* تأملات في كتاب
رسالة يعقوب الرسول: |
أولًا: أبناء وعبيد في العهد القديم
ثانيًا: أبناء وعبيد في العهد الجديد
نحن الآن في العهد الجديد، عهد النعمة، فهل نحن أبناء الله؟ نعم.
وفي العهد القديم، هل كان يُلقَّب المؤمنون، بذات اللقب أبناء الله؟ نعم.
ثم ماذا؟ هل نلقَّب نحن أبناء الله في العهد الجديد، بأننا عبيد الله أيضًا؟
نعم، وبِكُل تأكيد.
إذَن ما مدى صِحَّة ذلك التقسيم الذي يظنُّه البعض، ويُنادي به البروتستانت بأنَّ:
المؤمنين في العهد القديم هم عبيد الله، ولا يُمكِن تَلقيبُهم بِأبناء الله.
والمؤمنين في العهد الجديد هم أبناء الله، ومِنَ الخطأ تلقيبُهم بعبيد الله.
كثيرون يظنون هذا ويرفضون تلقيبَهم بعبيد الله. حتى أنني أتذكر أنه حدث ذات مَرة...
في اجتماعٍ للخُدام تكلَّمتُ عن "الاتضاع في حياة الخادم". وقُلتُ وَقتَها عبارة "نحن عبيد الله". وفي هدوءٍ وأدَبٍ جَمٍّ اعترضني خادمٌ مُكرَّس كان طبيبًا قائلًا: "مع احترامي، لا يصِحُّ إطلاقًا أن نقول عن أنفسنا في العهد الجديد أننا عبيد الله، فهذا يليق بالعهد القديم، أما في العهد الجديد فقال الرب «لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا... لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ» (يو15:15)، وأشْهدُ أنني قد أجبتُه في حَسْمٍ ذاكرًا مُعظم هذه الآيات التي أقدمها لك أيها القارئ العزيز. كان الطبيب المكرس قد أنهى عِظَتَهُ البروتستانتية تَوًّا للشباب، ونزل من أمام المِنْجَلِية الأرثوذكسية داخل الكنيسة المقدسة، بعد أن عَلَّم المؤمنين أنه لا يجب أن يُلقِبوا أنفسهم بأنهم خطاةُ، واخترتُ أن تكون كلمتي عن الاتضاع، كردٍّ بطريقة إيجابية على فكره البروتستانتي. واعترض الطبيب المكرس على كلماتي، لأنِّي نسَبْتُ لنفسي ولإخوتي الخدام أننا عبيد الله، طالبًا منَّا أن نتوقف عن قَوْلنا أننا عبيد؛ فقد حرَّرنا الرب وصِرنا أبناءً لله. وهنا بادرتُه بالقول "لا يا أخي، رُبما لا تكون أنت عبدًا لله كما تقول. أما نحن الخدام، فنفرح بأننا عبيدُ الله، بل لا نستحق أن نكون عبيدًا لله، فالعهد الجديد يُعَلمنا ذلك". وكانت هذه المحاضرة ردًّا على اعتراضه.
يعترض البروتستانت على تلقيب المؤمنين بالعبيد في العهد الجديد، ويتخذون بعضَ الآيات الكتابية بفهمهم الخاطئ المبتور لإثبات فكرتهم. ومن هذه النصوص
قال الرب للاثني عشر «لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ لَكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي» (يوحنا15:15).
وقال بولس الرسول للغلاطيين «ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: "يَا أَبَّا الآبُ(12)". إذَنْ لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا ، وَإنْ كُنْتَ ابْنًا فَوَارِثٌ لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ» (غلاطية4:7، 6).
وهنا نسأل: "هل من الخطأ أن ندعو أبناء الله عبيد في العهد الجديد؟ وأننا فعلًا عبيد الله؟ حتى لو شاء الرب بتواضعه أن يدعونا أبناء وأحباء؟" ولحسم هذا الخلاف ينبغي أن نعرف أن الكتاب المقدس دعانا:
أولًا: أبناء وعبيد في العهد القديم.
ثانيًا: أبناء وعبيد في العهد الجديد. فلا فرق بين العهدين في هذا الأمر.
