St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   20-Makalat  >   2-Ahram
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام - مقال يوم الأحد 7-3-2010

الحسد والغيرة

 

الحسد بمعناه اللغوي هو تمنِّي زوال النعمة أو الخير عن المحسود، وتحول هذه النعمة والخير إلى الحاسد. وبهذا المعنى يكون الحسد خطية مزدوجة. فتمني زوال النعمة عن المحسود خطية لأن ذلك ضد المحبة، والمحبة لا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق. وسليمان الحكيم يقول: "لا تفرح بسقطة عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر" فكم بالأكثر إن كان الشخص الذي يتمنى له الحاسد السقوط ليس عدوًا، ولم يفعل به شرًا!! كذلك تمنى تحول خيره إلى الحاسد يحمل خطية أخرى، إذ هو شهوة خاطئة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

** هناك نوع آخر من الحسد، يُحذِّر منه الحكيم بقوله: "لا تحسد أهل الشر ولا تشته أن تكون معهم". وهنا يرتبط الحسد بشهوة الخطية. فيحسد الذين يرتكبونها حين لا يكون بإمكانه ذلك. وهذا يدل على عدم وجود نقاوة في القلب، وعلى أن القلب ليست فيه محبة اللَّه ولا محبة الخير.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

** والحسد عمومًا هو ضد المحبة. فالذي يحب إنسانًا لا يمكن أن يحسده. وأنت إن أحببت إنسانًا، تتمنى أن تزيد نعمة اللَّه عليه، لا أن تزول النعمة منه. وإن أحببت إنسانًا، فإنك تُفضِّله على نفسك، بل تبذل نفسك من أجله. وهكذا لا يمكن أن تشته أن يتحول الخير منه إليك. فالمحبة تبني ولا تهدم.

St-Takla.org Image: Easter Island, Moai Statue Face صورة في موقع الأنبا تكلا: وجه مواي من جزيرة القيامة أو إيستر أيلاند

St-Takla.org Image: Easter Island, Moai Statue Face

صورة في موقع الأنبا تكلا: وجه مواي من جزيرة القيامة أو إيستر أيلاند

وهكذا فإن الأم التي تحب ابنتها، لا يمكن أن تحسدها على زواج موفق. بل تسعد بسعادتها وتكون في خدمتها في يوم زواجها. تبذل جهدها أن تكون ابنتها في أجمل صورة وأجمل زينة. وكذلك الأب يفرح بنجاح ابنه. ولا يمكن أن يحسده على نجاحه ولا على تفوقه، ولا على نواله درجة أعلى من درجة هذا الأب.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

** أمَّا من جهة الغيرة، فليست كل غيرة لونًا من الحسد الخاطئ. وليست كل غيرة ضد المحبة. لأنها مغبوطة هي الغيرة في الحسنى. إنها الغيرة التي لا تحسد، وإنما تقلد، وتتحمس للخير فنحن نسمع عن فضائل الأبرار، سواء الذين تركوا عالمنا الحاضر، أو الذين مازالوا أحياء. فنغار منهم غيرة تجعلنا نتمثل بأفعالهم، لا أن نحسدهم أو نتمنى زوال النعمة منهم إلينا!! بل نفرح كلما نعرف جديدًا من فضائلهم.

إنَّ الذي يحب الفضيلة، لا يحسد الفضلاء. والذي يحب الفضلاء، لا يحسدهم بل يقلدهم. إن القديسين ما كانوا يحسدون بعضهم بعضًا في حياة الروح. بل كان ارتفاع الواحد منهم في الطريق الروحي، يُشجِّع الآخرين ويقويهم، فيمجدون اللَّه بسببه. وتملكهم الغيرة المقدسة، فيفعلون مثلما يفعل. ويطلبون صلواته عنهم وبركته لهم.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

** هنا ونسأل سؤالًا هامًا وهو: هل الحسد يضر؟ نقول أولًا إن الحسد يضر الحاسد وليس المحسود. فالحاسد تتعبه الغيرة، ويتعبه الشعور بالنقص. يتعبه منظر المحسود في مجد. تتعبه مشاعره الخاطئة. وكما قال الشاعر:

اصبر على كيد الحسود        فإن صبرك قاتله

فالنار تأكل بعضها        إن لم تجد ما تأكله

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

** وكذلك فإن الحاسد يتعبه تفكيره وسعيه في الأضرار بالمحسود. وقد لا يفلح في ذلك، ويزداد المحسود ارتفاعًا، فيزداد هو غيظًا... إن القلب الخالي من المحبة لابد أن يتعب. وقد يسعى الحاسد إلى التحرش بالمحسود وإهانته. فيقابله المحسود برقة ولطف، فتتعبه رقته ولطفه. ويتعبه فشله في إثارته، وتزداد فيه النار اشتعالًا.

** نقطة أخرى وهى أن الحسد مع كونه في حد ذاته لا يضر، ولكن المؤامرات التي يدبرها الحاسدون قد تضر أحيانًا. ولا يكون الضرر عبارة "ضربة عين" كما يظن البعض! وإنما هو متاعب نتيجة لمؤامرات الحاسدين. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). إن الحسد هو مشاعر قلب خاطئ، وليس ضربة عين. ونحن حينما نطلب من الله في صلواتنا أن ينجينا الله من الحسد، لا نقصد أبدًا أن ينجينا من ضربة عين، إنما من مؤامرات الحاسدين. كما نطلب من الله أيضًا أن يُبعد عن قلوبنا حسدنا لغيرنا.

إن كثيرًا من الناس يحاولون إخفاء كل خير يأتيهم خوفًا من حسد الناس لهم! ولكنه خوف مبنى على جهل، ظانين أن معرفة الحاسدين بخيرهم تسبب لهم ضررًا! أو ألا ضربة عين تصيبهم، فتفقدهم ما هم فيه من خير!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

** إن ضربة العين لو كانت حقيقية، إذن لهلك كل أصحاب المواهب والمناصب والتفوق... الحاصلون على جائزة نوبل Nobel Prize كل عام، أليس لهم حاسدون؟ وهؤلاء الحاسدون أليست لهم عيون؟... فهل نتيجة حسدهم يفقد العالم أعظم علمائه وأدبائه وأبطال السلام فيه!! وأيضًا أبطال الرياضة أصحاب الكئوس الذهبية، والميداليات، والمتفوقون في الفن والموسيقى، وملكات الجمال في العالم... أليس لكل هؤلاء حاسدون، وللحاسدين عيون... والذين ينجحون في الانتخابات أو الذين يتولون مناصب ورياسات على كل المستويات، وفي كل البلاد أليس لهم حاسدون. وأوائل الثانوية العامة، وقد يكون الأول متفوقًا بنصف درجة فقط عن الذي يليه، أليس لكل أولئك حاسدون ولهم عيون "تفلق الحجر"؟!!

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

** ننتقل إلى نقطة أخرى وهى حسد الشياطين. لاشك أن الشيطان يحسد الإنسان البار على بره وفضائله ونقاوة قلبه، بينما الشيطان قد فقد تلك النقاوة وكل ما يتعلق بالبر، ويحسده أيضًا على علاقته الطيبة مع اللَّه تبارك اسمه بينما هو قد خسر تلك العلاقة، ويحسده على ما يتمتع به من نعمة ومن بركة بينما الشيطان محروم من كل هذا. ويحسده على ما ينتظره في الأبدية من نعيم وفرح بينما الشيطان يخاف هذه الأبدية.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

** لذلك فإن الشيطان إن وجد الإنسان في طريقه لعمل فضيلة معينة، يحاول أن يبعده عن عملها بكافة الطرق. وإن وجد الإنسان بارًا، يحاول أن يسقطه من بره. ولكن الله لا يسمح له بكل ذلك، ويرسل حفظه لهذا الإنسان.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/20-Makalat/2-Ahram/CopticPope-Articles-190-Envy.html

تقصير الرابط:
tak.la/96dad6b