* تأملات في كتاب
رسالة يعقوب الرسول: |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17
الإصحاح الرابع
نتائج الشهوات والأهواء (توبيخ الشر) (يع1:4- 6)
الخضوع لله والتوبة مع مقاومة الشيطان (يع7:4-10)
الإدانة والاتكال على الذات وتغير العالم (يع11:4-17)
مِنْ أَيْنَ الْحُرُوبُ وَالْخُصُومَاتُ بَيْنَكُمْ؟
أَلَيْسَتْ مِنْ هُنَا: مِنْ لَذَّاتِكُمُ الْمُحَارِبَةِ فِي أَعْضَائِكُمْ؟
تَشْتَهُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ. تَقْتُلُونَ وَتَحْسِدُونَ وَلَسْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنَالُوا. تُخَاصِمُونَ وَتُحَارِبُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ، لأَنَّكُمْ لاَ تَطْلُبُونَ.
تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ.
أَيُّهَا الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ ِللهِ؟
فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّا ِللهِ.
أَمْ تَظُنُّونَ أَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ بَاطِلًا: الرُّوحُ الَّذِي حَلَّ فِينَا يَشْتَاقُ إلَى الْحَسَدِ؟
وَلكِنَّهُ يُعْطِي نِعْمَةً أَعْظَمَ.
لِذلِكَ يَقُولُ: «يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً».
فَاخْضَعُوا ِللهِ. قَاوِمُوا إبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ. اِقْتَرِبُوا إلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إلَيْكُمْ. نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ.
اكْتَئِبُوا وَنُوحُوا وَابْكُوا. لِيَتَحَوَّلْ ضَحِكُكُمْ إلَى نَوْحٍ، وَفَرَحُكُمْ إلَى غَمٍّ. اتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ.
لاَ يَذُمَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُّهَا الإخْوَةُ. الَّذِي يَذُمُّ أَخَاهُ وَيَدِينُ أَخَاهُ يَذُمُّ النَّامُوسَ وَيَدِينُ النَّامُوسَ. وَإنْ كُنْتَ تَدِينُ النَّامُوسَ، فَلَسْتَ عَامِلًا بِالنَّامُوسِ، بَلْ دَيَّانًا لَهُ.
وَاحِدٌ هُوَ وَاضِعُ النَّامُوسِ، الْقَادِرُ أَنْ يُخَلِّصَ وَيُهْلِكَ.
فَمَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟
هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: نَذْهَبُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا إلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ أَوْ تِلْكَ، وَهُنَاكَ نَصْرِفُ سَنَةً وَاحِدَةً وَنَتَّجِرُ وَنَرْبَحُ.أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أَمْرَ الْغَدِ! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلًا ثُمَّ يَضْمَحِلُّ.
عِوَضَ أَنْ تَقُولُوا: «إنْ شَاءَ الرَّبُّ وَعِشْنَا نَفْعَلُ هذَا أَوْ ذَاكَ».
وَأَمَّا الآنَ فَإنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هذَا رَدِيءٌ.
فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ
«مِنْ أَيْنَ الْحُرُوبُ وَالْخُصُومَاتُ بَيْنَكُمْ؟» (يع1:4)
كانت نهاية الإصحاح السابق الحديث عن السلام، وهنا يسأل من أين الحروب والخصومات بين الدُّوَل أو بين الأفراد أو بين الإنسان ونفسه؟ فالحروب وأخبار الحروب تملأ الصُّحُف كما تملأ التاريخ.
«أَلَيْسَتْ مِنْ هُنَا: مِنْ لَذَّاتِكُمُ الْمُحَارِبَةِ فِي أَعْضَائِكُمْ؟» (يع1:4)
ما هو مصدر الشر؟ يجيب القديس يعقوب مِنْ لَذَّاتِكُمُ الْمُحَارِبَةِ فِي أَعْضَائِكُمْ. هذه ليست من الله؛ لأن «كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ»، أما هذه فمن الإنسان العتيق. فالشر الكامن فيه واللذات التي تصارعه داخل أعضائه، وقد أشار مار بولس إلى ذلك «وَلَكِنِّي أَرَى نَامُوسًا آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي وَيَسْبِينِي إلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي» (رو32:7)
ويشرح محاربات الخطية وتدرُّجها، أسبابها ونتائجها فيقول:
«تَشْتَهُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ.
تَقْتُلُونَ وَتَحْسِدُونَ وَلَسْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنَالُوا.
تُخَاصِمُونَ وَتُحَارِبُونَ وَلَسْتُمْ تَمْتَلِكُونَ، لأَنَّكُمْ لاَ تَطْلُبُونَ.
تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا
لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ» (يعقوب2:4، 3)
تَشْتَهُونَ شهوات متنوعة.
فتَقْتُلُونَ نتيجة شهوة الانتقام.
تَحْسِدُونَ نتيجة شهوة الامتلاك.
تُخَاصِمُونَ نتيجة شهوة تحقيق الذات.
تُحَارِبونَ نتيجة شهوة الامتلاك الأكثر.
وتَطْلُبُونَ نتيجة شهوة الشراهة وعدم الشبع.
هذه شهوات أبناء العالم التي تؤدي إلى الحسد والخصومة والحرب والقتل والمزيد من الشهوات؛ لأن «كُلّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا». اشتهى أخاب الملك الشرير كرْمَ نابوت اليزراعيلي، فقتلت إيزابل زوجته الشريرة نابوت وأبناءه، وفرح أخاب، وقام وورث. وأرسل الله إيليا النبي ليعطيه العقوبة (1ملوك 21؛ 2ملوك 26،25:9).
قال الرب يسوع «اطْلُبُوا تَجِدُوا» (متى7:7)، ونحن كثيرًا ما نطلب ولا نجِد. فيُجيب القديس يعقوب الرسول
«تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا
لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ» (يع4: 3)
لماذا؟ لأن الرب لا يُعطي إلا العطايا الجيدة «فَإنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ» (متى11:7).فإن كنتم تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لتُنْفِقُوا فِي شهواتكم، تكون النتيجة إنكم تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ.
فما هو الجيد والرديء أمام الله؟ عندما نطلب الطلبات الأرضية ما نأكل وما نشرب وما نلبس تكون هذه طلبات أرضية رديئة، أما إذا طلبنا الملكوت تكون طلباتنا جيدة. انظروا ماذا يقول الكتاب؟
«اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (متى33:6)؛ لذلك قال الرب «فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ» (مت11:7). وهكذا يقول القديس يوحنا الحبيب «وَهَذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا» (1يو 14:5)
· بإيمان «لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ. فَلاَ يَظُنَّ ذَلِكَ الإنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ» (يع1: 7)
· باسمه «إلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي» (يوحنا24:16)
· حسب مشيئته "تَطْلُبُونَ وَلَسْتُمْ تَأْخُذُونَ، لأَنَّكُمْ تَطْلُبُونَ رَدِيًّا لِكَيْ تُنْفِقُوا فِي لَذَّاتِكُمْ» (يع4: 3)
«أَيُّهَا الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ ِللهِ؟
فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّا ِللهِ» (يعقوب4:4)
هناك نوعان من الزنا: زنا الجسد وله درجاته، والزنا الروحي؛ لأن الله هو العريس، والكنيسة أو النفس البشرية هي العروس. فإن تركت النفس عريسها المسيح وذهبت وراء آخَر مثل الشيطان أو العالم أو الخطية تكون زانية. وفي هذا يقول الرسول بولس «فَإنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ» (2كو2:11).
وإنْ سلَّم الإنسان نفسه للعالم يكون زانيًا زِنًى روحيًّا، خائنًا للرب؛ لذلك يقول معلمنا مار يوحنا الحبيب «لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ» (1يو15:2).
← (ستجد كذلك تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين).
«أَمْ تَظُنُّونَ أَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ بَاطِلًا:
الرُّوحُ (الإنسانية) الَّذِي حَلَّ فِينَا يَشْتَاقُ إلَى الْحَسَدِ؟» (يعقوب5:4)
المقصود بالروح هنا الروح الإنسانية، النفخة الإلهية. كان المفروض أن تكون هي الدافع إلى حياة القداسة، لكن للأسف قد تلوثت بالتحامها بالجسد وشهواته، فصارت الطَّامة أنَّ الَّذِي حَلَّ فِينَا يَشْتَاقُ إلَى الْحَسَدِ (الخطية).
«وَلكِنَّهُ (ولكن الروح) يُعْطِي نِعْمَةً أَعْظَمَ» (يعقوب6:4)
في حالة التوبة والرجوع إلى الله، هذه الروح تُعطَى نعمة أعظم بها تغلب الخطية، «لأَنَّهُ إنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ وَلَكِنْ إنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ» (رو8: 13)، «وَإنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ» (غل5: 16).
«لِذلِكَ يَقُولُ:
يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً» (يع5:4، 6)
بقدر ما يتضع الإنسان يعطيه الرب نعمة. في بدء الخليقة نزلت مياه النعمة على الجبال المتعالية فهشمتها، بينما نزلت على الوادي المتضع فملأته، ورفَّ روح الله على وجه المياه. «كَمَا أَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ هَكَذَا يُعْطِي نِعْمَةً لِلْمُتَوَاضِعِينَ» (أم34:3). ويقول مار بطرس الرسول «كَذَلِكَ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ اخْضَعُوا لِلشُّيُوخِ، وَكُونُوا جَمِيعًا خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَتَسَرْبَلُوا بِالتَّوَاضُعِ، لأَنَّ اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً» (1بط 5:5).
