على الرغم من أن المحبة فضيلة كبرى، إلا أنه توجد محبة ضارة. ولعل من أسباب المحبة الضارة، أن تكون بغير حكمة، أو بعيدة عن الروحيات، أو تتصف بالذاتية، أو تتعارض مع وصايا اللَّه. وسنتكلَّم في هذا المقال عن أنواع من هذه المحبة الضارة.
** لا يستطيع أحد مِنَّا أن ينكر محبة الأم، حتى أنه يضرب بها المثل في الحنان وفي عمق المحبة. ومع ذلك يمكن أنَّ أُمًّا تحب ابنها بطريقة ضارة. ومن أمثلة ذلك تدخلها في زواج ابنها وبعد زواجه. هذا مع الابن ومع الابنة: إمَّا في الإسراع بالتزويج قبل النضوج أو قبل التوافق... أو اختيار زوج تظن فيه الأم أنه صالح لابنتها، فتدفعها إلى الزواج به دفعًا ويكون في ذلك ضرر لها طول الحياة... ومن المحبة الضارة أن تتدخل الأم في الحياة الزوجية لابنها. وهى تظن أنها تفعل ذلك إشفاقًا عليه، بينما تحطم حياته الزوجية.
** ومن أساليب المحبة الضارة، المديح الضار، الذي يقود أحيانًا إلى الغرور، وإلى حسد الآخرين ومتاعبهم. وإعلان ذلك المديح يكون بغير حكمة.
ويماثل المديح الخاطئ في ضرره، الدفاع عن الأخطاء، بدافع من الحُب الخاطئ. هذا الدفاع يجعل المخطئ يثبت في أخطائه، وقد يؤدي ذلك إلى هلاكه. ولا شكَّ أن مبرئ المذنب هو مثل مُذنِّب البريء، في أن كليهما ضد الحق.
وقد يحدث الدفاع عن الأخطاء في جو الأسرة والأصدقاء، أو في تملق الملوك والزعماء، أو في مجال المخطئين دينيًا. إنها محبة خاطئة، بل محبة ضارة. سواء كانت عن ثقة واقتناع، أو عن تملق رخيص.
** ومن ألوان المحبة الخاطئة تسهيل الشر. مثال ذلك طالب يقوم بتغشيش زميله في الامتحان بدافع من الشفقة والمحبة! أو طبيب يكتب شهادة مرضية وهمية...! أو صديق يشهد شهادة زور تأييدًا لصديقه. أو محاسب يساعد ممولًا على اختلاس حقوق الدولة في الضرائب. أو أستاذ باسم الرحمة أو المحبة يخفض المُقرر لتلاميذه، ويُقدِّم لهم في الامتحان أسئلة تافهة لكي ينجحوا ولم ينالوا من العلم شيئًا... كما يحدث أحيانًا تسهيل زواج غير شرعي!!!
وينضم إلى هذا البند أيضًا النُّصح الخاطئ.
** ومن أمثلة المحبة الضارة، أن أبًا يحب ابنًا له أكثر من بقية أبنائه. فيثير فيهم عن عوامل الحسد ضد أخيه. ومن أمثلته أيضًا الذي يتزوج امرأتين، ولا يكون عادلًا بينهما في المحبة.
** ومن ألوان المحبة الضارة الاستحواذ. أي المحبة التي تحبس محبوبها في حيزها الخاص. كالأم التي تمنع ابنها من سفر بعيد يفيده جدًا، لأنها تريده إلى جوارها وبهذا تضره وتُضيِّع مستقبله بسبب محبتها الضارة. وكثيرًا ما تحدث أمثال هذه المشاكل في محيط الحياة الزوجية أو الحياة العائلية بصفة عامة. مثل الزوج الذي تدعوه أنانيته في محبته إلى التضييق على زوجته في الدخول والخروج، وفي الكلام وفي الابتسام، وفي الزيارات وفي اللقاءات. كمَن يحبس عصفورًا في قفص، ويمنعه من الطيران، ليصير له وحده، ويُغنِّي العصفور له وحده! ولا تهمه حرية العصفور في شيء. وفي تضيق الرجل على امرأته بسبب محبته الأنانية لها، يجمع الرجل بين نقيضين: الحب والقسوة!!
