الخير في معناه الإيجابي هو البر والفضيلة والنقاوة. وفي معناه السلبي هو البعد عن الخطأ بكل معانيه وتفاصيله.
ونحن حينما نتكلم عن الخير في حياتنا لا نقصد إطلاقًا مجرد عمل الخير، وإنما محبة الخير. فالله تبارك اسمه لا يهمه الخير الذي نعمله مضطرين أو مجبرين. كما لا قيمة للخير الذي نبغي من وراءه مديحًا أو مجدًا من الناس أو إعجابًا. لأننا في هذه الحالة يكون حبنا هو للمديح والإعجاب وليس للخير. كما أننا ننال أجرًا على ما فعلناه هنا على الأرض. وأحيانًا قد يفعل الإنسان الفضيلة أو الخير خوفًا أو خجلًا من انتقاد الناس، أو اتقاءً للعقوبة، أو حفظًا لسمعته، أو مجاملة، أو مجاراة للمجتمع، أو رياءً... بينما تكون محبة الخطية في أعماقه. إذن أهم ما نريده هو محبة الخير.
** إن الخير مصدره هو الله القدوس الذي يدعو إلى الخير، ويساعد الناس على عمله. لذلك إن ابتعدنا عن الله، تبتعد طبيعتنا عن الخير. كما أننا إذا ابتعدنا عن الخير نكون قد ابتعدنا عن الله.
إن الذي يحب الخير، سيجد أنه قد ارتفع فوق مستوى الصراع مع الخطية. فالمرحلة التي يشتهى فيها الجسد ضد الروح، وتشتهي الروح ضد الجسد، هي مرحلة خاصة بالمبتدئين الذين يجاهدون ضد الجسد غير الخاضع للروح. أمَّا الجسد النقي البار الذي يحب الخير، فهو لا يشتهي ضد الروح. بل إن الروح البارة هي التي تقود جسده نحو الخير.
الذي يحب الخير يُجاهد لكي يغصب نفسه على حياة الفضيلة. فمادام هو يحب الفضيلة، طبيعي أنه لا يغصب نفسه عليها. هذا البار قد أصبح الخير جزءًا من عناصر نفسه، يفعله تلقائيًا كشيء عادي طبيعي لا يبذل فيه جهدًا. يصير الخير في حياته كالنَّفس الذي يتنفَّسه، دون أن يشعر في داخله أنه يفعل شيئًا زائدًا أو عجبًا. لذلك فهو أيضًا لا يفتخر أبدًا بهذا الخير، باعتباره شيئًا عاديًا بالنسبة إليه.
ومحبة الخير توصل الإنسان بالطبيعة إلى محبة اللَّه الذي هو مصدر كل خير. فيحب اللَّه، ويحب وصاياه، ويحب نعمته التي تُشجِّع دائمًا على عمل الخير... هذا بعكس الخاطئ الذي يحب الخطية، ولا يستطيع أن يحب الله معها في نفس الوقت. لأنه لا شركة بين النور والظلمة، ولا خلطة بين البر والإثم. مثال ذلك الوجوديون الذين يظنون أن الله يُعطل ممارستهم لشهواتهم. فينكرون وجود الله الذي يدعو إلى الخير ويعاقب على تلك الشهوات.
** إن الخير هو الأصل في طبيعتنا البشرية، قبل أن نعرف الشر. الشر دخيل على طبيعتنا. ونحن حينما نحب الخير إنما رجوع إلى الطبيعة البشرية التي خلقنا الله بها وأيضًا نستعد للمصير الذي نصل إليه في الأبدية. وفي محبتنا للخير لا يكون لنا جهاد للوصول إليه. إنما يكون جهادنا في النمو في حياة الخير، والتدرج للوصول إلى خير أكبر ثم أكبر.
** وفي محبتنا للخير، نحب أن نوصل هذا الخير إلى الغير. ونقصد بالخير كل أخ لنا في البشرية أيًا كان نوعه أو لونه، وأيًا كانت علاقتنا بهذا الغير. سواء كان صديقًا لنا، أو عدوًا، أو مقاومًا، سواء كان بارًا أو خاطئًا. البار نحبه من أجل قدوته الصالحة. والخاطئ نحبه مصلين من أجله أن ينقذه الله من أخطائه ويقوده إلى الخير. ومحبتنا للناس توصلنا إلى محبتنا لله. لأنه إن كان أحد لا يحب أخاه في البشرية الذي يبصره، فكيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟!
** لذلك يا أخي القارئ إن أردت أن تحب الله، ابدأ أولًا بمحبتك للناس. أخدم الناس، ساعدهم،ٍ احترمهم، ابذل نفسك عنهم، أعط من قلبك حبًا لكل المحتاجين إلى الحب. أعط حبًا للأطفال، للعجزة والمسنين، للأيتام، للمحتاجين والفقراء، للمعوقين، للذين ليسوا لهم أحد يذكرهم. فإن أحببت كل هؤلاء ستجد أن محبة الله قد دخلت إلى قلبك بقوة، وستجد أيضًا أنك ترفع قلبك إلى الله ليساعدك على خدمتهم ومحبتهم، وأنك تشكره إذ قدم لك احتياجاتهم لتعطيهم.
أنت تحب الغير لأنه رعية الله. وتحبه لأنه يحبهم ويساعدك على محبتهم.
وحينما تحب الغير احرص أن تكون محبتك له محبة طاهرة نقية، ومحبة عملية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فلا تحب بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق. وفي محبة الغير احترس من المحبة الخاطئة التي تسبب ضررًا. ولتكن محبتك للغير محبة عادلة. ولا تكن محبتك له محبة الاستحواذ، أي المحبة التي تحبس محبوبها في حيزها الخاص. فالذي يحبس عصفورًا في قفص لكي يتمتع وحده بتغاريد العصفور.
وفى محبتك للغير عليك أن تحتمله في أخطائه وفي ضعفاته وفي نقائصه. وتحتمل التعب من أجل الغير. وثق أنك ستنال أجرتك من الله حسب تعبك في محبة الآخرين وفي خدمتهم وفي قيادتهم إلى الخير.
** ومحبة الغير تظهر أيضًا في المحبة الروحية التي تظهر في الرعاية وفي التعليم وفي الإرشاد، وفي حل مشاكل الناس، والتعب في إقناعهم بالسلوك السوي، والصلاة من أجلهم. والمحبة شجرة ضخمة كثيرة الثمار. ومن نوع ثمرها نعرف قيمتها ودرجتها.
** ومن جهة محبتنا للخطاة، لا يجوز لنا أن نحتقر هؤلاء الخطاة أو نوبخهم وننتهرهم، بل نقودهم بوداعة وحنو إلى التوبة. ونجاهد لأجل الساقطين لكي يعودوا إلى الله.
وفى محبتنا العملية، لا نكتفي بمجرد الإشفاق، أو إلقاء النصائح وإنما نبذل جهدًا عمليًا لسد احتياجات الناس، سواء كانت مادية أو معنوية.
وبمحبتنا للخير ومحبتنا للغير، نصل إلى نقاوة القلب وبذل الذات لأجل الآخرين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7rdj2p3