«فَاخْضَعُوا ِللهِ. قَاوِمُوا إبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ». (يع7:4)
حينما يخضع الإنسان لله، لابد أنه سيقاوِم إبْلِيسَ وهذا هو الجهاد. حينئذ سيعمل الله معنا فَيَهْرُبَ إبْلِيس منا، وهذه هي النعمة.
حينما نقاوم إبليس، نتحد مع فِكْر الله الذي يقاوم المستكبرين (لأنه رأسهم)، فيهرب منا. والله يعطي نعمة للمتواضعين فَيَهْرُبَ إبْلِيس منهم، وتستمِر فِكرة الجِهاد والنعمة معًا في كلمات القديس يعقوب فيقول
«اِقْتَرِبُوا إلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إلَيْكُمْ. نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ.... اتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ» (يع7:4، 8، 10)
النصف الأول جهاد: «قَاوِمُوا إبْلِيسَ، اِقْتَرِبُوا إلَى اللهِ، نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ، طَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ، اتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ»، وهو جهاد سلبي في «قَاوِمُوا إبْلِيسَ» وإيجابي في «اِقْتَرِبُوا إلَى اللهِ،...»
النصف الثاني النعمة: «فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ، فَيَقْتَرِبَ
إلَيْكُمْ، فَيَرْفَعَكُمْ».
وهذا هو عمل الله، أن يجعل إبليس يهرب من الذي يُقاومه، والله يقترب من الذين
يقتربون منه، ويرفع المتضعين.
«اِقْتَرِبُوا إلَى اللهِ» (جهاد) «فَيَقْتَرِبَ إلَيْكُمْ» (نعمة). إنها شركه الإنسان مع الله. الإنسان يجاهد والرب يعطي نعمة، وبالجهاد والنعمة نخلُصُ.
رسم القديس يعقوب الرسول الطريق إلى التَّوبة، وعالج مشكلة تلَوُّث الروح بالتصاقها بالجسد وخضوعها أو اندماجها معه، فتشترك معه في شهوته وسقوطه، وقدَّم هذه الخطوات العملية:
1. «فَاخْضَعُوا ِللهِ 2. قَاوِمُوا إبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ (يع7:4)
3. اِقْتَرِبُوا إلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إلَيْكُمْ (يع8:4)
4. نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الخُطَاةُ (يع8:4)
حسنًا قال داود النبي «مَنْ يَصْعَدُ إلَى جَبَلِ الرَّبِّ وَمَنْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ
قُدْسِهِ؟ اَلطَّاهِرُ الْيَدَيْنِ وَالنَّقِيُّ الْقَلْبِ الَّذِي لَمْ يَحْمِلْ نَفْسَهُ إلَى الْبَاطِلِ وَلاَ حَلَفَ كَذِبًا.» (مز4،3:24)
5. «طَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ» (يع7:4). هذا نوع من التردد، حذرَتْنا منه كلمة الله: «حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟» (1مل18: 21)، «لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا هَكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ» (رؤ3: 15)، «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ». (متى24:6)
6.«اكْتَئِبُوا وَنُوحُوا وَابْكُوا. لِيَتَحَوَّلْ ضَحِكُكُمْ إلَى نَوْحٍ، وَفَرَحُكُمْ إلَى غَمٍّ» (يع9:4) «لأَنَّهُ بِكَآبَةِ الْوَجْهِ يُصْلَحُ الْقَلْبُ» (جا3:7)، «طُوبَى لِلْحَزَانَى لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ» (مت4:5)، «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ» (لو25:6)، «فِي الضِّحْكِ يَكْتَئِبُ الْقَلْبُ وَعَاقِبَةُ الْفَرَحِ حُزْنٌ» (أم13:14).
7. «اتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ»: «لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» (متى12:23، لو14: 11، لو18: 14).
«لاَ يَذُمَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُّهَا الإخْوَةُ» (يع11:4)
«لا يئن بعضكم على بعض أيها الأخوة لئلا تدانوا» (يع9:5)
«لاَ يَذُمَّ. لا يئن. لَا يَدِينُ.» مار بولس الرسول يقول «مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ. وَلَكِنَّهُ سَيُثَبَّتُ لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُثَبِّتَهُ» (رو4:14). الله وحده هو الديان العادل، وعندما كان على أرضِنا متأنسًا، رفض أن يدين أحدًا، وقال للزانية «ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا» (يو8: 11)؛ لأن وقت الدينونة لم يأتِ بعد.
