب وبطرس ويوحنا (غلا9:1)

هو واحد من أربعة إخوة يعقوب ابن حلفى(3)، وَيَهُوذَا الرسول كاتب رسالته(4) وهو لباوس الملقب تداوس، وَيُوسِي وَسِمْعَانَ. ففي الناصرة قالوا «أَلَيْسَ هَذَا ابْنَ النَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ وَإخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟» (متى13: 55، مرقس6: 3). وإذا كان:

يعقوب العهد القديم هو أبو الأسباط الاثني عشر.

فان يعقوب العهد الجديد هو كاتب الرسالة إلى الأسباط الاثني عشر.

وهم في الشَّتَات، لذلك دعيت من الكاثوليكون.

وهو أَوَّل أُسقف لأورشليم، والذي رأس المجمع الرسولي فيها (أع15)

باعتباره أسقُفَها، وهذا دليل واضح على أن مار بطرس لم يكن رئيسًا

للرُّسل كما يُظَنُّ. وهو مع أخيه يهوذا ضمن الاثني عشر أيضًا.

«يَعْقُوبُ عَبْدُ اللهِ»: يكفي القديس يعقوب أن يُلقِّب نَفسَه «عَبْد اللهِ»دون أي لَقَب آخر، فيُشابِه إخوتَه رُسُلَ المسيح. فمارِ بولس لَقَّب نفسه «بُولُسُ عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رومية1:1)، «بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (فيلبي1:1)، «بُولُسُ، عَبْدُ اللهِ» (تيطس1:1).
ومار بطرس الرسول بدَأ رسالته الثانية «سِمْعَانُ بُطْرُسُ عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(2بطرس1:1) ويهوذا الرسول قال «يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (يه1)، وفي الرؤيا قال القديس يوحنا «إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ... لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا»(رؤ1: 1).

«عَبْدُ اللهِ(5)»: ليس للعبيد سلطانٌ على أنفسهم أو أجسادهم أو إرادتهم، هكذا مَن صار عبدًا لله. بِحُرِّيَّتِنا نُعطيه ذَوَاتِنا في طاعة كاملة وخضوع تام، فلا يصير لنا ناموس سوى ناموسه، ولا حقوق إلا التَّمَتُّع به، فَنَتَكرس له بالكُلِّيَّة. فعَبْدُ اللهِ إنسانٌ أنكر ذاته لا يبحث عن امتيازاته بلِ التزاماتِه، «لاَ يَطْلُبْ أَحَدٌ مَا هُوَ لِنَفْسِهِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لِلآخَرِ» (1كو24:10). فعندما يَصِفُ الإنسان نفسه بأنه عبدُ الله يكون قد خرج تمامًا من التفكير في الذات واللذات إلى الاهتمام بتنفيذ إرادة الله.
وليس اتضاعا أن نكون عبيدًا لله بل فخرٌ وعِزَّة، فعَبْدُ اللهِ لقبٌ لعظماء الروحيين، ومار يعقوب إذ يُلَقِّب نفسَه به ينضم إلى قائمتهم، فموسى النبي (1ملوك35:8)، ودانيال (دانيال11:9)، و ملاخي (ملاخي4)، ويشوع (يشوع8:2، عدد24:14)، وإبراهيم وإسْحَاق ويعقوب (تثنية27:9)، وأيوب (أيوب8:1)، وإشَعْيَا (إشعياء3:20)، وعاموس (عاموس7:3)، وزكريا (زكريا6:1)، وإرْمِيَا (إرْمِيَا 25:7) كلهم عبيد الله. إنها الحرية الحقيقية أن نصير عبيدًا لله خالقنا لا عبيدًا لشهواتنا.

«يَعْقُوبُ عبد الله» دُعيّ يعقوب كاتب الرسالة في البشائر «أخو الرب» إذ أنه ابن خالة المسيح حسب الجسد. أما هو، فاتضاعًا لم يُلَقِّب نفسه هكذا، بل كان فخْرُه الروحي أنه «عبدالله» مُفَضِّلًا الصِّلَة الروحية التي تربطه بسيده عن الصِّلَات الجسدية الزمنية، حاسبًا أن لقبه كعبدٍ لله أعظم كرامةً من كُل لَقَبٍ أرضي.

وقد لَقب نفسه «عبد الله» لا رسول يسوع المسيح، على الرغم من مركزه السامي في كنيسة المسيح كأحد الاثني عشر رسولًا، وأحد الأعمدة الثلاثة، وأول أسقف لأورشليم. كان فَرِحًا بهذا اللقب أكثر من كل شيء(6). ليتنا جميعا أساقفة وكهنة وشعب نحيا كعبيد الرب وليس كسادةٍ لنا سلطان. فالقديس يعقوب الرسول دعاه الله وكيلًا أمينًا وابنًا. ونحن ندعوه أبًا وسيدًا ورئيسًا، أما هو فيدعو نفسه:

«عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (يعقوب 1:1)

 كان طبيعيًا في العصر المسيحي الأول أن يقترن اسم الرب يسوع المسيح باسم الله، لاسيما في الرسالة إلى يهود الشتات الذين تحيطهم الوثنية، الأمر الذي قصده مار يوحنا الرسول عندما وجَّه أنظارنا أن نُقدِّم العبادة والخضوع للابن كما للآب «لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الاِبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ»(يوحنا23:5). وحينما يقول الرسول «عبدالله و الرب يسوع»، هذه الواو لا تضيف أشخاصًا بل صِفاتٍ لشخصٍ واحدٍ. فالله الآب والرب يسوع الابن المتأنس هما واحد، والتعبير «الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» ذُكِرَ مرَّتَيْن في هذه الرسالة، هنا وفى (يعقوب1:2) «لاَ يَكُنْ لَكُمْ إيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ».

والقديس يعقوب لم يكتب عن الإيمان بل عن الأعمال، ولم يكتب عن النعمة بل عن ثمارها؛ ولذا لم يذكر كلمة النعمة إلا مرتين.

«يُهْدِي السَّلاَمَ» (يع1:1)

بينما كان الشعب اليهودي مُشَتَّتًا بين شعوب الأرض، يُرسِل الراعي السلام له، فالآلام والضيقات الخارجية لا ينبغي أن تنزع سلامنا الداخلي. وتتشابه مقدمة رسالة يعقوب مع قرارات مجمع أورشليم الرسولي (أع23:15)

سنة 50م برئاسة القديس يعقوب لأنه أسقف أورشليم. الأمر الذي يُثْبت أن كاتب الرسالة هو أسقف أورشليم:

«يَعْقُوبُ عَبْدُ اللهِ يُهْدِي السَّلاَمَ إلَى الاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ» «اَلرُّسُلُ...وَالإخْوَةُ يُهْدُونَ سَلاَمًا إلَى الإخْوَةِ الَّذِينَ مِنَ الأُمَمِ»

(يعقوب 1:1)، (أع 23:15).

تربط رسالة القديس يعقوب بين العهدين القديم والجديد، فإذا كان

يَعْقُوبُ في العهد القديم هو أبو الأسباط (خر16:3)،

فيَعْقُوبُ في العهد الجديد هو كاتب الرسالة إلى الأسباط في الشتات.

وعجيب أن يَعْقُوب العهد القديم هو أبو يهوذا،

ويَعْقُوب العهد الجديد هو أخو يهوذا.

