هنا يبدأ القديس ميثوديوس في الحديث على لِسان أريتي (التي يعني اسمها الفضيلة) فلأنها كبيرة العذارى ومُضيفتِهِنْ، وهي التي تُمثِّل الفضيلة، لذلك على لِسانها يتحدَّث القديس عن أعلى الأمور الروحية وعن الحروب التي تُهاجِم المُتقدمين، فبعد أن تحدَّث عن الأمور التي تخُص المُبتدئين والمُجاهدين، يبدأ في الحديث إلى المُتقدمين ويشرح أنَّ كلّ مَنْ يُعلِّم أنَّ العِفة يجب أن تُختار وأن تكون الأولى بين جِهادات الإنسان حسنًا ينصح، لكن بينما يظُن كثيرون أنهم يُمجدونها ويحيونها، قليلون هم الذين يُمجِّدونها ويُكرِّمونها حقًا، لأنه ليس ذلك الذي درس كيف يستعبِد جسده وشهوات المسرَّات العالمية هو الذي يحيا العِفة، وهو غير مُتيقِظ لباقي الشهوات، بل يهينها بالشهوات الرديئة، مُستبدِلًا شهوات بشهوات، ولا يحيا العِفة أيضًا ذاكَ الذي قاوم بقُوَّة شهوات الحواس، ولكنه انتفخ وتكبَّر بالمجد الباطِل، ولهذا يستطيع أن يُقمِع سِهَام الشهوة المُحرِقة ويجعل كلّ الشهوات كلا شيء، ومع ذلك لا يستطيع أن يتعلَّم أن يُمجِّد العِفة ويُكرِمها، لأنه يهينها بسبب العجب والغرور، مُنظِفًا خارِج الكأس والصحفة التي هي اللحم والجسد، بينما يجرح القلب بالغرور والعجب الباطِل، وكذلك لا يُكرم البتولية من يُعجب بِغِناه وثرواته، بل هو يهينها أكثر من الكلّ، مُفضِلًا أن يربح القليل عن تلك التي لا يُضاهيها شيء من الأشياء التي في هذه الحياة، لأنَّ كلّ الغِنَى والذهب هو ”قليل من الرمل“ (حكمة 7: 9)، ولا يُكرم العِفة أيضًا مَنْ يُحِب نفسه أكثر من اللازم ويُفكِر بلهفة فيما هو نافِع له هو فقط مُتجاهِلًا احتياجات أقربائِهِ، بل هو يهينها، لأنَّ ذاكَ الذي ليس فيه محبة ورحمة وشَفَقَة هو أقل بكثير من هؤلاء الذين يحيون العِفة بوقار. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ومن غير الصواب أنه بينما نحن نحفظ البتولية من ناحية، نُدنِس النَّفْس بأفعال الشر وبالشهوات من الناحية الأخرى، أو أن نُنذِر النقاوة والعِفة، ثم نُدنِسها بالانغماس في الرذيلة، أو أن يقول الإنسان أنَّ أشياء هذا العالم لا تعنيه في شيء ولا قيمة لها في نظره، بينما هو يسعى ليحصُل عليها وينالها، إذ أنَّ الأعضاء كلّها ينبغي أن تُحفظ طاهرة من كلّ فساد، ليس فقط الأعضاء الزيجية، بل أيضًا باقي الأعضاء التي تُحارِبها الشهوات، لأنه من العبث والسخف أن نحفظ أعضاء التكاثُر والإنجاب طاهرة ولا نحفظ اللِسان، أو أن نحفظ اللِسان ولا نحفظ العينين والأُذُنين واليدين، أو أن نحفظ هذه كلّها طاهرة ولا نحفظ الذهن، مُدنسين إيّاه بالعَجَبْ الباطِل والغرور والغضب.
ويُعلِن القديس ميثوديوس أنه من الضروري لذاكَ الذي عزم على عَيْش حياة العِفة، أن يحفظ كلّ أعضائه وحواسه نقية طاهرة، كما هو الحال مع الألواح الخشبية التي تتكوَّن منها السفينة، والتي يجتهِد صُنَّاع السُّفُن أن يثبِّتوها بإتقان بجوار بعضها البعض لئلاَّ بسبب أي ثغرة ينفتِح طريق للخطية ويتسرَّب داخِل الذهن، إذ أنَّ الجِهادات العظيمة تتعرَّض لحروب كثيرة، فالشر يُقاوم ذلك الذي هو بحق صالِح، لذلك كثيرون من الذين جاهدوا ضد الشهوات الرديئة، سقطوا بسبب إهمالهم لواجِبات تحتاج إلى يقظة وصحو، فجلبوا اللوم على المُجاهدين في الطريق الصحيح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/h58z6my