St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   nt  >   fr-youhanna-fayez  >   james
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   nt  >   fr-youhanna-fayez  >   james

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص يوحنا فايز زخاري

يعقوب 3 - تفسير رسالة يعقوب

 

* تأملات في كتاب رسالة يعقوب الرسول:
تفسير رسالة يعقوب: مقدمة رسالة يعقوب | يعقوب 1 | يعقوب 2 | يعقوب 3 | يعقوب 4 | يعقوب 5 | موضوعات الرسالة | ملحق: عبيد وأبناء

نص رسالة يعقوب: يعقوب 1 | يعقوب 2 | يعقوب 3 | يعقوب 4 | يعقوب 5 | يعقوب كامل

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإصحاح الثالث

 

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اللِّسَانُ

لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ! لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا. إنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي الْكَلاَمِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِلٌ، قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ الْجَسَدِ أَيْضًا.

هُوَذَا الْخَيْلُ، نَضَعُ اللُّجُمَ فِي أَفْوَاهِهَا لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا كُلَّهُ. هُوَذَا السُّفُنُ أَيْضًا، وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ، تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدًّا إلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ.

هكَذَا اللِّسَانُ أَيْضًا، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا.

هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟ فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإثْمِ.

هكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ،

وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ.

لأَنَّ كُلَّ طَبْعٍ لِلْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالزَّحَّافَاتِ وَالْبَحْرِيَّاتِ يُذَلَّلُ، وَقَدْ تَذَلَّلَ لِلطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ. وَأَمَّا اللِّسَانُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَـهُ.
هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا.

بِهِ نُبَارِكُ اللهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللهِ. مِنَ الْفَمِ الْوَاحِدِ تَخْرُجُ بَرَكَةٌ وَلَعْنَةٌ! لاَ يَصْلُحُ يَا إخْوَتِي أَنْ تَكُونَ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا! أَلَعَلَّ يَنْبُوعًا يُنْبِعُ مِنْ نَفْسِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ الْعَذْبَ وَالْمُرَّ؟ هَلْ تَقْدِرُ يَا إخْوَتِي تِينَةٌ أَنْ تَصْنَعَ زَيْتُونًا، أَوْ كَرْمَةٌ تِينًا؟

وَلاَ كَذلِكَ يَنْبُوعٌ يَصْنَعُ مَاءً مَالِحًا وَعَذْبًا.

 

الْحِكْمَةُ الفَوْقُانية

مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ، فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَةِ وَلكِنْ إنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ. لَيْسَتْ هذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ. لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلًا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوءَةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ. وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

عالج القديس يعقوب الرسول مشكلة مَن يدَّعي العِلم والمعرفة والحكمة العالمية الكاذبة فقال:

«لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ، لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا» (يع1:3 -2)

 

«لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إخْوَتِي»: لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ (متى10:23)، أما نحن فكأبواق يتكلم من خلالها المُعلِّم الأوحد، صاحب التعليم فلا يصح أن نُعَلِّم تعليمنا الخاص، لذلك كان الأنبياء قديمًا يقولون «هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ» (خر32: 27). ولا يصِحُّ أن نُعَلِّم بكلام الله ونحن أشرار. «وَلِلشِّرِّيرِ قَالَ اللهُ: مَا لَكَ تُحَدِّثُ بِفَرَائِضِي وَتَحْمِلُ عَهْدِي عَلَى فَمِكَ» (مز50: 16)، لذلك قال القديس بولس الرسول لتلميذه الأسقف تيموثاوس «لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ» (1تي4: 16). فالمخدومين ليس لهم آذان تسمعك فقط، بل لهم عيون ترى أفعالك ومدى انطباقها على تعليمك. كما يقول القديس بولس الرسول لتلميذه الأسقف تيطس «مُقَدِّمًا نَفْسَكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قُدْوَةً لِلأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ، وَمُقَدِّمًا فِي التَّعْلِيمِ نَقَاوَةً، وَوَقَارًا، وَإخْلاَصًا، وَكَلاَمًا صَحِيحًا غَيْرَ مَلُومٍ» (تيطس7:2).

«عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ»: وهنا نسأل هل كل مَن يُعَلم يأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ؟ بالطبع لا ولكن كُل مَن يُعلم ولا يجاهد حسنًا ليعمل بما يُعلِّم به هذا يأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ضبط اللسان

«إنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْثُرُ فِي الْكَلاَمِ فَذَاكَ رَجُلٌ كَامِل قَادِرٌ أَنْ يُلْجِمَ كُلَّ الْجَسَدِ أَيْضًا» (يع2:3)

 

صورة الْخَيْل ولُجُمها، صورة السُّفُن ودَفَّاتها

«هُوَذَا الْخَيْلُ نَضَعُ اللُّجُمَ فِي أَفْوَاهِهَا لِكَيْ تُطَاوِعَنَا، فَنُدِيرَ جِسْمَهَا كُلَّهُ. «هُوَذَا السُّفُنُ أَيْضًا وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهَذَا الْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ

 تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدًّا إلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ»

«هَكَذَا اللِّسَانُ أَيْضًا» (يع3: 3 - 5)

هذه الآيات أُخِذ منها المَثَلُ القائل "لسانك حِصانك، إن صُنتُه صانَكَ، وإن أهنتَهُ أهانك". لذلك صلَّى داود النبي «ضع يا رب حافظًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتي» (مز3:140 صلاة النوم-الترجمة القبطية).

«اللُّجُمَ» جمع لِجام في فَمِ الفَرَس يدير كل جسمه كما يهوى صاحبه «الدَّفَّةٌ الصَغِيرَةٌ» في السفينة العظيمة تُدير كُل جِسمها وتسوقها

«إلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ» حتى إذا هاجمتها ريح عاصفة.

 

ترويض اللِّسان ترويضٌ للإنسان، وترويض اللسان ليس صمته فحسب بل الحكمة في الكلام، والحِشمة فيه. والتَّرَوِّي الإيجابي، والذي يُدير اللسان ويرَوِّضه هو العقل، يُرَوِّضه لا بالقوة النفسية بل بالقوة الإلهية.

«الرِيَاح العَاصِفَة» بها تسير السفينة، فَبِرياح العالم الشرير العاصفة تظهر فضيلة الإنسان، وبدونها لا ينمو الإنسان في الفضيلة والروحيات

«والدَفَّةٌ الصَغِيرَةٌ» هي الجهاد الإنساني الذي يدير سفينة حياة الإنسان ضد رياح العالم العاصفة «إلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ». والمُدير هو الله الذي يقود حياتنا بالرياح والدَّفَة، بالنعمة والجهاد.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صورة النار الحارقة

«هَكَذَا اللِّسَانُ أَيْضًا، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا»

خلق الله اللسان لنمجد به الله. ولكن الإنسان الشرير فَسد، فأفسد طبيعته، وقال الكتاب «حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. (رومية 3: 13، 14)

«هُوَذَا نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟ فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإثْمِ» (يع3: 5-6)

والنَار القَلِيلَةٌ تحرق غابات كثيرة. فاللسان كالنار، وعَالَمُ الإثْمِ كالغابة.

«اجْتَمَعَ رِجَالُ أَفْرَايِمَ... وَقَالُوا لِيَفْتَاحَ: لِمَاذَا عَبَرْتَ لِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ وَلَمْ تَدْعُنَا لِلذَّهَابِ مَعَكَ؟ نُحْرِقُ بَيْتَكَ عَلَيْكَ بِنَارٍ... وَلَمَّا رَأَيْتُ أَنَّكُمْ لاَ تُخَلِّصُونَ، وَضَعْتُ نَفْسِي فِي يَدِي وَعَبَرْتُ إلَى بَنِي عَمُّونَ، فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِي. فَلِمَاذَا صَعِدْتُمْ عَلَيَّ الْيَوْمَ هذَا لِمُحَارَبَتِي؟... فَسَقَطَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ مِنْ أَفْرَايِمَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا» (قضاة 12: 1، 3، 6)

هذا هو اللسان وخطورته...

فكما أن شرارة النار تحرق غابات كثيرة، كذلك اللسان الصغير يُخرِج كلمة تزرع خصومة تحرق بيوتًا وممالك.

والهرطقة كلمات عقيدية خاطئة. يقول القديس إيرونيموس "إن أريوس كان شرارة ولما لم تُطفأ حالًا أحرقت العالم كله"، وهكذا لوثر وكَلڤِن.

العجيب في التاريخ. أن الحرب العالمية الأولى سنة 1914 التي شملت دُول العالم كان سببها كلمة إهانة وُجِّهَت لسفير، فاعتبرت مملكتُه أنَّ مَلِكها أُهين، فقامت الحرب بين الدولتين واشتعلت الحرب التي اشترك فيها العالم. «فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإثْمِ...».