«إلَى الاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ» (يعقوب1:1)

سُبِيَ اليهود وتشتتوا خارج أرض الميعاد ثلاث مرات. كانوا مملكة واحدة انقسمت إلى مملكتين:

مملكة الشمال أو إسرائيل وعاصمتها السامرة وتضم عشرة أسباط،

مملكة الجنوب أو يهوذا وعاصمتها أورشليم وهي سِبْطَي يهوذا وبنيامين السَّبْي الأول إلى أشور: نحو عام 722 ق.م

هزم الأشوريون مملكة إسرائيل الشمالية، وسبوهم إلى أشور (2مل17: 23، 1أي26:5). وساد الاعتقاد أن اليهود سيتجمعون في أورشليم بدون هذه الأسباط، ثم سيتجمعون في نهاية العالم بكل أسباطهم.

السَّبْي الثاني إلى بابل: نحو عام 580 ق.م

هزم البابليون مملكة يهوذا الجنوبية، وسَبى نبوخذ نَصَّر السِّبْطَيْن (يهوذا وبنيامين) إلى بابل (2ملوك24:4-16,مز137). لكن اليهود حافظوا على أنفسهم ولم يندمجوا مع البابليين، ووضعوا في بابل التَّلمود من60 مُجَلد لشرح الناموس اليهودي. وكتب يوسيفُس المؤرخ اليهودي بالآرامية كتاب حروب اليهود مُظهِرًا قوتهم، فقد جعلهم السَّبْي البابلي في الصدارة.

السَّبْي الثالث إلى روما: نحو عام 63 ق.م

هزم بومباي القائد الروماني اليهود داخل أورشليم، فأخذ كثيرين منهم كعبيد في روما. لكن اليهود تمسَّكوا بالناموس وحِفْظ السبت بشدة حتى تحرر معظمهم، وصار يوليوس قيصر الروماني أكبر مُدافِع عنهم.

 

التَّشتُّت الإرادي في مصر وسوريا:

ترك كثير من اليهود أراضيهم بإرادتهم، باحثين عن التجارة والثروة. فذهبوا إلى مصر في زمن نبوخذ نصر(2ملوك26:25) سنة 650 ق.م.

واستخدمهم أبسماتيك فرعون مصر كجنود مُرتزقه في جيشه. وعندما أسس الإسكندر الأكبر الإسكندرية، أعطى امتيازات لسكانها؛ فذهب اليهود إلى الإسكندرية، وشغلوا مِنطَقَتَيْنِ من خمسة، فأسس لهم الإسكندر الأكبر معبد يهودي على طراز هيكل أورشليم ليُصَلُّوا فيه.

وذهبوا إلى سوريا وعاشوا في أنطاكية، ولذلك كُرِزَ بالإنجيل للأمم في أنطاكيا حيث «دُعِيَ التَّلاَمِيذُ مَسِيحِيِّينَ فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلًا» (أع11: 26).

ذهب اليهود إلى كل مكان، إلى مصر وسوريا واليونان وروما وآسيا الصغرى وبلاد البحر المتوسط وبابل، فصار عددهم خارج فلسطين أكثر من داخلها. وصار لِتَشتُّت اليهود هذا أهميته في التمهيد لانتشار المسيحية. وبنى اليهود مجامع يهودية في كل العالم، ومنها بدأ المُبَشِّرون المسيحيون تبشيرهم.

كما نشر اليهود عقيدتهم والعهد القديم، ومن العهد القديم بدأت الكرازة بالمسيحية، لذلك كان لِتَشَتُّتِهم بركة عُظمَى تنبأ عنها حزقيال النبي: «هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ وَإنْ كُنْتُ قَدْ أَبْعَدْتُهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَإنْ كُنْتُ قَد بَدَّدْتُهُمْ فِي الأَرَاضِي، فَإنِّي أَكُونُ لَهُمْ مَقْدِسًا(7) صَغِيرًا فِي الأَرَاضِي الَّتِي يَأْتُونَ إلَيْهَا» (حزقيال16:11).

«الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ»: أو الْمُتَغَرِّبِينَ،كما في مُقدِّمة رسالة القديس بطرس الأولى (1بطرس1:1)، والمُشتَّتِون من اليهود أو المتغربون منهم، حيثما استقروا في أي مكان تتجه عيونهم لأورشليم وهيكلها. ومن هنا جاءت فكرة النَّظَر إلى الشرق، ومنها فكرة الشَّرْق عندنا والاتجاه إلى المذبح.

لِمَن كتب الرسول؟ تشتت الاثنا عشر سبطًا في العالم، واهتم يَعْقُوبُ الرسول بهم، خاصةً بالذين آمنوا في يوم الخمسين، فيَعْقُوبُ الرسول هو أسقف أورشليم، واليهود الذين في الشتات والذين آمنوا بالمسيح من أسباط إسرائيل (غلا16:6، رو9: 7، 8) هم ضمن رَعِيَّتِه.

ولابد أن نعرف أن الأسفار التي كُتِبت لليهود خمسة هي إنجيل القديس متى ورسالة العبرانيين ورسالة يعقوب ورسالتا بطرس الأولى والثانية.

(ستجد كذلك تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The Epistle of Saint James (Letter of Good Deeds) (with back cover), book cover by Fr. Youhanna Fayez Zakhary. صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب رسالة القديس يعقوب (رسالة الأعمال الصالحة) (مع الغلاف الخلفي) - القمص يوحنا فايز زخاري.

St-Takla.org Image: The Epistle of Saint James (Letter of Good Deeds) (with back cover), book cover by Fr. Youhanna Fayez Zakhary.

صورة في موقع الأنبا تكلا: غلاف كتاب رسالة القديس يعقوب (رسالة الأعمال الصالحة) (مع الغلاف الخلفي) - القمص يوحنا فايز زخاري.

التَّجَارِب

«احْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ» (يع2:1)

رسالة القديس يعقوب كالأسفار التي كُتِبَت لليهود، دائمًا تحمل تعزيةً لهم في ضيقاتهم وآلامهم. ففي إنجيل القديس متى الذي كُتب لليهود يقول ربنا في الموعظة على الجبل «طُوبَى لَكُمْ إذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ مِنْ أَجْلِي كَاذِبِينَ. افْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ» (مت5: 11، 12)، والمعنى هنا افرحوا في الضيقات.

وفى رسالة العبرانيين يمدحهم القديس بولس على احتمالهم «صَبِرْتُمْ عَلَى مُجَاهَدَةِ آلاَمٍ كَثِيرَةٍ. مِنْ جِهَةٍ مَشْهُورِينَ بِتَعْيِيرَاتٍ وَضِيقَاتٍ، وَمِنْ جِهَةٍ صَائِرِينَ شُرَكَاءَ الَّذِينَ تُصُرِّفَ فِيهِمْ هَكَذَا. لأَنَّكُمْ رَثَيْتُمْ لِقُيُودِي أَيْضًا، وَقَبِلْتُمْ سَلْبَ أَمْوَالِكُمْ بِفَرَحٍ» (عب10: 32-34).

وفي رسالة القديس بطرس الرسول الأولى «الَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ إنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ» (1بط 1: 6)

وهكذا ارتبطت المسيحية بالضيق والألم منذ البداية، وعلينا أن نتعلم الفرح في الضيقات والآلام.

 

التَجَارِبَ المُتَنَّوِعَةٍ:

«حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ» (يع1: 2)

«يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ» (1بط1: 6)

 

وهنا ندرك أنَّ التَجَارِبَ أنواع:

(1) تجارِب خارجية: من إبليس والعالم والأشرار، بسماح من الله ليُظهِر محبتنا وفضائلنا لمنفعتنا، فتُثمِر فينا صبرًا. وقد كانت تجارب أيوب من الشيطان بسماح من الله؛ ليُظهِر فضائله وليفتخر به أمام الشيطان.

وهذا ما قال عنه القديس يعقوب: «عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًاوَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ» (يع3:1، 4).

«طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إذَا تَزَكَّى يَنَالُ إكْلِيلَ الْحَيَاةِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (يع12:1). فمحبتنا سبب احتمالنا. والآلام والتجارب تدفعنا للصلاة «أَعَلَى أَحَدٍ بَيْنَكُمْ مَشَقَّاتٌ؟ فَلْيُصَلِّ. أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ» (يع13:5).

(2) تجارب داخلية: تأتي من داخل الإنسان نتيجة خطاياه وهزيمته أمام شهواته. عن هذه قال الرسول «فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِلٍ، أَوْ سَارِقٍ، أَوْ فَاعِلِ شَرٍّ، أَوْ مُتَدَاخِلٍ فِي أُمُورِ غَيْرِهِ» (1بط 4:15).

وهكذا آلام الحياة وظروف العالم من مرض وفشل، كثيرًا ما تكون نتيجة طبيعية لأخطائنا وليست من الله.

والتجارب الداخلية ثمرة لشهوات الإنسان (الشهوة تُنتِج موتًا):

«لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إذَا جُرِّبَ إنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ، لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا. وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ ثُمَّ الشَّهْوَةُ إذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا» (يع13:1-15).

الشَّهْوَةُ (فِكرة) تَلِدُ خَطِيَّةً (فِعْل)، ثم تُنْتِجُ مَوْتًا أبديًا.

لذا علَّمنا الرب أن نُصَلي «لاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ.»

(3) تجارب إلهية: «لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا» (1كو13:10)، «لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ» (عب18:2). لذلك يقول داود النبي «جَرِّبْنِي يَا رَبُّ وَامْتَحِنِّي. صَفِّ كُلْيَتَيَّ وَقَلْبِي لأَنَّ رَحْمَتَكَ أَمَامَ عَيْنِي. وَقَدْ سَلَكْتُ بِحَقِّكَ» (مز3،2:26)، ويقول أيوب البار «لأَنَّهُ يَعْرِفُ طَرِيقِي. إذَا جَرَّبَنِي أَخْرُجُ كَالذَّهَبِ» (أيوب10:23).

فهناك آلام من أجل البر ومن أجل الفضيلة، وآلام من أجل الشهادة لِاسم المسيح. عن هذه يقول الرسول «وَلَكِنْ وَإنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ فَطُوبَاكُمْ» (1بط3: 14). «إنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ» (1بط4: 14).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الله يعمل في الإيمان فيُثمر فضيلة

«عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا»(يع1: 3)

«عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً» (رو5: 4)

أبناء الله مُعرَّضون دائمًا للضيقات، ولكن الله يُحَوِّل الضيق إلى بركة لحياتهم. معرضون أن يتشتتوا هنا وهناك في العالم حاملين الإيمان بالله وناموسه معهم أينما ذهبوا، وهكذا انتشرت التوراة في كل العالم، ثُمَّ تُرجِمَت إلى اليونانية حتى قيل «وَلَكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هَكَذَا نَمُوا وَامْتَدُّوا»(خر12:1). والضيقات عندما تأتي من الشيطان يكون الغرض منها أن يقع الإنسان في الملل واليأس، ولكن الله لا يسمح إلا بالدرجة التي تُصَفِّى الإنسان وتجعله كالذهب المُصَفَّى بالنار «وَلَكِنَّ اللهَ أَمِينٌ الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ» (1كورنثوس13:10). فالله ضابط الكل يُحَوِّل التجارب لفائدتنا وتمحيصنا. ولذلك قال مار بولس الرسول «صَابِرِينَ فِي الضَّيْقِ» (رو12: 12). إن الآلام تجعلنا على صورة المسيح الذي حمل الآلام من أجلنا.

ونحن نُصَلِّي في قسمة ذبح إسْحَاق ونقول "وحدث في الأيام التي أراد الله فيها أنْ يُجرِّب عبده إبراهيم ويَعلَمُ قلبه أن قال له: إبراهيم إبراهيم قم خذ إسْحَاق ابنك وقدِّمْه لي مُحرَقة على الجبل الذي أُعلِمُك به".

ويقول سفر التكوين «وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ يَا إبْرَاهِيمُ، فَقَالَ: هأَنَذَا. فَقَالَ خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إسْحَاقَ،

وَاذْهَبْ إلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». (تك22: 1، 2)

فهل امتحن الله إبراهيم لأنه لا يعرف مستوى إيمانه! بالطبع لا. إنما كالصائغ الذي يمتحن الذهب بالنار فينقيه ويُلَّمِعه، فنرى نحن عظمة إيمان إبراهيم ونتمثل به، فقد صار إيمان إبراهيم أُمثولة على مدى التاريخ نسعى في كل جيلٍ أن نَصِلَ إليه «لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ اْلفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ»(1بط1: 7).

 

«وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ،

لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ.» (يعقوب1: 4)

ذُكِرَ الصَّبر في رسالة يعقوب خمس مرات (يع3:1، 4، 11:5 مرتان)

حسنًا قال الرب «وَلَكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ» (مت10: 22، مت24: 13). فشاول الملِك صَبِرَ، وصبرُه لم يكُن تامًّا. فلم ينتظر صموئيل النبي ليأتي ويُقَدِّم الذبيحة فقدمها هو، مُتَعَدِّيًا على الكهنوت، ففقَد المُلْك (1صم8:13-11)؛ ولذلك قيل «بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ»(لو21: 19).وعندما نسأل متى يكون للصبر عمل تام؟
يُجِيبُ مار يعقوب عندما لا يكون الصبر هو احتمال الضيق بل الفرح في الضيق.

«لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ، غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ»

من الوجهة الإيجابية ينبغي أن نكون تَامِّينَ وَكَامِلِينَ في كل فضيلة.

من الوجهة السلبية ينبغي أن نكون غَيْرَ نَاقِصِينَ لا تُوجَد فينا نقائصٌ أو شرور، بل ننمو في كل فضيلة طالبين الكمال النِّسبِي.

«غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ» اِلتقَى الرب بالشاب الغني «فَنَظَرَ إلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ وَقَالَ لَهُ يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ» (مرقس10: 21)، كان نَاقِصًا فِي هذا الشَيْء الوَاحِد فمضى حزينًا، «لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ» (يع2: 10).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الصلاة بإيمان وطلب الحكمة

كان القديس يعقوب الصغير كاتب هذه الرسالة الصغيرة في حياته رجُلَ صلاةٍ؛ لذلك قِيلَ عنْهُ أن ركبتاه كانتا مثل خُفَّيِّ الجمل من كثرة السجود والركوع؛ ولذلك تكلم أيضًا في رسالته عن الصلاة:

«وَإنَّمَا إنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تعوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ

 الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّر، فَسَيُعْطَى لَهُ» (يع1: 5)

 

بين الحكمة الصادقة والحكمة الكاذبة

في بداية الرسالة يُحَدِّثُنا القديس يعقوب الرسول عن الحكمة الحقيقية الفَوقانية، هذه الحكمة النازلة من فوقالتي يعطيها الله. ويقول عنها بولس الرسول«فَإنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلِآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ» (1كو8:12).فكَلاَمُ الحِكْمَةِهُنا يعطيه الروح القدس أي الله. لذلك فلنطلبْها بلجاجة كسليمان الذي طلب فأخذ.

 

مَن يستحِق الحكمة؟

· الذي يشعر بحاجته إليها «إنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعوِزُه حِكْمَةٌ».

· الذي يطلبها «فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ» (يع1: 5).

· الذي يطلب بإيمان «وَلَكِنْ لِيَطْلُبْ بِإيمَانٍ» (يع1: 6).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صورة الْمُرْتَاب

«وَلَكِنْ لِيَطْلُبْ بِإيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ،

 لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ.

 فَلاَ يَظُنَّ ذَلِكَ الإنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ» (يعقوب1: 6، 7)

مُرْتَاب تعني مُترَدِّد، وعدم استجابة الصلاة تأتي من عاملَيْن:

1. الريبة أو عدم الإيمان (يع1: 6، 7)، وقد كان الرب يطلب الإيمان قبل أن يَشفِي إنسانًا.

