سنوات مع إيميلات الناس!
أسئلة روحية وعامة
أولًا(*)، مادام هناك توبة حقيقة واعتراف فلا يوجد عذاب أبدي.. فكما يقول الآباء: "لا توجد خطية بلا مغفرة، إلا التي بلا توبة". وإن كان رب المجد عندما سأله بطرس قائلًا: "يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ" (إنجيل متى 18: 21، 22)، فإن كان الله أمرنا بذلك، فكم وكم يكون الغفران الإلهي؟! وهناك وعود إلهية كثيرة بالغفران الإلهي تملأ الكتاب المقدس، ونحن دومًا نطلب الغفران الإلهي في الصلاة الربية، ويكون بالتوبة والاعتراف بخطايانا وكذلك بالمغفرة لمن يسيئون إلينا.
ويظهر من كلامك ندمك الشديد على تلك الخطية أيًا كانت، وتذكرك الدائم لها (ونحن نوجه الكلام الآن لصاحب المشكلة نفسه) مثل قول الكتاب: "لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا" (سفر المزامير 51: 3). ولكن ذِكَرك للخطية هذا لا ينبغي أن يكون ذِكرًا لتفاصيل الخطية، ولا بهدف اليأس والضيق والحزن بدون رجاء، بل هدف التذكار هو التواضع أمام وجه الله عز وجل دائمًا، وطلب رضوانه، والعيش في حياة التوبة المستمرة، والنمو في الحياة الروحية، وتِذكار ماذا تفعل الخطية في الإنسان حتى لا يقترب منها لاحقًا.. إننا ندعوك لقراءة تفاسير المزمور الخمسين لداود النبي هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت لمعرفة المزيد حول موضوع التوبة والرجاء.. فينبغي عليك توجيه طبيعة الندم وتذكار الخطية إلى جانب الرجاء في المسيح المخلص الذي أنعم علينا بغفران خطايانا..
نعود الآن لبعض الملاحظات على ما جاء في رسالتك:
نقطة أولى هي أن تعرف أنك لم تخطئ في حق نفسك فقط، بقدر ما أخطأت في حق الله ذاته! فنرى المرنم يقول: "إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ" (سفر المزامير 51: 4). فكل خطية نصنعها هي موجهة ضد الله مباشرة.. لا أقصد أن أصيبك باليأس، ولكن فقط أحاول معك أن أصحح بعض المفاهيم التي ربما تختلط على البعض..
تحدثنا في مقدمة هذا المقال هنا في موقع الأنبا تكلا عن العقاب والتوبة في إطار كلامك عن الموت الأبدي.. والخطية الوحيدة التي لا يوجد لها غفران هي خطية التجديف على روح الله القدوس، وهي لا علاقة لها بك لا من قريب ولا من بعيد، حيث أن معناها هو رفض عمل الله في القلب طوال الحياة، وأنت مازلت في مرحلة توبة ورجاء..
اعترافك بالخطية مع توبتك يعني مباشرة بدون أي شك هو الغفران.. فمن الخطأ أن تستسلم لِشَرَكْ الشيطان الذي يحاول أن يوقِعَك فيه بأن تظن أن الخطية لم تُغْفَر.. فالكتاب يقول صراحة: "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 1: 9). فهذه مجرد حرب من الشيطان ليوقعك في اليأس.. فكن حكيمًا.
يحاربنا الشيطان أيضًا بأن اعترافنا كان ناقصًا إن لم نذكر تفاصيل معينة.. وعمومًا لا ينبغي أن يدخل المرء في تفاصيل التفاصيل في الخطية عند الاعتراف.. بل ذكر الأمور العامة أو العناوين العامة، وليس التفاصيل المُعثِرة، التي تقول عنها كنيستنا القبطية الأرثوذكسية: "تذكار الشر المُلْبِس الموت".