«هَكَذَا جُعِلَ فِي أَعْضَائِنَا اللِّسَانُ، الَّذِي يُدَنِّسُ الْجِسْمَ كُلَّهُ،

 وَيُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ». (يع3: 6)

واللسان، إذ هو أحد أعضائنا، يُفسِد الإنسان كله نفسًا وجسدًا وعقلًا؛ لأن الكلام الخبيث يُفسِد الضمائر السليمة. والكلام الشرير يُشعِل الشهوة ويدنس العين والفكر ثم الإنسان كله. وكلام الخِصام يُشعِل البُغضة، ثم يحمل اليَدين إلى الضرب، ثم الجِسم إلى الشِّجار والمقاتلة.

خطايا كثيرة تحاربنا في سِنٍّ مُعَيَّنة، أما اللسان فحَرْبُ خطاياه دائمة. اللسان «يُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ، وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ»

يحرق العالم كله ويُحرَّك من جهنم. وسيُحرَق في جهنم أبديًّا، مثل لِسان الغَنِي الذي طلب إرسال لعازر لِيبُلَّ طرف إصبعه ويُبَرِّد لسانه.

(ستجد كذلك تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التدرج

  1. اللِّسَانُ نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟

  2. اللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإثْمِ.

  3.  يُضْرِمُ دَائِرَةَ الْكَوْنِ

  4. يُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ، وجَهنم نارُها لا تُطفَأ. فاللِّسَانُ إذا قاده الشيطان أمسى نارًا لا تطفأ، فيُهلِك الإنسان إلى الأبد.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صورة الوحوش الخاضعة

«أَنَّ كُلَّ طَبْعٍ لِلْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالّزَحَّافَاتِ وَالْبَحْرِيَّاتِ يُذَلَّلُ، وَقَدْ تَذَلَّلَ لِلطَّبْعِ الْبَشَرِيِّ. وَأَمَّا اللِّسَانُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُّوٌ سُمًّا مُمِيتًا». (يع3: 7، 8)

لأن جميع طبائع «الْوُحُوشِ وَالطُّيُورِ وَالّزَحَّافَاتِ وَالْبَحْرِيَّاتِ» تنقاد للإنسان البشري، فاستطاع أن يُرَوِّض جميع الحيوانات أسودًا ونمورًا، نسورًا وثعابينًا، أما اللسان فتهذيبه صعب.

يُحكى عن الإمبراطور مرقس أنطونيوس قيصر أنه رَوَّض الأسود فكانت تجُرُّ مركبتَه إلى البحر.

أما تهذيب اللسان فيستلزم تهذيب كل ما فيه. قال القديس أوغسطينُس "إن الإنسان يُهذِّب الوحوش ولا يمكنه تهذيب لسانه، ويقدر على تهذيب الآخَرين إلا تهذيب نفسه. فمِن ثَمَّ إن كان أحدٌ من الناس لا يقدر أن يُهَذِّب لسانه فليطلب من الله، فهو القادر على تهذيب ألسنتنا".

«هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُّوٌ سُمًّا مُمِيتًا» (يع3: 8)

يقول داود النبي «سَنُّوا أَلْسِنَتَهُمْ، كَحَيَّةٍ حُمَةُ الأُفْعُوَانِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ» (مز140: 3) في لدغة واحدة تقتل واحد، اثنين، أو ثلاثة. فالغَيْبَةُ مثلًا (إنسان يغتاب آخَر) تقتل ثلاثةً على الأقل:

1. قتلٌ للمتكلم بكسْر الوصية.

2. قتل للمُتَكَلَّم عنه، قتلٌ أدبي.

3. قتل للمستمِع أو المستمعين بإسقاطهم في الإدانة.

ومار بولس يقول عنهم «حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. » (رو3: 13، 14).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الازدواجية في اللسان

صورة الينوع العذب والمُر، وصورة التينة والكرمة

«بِهِ نُبَارِكُ اللهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللهِ.

 مِنَ الْفَمِ الْوَاحِدِ تَخْرُجُ بَرَكَةٌ ولَعْنَةٌ!

 لاَ يَصْلُحُ يَا إخْوَتِي أَنْ تَكُونَ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا!

 أَلَعَلَّ يَنْبُوعًا يُنْبِعُ مِنْ نَفْسِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ الْعَذْبَ وَ الْمُرَّ؟

 هَلْ تَقْدِرُ يَا إخْوَتِي تِينَةٌ أَنْ تَصْنَعَ زَيْتُونًا، أَوْ كَرْمَةٌ تِينًا؟

 وَلاَ كَذلِكَ يَنْبُوعٌ يَصْنَعُ مَاءً مَالِحًا وَعَذْبًا» (يع3: 9 – 12)

بأسلوب هادئ ورقيق يعاتب القديس مار يعقوب الرسول قائلًا:

«لاَ يَصْلُحُ يَا إخْوَتِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ هَكَذَا».