2. الطِّلبة الأرضية الرَّدِية، قال عنها «تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تتْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ» (يع4: 3)

الإنسان المتردد بين الشك والإيمان، مرةً يطلب الله والحياة الأبدية وأُخري يتجه إلى العالم ولذاته، يشبه الأمواج التي ترتفع حينًا وتنخفض حينًا، إنسانٌ فاترٌ مترددٌ بين حرارة الروح وبرودة البُعد عن شمس البر. حسنًا قال الرب لملاك كنيسة اللاودكيين «هَكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي»(رؤ 3: 16).

وهذه هي أوَّل صورة رسمها القديس يعقوب الرسول صورة البحر المتلاطم الأمواج، فتأتي الأمواج في اتجاه، ثم تخبِطُه الريح فتدفعه إلى الاتجاه العكسي، وتظل المياه ترتفع وتنخفض دون أن تتحرك إلى الأمام، إنسانٌ مثل هذا لا يظُن أنه ينال تقدُمًا في حياة الروح مع الله.

St-Takla.org Image: "He is a double-minded man, unstable in all his ways. The Perspective of Rich and Poor. Let the lowly brother glory in his exaltation, but the rich in his humiliation, because as a flower of the field he will pass away" (James 1: 8-10) - James, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "8 رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه. وليفتخر الأخ المتضع بارتفاعه، وأما الغني فباتضاعه، لأنه كزهر العشب يزول." (يعقوب 1: 8-10) - صور رسالة يعقوب، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: "He is a double-minded man, unstable in all his ways. The Perspective of Rich and Poor. Let the lowly brother glory in his exaltation, but the rich in his humiliation, because as a flower of the field he will pass away" (James 1: 8-10) - James, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "8 رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه. وليفتخر الأخ المتضع بارتفاعه، وأما الغني فباتضاعه، لأنه كزهر العشب يزول." (يعقوب 1: 8-10) - صور رسالة يعقوب، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

«رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ» (يع1: 8)

«رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ»: رجُلٌ داخله صراع بين مشيئة الله ومشيئتِهِ الخاصة، لم يُخضِع بعدُ رأيه وإرادته لإرادة الله، مُتَقَلْقِلٌ. ما أروع داود النبي عندما يرى في داخله رأيَيْن فيُسرِع إلى الله مُصَلِّيًا «وَحِّدْ قَلْبِي لِخَوْفِ اسْمِكَ» (مز86: 11)، لذلك قال إيليا النبي «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ» (1مل18: 21)، فالحياة الروحية تحتاج إلى الثبات في الطريق الروحي.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الفقراء

«وَلْيَفْتَخِرِ الأَخُ الْمُتَّضِعُ بِارْتِفَاعِهِ» (يع1: 9)

«وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَبِاتِّضَاعِهِ» (يع1: 10)

ما أروع الْمُتَّضِع حينما يحيا فيطريق الله القائل «تَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ» (مت11: 29). فالاتضاع هو الحُلَّة التي لبسها اللاهوت ليأتي إلينا. وكلمة الْمُتَّضِع هنا تعني الفقير، ولذلك قورِن بالغَنِي، أي حالته مُتَّضعة. وبالاتضاع يتشابه الإنسان مع الله حينما تأنس وعاش فقيرًا، وقال «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (متى20:8)، ونساءٌ «كثيرًاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ» (لوقا3:8).

وفى الإصحاح التالي يشرح مار يعقوب هذا النص فيقول:

«اسْمَعُوا يَا إخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، أَمَا اخْتَارَ اللَّهُ فُقَرَاءَ هَذَا الْعَالَمِ أَغْنِيَاءَ فِي الإيمَانِ، وَوَرَثَةَ الْمَلَكُوتِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الَذِينَ يُحِبُّونَهُ؟» (يع2: 5). فالمتضع يفتخر بارتفاعه في نظر الله، والإنسان البسيط ماديًا واجتماعيًّا وعلميًا (المُتضع) عندما يلتصق بالمسيح، يرتفع شأنُه ويصير ذا قيمة كبيرة (مرتفعًا). هذا هو معنى الآية «وَلْيَفْتَخِرِ الأَخُ الْمُتَّضِعُ بِارْتِفَاعِهِ».

أما الذي يشعر بغناه المادي والعلمي والاجتماعي وحتى الروحي في غرور، فهذا يجب أن يعرف أنه مُتَّضِع أي قليل القيمة قليل الإيمان لأن غناه هذا مبنِيٌّ على القش.

«لأَنَّهُ كَزَهْرِ الْعُشْبِ يَزُولُ» (يع1: 10)

غِنى هذا العالم يزول سريعًا كزهر العشب، فهناك زهور في الأشجار الكبيرة تستمر طويلًا، حياتها مرتبطة بقوة الشجرة واحتمالها للظروف البيئية وثباتها في التربة وقدرتها على البناء، أما زهور العشب فمرتبطة بالأعشاب تجف سريعًا مع زيادة حرارة الشمس فتتساقط سريعًا. هكذا الغنى في العالم الزائل المتغير.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The Epistle of James: In the foreground James writes his epistle, while looking into a mirror, which reminds the reader that he must not read the word and forget it, as one forgets his own reflection when looking in a mirror (James 1: 23). In the background an image of the sea being driven by the wind, representing doubt and lack of faith (James 1: 6), and a wilting flower appears behind him (James 1: 11) - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: رسالة يعقوب الرسول، ويظهر القديس يعوب وهو يكتب الرسالة، ناظرا في مرآة، وهو تذكير للقارئ بعدم نسيان ما يقرأه، كما ينسى الشخص وجه خلقته في المرآة (يعقوب 1: 23). كما يظهر صورة الريح وهو يضرب موج البحر ويحركه (يعقوب 1: 6)، وهو رمز الشك ونقص الإيمان. والشمس مشرقة بالحر، فيبس العشب وسقط الزهر (يعقوب 1: 11). - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: The Epistle of James: In the foreground James writes his epistle, while looking into a mirror, which reminds the reader that he must not read the word and forget it, as one forgets his own reflection when looking in a mirror (James 1: 23). In the background an image of the sea being driven by the wind, representing doubt and lack of faith (James 1: 6), and a wilting flower appears behind him (James 1: 11) - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: رسالة يعقوب الرسول، ويظهر القديس يعوب وهو يكتب الرسالة، ناظرا في مرآة، وهو تذكير للقارئ بعدم نسيان ما يقرأه، كما ينسى الشخص وجه خلقته في المرآة (يعقوب 1: 23). كما يظهر صورة الريح وهو يضرب موج البحر ويحركه (يعقوب 1: 6)، وهو رمز الشك ونقص الإيمان. والشمس مشرقة بالحر، فيبس العشب وسقط الزهر (يعقوب 1: 11). - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

صورة أخرى

«لأنَّ الشَّمْسَ أَشْرَقَتْ بِالْحَرِّ، فَيَبَّسَتِ الْعُشْبَ، فَسَقَطَ زَهْرُهُ وَفَنِيَ جَمَالُ مَنْظَرِهِ. هكَذَا يَذْبُلُ الْغَنِيُّ أَيْضًا فِي طُرُقِهِ.» (يع1: 11).

