الله يريد من الإنسان أن يعترف بخطاياه ويطلب منه هذا. وكان هذا معنى سؤال الله لآدم وقايين. والله لم يسأل الحية لأنه لا اعتراف للشيطان ولا توبة. فالله حين سأل آدم قائلًا "أين أنت"، وحين قال لقايين "أين هابيل أخوك"، كان الله يعلم الإجابة قطعًا، بدليل أنه قال لقايين "دم أخيك صارخ إليَّ من الأرض". لكن كان الله يدفع ويستدرج آدم وقايين للاعتراف بخطإهم. وحين اعترف داود بخطيته أمام ناثان النبي، قال له ناثان "الرب نقل عنك خطيتك" (2صم12: 13). والعكس مع شاول الملك فحينما أصر على أنه لم يخطئ رفضه الله (1صم16: 1). ولكن لاحظ أن اعتراف داود لناثان صاحبه توبة واضحة، فهو ظل يبكي على خطيته العمر كله. ويتضح صدق توبته ودموعه من المزمورين6 ، 51 (المزمور الخمسون في الأجبية). أما شاول فقد قال أخطأت ولكن بلا أي ندم في قلبه، بل نجده مستمرا في تحديه لله.
1-هناك اعتراف لله كاعتراف الابن الضال "أخطأت إلى السموات وقدامك..." وكالعشار الذي قال "ارحمني يا رب فأنا خاطئ" ومثل اعتراف داود "لك وحدك أخطأت..."
2-اعتراف على الشخص الذي أخطأ إليه بقصد المصالحة كما قال السيد المسيح "إن تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك فاترك قربانك على المذبح واذهب أولًا اصطلح مع أخيك" (مت23:5). واعترف هارون ومريم على أخيهما موسى (عد11:12). ولكن موسى هنا يعتبر أيضًا كاهنًا. ومن أمثلة ذلك اعتراف الشعب على موسى عندما تذمروا فأرسل الله عليهم حيات.
3-الاعتراف فيما بين الإنسان ونفسه. لأن الإنسان يجب أن يعترف بينه وبين نفسه أنه أخطأ، ويشعر في أعماقه من الداخل أنه مذنب. لأن عبارة أخطأت لو قالها الإنسان بالفم فقط دون أن يعترف بها القلب تكون عبارة باطلة. واعتراف الإنسان بينه وبين نفسه أنه أخطأ هو أساس جميع أنواع الاعتراف الأخرى وهو الذي يقود الإنسان للتوبة وإلى الاعتراف للكاهن، ومن هنا عندما يعترف للكاهن لا يبرر نفسه ولا يدافع عن نفسه ولا يلتمس لنفسه الأعذار فلا يضيع الوقت مع أب الاعتراف في الجدال لأنه موقن بينه وبين نفسه أنه أخطأ.
4-الاعتراف على كاهن: وهذا في الواقع ليس اعتراف لإنسان وإنما هو اعتراف لله في سمع الكاهن، أو اعتراف لله أمام وكيله على الأرض (1كو1:4). إذًا لا تعتقد أنك واقف أمام إنسان وإنما أمام نائب الله الذي أخطأت إليه. والاعتراف معناه أن يدين الإنسان نفسه وأن يكشف نفسه ويتهم نفسه أمام وكيل الله. والاعتراف أمام إنسان فيه خجل وإذلال للنفس وهذا يساعد الإنسان على ترك الخطية في المستقبل، لأن الإنسان لا يخجل من الله بدليل أنه ارتكب الخطية أمام الله ولم يخجل. وخيرٌ للإنسان أن يخجل أمام إنسان واحد من أن يخجل أمام الملائكة وكل البشر في اليوم الأخير.
- وكان الاعتراف موجودًا في العهد القديم. فكان الخاطئ يأتي بذبيحة للكاهن ويضع يده على رأس الذبيحة البريئة ويعترف بخطيته فتنتقل الخطية للحيوان البريء ويذبح كعقوبة، كحامل لخطية الخاطئ. وهذا ما تم فعلًا بالصليب ويتم الآن بالاعتراف. فخطايا المعترف تنتقل إلى المسيح الذبيح (لا5: 5، 6). فالرب وضع عليه إثم جميعنا (إش6:53) فالمسيح هو حمل الله حامل خطايا العالم.