الله أبونا في العهد القديم - صلاة إشَعْيَا النبي «أنت يا ربُّ أبونا» - سفر أرميا النبي أيضًا - ملاخي النبي في نهاية العهد القديم - نحن عبيدٌ أيضًا في العهد القديم
سجَّل سِفر أخبار الأيام الأول حديث الله لناثان «اذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ عَبْدِي:... أَنْتَ لاَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِلسُّكْنَى... وَالآنَ فَهَكَذَا تَقُولُ لِعَبْدِي دَاوُدَ:... أَنِّي أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَنِيكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي لِي بَيْتًا وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّهُ إلَى الأَبَدِ. أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا» (أيام أول4:17، 7، 11، 13). ويظهر هنا أن الرب دعا داود النبي عبدًا له، وفي نفس الوقت، دَعَا الرب سليمان ابنا له. وواضح أن سُليمان لم يتمتع ببركات العهد الجديد، بل عاش ومات في العهد القديم ومع هذا لُقِّب ابنًا لله.
ولعل المُعترِض يقول إن هذه الكلمات نبوة عن رب المجد وليست عن سليمان. نعم ونحن لا نُنكِر أن هناك إشارة نبوية عن المسيح له المجد. ولكن مع هذا، فكلمات الوحي تُطَبَّق تطبيقًا مباشرًا على سليمان أولًا وفي نفس الوقت تطبيقًا نبويًا على المسيح له المجد، كما جاء في (عبرانيين1:5)، مِثْل قصة صعود إسْحَاق على المذبح وعودته حيًا، لها تطبيقها النبوي على المسيح له المجد، وهذا لا يمنع أنها قصة حقيقية لها تطبيق مباشر على إسْحَاق.
ومِثل قِصة بَيْعِ يوسف بواسطة إخوته وإنقاذه لهم. هي قصة واقعية لها تطبيق مباشر على يوسف. ولها تطبيق نبوي على المسيح له المجد.
عديد من قصص العهد القديم، قصصٌ حقيقية واقعية لها تطبيق نبوي فترمز لحياة المسيح له المجد، وهذا لا يلغي تطبيقها المباشر على أشخاص القصة، ومع هذا فليس هذه المرة الوحيدة في العهد القديم التي لُقِّب فيها المؤمنون بأبناء الله.
فقد لُقِّب اليتامى أبناء الله في العهد القديم، فالرب هو أب لليتامى، حتى أن داود النبي صرخ قائلًا «غَنُّوا لِلَّهِ. رَنِّمُوا لاِسْمِهِ... وَاهْتِفُوا أَمَامَهُ...أَبُو الْيَتَامَى وَقَاضِي الأَرَامِلِ اللهُ فِي مَسْكَنِ قُدْسِهِ» (مز68: 5، 4)
هكذا صلَّى إشَعْيَا النبي عن نفسه وعن شعبه إسرائيل في العهد القديم «تَطَلَّعْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَانْظُرْ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِكَ وَمَجْدِكَ... فَإنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا وَإنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إبْرَاهِيمُ وَإنْ لَمْ يَدْرِنَا إسْرَائِيلُ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا وَلِيُّنَا مُنْذُ الأَبَدِ اسْمُكَ» (إشعياء 63: 15و16)
كما صلَّى إشَعْيَا النبي أيضًا «لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ!... لَمْ تَرَ عَيْنٌ إلَهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ... هَا أَنْتَ سَخَطْتَ إذْ أَخْطَأْنَا... وَلَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِكَ أَوْ يَنْتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ لأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا. وَالآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ» (إشعياء64: 1-8). وإشَعْيَا النبي العظيم هذا كان في العهد القديم، ولم يلقِّبِ الله بأنه أبوه هو فقط، بل أبٌ لجميع المؤمنين باسمه من بني إسرائيل في أيامه قبل تجسُّد المسيح له المجد بأجيال كثيرة.
يقول الرب «لأَنِّي صِرْتُ لإسْرَائِيلَ
أَبًا وَأَفْرَايِمُ هُوَ بِكْرِي» (إرميا9:31).
الله أبٌ لإسرائيل وأفرايم ابنه البكر،
أليس معنى
هذا أن العلاقة في العهد القديم بين الله والمؤمنين علاقة أب وأبناء تمامًا
مثل العهد الجديد.
«أَلَيْسَ أَبٌ وَاحِدٌ لِكُلِّنَا؟ أَلَيْسَ إلَهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟» (ملاخي10:2)
وتوضِّح هنا كلمات النبي أن الله الواحد الذي خلقنا هو الآب الواحد لجميعنا، فالله أبٌ في العهد القديم لجميع المؤمنين.