«لأَنَّ كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ، وَكُلَّ مَجْدِ إنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. الْعُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ» (1بط1: 24)

مَنْظَر طبيعي رائع يُصَوِّر الغني كالْعُشْبَ، زُهْوره جَمَيلة المَنْظَرِ. وإذا بالشَّمْسَ تُشْرِقُ بِالْحَرِّ، فَيَبَّسَتِ الْعُشْبَ، فَسَقَطَ زَهْرُهُ وَفَنِيَ جَمَالُ مَنْظَرِهِ، هكذا الغِنَى المتغير الزائل لا يُتَّكَل عليه، تأتي التجارب فتستهلك الغنى ويضيع رجاء الأغنياء المتكلين على أموالهم. إن عصرنا اليوم يُرينا كيف أنَّ مرضًا مثل السرطان أو الفشل الكبدي اللذين زاد انتشارهما يحتاجان لعلاجِ أيُّهُما إلى آلاف الجنيهات، فإذا هاجم غنيًا يُمسي فقيرًا بعد قليل. لذلك يُكمل مار يعقوب قائلًا:

«هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ» (يع5: 1-3)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التَّجْارِبَ

«طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ» (يع1: 12)

التجارب أنواع، وهذه التجربة من النَّوع الأول، وهو من الله لِخَيْرِنا.
قال عنها الرسول «عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إيمَانِكُمْ (بالتجارب) يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ
»(يع1: 4،3)

«يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ» بقبول وصبر وعدم تذَمُّر، بإيمانٍ أنَّ الله سمح بها لفائدتنا الروحية، وسيتدخل لإنقاذنا عند اللُّزوم. وفي صبْرِنا واحتمالنا ننال المجازاة من الله بإكْلِيلَ الْحَيَاةِ، فتتوافق هذه الآية مع ما قاله الرب لملاك كنيسة سميرنا مُشَجِّعًا له في الضيقة «لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ.

كُنْ أَمِينًا إلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إكْلِيلَ الْحَيَاةِ» (رؤ2: 10)

«لأَنَّهُ إذَا تَزَكَّى يَنَالُ إكْلِيلَ الْحَيَاةِ» (يع1: 12)

إذا انتصر الإنسان على التجربة ينال هذه المواعيد

«قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إكْلِيلُ الْبرِّ» (2تى 4: 7 , 8)

«وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ تَنَالُونَ إكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى» (1بط 4:5)

«لأَنْ مَنْ هُوَ رَجَاؤُنَا وَفَرَحُنَا وَإكْلِيلُ افْتِخَارِنَا أَمْ لَسْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا أَمَامَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ؟ لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا»(1تس2: 20،19)لكننا نُكلَّل بهذه الأكاليل بعد أن نشترك مع الرب في إكليل الشوك.

«الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (يع1: 12)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إذَا جُرِّبَ إنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ» (يع 1: 13)

هذا هو النوع الثاني من التجارب، وهو من الشيطان بإغرائنا بالخطية، أو من الإنسان نفسه، وهي ليست من الله، بل بسماح منه (let it pass). ونحن نسقط إذا فقدنا السهر الروحي، ولذلك قال الرب لنا «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ» (مر14: 38)، وعلَّمنا أن نُصَلِّي قائلين «وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ» (مت6: 13).

فلا نأتي بالملامة على الله، ولا على طبيعتنا:

«لأَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا» (يع1: 13)

لأن الله لا يأتيه فِكرُ الخطية «اللَّه غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُور».

فكر الخطية نوعان: فِكرٌ يأتينا من الخارج، من العالم والأشرار والشيطان، وهذا يُحارب القديسين، وهو ليس خطية، لأنه مُجرَّد عرَضٌ لم نتجاوب معه على الإطلاق بل نشمئز منه. وفكرٌ يأتينا من الداخل، ذلك أن الإنسان صار له مخزونٌ شرير من تاريخه القديم، فحتى عندما يتوب، تحاربه الخطايا القديمة السابقة، ويكون ثابتًا حقًا، إذا رفضها سريعًا ولم يتجاوب معها، ولا إلى لُحَيْظة.

أما السيد المسيح قدوس القديسين، ليس له هذا الماضي الذي يحاربه. فهو من جهة الخطية، لا تأتيه من الداخل «غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ».

أمَّا أن يعرِض الشيطانُ عليه الخطية، فقد سمح الرب للشيطان أن يُجَرِّبَه. وعلينا أن نفهم أنه يوجد فرق بين الحرب والسقوط.

كثيرًا ما يميل الإنسان إلى إلقاء اللوم في سقوطه على غيره. إنها قصة ورثناها من أبينا آدم الأول الذي قال لله في غير خشية «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ» (تك3: 12) مُلقيًا اللوم على حواء وعلى الله الذي أعطاها له، مُحاولًا أن يُبرِّئَ نفسه. إنها طبيعة الإنسان المُخطئ، وليتنا بعد سبعة آلاف سنة نكون قد تعلمنا الدرس، أنَّ الله القدوس لن يكون بأي شكل سببًا للشر.

(ستجد كذلك تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الخطية متدرجة

«وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ

ثُمَّ الشَّهْوَةُ إذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً

وَالْخَطِيَّةُ إذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا»(يع1: 14، 15)

يحدثنا الرسول عن جوهر السقوط في الخطية. الخطية تُحيطنا بسهولة وهذا لا يبرر سقوطنا. ووجود الشيطان والشر والأشرار حولنا لا يبرر طاعتنا لهم. الشيطان يعرض الخطية ويقدمها كما لو كانت بسيطة وسهلة وحلوة وجذابة، ولكن مقاليد الحُكم في أيدينا نحن. نقدر أن نقبل ونتجاوب أو أن نرفض إغراءاته، فهذه حُريتنا وإرادتنا، فلا يستطيع أحد أن يجبرنا على فعل الخطية لذلك يقول الرسول «كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شهوته». فالشيطان يحاول أن يجذبنا ويخدعنا لكننا «لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ» (2كو2: 11). ونحن نُحارب شيطانًا مُقَيَّدًا، قيَّدَه الرب على الصليب، إذ نزل إلى الجحيم وقبض عليه وقيَّدَه ألف سنة. وها هو كأسد زائر، مُقيَّد بسِلسلة، يجول داخل دائرته مُلتَمِسًا من يبتلعه. أحيانا يظهر أسدًا هادئًا نائمًا؛ ليغرينا أن ندخل دائرته. وإذا فعلنا، وثَبَ علينا وابتلعنا. فإذا انخدع الإنسان بألاعيب الشيطان وانجذب إلى الخطية، فلا محال أن الأسد ينتصر ويلتهمه.

«انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ» للخطية جاذبيتها، وللشيطان خِدعُه. ويَئِنُّ مار بولس الرسول من «نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ» الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِه، حتى يقول«الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإيَّاهُ أَفْعَلُ» (رو19:7، 23).ويقدم مار يعقوبدرجات السقوط في هذه الآية والتي تليها هكذا: «يُجَرَّبُ، انْجَذَبَ، انْخَدَعَ، شَهْوة، خَطِيَّةُ، مَوْت» (يع14:1، 15)

هذا السُّلَّم الهابط الذي يبدأ بالتجربة، وهي في ذاتها ليست خطية،
بل امتحان يُظهِر نجاح الإنسان أو سقوطه. والسقوط يبدأ داخل الإنسان، إذا انجذب وانخدع من شهوته، والشهوة إذا تجاوب معها الإنسان، تحبل وتلد خطية، وهذه تُنتِج موتًا.

كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ: الشيطان كلمة عبرية، تعني المُجَرِّب. ولكن ما لم يسقط الإنسان من داخله من شهوته، فلا تأثير لِعَمَلِ الشيطان،
ولا ضرر من تجاربه، بل تصير لِتزْكِيَتِه.