فالمعترف يعترف للروح القدس، والكاهن يسمع الاعترافات فيحولها الروح القدس إلى حساب المسيح ثم ينطق الكاهن بكلمات الحل. وفي القداس يحول الروح القدس هذه الخطايا لتوضع على ذبيحة الإفخارستيا فتغفر. بالتوبة والاعتراف نستحق المغفرة وبالتناول ننال المغفرة.- وأيضًا "كلم الرب موسى قائلًا: قُل لبني إسرائيل إذا عمل رجل أو امرأة شيئًا من جميع خطايا الإنسان وخان خيانة بالرب؛ فقد أذنبت تلك النفس. فلتقر بخطيتها التي عملت، وترُدَّ ما أذنبت به بعيْنِهِ، وتَزِدْ عليه خُمسَهُ وتدفعه للذي أذنبت إليه" (عد5: 5-7) فلا بُد من وجود الإقرار بالخطية.
وهذا ما حدث مع عاخان بن كرمي الذي قال له يشوع اعْتَرِفْ أمام الله وَأَخْبِرْنِي (يش 19:7) وظل الاعتراف معمولًا به حتى أيام يوحنا المعمدان (مت6،5:3 + مر5،4:1) فكان الشعب يأتون معترفين بخطاياهم ويعتمدون، فنرى هنا أيضًا ارتباط المعمودية بالاعتراف. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وداود اعترف على ناثان (2صم13:12).
كان هذا بعد قيامة الرب يسوع حين ظهر لتلاميذه "فقال لهم يسوع أيضًا، سلام لكم! كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولما قال هذا نفخ وقال لهم "اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو20: 21 - 23).
وكان الرب يسوع قد أعطى سلطان الحل والربط من قبل لتلاميذه (مت18: 18). وكان هذا أيضًا تأسيسا لسر الكهنوت. لأننا نجد في هذه الآيات أن المسيح أعطى لتلاميذه، وبالتالي لخلفائهم سلطان الحل والربط وغفران الخطايا ليكملوا ما بدأه المسيح نفسه.
ويؤكد القديس يعقوب على ضرورة اعتراف المريض للكاهن قبل أن يصلي له ويمسحه بالزيت "... اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات..." (يع5: 14 - 16).
وفي العهد الجديد مارس الرسل سماع اعترافات الناس (أع18:19) "فكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بأعمالهم". وواضح أن هذه الممارسة أتت نتيجة لقول المسيح "من غفرتم لهم خطاياهم غفرت لهم ومن أمسكتموها عليهم أمسكت" (يو21:20-23). وطبعًا كيف يمسكوا على الناس شيئًا أو يغفروا شيئًا دون أن يعلموا به، وهذا الاعتراف يرتبط أيضًا بسلطان الحل والربط الذي أعطاه الرب لبطرس (مت19:16) ولباقي الرسل (مت18:18).
ولقد مارس بولس الرسول عقوبة الربط مع زاني كورنثوس (1كو5:5) ثم رفع العقوبة عنه في (2كو6:2، 7).
ويجب أن نعرف أن الاعتراف مرتبط بالتوبة فهو ليس مجرد كشف للنفس إنما يحمل أيضًا الندم والعزيمة الصادقة على التوبة وترك الخطية والمعيشة مع الرب، لأن كثيرين اعترفوا ولم يتوبوا فلم يستفيدوا من اعترافاتهم مثل فرعون مع موسى، إذ قال أخطأت كثيرًا ولم يتب ومات هالكًا. وهكذا شاول الملك قال لصموئيل أخطأت
ولم يتب، وهكذا يهوذا إذ قال "أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا" هو اعتراف باللسان دون تجديد للقلب من الداخل. والسر أصلًا نسميه سر التوبة والاعتراف. والسيد المسيح يقول "إن لم تتوبوا فجميعكم هكذا تهلكون" (لو3:13).ومن مظاهر التوبة والاعتراف، يقول الكتاب "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم" (أم13:28). وهذا لأن الخطايا المكتومة دون اعتراف تتكرر بسهولة، والاعتراف يكشفها للنور. النور يظهر مدى بشاعتها، أما من يكتمها ستظل في الظلمة غير ظاهرة وبلا توبة. فالمعترف يكون كمن يدير وجهه تاركا الظلمة وراء ظهره ناظرا لنور الشمس. لذلك تعتبر التوبة تجديدا لعهد المعمودية. وكلمة تاب جاءت من آب أي رجع، فالتوبة هي رجوع إلى الله.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/kn9bccb