فقد كانت كلمة عبد لقبًا لعظماء رجال العهد القديم مثل موسى عبد الله (1مل53:8، دانيال11:9، ملاخي4:4)، ويشوع وكالب أيضًا (يشوع8:2، عدد24:14)، وإبراهيم وإسْحَاق ويعقوب هم أيضًا عبيد الله (تثنية 27:9)، وأيوب النبي (أيوب1:8)، وإشَعْيَا (إشعياء3:20)، وعاموس النبي (عا7:3) وزكريا (زكريا6:1)، وإرميا (إرميا25:7).
← (ستجد كذلك تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين).
على الرغم من أن الله لَقَب المؤمنين في العهد القديم أبناء،
وعلى الرغم من أن الله أعطانا في العهد الجديد نعمة البنوة بولادتنا
من الماء والروح في المعمودية، فصرنا أبناءَ الله بالحقيقة، وعلى الرغم من أن الرب في اتضاعه وحبه قال «لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا»،
وعلى الرغم من قول مار بولس«إذَنْ لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا» (غل7:4)،
على الرغم من كل هذا... نحن عبيدٌ في العهد الجديد بكل تأكيد.
والنصوص الكتابية الإنجيلية تؤكد هذا.
بل أننا نعتبره شَرَفٌ عظيم أن نكون عبيدًا لله، بل الأكثر من هذا أننا عبيدٌ بطَّالون، بل إن لَقَب «عبدٌ بَطَّال» درجة سامية لم نصِل لها بعد، نسعى مجاهدين لِنَصِلَ إليها.
فلقب عبد هو لقَبٌ مبارك دُعِيَ به المؤمنون ورجال الله العظماء في العهد القديم، كما دُعِيَ به الآباء الرسل في العهد الجديد. بل إنه لقبٌ سيرافقنا حتى بوابات السماء.
والآن تعالوا بنا نرى ماذا قال العهد الجديد عن لقبنا كعبيد.
1. السيد المسيح له المجد يدعونا عبيد الله.
في حديثٍ للسيد المسيح له المجد مع تلاميذه الاثني عشر، إذ أرسلهم للخدمة والكرازة، وأنبأهم بالاضطهادات القادمة عليهم، وعزَّاهم بأنه سبقهم في هذا الطريق فقال:
· «لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ. يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِهِ.» (متى10:25،24). وهكذا لُقِّب الاثنا عشر بأنهم تلاميذ وعبيدٌ له، وهو المعلم والسيد.
· وفي خميس العهد بدأ الرب يغسل أرجل الرسل قائلًا «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ» (يوحنا16:13) مؤكدًا للرُسُل أنهم رُسُلٌ وعبيد، وهو المُرسِل والسيد.
في حديث الرب عن خراب أورشليم ونهاية العالم في (متى24)، أنهى كلماته بهذا التساؤل «فَمَنْ هُوَ الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ فِي حِينِهِ؟ طُوبَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هَكَذَا! اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ أَمْوَالِهِ.»(مت24:45-47). وهنا ليس المؤمنين فقط عبيد الله بل خدام الله الذين يُقيمهم لرعاية شعبه هم أيضًا عبيد.
إنهم رُعاة مُقامون من قِبَل الله «أَقَامَهُ سَيِّدُهُ» في العهد الجديد ومع ذلك امتدح كل واحد منهم مُلقِبًا إياه «الْعَبْدُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ، طُوبَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ»
ويُسَجل مار لوقا نفس الحديث، ففي عيد التجديد في أورشليم إذ اجتمع رِبَوات الشعب حتى كان بعضهم يدوس بعضًا (لوقا1:12) وكان حديث الرب إلى تلاميذه « وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجِعُ مِنَ الْعُرْسِ حَتَّى إذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ... وَإنْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّانِي أَوْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هَكَذَا فَطُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ.» (لو12: 36-38)
ولما سأل مار بطرس الرسول«يَا رَبُّ أَلَنَا تَقُولُ هَذَا الْمَثَلَ أَمْ لِلْجَمِيعِ أَيْضًا ؟» (لو41:12)، عاد الرب يُكرِّر نفس الحديث، لينتقل من المؤمنين العاديين الذين لقبهم بالعبيد إلى وكلاء الله من الآباء الرسل فيلقبهم هم أيضًا بالعبيد فقال الرب «فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟ طُوبَى لِذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي إذَا جَاءَ سَيِّدُهُ يَجِدُهُ يَفْعَلُ هَكَذَا!» (لوقا12: 42-44). والحديث هنا ليس على المؤمنين فحسب، بل بالأكثر على الأساقفة والكهنة والخدام. لقد دعاه وكيلًا أمينًا حكيمًا، ثم عاد ودعاه عبدًا.
