إننا نطلب من الله المغفرة. والله من جانبه مستعد أن يغفر ولكن المهم: هل نحن مستعدون من جانبنا لقبول هذه المغفرة؟ هناك شروط: فما هي؟ نقول في الصلاة "اغفر لنا.. كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا".
أو هي اتفاق بيننا وبين الله. ونلاحظ أن الله اهتم بهذا الشرط جدًا. فهذه الطلبة هي الوحيدة من بين الطلبات السبع في الصلاة الربانية التي علق عليها الوحي الإلهي. وتكلم الرب عنها بعد أن علمنا إياها.. ففي الإنجيل لمعلمنا متى البشير، يقول الرب بعد هذه الصلاة مباشرة: فإنه أن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم" (مت 6: 14،15). ويوضح هذا في الإنجيل لمعلمنا مرقس الرسول، فيقول: "ومتى وقفتم تصلون، فاغفروا إن كان لكم علي أحد شيء، لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السموات زلاتكم، وأن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذي في السموات أيضًا زلاتكم" (مر 11: 25، 26). ونفس المعني يتكرر في الإنجيل لمعلمنا لوقا الرسول، فيقول الرب "لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون، يكال لكم" (لو 6: 37، 38). إذن أن أردنا أن يغفر الرب لنا، علينا أن نغفر نحن أيضًا لمن أذنب إلينا مهما كانت إساءاته، ومهما كثرت، حتى إلي سبع مرات سبعين مرة في اليوم، كما أجاب الرب تلميذه بطرس الرسول.
وأن لم نغفر فإننا باب المغفرة أمام أنفسنا ونكون نحن الخاسرين..
من تلقاء نفسك، أغفر، وبالأكثر إن آتاك المذنب إليك معتذرًا، لا تحقق معه، وإنما اغفر له. تذكر كيف أن السيد المسيح وهو علي الصليب غفر لصالبيه وقدم عنهم للأب عذرًا، فقال "يا أبتاه أغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون". وتذكر أن القديس اسطفانوس أول الشمامسة والشهداء. فيما كان اليهود يرجمونه ظلمًا، صلي من أجلهم قائلًا "يا رب، لا تقم لهم هذه الخطية" (أع 7: 60) تنازل عن حقك تجاه الناس، لكي يتنازل الرب عن حقويه من جهتك، ولكي تكون لك داله في الصلاة حينما تقول "كما نغفر نحن أيضًا". وكذلك لكي تكون بهذا الأسلوب الروحي، صورة من أبيك السماوي وأبنا حقيقيا مشابهًا لأبيه في مغفرته، حسبما يبلغ مستواك..
فأنت حينما تغفر، إنما تعطي المغفرة لنفسك.
أسأل نفسك إذن هذا السؤال: حينما تعطي مغفرة للآخرين هل أنت تعطي مغفرة، أم أنت تأخذ مغفرة! لا شك أنك تعطي وتأخذ ولكن إذا كنت لا تغفر، فإنك تمنع المغفرة عن نفسك. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). لأن الرب يقول "إن لم تغفروا للناس زلاتهم لكم أبوكم السماوي". إذن فأنت تغلق باب المغفرة علي نفسك بعدم مغفرتك لغيرك..
يقول القديس أوغسطينوس: والشخص الذي لا تغفر له يستطيع أن يأخذ المغفرة من الله مباشرة.
إنه يأتي ويقول لك " أخطأت إليك، سامحني، فترض فيذهب لي الله ويقول له "اغفر لي أنت. أقع في يديك ولا أقع في يد إنسان، لأن مراحمك واسعة" (2صم 24: 14). فيغفر له الله، لأن الله في يده سلطان المغفرة. أما أنت فلا تخرج مبررًا، لأن الله لا يغفر لك بسبب عدم مغفرتك لأخيك.
وهكذا يخرج هو محاللًا، وتخرج أنت مربوطًا.
