البِرّ الذاتي هو اعتقاد الإنسان في ذاته أنه بار، وأنه لم يخطئ ولا يخطئ كما لو كان معصومًا من الخطأ!! أمَّا التبريرات فمعناها أن الإنسان يُخطئ، ولا يُريد أن يتحمَّل مسئولية أخطائه. ويُقدِّم الأمر كأنه شيء طبيعي جدًا، هناك أسباب دعت إليه! كأن لا خطأ في الأمر. وهذه التبريرات لا تُساعد أبدًا على التوبة. فهي محاولة لتغطية الخطية، وليست توبة عن الخطية. وإدعاء وجود مُبرِّر للخطية يُساعد على أن يستمر المخطئ، في أخطائه وعذره معه!
** إنسان يغطِّي الخطية بعُذرٍ، أو يُغطِّيها بأكذوبة. ويريد بهذا التبرير أن يخرج من الخطية سليمًا بلا عيب، بلا لوم، يلتف بثوب من المجد الباطل، ليظهر أمام الناس بريئًا في كل شيء... بينما الخطية هي الخطية مهما كانت التبريرات التي تلتحف بها... صدق الذي قال: إن طريق جهنم مفروش بالأعذار والتبريرات والحُجج... والإنسان الذي يجد تبريرًا لأخطائه، يستمر فيها. ورُبَّما يجعلها سياسة ثابتة له.
** مثل هذا الإنسان لا يستطيع أن يعترف بخطيئته، مادام أسلوب التبرير ممكنًا. وقد تكون الخطية واضحة جدًا لا تقبل النقاش. ومع ذلك لا مانع من أن يقدم عنها تبريرات وأعذار! ويريد الإنسان بهذه التبريرات أن يكون بلا لوم أمام الناس، ورُبَّما أمام نفسه أيضًا. وذلك لكي يريح ضميره إذ لامه على ما يفعل. ولكن حتى لو قبل الناس منه ما يقدمه من أعذار، وحتى لو استطاع ذلك الشخص أن يخدع نفسه ويُخدر ضميره ليقبل تلك التبريرات، أترى اللَّه يقبلها؟! اللَّه العالِم بكُلِّ شيء، والذي أمامه يستد كل فم! إن التبريرات لا تصلُح مع اللَّه. وإنما الذي يصلح معه هو الاعتراف بالخطية.
** رفض التبريرات وتقديم الأعذار يكون هو الطريق إلى التوبة، كما يدل على تواضع القلب المعترف بخطاياه. أمَّا غير المتواضع وغير التائب، فإنه يحاول أن يجد تبريرًا عند ارتكاب الخطية، وبعد ارتكابها أيضًا، وفي الحديث عنها بصفة عامة. ويؤسفني أن أقول إن توالي الأعذار والتبريرات عند مثل هذا الشخص، تجعل المبادئ والقيم عنده تهتز... ومادام كل خطأ له ما يُغطيه بالأعذار، إذن لا تجد قيم أو مُثل يسير على منهاجها، أو روحيات يتمسَّك بها. وسنحاول هنا أن نذكر بعض الأعذار العامة التي يعتذر بها البعض إذا لم يسلكوا حسنًا في حياتهم:
** يقولون كل الناس هكذا (الكل كده) فهل نشذ نحن عن المجتمع؟! وكأنهم بهذا يعتبرون أن الخطأ إذا صار عامًا، لم يعد خطئًا يُلام عليه الفرد! كأن نقائص المجتمع كله لم تعُد نقائص. أو صار الخطأ العام مبررًا لخطأ الفرد!! كلا، فالخطأ هو خطأ، عامًا كان أو خاصًا. ومن أجل ذلك يقوم المصلحون الاجتماعيون بإصلاح أخطاء المجتمع. وكذلك يُهاجمها الرُّعاة ورجال الدين والكُتَّاب وأصحاب المبادئ.