أمثال الرب تُوَضح فكرة تلقيب المؤمنين بالعبيد:
المثل الأول: العبد المديون الذي سامحه سيده
في حديث الرب يسوع له المجد عن ملكوت السموات أو ملكوت الله على الأرض «لِذَلِكَ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ(13)إنْسَانًا مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ... فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ تَمَهَّلْ عَلَيَّ... فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ... وَلَمَّا خَرَجَ ذَلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِدًا مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ كَانَ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلًا: أَوْفِنِي مَا لِي عَلَيْكَ. فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إلَيْهِ قَائِلًا: تَمَهَّلْ عَلَيَّ
فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ... فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ حَزِنُوا جِدًّا. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ... أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟. وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُعَذِّبِينَ... فَهَكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَلاَّتِهِ» (متى18:23-35)
في هذا المَثَل، الرب هو الملك، ونحن عبيده، وما نعمله نحن العبيد بعضنا ببعض، إياه يفعل بنا الله الملك السماوي. والآب السماوي هو ملكٌ وأب (متى18: 23، 35)، ونحن عبيد (متى18: 28) كما يذكر المثل.
المثل الثاني: الدعوة إلى العرس
ومن أمثلة الملكوت أيضًا «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إنْسَانًا مَلِكًا صَنَعَ عُرْسًا لاِبْنِهِ. وَأَرْسَلَ عَبِيدَهُ لِيَدْعُوا الْمَدْعُوِّينَ إلَى الْعُرْسِ فَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَأْتُوا. فَأَرْسَلَ أَيْضًا عَبِيدًا آخَرِينَ... وَلَكِنَّهُمْ تَهَاوَنُوا... وَأَمْسَكُوا عَبِيدَهُ وَشَتَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ... ثُمَّ قَالَ لِعَبِيدِهِ: أَمَّا الْعُرْسُ فَمُسْتَعَدٌّ وَأَمَّا الْمَدْعُوُّونَ فَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ. فَاذْهَبُوا إلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَادْعُوهُ إلَى الْعُرْسِ. فَخَرَجَ أُولَئِكَ الْعَبِيدُ إلَى الطُّرُقِ وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ.» (متى22: 2-10).
العبيد هم الخدام: العبيد في هذا المثل ليسوا مجرد المؤمنين في العهد الجديد، بل هم خدام المسيح الذين أرسلهم لدعوة الناس إلى عُرْسِه السماوي. هم خدامه الذين يحتملون الشتائم والقتل من أجله، هم الخدام
إذن والشهداء ومع هذا هم عبيد.
المثل الثالث: الوزنات والدينونة
قال الرب «وَكَأَنَّمَا إنْسَانٌ مُسَافِرٌ دَعَا عَبِيدَهُ وَسَلَّمَهُمْ أَمْوَالَهُ... وَسَافَرَ لِلْوَقْتِ... وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَتَى سَيِّدُ أُولَئِكَ الْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ. فَجَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْخَمْسَ وَزَنَاتٍ وَقَدَّمَ خَمْسَ وَزَنَاتٍ أُخَرَ... فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ. ثُمَّ جَاءَ الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَتَيْنِ... وَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ. كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ. ثُمَّ جَاءَ أَيْضًا الَّذِي أَخَذَ الْوَزْنَةَ الْوَاحِدَةَ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ... هُوَذَا الَّذِي لَكَ. فَأَجَابَ سَيِّدُهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ وَالْكَسْلاَنُ... خُذُوا مِنْهُ الْوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِلَّذِي لَهُ الْعَشْرُ وَزَنَاتٍ... وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ» (متى25: 14-23).
العبيد هم المؤمنون: الذين يأتمنهم الرب على المواهب والنِّعَم ليُتاجروا ويربحوا. ومع صلاحهم لَقَّبَهم الرب بالعبيد الصالحين. ومهما تاجروا وربحوا وأرضوا الرب بحياتهم إلا أن الرب أثناء مكافأته لهم لقبهم بالعبيد.
يُسَجِّل القديس لوقا الطبيب في سفر أعمال الرسل نبوة يوئيل النبي التي تحققت في العهد الجديد. ففي يوم الخمسين يوم حلول الروح القدس على الآباء الرسل وقف مار بطرس الرسول مع الأحد عشر ورفع صوته وقال «هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ. يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ.» (أعمال الرسل2: 14-18)
وهكذا لقَّبَ الله أبناءه في العهد الجديد عبيدي، ولقَّب بناته إمائي.