ونفس الوضع بالنسبة إلى الزوجة التي تضر رجلها بمحبتها، فتضيق عليه الخناق أيضًا. وتكثر من أسئلتها وتحقيقاتها حول مواعيده ومقابلاته وعلاقاته، بطريقة تصيبه بالضجر والضيق النفسي. وتصيبها هي بالشك والقلق والخوف... وكل ذلك بِاسم الحب!!
ومحبة الاستحواذ قد توجد أيضًا في محيط الأصدقاء. فبِاسم المحبة يريد الشخص من صديقه أن يتحيز له، فيصادق مَن يُصادقه ويعادى مَن يُعاديه. وهكذا يضره من جهة علاقاته ومن جهة روحياته... وأحيانًا يُضيِّع وقت هذا الذي يُحبه. وبِاسم المحبة إذ يشغل وقته، كثيرًا ما يؤثِّر ذلك على دراسته أو عمله فيضره!
** ومن المحبة الضارة، أنها تتركز أحيانًا في الجسد، وتتحول إلى شهوة. وللأسف قد يسميها البعض حبًا بينما هي شهوة، تضر نفسها، وتضر مَن تحبه أيضًا. سواء الضرر الروحي، أو ما يصاحبه من أضرار أخرى.
** ومن المحبة الضارة المحبة التي تشفق على الجسد وتضر الروح. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). كأم تشفق على ابنها، وتمنعه من الصوم حرصًا على صحة جسده. ومن مظاهر المحبة الخاطئة التدليل. وفيه الشفقة الزائدة والإنفاق الزائد على الحاجة وتقديم أنواع المُتع العديدة. وعدم فرض عقوبة مهما كان الذنب. أو تكون العقوبة نوعًا من التوبيخ الهادئ جدًا الذي لا يمكن أن يروع أحدًا فيستمر الخطأ. وقد يصل تدليل الأم لابنها أنها تُغطِّي على أخطائه أمام أبيه حتى لا يُعاقبه. بل قد تدافع عنه بالباطل، وهكذا يفسد الابن، إذ لا يجد مَن يؤدِّبه أو يربيه. وقد تقاسي الأم بعد ذلك من سوء سلوك ابنها وتطاوله عليها.
** ومن ألوان المحبة الضارة، محبة المريض لمَّا يزيد مرضه. كمريض بالسكر يحب الحلويات، أو مريض بالكوليسترول Cholesterol يحب الدهنيات. أو شخص يحب المخدرات ولا يقدر عن الامتناع عنها وكل هذا يضره. وكل من هؤلاء يضر نفسه دون أن يضره غيره...
** وبالمثل شخص لمحبته الخاطئة لنفسه يكثر من الافتخار ومديح نفسه بطريقة تنفر الناس منه... أو إنسان بخيل يحب المال ويكنزه ويُنمِّي رصيده، بأسلوب يبخل به على نفسه وعلى المحيطين به، فيضر نفسه ويضرهم.
** وهناك محبة أخرى للمرضى تضرهم. كأن يزورهم شخص يحبهم، فيبقى إلى جوارهم مدة طويلة يتحدث إليهم. وهم صحيًا في حاجة إلى الراحة. وبكلامه معهم لا يعطيهم فرصة للاتصال باللَّه أثناء مرضهم. أو من المحبة للمريض، خداعه في نوع مرضه. فلا يهتم بأبديته وما يلزمه من التوبة. أو بتقديم مُتَع للمريض أثناء مرضه يمكن أن تضره.
ورُبَّما إنسان يحب شخصًا فيُضيِّع سمعته.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/w2gbz67