** إن أبانا نوح كان يعيش ببِرِّهِ في عصر كله فاسد. وبلغ من فساد الناس في تلك الأيام، أن اللَّه أغرق العالم كله بالطوفان. فهل كان ذلك الفساد الذي عم العالم كله، عُذرًا لأبينا نوح أن يسلك مثلهم هو وأسرته، ويقول: (كل العالم كده)، فهل نشذ عن المجتمع! أم أنه سلك بكماله أمام اللَّه والناس، وكان لابد له أن يشذ عن ذلك المجتمع الفاسد. وهكذا نجَّاه اللَّه وأسرته من الطوفان. وهكذا كان لوط أيضًا في أرض سدوم الفاسدة التي حرقها اللَّه بالنار.
** إن الأبرار يحتفظون بمبادئهم السامية، مهما كان الخطأ عامًا، أو منتشرًا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فهُم لا يتبعون المثل القائل: "إن كنت في بلد يعبدون فيه العجل، حش وارمي له! " كلا، فالخطأ العام يجعل الأبرار أكثر حرصًا ودقة. فهم يطيعون ضمائرهم، ولا ينجرفون مع التيار.
** عِش بروحياتك السليمة، حتى لو عشت بها وحدك. كما قلنا في الشِّعر:
سأطيع اللَّه حتى لو أطعت اللَّه وحدي
لذلك إن لم تستطع أن تؤثر على المجتمع بروحياتك، فعلى الأقل لا تندمج في الأخطاء العامة وتخضع لها، ولا تجعلها تؤثِّر عليك... لماذا تأخذ موقفًا ضعيفًا أمام الذين يُعيِّرونك بتدينك؟! إن القلب القوي يحتمل كل شيء من أجل الثبات في مبادئه.
** هناك مَن يعتذر عن عدم سلوكه في حياة الفضيلة، بأن هناك عوائق تمنعه من ذلك... وهذا الاعتذار لا يليق بالأقوياء المحتفظين بنقاوة قلوبهم. بل هم ينتصرون على العوائق. لأن محبة الخير التي في قلوبهم، هي أقوى من العوائق الخارجية. ومادامت لهم النية الخيِّرة والإرادة القوية، حينئذ يجدون الوسائل الكثيرة للخير الذي يريدون أن يفعلوه. يكفي أنك تريد الخير، وحينئذ تجد نعمة اللَّه تفتح أمامك أبوابًا كانت مُغلقة. فلا تفكِّر إذًا في العوائق إنما فكِّر جيدًا كيف تنتصر عليها. أم أن دوافعك الداخلية ضعيفة، لذلك تعتذر بالعوائق؟! إن أبانا إبراهيم لم يجد عائقًا أمامه في تقديم ابنه ذبيحة للَّه، لأن قلبه كان قويًا بالإيمان. والشهداء لم يعتذروا بالعذابات التي يتعرَّضون لها أو كافة الضغوط الخارجية أو الإغراءات. بل بقلوبهم القوية انتصروا. وكل الأبرار الأنقياء القلوب، لا يعترفون بالإغراءات الخارجية ولا يخضعون لها، ولا يتخذونها مُبرِّرًا لارتكاب الخطية. ومثال ذلك يوسف الصديق الذي ضغطت عليه الخطية من الخارج وبقبله النقي انتصر عليها.
** يعتذر البعض بعبارة: (أنا ضعيف، والوصية الإلهية صعبة!)، وهنا عُذر غير مقبول لأنه لو كانت الوصية صعبة وغير ممكنة، ما كان اللَّه يأمر بها. إن اللَّه لا يأمرنا أبدًا بالمستحيل.
إن باب الأعذار واسع قد يدخل فيه الصدق والكذب... والإنسان غير التائب، على الرغم من أخطائه، فإن نفسه تكون جميلة في عينيه يناقش في موضوع برها ويجادل ويجد له أعذارًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f5w22kp