فلقَبَا عبيدي وإمائي كانا لأبناء العهد الجديد الذين سكب الله عليهم نعمة الروح القدس في يوم البنديكوستي (الخمسين).
لَقَّب الآباء الرسل أنفسهم عبيد الله ووجدوا فيه شهوة نفوسهم.
ليس في العهد القديم فقط بل وفي العهد الجديد. فبعد قيامة الرب يسوع بدأ الرسولان بطرس ويوحنا يُخاطبان الشعب بكل مجاهرة، إذ تجمع الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون (منكرو القيامة) (أعمال الرسل 23)، كما تجمع الكتبة وشيوخ الشعب مع حنَّان رئيس الكهنة وقيافا ويوحنا والإسكندر، تجمع كل هؤلاء ضد الرسولَيْن.
أما الشعب البسيط فسمعوا الكلمة، وآمن منهم نحو خمسة آلاف رجل. وعندما قُبضَ على الرسولين بطرس ويوحنا ووضعوهما، في الحبس إلى الغد ثم أطلقاهما بعد تهديدهما. اجتمع الرسل ورفعوا بنفس واحدة صلاتهم إلى الله «وَالآنَ يَا رَبُّ انْظُرْ إلَى تَهْدِيدَاتِهِمْ وَامْنَحْ عَبِيدَكَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِكَلاَمِكَ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ. وَلَمَّا صَلَّوْا تَزَعْزَعَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهِ وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (أعمال الرسل4: 29-31)
هؤلاء الأقوياء الذين تزلزلت الأرض بصلواتهم لقبوا أنفسهم عبيد الرب.
وصف القديس بولس الرسول نفسه بأنه عبد الله. الرسول الذي بشر وكرز بالمسيح ثُلْثَيِّ العالم في وقته، وتعب أكثر من جميعهم، وكتب أربع عشر رسالة في العهد الجديد بوحيٍ من الله مسُوقًا من الروح القدس بدأ رسائله:
«بُولُسُ عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ الْمَدْعُوُّ رَسُولًا الْمُفْرَزُ لإنْجِيلِ اللهِ» (رو1:1)
«بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (فيلبي1:1)
«بُولُسُ، عَبْدُ اللهِ، وَرَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (تيطس1:1)
وبعد أن دعا نفسه «عبدًا» علَّمنا نحن أيضًا أننا «عبيد».
ومار بولس هو رسول العهد الجديد، صار مسيحيًا بعد القيامة والصعود وحلول الروح القدس. وكتب رسائله بعد هذا، فليس هناك كلمة واحدة يُمكن أن تقال عن مار بولس ليجد فيها البروتستانت حُجَّة ليرفضوا لقب عبد بأي طريقة من الطُّرق.
فرسولٌ عظيمٌ مثل مار بولس يفخر بأنه «عَبْدُ اللهِ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ» ليس هو فقط بل هو وتيموثاوس أيضًا «عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ».
وفي رسالته إلى الغلاطيين يفتخر بأنه عبد المسيح فيقول «أَفَأَسْتَعْطِفُ الآنَ النَّاسَ أَمِ اللهَ؟ أَمْ أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ فَلَوْ كُنْتُ بَعْدُ أُرْضِي النَّاسَ لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لِلْمَسِيحِ» (غلاطية1: 10)
وهكذا شركاؤه في الخدمة يُلَقِّبُهم معه عبيد، فيخاطب أهل كولوسى قائلًا «كَمَا تَعَلَّمْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَبَفْرَاسَ الْعَبْدِ الْحَبِيبِ مَعَنَا، الَّذِي هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ» (كولوسي1:7).
ويقول «جَمِيعُ أَحْوَالِي سَيُعَرِّفُكُمْ بِهَا تِيخِيكُسُ الأَخُ الْحَبِيبُ، وَالْخَادِمُ الأَمِينُ، وَالْعَبْدُ مَعَنَا فِي الرَّبِّ» (كو4: 7)
وتعبير «العبد الحبيب معنا» عن أبفراس،
و«العبد معنا» عن تيخيكس
معناه ليس أبفراس وتيخيكس فقط عبيد للرب بل «معنا»، أي أن الرسول بولس أيضًا عبد للرب ومؤمني كولوسى جميعهم عبيد في الرب وللرب. فماذا يُمكن أن يُقال بعد هذا؟!