وحين يُجرَّب الإنسان بِعَرْضِ الخطية عليه، فهل في طبيعتنا الضعف الذي يُسقِطنا، فنعتذر بأنَّ الله خلقنا ضعفاء؟ بالطبع لا، لأنَّ الله الحكيم العارف طبيعتنا والعادل لا يمكن أن يُعطينا وصيَّة، ليس في مقدورنا تنفيذها، بل هو عالمٌ أننا نقدر أن نُنَفِّذَ وصيته، وهو مُستعِدٌ أيضًا أن يعطينا نعمته التي بها نغلب «لِذَلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإنْسَانُ» (رو1:2).

 

«ثُمَّ الشَّهْوَةُ إذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً،

 وَالْخَطِيَّةُ إذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا» (يع1: 15)

 حياة القداسة سلبي وإيجابي، رفض الشر ثم الحياة في البر،

وحياة السقوط سلبي وإيجابي، رفض الخير ثم الحياة في الشر.

النزول إلى حياة الشر يبدأ سلبيًا بالشهوة، مُجرَّد رغبة، وليست عملًا، إذا أعطيناها فرصة تَلِدُ خَطِيَّةً إيجابية. وَالْخَطِيَّةُ إذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا؛ «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رو6: 23). فالخطية تفصلنا عن المسيح مصدر الحياة. لذلك يقول مار يوحنا الحبيب «لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إلَى الأَبَدِ» (يوحنا الأولى15:2-17)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

عَطَايَا الله الصَالِحَة

«لاَ تَضِلُّوا يَا إخْوَتِي الأَحِبَّاءَ»(يع1: 16)

يخطئ الإنسان بسهولة، ويَضِلُّ الطريقَ الصحيح، وينسِب التجارب كلها لله. فالتجارب والخطايا والشهوات لا تأتي من الله، بل من الإنسان، ويساعده في ذلك الشيطان. أما الله، فلا يأتي منه إلا الصالحات، وقد أخطأ أيوب البار حينما قال «أَالْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟» (أي2: 10). فعطايا الله خيرٌ كلها، أما الشر فليس من الله بل من إبليس. الله يسمح به فقط، ثُم يُحَوِّله إلى خَيرٍ لأبنائِه.

«كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ نَازِلَةٌ» (يع1: 17)

كعطية الحكمة التي بدأ القديس يعقوب رسالته بالحديث عنها، فهي عطية صالحة وموهبة تامة من فوق. قال «إنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ» (يع1: 5).

«مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ» (يع1: 17) حسنًا قال مار يوحنا الحبيب «إنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ»
(1يو1: 5) .«وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ
»(1يو1: 8).

يظهر نور الشمس أحيانًا ويختفي أحيانًا أخرى، فيبدو مُتَغَيِّرًا.
لكن الحقيقة غير ذلك، فنورها ثابت، أما الأرض فهي التي تدور.
هكذا الرب الإله النور الحقيقي الذي لا يتغير، ولكن هناك ما يجعل النور يظهر حينًا ويختفي حينًا آخر، وهذا ليس في مصدر النور بل فينا. هكذا نحن نتعرض للرحمة أحيانًا، وخطايانا تحجب الرحمة والنور أحيانًا. ليس لأن الله مُتغير بل لأن أعمالنا مُتغيرة. أو كما يقول قداسة البابا شنوده الثالث: "لم يحدث يومًا أن الشمس غربت عن الأرض، إنما الأرض هي التي في دَوَرَانها أدارت ظهرها للشمس".

«شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ» (يع1: 18)

كما يقول مار بطرس «وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ» (1بط 1: 3).

هذه الولادة من الله هي عطية فوقانية، يقول عنها مار بولس «لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإنْجِيلِ» (1كو4: 15). فماذا يعني؟ هل مُجرَّد كرازة مار بولس بالإنجيل هي التي ولدت أهل كورنثوس، أم أن استماعهم للإنجيل وتطبيقه في حياتهم هو الذي ولدهم؟ وماذا في الإنجيل: هل الإيمان بالمسيح فقط، أم الإيمان والمعمودية والتوبة والافخارستيا وكل العقائد والفضائل؟ لقد وَلَدَنا من جديد بتحويل كلمة الله إلى حياة نحياها وتشمل كل هذا معًا.

«لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ» (يع1: 18)

إن فكرة تقديم البكور لله تملأ قلب القديس يعقوب؛ لذلك هو يفرح بأولئك الذين آمنوا، مُكَوِّنين باكورة الخليقة. فالذين وُلِدُوا الولادة الثانية من الله خالق كل شيء، والذي بغيره لم يكن شيء مما كان. ونحن البشر الخليقة المميزة بالنسبة له والباكورة في خليقته، ليس بمعنى الأولية الزمنية، بل بمعنى الأولية في الأهمية فنحن أهم خليقته، «بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ».

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اللسان وخطايا الكلام

فضيلة الصمت: قال سليمان الحكيم «كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ» (أم10: 19)؛ لذلك عمِل الله بَابَيْنِ يُغلقان على اللسان، هما الشفاه والأسنان. قال داود النبي «ضع يا رب حافظًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتي» [(مز140: 3) صلاة النوم حسب الترجمة القبطية]. واللسان عُضْوُ التَّذَوُّق، يشترك في النُّطْق لِكَي نتذَوَّق الكلمة قبل أن نقولها، نختار عباراتنا، والروح التي نتكلم بها؛ لأن القديس أرسانيُس مُعَلم أولاد الملوك يقول "كثيرًا ما تكلمت فندمت، أما عن سكوتي فما ندمت قط لذلك يُقَدِّم القديس يعقوب الرسول العلاج:

«إذَنْ يَا إخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إنْسَانٍ

مُسْرِعًا فِي الاِسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ» (يع1: 19) «لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ! لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا» (يع3: 1)

«إذَنْ» ما دُمنا أبناء الله، المُمَيَّزين في خليقته، فلْنَحْيا بما يليق بهذا المقام.

«لِيَكُنْ كُلُّ إنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاِسْتِمَاعِ» إنها وصية الله، فلابد أن نستمع إليها. علينا أن نُسرِع إلى الاستماع لكلمة الله، فـ"طوبى لأذانكم لأنها تسمع". كانت مشكِلة يونان النبي أنه لم يكن مُسرعًا في الاستماع لكلمة الله «اذْهَبْ إلَى نِينَوَى»، فهرب إلى تَرشيش. فكلَّمَهُ الله في الريح والأمواج التي هزَّتِ السفينة ولم يسمع. وكلَّمَهُ بصوت الوثنيين الذين التجأوا إلى آلهتهم ولم يسمع. وكلَّمَهُ بالوثنيين الذين وبَّخوه قائلين
«قُمِ اصْرُخْ إلَى إلَهِكَ» (يون1: 6)، ولم يسمع. وكلَّمَهُ بالقرعة ولم يسمع. حتَّى أُلقِيَ في البحر وابتلعه الحوت. ومن جوف الحوت بدأ يسمع يونان صوت الله ويصرخ إليه. لم يكن مُسرعًا في الاستماع. فلْنتعلَّم أن نُسرِع في استماع كلام الله من أول لحظة، فهو يكلمنا «بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ
»(عب1: 1)، و«مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ» (مت13: 9).

«مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ» لأن «كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ» (أم10: 19)

لأن «كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ، لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ» (متى36:12، 37).

«مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ» إنها منظومة ثُلاثية، كلٌّ منها يؤدي إلى الآخَر.