«الَّذِي يَذُمُّ أَخَاهُ وَيَدِينُ أَخَاهُ يَذُمُّ النَّامُوسَ وَيَدِينُ النَّامُوسَ» (يع11:4)
الله وحده الذي من حَقِّه أن يدين المخطئ، وسيدين أيضا الذي يذم أو يدين أخاه.
لماذا الَّذِي يَدِينُ أَخَاهُ يَدِينُ النَّامُوسَ؟ لأن الناموس كان هو النور الذي أظهر خطأَ المُخطئين، وبه انفتحت عيونهم، ورأوا أخطاء إخوتهم، فأدانوهم. وبهذا هُم يدينون الناموس الذي أعطاهم هذه الفرصة. هكذا يُمسي الإنسان مخطئًا في حق الناموس، إذ يُحَوِّل نُورَه إلى فرصة لعمل الشر، وسببًا للخطية. والذي يدين غيرَه يغتصِب لنفسه عمل الله الديان.
«وَإنْ كُنْتَ تَدِينُ النَّامُوسَ، فَلَسْتَ عَامِلًا بِالنَّامُوسِ، بَلْ دَيَّانًا لَهُ.
وَاحِدٌ هُوَ وَاضِعُ النَّامُوسِ، الْقَادِرُ أَنْ يُخَلِّصَ وَيُهْلِكَ.
فَمَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تَدِينُ غَيْرَكَ؟» (يع12:4)
الله وحده واضع الناموس وهو القادر أن يخلص الإنسان أو يهلكه فهو الديان الأوحد، إذَنْ «مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟» (رو14: 4).
«هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الْقَائِلُونَ: نَذْهَبُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا إلَى هذِهِ الْمَدِينَةِ أَوْ تِلْكَ، وَهُنَاكَ نَصْرِفُ سَنَةً وَاحِدَةً وَنَتَّجِرُ وَنَرْبَحُ أَنْتُمُ الَّذِينَ لاَ تَعْرِفُونَ أمر الغد! لأَنَّهُ مَا هِيَ حَيَاتُكُمْ؟ إنَّهَا بُخَارٌ، يَظْهَرُ قَلِيلًا ثُمَّ يَضْمَحِلُّ عِوَضَ أَنْ تَقُولُوا: «إنْ شَاءَ الرَّبُّ وَعِشْنَا نَفْعَلُ هذَا أَوْ ذَاكَ» (يع4: 13-15)
الإنسان الحكيم يدرك أن حياتنا بيد الله، لا نملك اللحظة التي نحياها فرُبما تنتهي حياتنا قبل نهايتها.
حياتنا كالبخار يظهر قليلًا ويتصاعد فيدفعه الهواء ويتناثر ويذوب فيه. ثُمَّ يَضْمَحِلُّ هو موجود ولكن لا يُرَى، شبَّهَهَا الكتابُ المقدس بالهَبَاء والضباب والظل "اُذْكُرْ أَنَّ حَيَاتِي إنَّمَا هِيَ رِيحٌ،... كُفَّ عَنِّي لأَنَّ أَيَّامِي نَفْخَةٌ" (أيوب7:7، 16). «الإنْسَانُ أَشْبَهَ نَفْخَةً. أَيَّامُهُ مِثْلُ ظِلّ عَابِرٍ» (مز4:144). الناس في غير حكمة يُحدِّدون مواعيد ذهابهم، والمكان الذي يذهبون إليه والزمان الذي يمكثونه والعمل الذي سيعملونه، على الرغم أنهم لا يضمنون شيئًا من كل هذا. لكن عندما نتكلم عن المستقبل يجب أن نقول "إن شاء الرب وعشنا" نفعل هذا أو ذاك.
«وَأَمَّا الآنَ فَإنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هذَا رَدِيءٌ.» (يع16:4).
قيل عن اللسان «هَكَذَا اللِّسَانُ أَيْضًا، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا» (يع5:3)، فمن كبرياء الإنسان وتعظمه وافتخاره الرديء، إحساسه بأنه يرتب حياته وينظم أموره، كما لو كان يملكها.
«فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذَلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ» [(يع4: 17) الأخيرة] الخطية ليست عمل الشر بل هي عدم عمل الخير. فإن كانت هناك فرصة لكلمة الحق أو لعمل الخير أو إيقاف الشر، لا بد أن نفعل «وَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ الإيمَانِ فَهُوَ خَطِيَّةٌ» (رو23:14).
← تفاسير أصحاحات يعقوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير يعقوب 5 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص يوحنا فايز زخاري |
تفسير يعقوب 3 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/james/chapter-04.html
تقصير الرابط:
tak.la/2m7hhdw