القديس يعقوب الرسول عبد: كان القديس يعقوب الرسول كاتب الرسالة ابن خالة المسيح له المجد حسب الجسد فلُقِّبَ أخَ الرب، ومع هذا لقَّب نفسه عبد الله، مُفَضِلًا أن يُظهر تلك الصِّلة الروحية بالله أكثر من الصِّلَة الجسدية وابتدأ رسالته «يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللَّهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ...»(يعقوب1:1)
ومار بطرس الرسول أيضًا عبد: بدأ رسالته الثانية قائلًا «سِمْعَانُ بُطْرُسُ عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَرَسُولُهُ» (2بطرس 1:1). وإن قدَّم نفسه كرسول، إلا أنه قدَّم نفسه أولًا كعبدٍ ليسوع المسيح
ومار يهوذا أخو الرب عبد: في مقدمة رسالته قال«يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ»(يهوذا 1:1).
القديس يوحنا الحبيب عبد: بدأ سفر الرؤيا هكذا «إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا» (رؤ1:1)
← (ستجد كذلك تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين).
قال الملاك لمار يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا «أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ» (رؤ19: 10) مُعلِنًا أنه وهو ملاك في السماء، ومار يوحنا وهو رسول في أسمى حالات الروحانية عبيدٌ للرب، بل جميع الآباء الرسل المعتبرين إخوةً لمار يوحنا هم أيضًا عبيد.
هل يمكن لأحد إذن مهما كان مستواه الروحي أن يحسِب نفسه ابنا لله، ولا يَقبل أن يُدعَى عبدًا؟ بَعد أن يَقرأ سِفر الرؤيا آخِر أسفار العهد الجديد ويُدرك أن: ● الملاك عبدٌ لله
● مار يوحنا الرسول عبدٌ لله
● الآباء الرسل إخوة يوحنا عبيد لله
وعندما تُكمِل الآية «وَمَعَ إخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ»، لَعَلَّ هذه العبارة تمتد من الرُّسل إلى كثير من المؤمنين، هذا يعني أن المؤمنين في العهد الجديد هم أيضًا عبيد.
والعجيب أننا فيما نرى أن السيد المسيح له المجد، وهو ابن الله بالطبيعة والجوهر، في اتضاعه لا يستنكف أن يأخذ صورة عبد «لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ» (في2: 7)، هناك من البشر من يرفضون أن يُلَقَّبوا بعبيد الله في كبرياء، متخذين من عطاءات الله مُبَرِّرًا لكبريائهم، معارضين كل نصوص الكتاب المقدس التي قدمناها لك أيها القارئ المحبوب. العبودية لله هي الحرية الحقيقية، ونحن عبيد الله عبيد للبر والقداسة (رومية6: 16).
أُمُّنا العذراء قُدْوَتُنا في الاتضاع، أُم جميع القديسين، وملكة السمائيين، يأتي جبرائيل الملاك من السماء ليبشرها الْقُدُّوسُ «الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا1: 35)، فتجيب في اتضاع ومعرفة للنفس «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ (عبدة) الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لوقا1: 38)
ما أروعَكِ يا سيدتنا وقُدْوَتُنا ومُعَلِّمتنا وأُمَّنا وشفيعتنا!
هل سيسمعكِ المتكبرون الذين يَدَّعون المعرفة؟!
هل سيسمعكِ الذين يَدَّعون أنهم فلاحون الكتاب المقدس، وهم مساكين لم يقرأونه بِفَهم واتضاع مرة واحدة، من عشرات المرات التي قرأوا فيها ما قرأوه في تَصلُّف وكبرياء، والمُخزِي والمُخجِل أنهم لا يتكبرون فقط بل يَقِفون في وجْه المُتَّضعين يقولون "نحن في العهد الجديد لسنا عبيد". مساكينٌ هؤلاء.
أما نحن في الكنيسة الأرثوذكسية الإنجيلية الكتابية، فنقول لهم:
"نحن عبيد الله".
عبيدٌ مع آبائنا الرسل، بولس ويعقوب وغيرهم الذين شهدوا بذلك.
عبيدٌ مع أُمِّنا العذراء التي قالت عن نفسها أنها أمة الرب.
عبيدٌ مع يوحنا الحبيب في رؤياه الذي قال «لعبده يوحنا»
عبيدٌ نسمع صوت الله عند باب السماء
«نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ... ادْخُلْ إلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ »
عبيدٌ لله، بل نرجوه أن يقبلنا له عبيد ولو عبيد بطَّالون.