«مُسْرِعًا فِي الاِسْتِمَاع، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ»

الإسراع إلى الاستماع يؤدي إلى الابطاء في التكلُّم، والاستماع الكامل الجيد يقي الإنسان من الخطأ في الحكم، فلا يتكلم إلا بعد الإنصات للموضوع كُلِّه بكل تفصيلاته. والإنسان الذي يبطئ في التكلُّم لا يحكم قبل أن يستمع إلى جميع الأطراف، فيكون حُكمُه صحيحًا. فإذا تكلم يتكلم بالحِكمة والعدل، مُعطِيًا نفسَه فُرصةَ التفكير الهادئ، لا يغضب. الله نفسه "بطِيءُ الغضب"، فبِالأوْلَى الإنسان يجب أن يضبط نفسه، «وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً»(أم 16: 32)،

«لأَنَّ غَضَبَ الإنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللَّهِ»(يع1: 20)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإيمان والأعمال أو الجهاد والنعمة بين القديس مار بولس والقديس يعقوب

(رو3، 4؛ عب11؛ 1كو13؛ يع 1)

ليس ثَمَّةُ تناقُض بين الرسولَيْن العظيمين يعقوب الرسول أسقف أورشليم ومار بولس رسول الأمم في موضوع الإيمان والأعمال. فعلى الرَّغْم أنهما كتبا في وقت متقارب، فرسالة يعقوب كُتبت سنة 80م تقريبًا أو ما بعدها(8)، ورسالة روميه سنة 57م تقريبًا(9)، إلا أن يعقوب الرسول فيما كتب، لم يقصد أن يرُدَّ على كتابات مار بولس؛ لأنه لم يكن قد قرأها بعد؛ فوصول رسالة رومية إلى أورشليم لم يكن قبل سنة 90م تقريبًا. لكن مار يعقوب في هجومه، كان موجِّهًا حديثه إلى مَن فَهِم رسائل بولس الرسول فهمًا خاطئًا.

كان القديس بولس الذي تعب أكثر من جميعهم في الكرازة يكرز ليس حيثما نودِيَ باسم المسيح، بل بين الأمم التي لم يُبشَّر فيها من قبل، فدُعِي رسول الأمم؛ لذلك اهتم بموضوع الإيمان كالخطوة الأولى إلى المسيحية. إلا أن القديس يعقوب الرسول اهتم بالدفاع عن أهمية الأعمال الصالحة كثمر للإيمان، إذ كان يكتب للمسيحيين الذين دخلوا إلى الإيمان فعلًا. فاهتم بالخطوة التالية، وهي ثمر الإيمان أو الأعمال الصالحة؛ لذلك لُقِّب بيعقوب البار، ليس فقط لحياة البر التي عاشها بل لأنه الرسول الذي اهتم في رسالته بالدفاع عن أهمية الأعمال الصالحة وحياة البر.

اهتم القديس يعقوب بالجانبين السلبي والإيجابي، بترك الأعمال الشريرة وعمل الأعمال الصالحة.

ففي ترْك الأعمال الشريرة يقول:

«لِذَلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ» (يع1: 21)

«لِنَطْرَحْ» كُلَّ ثِقْلٍ الْخَطِيَّةَ الْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ (عب12: 1). الخطية والنجاسة والشر ثقْلٌ قاسي على كاهل أبناء الله. فلنطرحه ونتخلص منه بالتوبة والحياة المُقدسة. نطْرَحُ «كُلَّ نَجَاسَةٍ» فلا نستبقي خطية مُحببَة؛ فمن «عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ» (يع2: 10).

«وَكَثْرَةَ شَرٍّ» الخطية كثيرة في أنواعها وعددها، وهي «مُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ» وتتشابه كلمات القديسين يعقوب الرسول وبطرس الرسول

لِذَلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرٍّ.

فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ. (يع1: 21)

فَاطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ.

وَكَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ الآنَ اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ (1بط2:1-2)

وفي الأعمال الصالحة يقول:

«فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ (يع1: 21)

قُلْنا أن الحياة مع الله لها جانبان: سلبي، فنترك كل نجاسة وكل شر، وإيجابي، فنقبل كلمة الله بوداعة. فالتوبة المسيحية ليست مُجرد ترك

الخطية بل عمل البر أيضًا، لذلك قال الرسول «فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذَلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ» (يع4: 17). تعالوا بنا إذَنْ لنطرح كل شر ونعمل البر.

«الْكَلِمَة الْمَغْرُوسَة» هي كلمة الله الْمَغْرُوسَةَ في قلوبنا وحياتنا. فكلام الله ليس فقط في الأذن بل في القلب. قال الرب قديمًا لموسى النبي «لْتَكُنْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ، وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ، وَارْبُطْهَا عَلاَمَةً عَلَى يَدِكَ، وَلْتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ، وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلَى أَبْوَابِكَ» (تث 6: 6).

نعم هي مغروسة في الأعماق، وفي مثَل الزارع «سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ (لم تكن مَغْرُوسَةَ)، وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ فَنَبَتَ حَالًا إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. وَلَكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ احْتَرَقَ وَإذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ (لم تكن مَغْرُوسَةَ)، وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَرًا بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ» (مت3:13-9). ومع هذا، فعندما نقبل كلمة الله وتتعمق في حياتنا، لا ينبغي أن نتصلَّف أو نَغتر، بل نقبلها بِوَدَاعَةٍ واتضاع.

«الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ» وكيف تقدر كلمة الله أن تخلص نفوسنا؟ ليس بمُجرَّد سماعها أو قراءتها فقط أو الإيمان بها، بل بالعمل بها أيضًا ولذلك أكمل قائلًا:

«وَلَكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ» (يع1: 22) عندما نعمل بكلمة الله المغروسة فينا وننفذها في حياتنا، «بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ» (مت4: 4)، فمن «عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ» (يع2: 10). إذن الْكَلِمَة الْمَغْرُوسَة الْقَادِرَة أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسنا تشمل كل الفضائل، كما تشمل كل العقائد: المعمودية والتوبة والاعتراف والتناول وكل الوصايا الإلهية الموجودة في كلمة الله.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

سماع الكلمة والعمل بها

«لأَنَّهُ إنْ كَانَ أَحَدٌ سَامِعًا لِلْكَلِمَةِ وَلَيْسَ عَاملًا،

 فَذَاكَ يُشْبِهُ رَجُلًا نَاظِرًا وَجْهَ خِلْقَتِهِ فِي مِرْآةٍ،

 فَإنَّهُ نَظَرَ ذَاتَهُ وَمَضَى، وَلِلْوَقْتِ نَسِيَ مَا هُوَ»(يع1: 23، 24)

هذه إحدى صُوَر رسالة يعقوب التي رسمها بفُرشاته قبل قلَمِه، صورة رَجُلٍ ينظر في مرآة، فوَجَد عُيوبًا في وجهه، وكان المفروض أن يفطن إليها ويُصلِحها سريعًا، لكن للأسف نظر ذاته ومضى دون أن يُصلِح شيئًا، «وَلِلْوَقْتِ نَسِيَ مَا هُوَ». هذا لم يستفِد بالمِرْآة شيئًا. والذين يقرأون ويسمعون كلمة الله، ينظرون في مِرآة الكلمةِ الإلهية التي تُظهِر لهم أخطاءهم، فإن أصلحوها وتابوا وعملوا بما قرأوا وسمعوا من كلمة الله استفادوا، أما الذين لا يُصلِحون عيوبهم بعد أن كشفتْها الكلمة الإلهية، فلا يستفيدون شيئًا، بل يخدَعون أنفسهم.

ومار بولس الرسول أعلن أن ناموس الله كالمرآة التي أظهرت عيوبنا فيقول «فَمَاذَا نَقُولُ؟ هَلِ النَّامُوسُ خَطِيَّةٌ؟ حَاشَا بَلْ لَمْ أَعْرِفِ الْخَطِيَّةَ إلاَّ بِالنَّامُوسِ. فَإنَّنِي لَمْ أَعْرِفِ الشَّهْوَةَ لَوْ لَمْ يَقُلِ النَّامُوسُ "لاَ تَشْتَهِ". وَلَكِنَّ الْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ أَنْشَأَتْ فِيَّ كُلَّ شَهْوَةٍ. لأَنْ بِدُونِ النَّامُوسِ الْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ. أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ بِدُونِ النَّامُوسِ عَائِشًا قَبْلًا. وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَتِ الْوَصِيَّةُ عَاشَتِ الْخَطِيَّةُ فَمُتُّ أَنَا» (رو7: 9). فبالناموس ظهرَت خطاياي، فتحققتُ أنِّي مَيِّت، تحت الدينونة.