عجيب أن نستعمل اللسان في الفضيلة والرذيلة معًا. «بِهِ نُبَارِكُ اللهَ الآبَ»، حيث أنَّ صِفَة النطقنتشابه فيها مع الله، ونحن نُصَلي مع القديس غِريغُرْيُس "أعطيتني موهبة النُّطْق". فبِالسان نُصَلي ونُعَلِّم ونعظ ونُشَجع ونقول كلمات البناء.

«وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللهِ» (يع3: 9)

إهانة الإنسان إهانة لله خالقه على صورته، كما أنَّ إهانة صورة الملك إهانة له. وباللسان نحلف ونشتم ونكذب وندين «فَإنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ... لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ» (متى12: 34، 37). وهكذا نُدرِك أن اللسان سيف ذو حدَّيْن، وبِفم الإنسان المخلوق على صورة الله لا ينبغي أن نتكلم بما يعارض طبيعته المقدسة؛ لذلك نُصلي كل ليلة ونقول «ضع يا رب حافظًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتيّ» (مزمور140: 3 صلاة النوم).

من اللسان: الوعظ والتعليم، والكرازة، الصلاة، والرد على الهراطقة.

ومِنْهُ: الشتيمة والنميمة، القسم، الإدانة والأقوال الشريرة والعثرة.

«فالتِينَةُ لا تَصْنَعَ زَيْتُونًا، وَالكَرْمَةُ لا تَصْنَعَ تِينًا» (يع3: 12)

هذا ما قاله رب المجد «لأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا،
وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَإنَّهُمْ

لاَ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ تِينًا، وَلاَ يَقْطِفُونَ مِنَ الْعُلَّيْقِ عِنَبًا» (لو6: 43، 44)

الْفَمُ الْوَاحِد لا يُخْرِجُ نوعيْن من الكلام بَرَكَة ولَعْنَة،

واليَنْبُوع الواحد لا يُخْرِجُ مَاءً عَذْبَا ومُرًّا (يع3: 10، 11)،

واليَنْبُوع الواحد لا يَصْنَعُ مَاءً مَالِحًا وَعَذْبًا (يع3: 12).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الحِكمة الحقيقية الصادقة الفوقانية

«مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ

 فَلْيُرِ أعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَة» (يع3: 13)

الإنسان الحكيم والعالِم ليس الذي يتكلم ويُعَلِّم كثيرًا «لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إخْوَتِي»، إنما الحَكِيمُ هو من يتَّصِف بالحكمة في الكلام والحشمة فيه، كما يُرينا أعماله الحسنة وتصرفاته الحكيمة «فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذَلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ» (يع4: 17الأخيرة)

«فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَة» ربما من يعمل أعمالًا حسنة ويراها الناس، فيشهدون له، يهزِمه الغرور والكبرياء، ولكن من يعمل حسنًا ينبغي أن يعمل في وداعة الحكمة. اقتناءُ الحكمة يعطينا التواضع والوداعة.
يقول الرب على لسان سليمان الحكيم «
أَنَا الْحِكْمَةُ أَسْكُنُ الذَّكَاءَ، وَأَجِدُ مَعْرِفَةَ التَّدَابِيرِ... لِي الْمَشُورَةُ وَالرَّأْيُ. أَنَا الْفَهْمُ. لِي الْقُدْرَةُ» (أم8: 12، 14).وهو الذي قال «وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ» (متى14: 29).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الحكمة الأرضية الكاذبة النفسانية الشيطانية

«وَلَكِنْ إنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَّزُبٌ فِي قُلُوبِكُمْ،

 فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ» (يع14:3)

هذه الحكمة تؤدي إلى الغيرة الشريرة والتَحَّزُب وَكُلّ أَمْرٍ رَدِيءٍ فبينما يفيض الإنسان الحكيم سلاماَ ورحمة ورفقاَ بالناس حتى الأشرار منهم ويمتلئ بالثمار الصالحة، تظهر قساوة مُدَعي الحكمة فيبدو عنيفًا.

«لَيْسَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ

لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَّزبُ هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ» (يع15:3-16)

الغَيْرَة المُرَّة وَالتَحَّزُب نوعٌ من الذاتية يُصاب به الإنسان، فيعتَدُّ برأيه ويعتمد على فهمه الخاص، ولا يخضع لتعليم الكنيسة وآبائها القديسين الذين نقلوا لنا الإيمان المستقيم، مما يُحدِث انقسامًا في الكنيسة.
ثُمَّ يَدَّعي أنَّ له غَيرةٌ على الحق الإلهي وأنه يدافع عنه.