كُلنا عبيد
يقول مار بولس «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيدًا لِلطَّاعَةِ أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ إمَّا لِلْخَطِيَّةِ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ؟ فَشُكْرًا لِلَّهِ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ وَلَكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ صُورَةَ التَّعْلِيمِ الَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا. وَإذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ...لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإثْمِ لِلإثْمِ هَكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ. لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ... وَأَمَّا الآنَ إذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ وَصِرْتُمْ عَبِيدًا لِلَّهِ فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ وَ النِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ.» (رومية6:16 ،18 ،19 ،22)
يؤكد مار بولس الرسول هنا أننا جميعًا عبيد، إما عبيدٌ للبر والقداسة (رومية6: 18) أو عبيدٌ للنجاسة والإثم (رومية6:19).
هذه هي القاعدة "أنتم عبيد" إما للخطية للموت أو للطاعة للبر (عدد16). أما التوبة فيفسرها مار بولس تفسيرًا جميلًا في هذا الموضوع. فهي انتقال من عبودية الشر إلى عبودية البر فيقول «كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإثْمِ لِلإثْمِ هَكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ.» (رو6:19)
وفي النهاية، يؤكد الرسول بولس أن أولاد الله في العهد الجديد، متى عاشوا حياة القداسة، وأثمروا، وصاروا مستحقين للحياة الأبدية، فإنهم يتمتعون بهذا اللَّقَب المبارك «صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلَّهِ» (رومية 6:22).
وفي رسالة رومية يقول مار بولس «مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ. وَلَكِنَّهُ سَيُثَبَّتُ لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُثَبِّتَهُ» (رو14:4)
وهنا لَقَّبَ مار بولس الذي يَدِين أنه عبد، والذي يُدَان أنه عبد.
يقول مار بولس الرسول
«لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذَلِكَ أَيْضًا الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ» (1كورنثوس7: 22)
وعلى الرغم من الحرية التي أعطاها لنا الرب «إنْ حَرَّرَكُمْ الاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً» (يوحنا8: 36)، إلا أننا سنُدعَى إلى الحرية من الخطية والشهوات. «ولكن الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ». فنحن معتوقين من عبودية الشر، ولكننا عبيد للمسيح له المجد.
نود هنا أن نعلن أن رُتبة عبدٍ لله هي كرامة لا نستحقها، إذ يقول الرب يسوع: «كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ. لأَنَّنَا إنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا» (لوقا17:10). فإذا كانت رتبة "عَبِيدٌ بَطَّالُونَ" يتَّصِف بها الذين يفعلون ما أُمِروا به من قِبَل الرب سيدِهم، فبماذا نُلَقَّب نحن الذين لم نفعل كل ما أُمِرنا به ولا القليل منه.
هناك إذن رتبة "عبدٌ لله"، ونحن لا نستحقها،
ورتبة "عبد بطَّال"، ونحن لا نستحقها.
وقد علمنا السيد المسيح له المجد في شخص تلاميذه الرسل «وَأَيُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ أَوَّلًا فِيكُمْ، فَلْيَكُنْ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا» (مرقس10:43، 44). لذلك هتف مار بولس «فَإنِّي إذْ كُنْتُ حُرًّا مِنَ الْجَمِيعِ اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ» (1كورنثوس9:19). بل إن القديس بولس الرسول جعل لقب عبد موضوعًا لكرازته.
يقول القديس مار بولس «فَإنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبّاً، وَلَكِنْ بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ» (2كورنثوس 4: 5)
إذن فموضوع كرازة الرسول هو الرب يسوع المسيح.
ومع هذا يعلن أنه عبدٌ ليس للرب يسوع المسيح فقط،
بل عبد للجميع من أجل يسوع المسيح أيضًا.
نحن لسنا عبيد فقط، بل عبيد بطالون،
نحن لسنا عبيد لله فقط، بل عبيد لجميع الناس أيضًا.
بل هذا هو موضوع كرازتنا (2كورنثوس4: 5)، وهكذا نرى كلمات القديس بولس الرسول تُماثل كلمات الرب يسوع تمامًا:
«فَلْيَكُنْ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا»(مر10: 44)، «اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ» (1كو19:9). «بِأَنْفُسِنَا عَبِيدًا لَكُمْ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ» (2كورنثوس4: 5).
ما أجمل أن نعرف أن هذا اللقب عبد الله سيظل يرافقنا ليس في هذا الدهر فقط بل وفي الآتي أيضًا في الأبدية.
سيُذَكِّرنا به الرب هناك عند بوابات السماء.
فأعظم ما نترجاه أن يستقبلنا الرب بهذه الكلمات «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ.» (متى25: 21)، وفي أورشليم السمائية نسمع عن «وَعَرْشُ اللهِ وَالْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ» (رؤيا 22: 3).