وبهذا الشكل تؤذي أنت نفسك، أكثر مما يؤذيك عدوك يقول القديس أغسطينوس "أن عدوك لا يستطيع بأي حال أن يؤذيك بقسوته، كما تؤذي أنت نفسك إن لم تحبه". "لأنه قد يألف عقارك أو قطعانك أو بيتك.. أو علي الأكثر جسدك، أن أعطي له مثل هذا السلطان.. ولكن هل يستطيع أن يتلف نفسك؟! كما تستطيع أنت أن تتلف نفسك!!"
عدوك قد يضرك في أشياء خارج نفسك. ولكنك أنت تضر نفسك إن جعلتها مجالًا للبغضة والكراهية.
إنك لم تضر نفسك بعدم التسامح. ولا يكون عدوك هو الذي أضرك. إنما أنت الذي تضر نفسك.
فإن بقيت غير راض عمن أساء إليك، أو إن دعوت عليه بالشر، هب تظن أن الله يقبل ذلك؟! كلا بلا شك. ولكنك إن أحسنت إليه، فإنك تنفع نفسك.. استمع إلي قول الرب في عظته علي الجبل، حيث يقول:
"بالكيل الذي به تكيلون، يكال لكم" (مت 7: 2).
فكما تعطي الناس، الله يعطيك. والقياس مع الفارق. إن أعطيت الناس مغفرة، يعطيك مغفرة. وإن عاملتهم بقسوة، يقول لك إنك لا تستحق المغفرة. ولا تظن أنك إن عاملت غيرك بالقسوة، يعاملك الله باللين. انظر القصة التي رواها الرب في الإنجيل: قال "يشبه ملكوت السموات، إنسانًا ملكًا أراد أن يحاسب عبيده. فلما ابتدأ في المحاسبة، قدم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنه. وإذ لم يكن له ما يوفي، أمر سيده أن يباع هو وامرأته وأولاده وكل ماله ويوفي الدين. فخر العبد وسجد له قائلًا: يا سيد تمهل علي فأوفيك الجميع. فتحنن سيد ذاك العبد،وأطلقه وترك الدين. ولما خرج ذلك العبد، وجد واحدا من العبيد رفقائه كان مديونًا له بمائه دينار، فأمسكه وأخذ يعنفه قائلًا أوفيني ما عليك فخر العبد رفيقه علي قدميه وطلب إليه قائلًا تمهل علي فأوفيك الجميع. فلم يرد، بل مضي وألقاه في السجن حتى يوفي الدين. فلما رأي العبيد رفقاؤه ما كان، حزنوا جدًا واتوا وقصوا علي سيدهم كل ما جري، فدعاه حينئذ سيده وقال له أيها العبد الشرير، كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إلي. أفما كان ينبغي أنك أيضًا ترحم رفيقك كما رحمتك. وغضب سيده وسلمه للمعذبين، حتى يوفي كل ما كان له عليه" (مت 18: 23- 34). وختم الرب القصة قائلًا:
"فهكذا أبي السماوي يفعل بكم، أن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته" (مت 18: 35).
أنت يا أخي هو ذلك الشخص الذي ترك له الرب الدين الكبير الذي عليه، ولم يطرحه إلي العذاب الأبدي. فأغفر إذن لأختك. أن كنت لا تريد السيد أن يغضب عليك. لأنه غفر لك أكثر بكثير مما ستغفره أنت لأخيك. علي الأقل أنت ستغفر لأخيك ما فعله معك، أما الرب، فقد غفر لك أكثر من هذا: خطايا الفكر، ومشاعر القلب، وكل ما ارتكبته ضد الله وضد الناس وضد نفسك، ومشاعر القلب، وكل ما ارتكبته ضد الله وضد الناس وضد نفسك. ونلاحظ أنه في المثل الذي رأوه الرب عبارة خطيرة وهي:
إن السيد بعدما غفر للعبد كل ما عليه، عاد وحاسبه علي كل الخطايا القديمة، لأنه لم يغفر لأخيه.
أي أن المغفرة التي أخذها، عاد ففقدها بسبب عدم مغفرته. هكذا إن لم تغفر لأخيك، يسحب الله منك المغفرة التي نلتها من قبل.. أليست هذه مسألة خطيرة ينبغي أن تضعها في اعتبارك وستجد أنك تضر نفسك تمامًا أن لم تغفر لأخيك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/778qygh