والرسول هنا ينبهه أن لاَ يَكْذِب عَلَى الْحَقِّ ويغالط نفسه، ويظن أن لديه غيرة، بل يُسَلِّم لتعليم الكنيسة الأولى ومُعَلِّميها، ويستمسك بإيمانهم وفهمهم، فهَذِهِ ِهي الحِكْمَةُ النَازِلَة مِنْ فَوْقُ، المملوءة اتضاعًا.

أما الحِكْمَةُ الأرْضِيَّةٌ فتعتمد على الفهم العقلي البحْت، فهي نَفْسَانِيَّةٌ، شَيْطَانِيَّةٌ، يعطيها الشيطان لأبناء هذا الدهر. فهو المُتَكبر أبو المتكبرين. فيعطي فُرصة التفسيرات الخاصة المختلفة للآية الواحدة، كلٌّ حسب فِكرِه وثقافته وخبراته الشخصية. وهذا ليس بعيدًا، فقد نادى مارتن لوثر بأن الولد الصغير قادر أن يُفَسِّر الكتاب المقدس حسبما يرشده روح الله، ومن هنا ظهرت مئات التفسيرات، وانقسم البروتستانت أنفسهم إلى عشرات المذاهب المتخالفة في العقيدة. وهذا ما وصفه الرسول فقال

«هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ» (يع16:3)،

وتبقى كلمةُ الله «فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا» (في5:2) «أَطْلُبُ... أَنْ تَفْتَكِرَا فِكْرًا وَاحِدًا فِي الرَّبِّ» (في2:4).

«فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ» (يع14:3)

وهذا ما أشار له الرسول فقال «هَكَذَا اللِّسَانُ أَيْضًا، هُوَ عُضْوٌ صَغِيرٌ وَيَفْتَخِرُ مُتَعَظِّمًا» (يع5:3).

«وَأَمَّا الآنَ فَإنَّكُمْ تَفْتَخِرُونَ فِي تَعَظُّمِكُمْ. كُلُّ افْتِخَارٍ مِثْلُ هَذَا رَدِيءٌ» (يع16:4). افتخار رديء، وتعظُّم ضد الاتضاع هو سبب الانقسامات في الكنيسة وظهور البروتستانتية، الانقسام الذي منه تولدت الانقسامات العديدة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

سَبْعُ صفات للحكمة

«وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلًا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ مَمْلُوءَةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ» (يع17:3)

هذه الحكمة تؤدي إلى الحياة المقدسة ومن يقتنيها يتصف بـ7 صفات (1) طَاهِرَةٌ ثم (2) مُسَالِمَةٌ: الطهارة هي الشرط الأول الذي يُبنَى عليه السلام. فنحن لا نقيم سلامًا على حساب الطهارة، طهارة القلب والحياة، وطهارة الفكر والعقيدة «لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إلَهِي لِلأَشْرَارِ.» (إش21:57). «لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَ الإثْمِ؟» (2كو14:6)؛ لذلك قال الرسول:
«وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ.» (يع18:3).

(3) مُتَرَفِّقَةٌ: أبناء الله يتعاملون برفق. وحسنًا قال الرسول « لِيَكُنْ حِلْمُكُمْ مَعْرُوفًا عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ» (في5:4).

(4) مُذْعِنَةٌ: أي طائعة وخاضعة بلا عناد.

(5) مَمْلُوءَةٌ رَحْمَةً: الحكمة الحقيقية تحمل داخلها الرحمة وطول الأناة.

(6) وأَثْمَارًا صَالِحَةً: مِن كنز القلب الصالح تُخرِج الصالحات.

(7) عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ:بعيدة عن التشكك والتظاهر. مملوءة إيمانًا من الداخل، أما الخارج فهو ثمر الداخل وصورته الحقيقية.

 

«وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ.» (يع18:3)

سلام رأسي مع الله، وسلام أُفقي مع الناس، والبُعدُ الثالث سلام مع النفس. نعم «طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ» (متى9:5). ثِمار البِر تُزرَع في السلام، ويزرَعُه الذين يحبون السلام وينشرونه، أي أبناء الله، فهُم صُنَّاع السلام «فَإنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإنْسَانُ إيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا » (غلا7:6). فإذا كان مسيحنا هو رئيس السلام، حينما تجسَّد بيننا أنشدت الملائكة «وَعَلَى الْأَرْضِ السَّلَامُ» (لوقا14:2). فلا بُدَّ أن نحيا نحن في سلامُ وننشره بين الناس.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات يعقوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/james/chapter-03.html

تقصير الرابط:
tak.la/z8rdvqm