قلت أن الكاهن فهم الموضوع بشكل جزئي، لماذا لا تذهب إليه مرة أخرى وتستكمل الموضوع؟ وبدون تفاصيل كما أوضحنا.. وخاصة أنه قد مرَّ فترة من الزمن على الأمر، ونضجت روحيًا أكثر، وتعرف كيف تتعامل مع الأمر، وكذلك لأنك حاليًا في مرحلة التوبة والنصرة على الخطية.. فالأمر سيكون أبسط عليك من حينها.. فاذهب واعترف له بالأمر لتكمل اعترافك.. أو حتى اذهب للاعتراف وأعطه ورقة وأنت جالس معه بها الأمر الذي تريد أن تعترف به، بعد أن تذكره بالموضوع بنفسك.. ثم تسمع الإرشاد الروحي والتحليل لترتاح وتلقي عبء الأمر من على كاهلك تمامًا once and for all.
أما عن نقطة الاعتراف على يد الأب البطريرك مباشرة، فهذا الأمر قد يكون غير عملي، وأنت أدرى بضيق وقت قداسة البابا، هذا من جانب، ومن جانب آخر، لأن الأمر لا يحتاج البابا نفسه بالفعل، أي ليست هي مشكلة معينة لا يستطيع حلها أو التدخل في حلها سوى البطريرك! فهذا أيضًا وهم يضعه عدو الخير حتى يجعل الشخص يؤجل الاعتراف، ويضع شروطًا عالية لتحقيقه، تجعل الأمر يبعد شيئًا فشيئًا.. وماذا عندما يتنيَّح الأب البطريرك؟! -نسأل الله أن يعطيه سنينًا عديدة وأزمنة مديدة- هنا سيضعك الشيطان في مأزق predicament جديد! وهكذا دواليك لن تنتهي حروبه ومحاولاته لتأجيل التوبة أو إتمامها، ووضع الإنسان في دائرة مغلقة من اليأس.. فلا تضع هذا الأمر شرطًا يا أخي الحبيب، بل اذهب للاعتراف على يد الأب الكاهن الذي اعترفت عليه سابقًا حول الأمر، أو حتى على يد أب كاهن آخر، وتكون قد جهزت الأمر كاملًا، وجلست مع نفسك، وعرفت ماذا تقول، ورتَّبت أفكارك.. وانتهي من هذا الأمر إلى الأبد..
نقطة كتمان السر هذه غير مرتبطة بالأب البطريرك فقط، بل أي أب كاهن..
سيفيدك قراءة كتاب "حياة التوبة والنقاوة"، وهو موجود هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت، وهو كتاب لقداسة البابا شنوده الثالث.
ونقطة الخجل هذه جزء من الاعتراف، حتى يتطور الأمر إلى الخجل من فعل الخطية بالأولى، وليس فقط الخجل من الاعتراف بها..
وإن كنت ستقول الاعتراف "في كلمتين" للبابا كما تقول، فما المانع أن تقوله للأب الكاهن؟! وحتى إن كان ما ستقوله "في كلمتين"، فهذا لا يعني أن الجلسة ستستغرق دقائق معدودة.. حيث ينبغي على أب الاعتراف أن يجلس معك في جلسة إرشاد روحي تأخذ دقائق عديدة..
ثم من جانب آخر استمرار الاعتراف مع أب معين مفيد في تتبع المستوى الروحي وتطور حالتك الروحية، وهو يكون أجدر في إعطائك الإرشاد المناسب.. إلخ.
لا تؤجل أكثر من هذا، ولا تضع شروطًا تعجيزية لك للاعتراف، قم الآن وانفض الكسل عنك وضع موعدًا خلال هذا الأسبوع أو في أقرب فرصة لإنهاء هذا الموضوع.. وليكن الرب معك ويحفظك ويبارك في حياتك..
_____
(*) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت
www.st-takla.org (م. غ.) - مراجعة لغوية: سامي فانوس.الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f7tx5af