لم يُلقَّب المؤمنون بعبيدٍ فقط في العهدين القديم والجديد، بل إن سفر الرؤيا آخِر أسفار العهد الجديد، الذي كتبه مار يوحنا الحبيب بإعلان سماوي في نهاية القرن الأول الميلادي أكَّدَ نفس اللقب.
فمار يوحنا الحبيب، التلميذ الذي كان يسوع يُحبه، والذي اتكأ على صدره، والمعتبر واحدًا من الأعمدة، وفي أسمى درجاته الروحية والروحانية، وهو يرى السماء مفتوحة ويسمع صوت الرب قائلًا له «اصْعَدْ إلَى هُنَا» (رؤ4: 1)، وفعلًا صعد ورأى. يوحنا العظيم في الرسل، ماذا قال في سفر الرؤيا؟
إعْلاَنُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا» (رؤيا1:1). فالمؤمنون عبيد في العهد الجديد، والرسول العظيم عبدٌ معهم.
فعندما ذكر السفر انتقام الله لدم الشهداء الذين استشهدوا من أجل اسمه.
قال «لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ، إذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا» (رؤيا19: 2).
فالشهداء عبيد للرب، والله انتقم لدمهم. بل إنَّ سفر الرؤيا لقَّب جميع الأبرار صغارًا وكبارًا بأنهم عبيد فقال «وَخَرَجَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ قَائِلاً: سَبِّحُوا لِإلَهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، الْخَائِفِيهِ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ» (رؤيا19: 5).
وقصة تَواضُع الملاك الذي سجد مار يوحنا الحبيب أمامه توضح أنه ليس مار يوحنا الحبيب فقط هو العبد، بل الملاك أيضًا عبد وإخوته المؤمنين عبيد إذ يقول «فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِيَ: انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! أَنَا (الملاك) عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ.» (رؤ19: 10). وفي نهاية سفر الرؤيا يُختَم الكتاب المقدس في الإصحاح الأخير منه «وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ» (رؤيا22: 3)، «ثُمَّ قَالَ لِي: هَذِهِ الأَقْوَالُ أَمِينَةٌ وَصَادِقَةٌ. وَالرَّبُّ إلَهُ الأَنْبِيَاءِ الْقِدِّيسِينَ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَرِيعاً» (رؤيا22: 6).
العبد إنسانٌ أنكرَ نفسه أو كَفَرَ بِذَاتِه. ليس له مِلكيةٌ خاصةٌ، بل صار هو
بِذاته مِلْكٌ لِسَيِّده، ليس له أفكارٌ خاصة، بل إن قانونَه وناموسَه هو أقوال
سيده. لا يبحث عن حقوقٍ له، بل كلٌّ ما يأتي على فِكره هو
ما عليه من واجبات تجاه سيده.
هكذا حينما نسمع صوته الحلو حين «قَالَ لِلْجَمِيعِ: إنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَتْبَعْنِي» (لوقا9: 23).
وعند ميلاد السيد المسيح له المجد، بارك سمعان الكاهن والشيخُ اللهَ وقال: «الْآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ» (لوقا2: 29). ذلك القول الذي نُردده في صلواتنا بالأجبية في صلاة النوم ونصف الليل.
فلْيقبلْنا الله لنكون عبيدَ أمناء، بشفاعة العظيم في الرسل مار يوحنا الحبيب الذي قال «عبده يوحنا» (رؤيا1)، فنسمع ذلك الصوت الحلو «نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ».
أمين.
_____
(12) يا أبَّا الآب: أَبَّا بتشديد الباء معناها يا أبانا، فالعبارة بهذا تكون (يا أبانا الآب). أي أننا ندعو الله الآب أنه أبٌ لنا، وليست القراءة كما يقرأها البعض خطأ بدون تشديد فتجعل أن هناك أبٌ للآب.
(13) تُلَقَّب الكنيسة على الأرض بملكوت الله أو ملكوت السماوات، باعتبار أن الكنيسة هي سفارة السماء على الأرض. وواضح في هذا المثل أن المقصود بعبارة (يشبه ملكوت السماوات) هو الكنيسة؛ لأن السماء ليس فيها عبد شرير يغضب عليه سيده. فهذا هنا على الأرض، حيث قال الرب عن ملكوته «دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إلَى الْحَصَادِ» (متى13: 30).
← تفاسير أصحاحات يعقوب: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5
الفهرس |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص يوحنا فايز زخاري |
موضوعات الرسالة |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/james/slaves-sons.html
تقصير الرابط:
tak.la/jj2pjvv