«وَمَضَى وَلِلْوَقْتِ نَسِيَ مَا هُوَ» (يع1: 24)

كثيرون يرون خطاياهم ونقائصهم أمام كلمة الله، لكن بعدما تنتهي قراءة أو سماع كلمة الله ينسون تبكيتات الروح على خطاياهم ويبقون بلا توبة.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نَامُوس الْحُرِّيَّةِ الْكَامِلِ

«وَلَكِنْ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ- نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ- وَثَبَتَ، وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلًا بِالْكَلِمَةِ، فَهَذَا يَكُونُ مَغْبُوطًا فِي عَمَلِهِ»

(يع1: 25)

في رسالة القديس يعقوب ثلاثة تعبيرات تصف الناموس:

1. النَّامُوس الْكَامِل، نَامُوس الْحُرِّيَّةِ. (يع1: 25)

2. النَّامُوس الْمُلُوكِيّ حَسَبَ الْكِتَابِ «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.» (يع2: 8)

3. ناموس الله أي ناموس الوصايا «لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، إنَّمَا

 عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، َقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ.» (يع2: 10)

نامُوس الله هذا الذي يُقدم لنا وصايا الله، تَحدث عنه القديس بولس الرسول في الإصحاح السابع من رسالته إلى روميه، فشرح أنه مُقدَّس، وكالنور أوَضَح لي خطيتي، فبه عرفتُ أني مستحِق الموت.

أما «النَّامُوس الْكَامِل نَامُوس الْحُرِّيَّةِ»، فهو ناموس العهد الجديد، المكتوب في قلوبنا، الذي يرافقه عمل نعمة الله فينا لنغلب الخطية، ونُنَفذ الوصية. وهو الذي قصده القديس بولس الرسول في الإصحاح الثامن من نفس الرسالة «لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ»(روميه8: 2).

«وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلًا بِالْكَلِمَةِ»

قبول كلمة الله في قلوبنا لا يكفي للخلاص، والاستماع وحده لا يكفي. وتتشابه هذه الآية مع قول بولس الرسول «لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ» (روميه2: 13).شريعة الله مِرآة نقية تكشف عيوبنا الخفية، فإن رأيناها ولم نُصلِحها، نُمسي كمن رأى وجهه في المرآة ولم يُصلِح شيئًا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اللِسَان

«إنْ كَانَ أَحَدٌ فِيكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ،

 وَهُوَ لَيْسَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ، بَلْ يَخْدَعُ قَلْبَهُ، فَدِيَانَةُ هَذَا بَاطِلَةٌ» (يع1: 26)

«يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ»: يَظُنُّ أَنَّهُ متدين بتَدَيُّنه الظاهري «لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى وَلَكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا» (2تيموثاوس3: 5)، ويريد الرسول أن نقيس تدَيُّنا باللسان كأحد المقاييس التي تُظهر حقيقتنا «فَإنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ الْفَمُ» (مت12: 34)

«وَهُوَ لَيْسَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ» صورة ثانية يقدمها القديس يعقوب الرسول صورة الحِصان المُلَجَّم والذي يقدمه المثل الشعبي "لسانك حصانك،
إنْ صُنْتَهُ صانك وإنْ أهنتَه أهانك". فالذي لا يمتنع عن خطايا اللسان "الحلفان - الشتيمة - الكذب - إدانة الآخرين - الكلام القبيح - الكلام الباطل - ذم الآخَرين - والافتراء عليهم – لومهم..." «يَخْدَعُ قَلْبَهُ ودِيَانَتهُ بَاطِلَةٌ
»

وكيف يَخْدَعُ الإنسان قَلْبَهُ؟ عندما يذم غيره مُظهرًا أخطاءهم،
أو يتهمهم بأخطاء أكثر، ويُصَوِّر لنفسه أنه أفضل منهم، فيخدع نفسه. وبدلًا من أن يُصلِحها ويتوب، ينشغل بخطايا غيره.

 

St-Takla.org Image: To visit the fatherless and widows: "Pure and undefiled religion before God and the Father is this: to visit orphans and widows in their trouble" (James 1:27) - by A.P. صورة في موقع الأنبا تكلا: "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم" (يعقوب 1: 27) - للفنان إيه بي.

St-Takla.org Image: To visit the fatherless and widows: "Pure and undefiled religion before God and the Father is this: to visit orphans and widows in their trouble" (James 1:27) - by A.P.

صورة في موقع الأنبا تكلا: "الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم" (يعقوب 1: 27) - للفنان إيه بي.

«اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللَّهِ الآبِ هِيَ هَذِهِ:

افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ،

وحِفْظُ الإنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ العَالَمِ»(يع1: 27)

 

 (الإصحاح الأول: الآية الأخيرة)

«اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ» يوجد تدَيُّن ظاهري شكلي كما ذُكِر في العدد السابق «إنْ كَانَ أَحَدٌ فِيكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ... فَدِيَانَةُ هَذَا بَاطِلَةٌ»؛ لذلك نتحدث هنا لا عن الديانة الشَّكلية الباطلة بل عن الديانة الطاهرة النقية الحقيقية النابعة من قلب طاهر نقي، وجمال المسيحية في طهارة أبنائها ونقاوتهم.

«عِنْدَ اللَّهِ الآبِ» ليس المُهم ما يراه البشر، بل ما يراه الله. فحياتنا وتَدَيُّننا يقاس بالله. وهُنا يُحدِّد طهارة الإنسان في نقطتين: أحدهما خارجية والأخرى داخلية. أحدهما التعامل مع الغير، والأخرى مع النفس. أحدهما إيجابية والأخرى سلبية.

الأولى: «افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ» وهي تعاملنا مع الآخرين والأعمال الصالحة التي يحيا بها الإنسان، كمحبة الفقراء لاسيما الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ. وعن هذا قال مار يعقوب في الإصحاح التالي: «إنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: امْضِيَا بِسَلاَمٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟» (يع2: 15–16). وقال القديس يوحنا الحبيب «وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟» (1يوحنا 3: 17).

والثانية: «وحِفْظُ الإنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ العَالَمِ»، وهو جهاد داخلي ضد الخطية؛ لكي لا يسقط الإنسان في أدناس هذا العالم الشرير والتي تتلخص في شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظُّم المعيشة.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(3) (مرقس 3: 8، لوقا 6: 15، 16)

(4) (يو 14: 22، متى 10: 3، لوقا 6: 15، 16 )

(5) هل نحن أبناء أم عبيد في العهد الجديد؟ أنظر الملحق الخاص بهذا الموضوع. آخِر هذا الكتاب.

(6) لقَّب القديس بولس الرسول نفسه رسول يسوع المسيح بجوار كونه عبد الله والرب يسوع المسيح في أكثر رسائله، لأنه هوجم في رسوليته، فاضطر أن يدافع عن كهنوته؛ لأن صِحَّة كهنوته فيه صِحَّة كرازته وصِحَّة الأسرار التي مارسها.

(7) يشير إلى المجامع اليهودية، لأن المَقْدِس الكبير هو الهيكل، وهذا لا يكون إلا في أورشليم.

(8)العهد الجديد الرهبانية اليسوعية بيروت 1989 ص 722.

(9)العهد الجديد الرهبانية اليسوعية بيروت 1989 ص 458.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات يعقوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/james/chapter-01.html

تقصير الرابط:
tak.la/qnwk57f