محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23
آيات 1-3:- "فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّ جِهَادٍ لِي لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَجَمِيعِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا وَجْهِي فِي الْجَسَدِ، لِكَيْ تَتَعَزَّى قُلُوبُهُمْ مُقْتَرِنَةً فِي الْمَحَبَّةِ لِكُلِّ غِنَى يَقِينِ الْفَهْمِ، لِمَعْرِفَةِ سِرِّ اللهِ الآبِ وَالْمَسِيحِ، الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ."
لاودكية = هي مدينة في آسيا الصغرى بالقرب من كولوسي، على نهر ليكوس، وبشرها أبفراس، وهو يذكرها هنا لأن أبفراس بشرها مع كولوسي ولأن لهم نفس المشاكل، ويبدو أن كنيسة لاودكية كانت هي الأكبر (كو15:4، 16).
أريد أن تعلموا = لو علموا محبته لهم وجهاده لأجلهم لاستمعوا لتعاليمه.
أَيُّ جِهَادٍ
= كل عمل وكل خدمة لبناء كنيسة المسيح يقاوَم بحروب شديدة وخداعات كثيرة من إبليس، ولذلك يحتاج الخدام أن يجاهدوا في الاهتمام بأولادهم والصلاة لأجلهم وتعليمهم وكرازتهم. وهنا نرى محبة بولس الرسول لكنيسة المسيح، فهو يجاهد ليس لمن علمهم فقط بل حتى لمن لم يراهم كأهل كولوسي ولاودكية الذين لم يكن قد رآهم قبل حبسه في روما. وهكذا كل مسيحي حقيقي عليه أن يصلي حتى لمن لا يعرفهم. إن بولس لو استطاع لذهب إليهم ولكن قيوده في سجنه كانت تمنعه فاكتفى بالرسائل لهم والصلاة لأجلهم. وماذا يطلب الرسول لهم، أو ماذا يجاهد لأجله في صلاته عنهم؟ تَتَعَزَّى قُلُوبُهُمْ مُقْتَرِنَةً فِي الْمَحَبَّةِ = أي يطلب لهم أن يتعزوا وأن يقترنوا بالمحبة (تكون لهم علاقات قوية في المحبة) وعمومًا فلا تعزية سوى في المحبة، فالمحبة هي أولى ثمار الروح القدس. "هوذا ما أحسن وما أحلى أن يجتمع الإخوة معًا.. كالطيب النازل على الرأس، على اللحية" (مز 133: 2،1). هذا المزمور يشرح ما يريده الرسول، فحين نجتمع في محبة ينسكب الروح علينا (الذي إنسكب على المسيح الرأس ينسكب علينا نحن المشبَّهين هنا باللحية لارتباطنا بالمسيح الرأس، والطيب هو الزيت الذي كان يسكب على رأس هرون إشارة إلى الروح القدس). والروح القدس هو الْمُعَزِّي (يو14: 16، 26) + (يو26:15). والروح القدس يقرن بين قلوبنا بالمحبة، فهو يربط أعضاء جسد المسيح الذين هم نحن بمفاصل آية 19 والمفاصل هي المحبة. وإستعمل الرسول كلمة اقتران إشارة لقوة رباطات المحبة بيننا. ومن يتجاوب مع الروح القدس ويحب الإخوة يملأه الروح القدس من تعزياته. ولاحظ أن التعزية الحقيقية التي يعطيها الروح تُختبر بالأكثر وسط الضيقات ، والمحبة الحقيقية للناس تُعرف في استمرارها حتى لمن يسيئون إلينا.لكل غنى يقين الفهم = أي لن نصل إلى الفهم الأكيد للأسرار الإلهية بدون محبة وهذا ما فهمناه من (أف 3: 19،18). فكيف ندخل بيت الملك ونطلع على أسراره دون أن يدعونا هو لذلك، وكيف يدعونا إن لم يكن هناك محبة؟
لِكُلِّ
= تعني لبلوغ (الترجمة التفسيرية) وفي الإنجليزية TO ATTAIN. والفهم المقصود به في اليونانية.. المعرفة العملية أو الاختبارية وهذه تكون بتنفيذ الوصايا فنعرف المسيح. (مت7: 24 – 27). وهنا نرى العلاقة بين السلوك الروحي وحصولنا على المعرفة الروحية. من يطيع الوصايا سيعرف المسيح عن اختبار. يقين الفهم أي الفهم الكامل الصحيح، ومن له هذا الفهم وعرف المسيح سيكتشف بسهولة ضلال الهرطقات.والروح القدس هو الذي يُعَلِّم وَيُذَكِّر، مَنْ يمتلئ منه، يملأه الروح من المحبة. وهنا الرسول يريد لهم أن يفهموا أنه لا الفلسفة ولا التهوُّد سيعطيانهم شيئًا. بل أن البر سيكون لهم بالمسيح، والمعرفة ستكون بالمسيح، والحكمة ستكون بالمسيح الذي يعطي لكنيسته كل شيء فهو المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة لمعرفة سر الله الآب والمسيح = الرسول يصلي حتى يفتح الله قلوبهم ويفهموا سر الآب والمسيح، أي العلاقة بين الآب والمسيح. فالآب في الابن والابن في الآب (يو 9:14-11). وأن الابن مولود أزلي من الآب كشعاع نور مولود من الشمس، هو يعلن لنا الآب الذي لا نستطيع أن ندركه. وأن الآب هو نبع للمحبة، وإشعاعات الحب الإلهي تنبعث من الآب لتصب في الابن المحبوب بالروح القدس. وأن يفهموا أننا بتجسد المسيح دخلنا في هذه الدائرة الإلهية، فبإتحادنا بالابن صرنا أبناء، وأصبح الروح القدس يسكب المحبة الإلهية فينا (رو5:5) هذه هي مقاصد الله الأزلية في المسيح من جهة الكنيسة أي فداء المسيح الذي به جعل الكنيسة جسده، فحصلت الكنيسة على البنوة، وبالتالي صار لها مجد المسيح.
الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ = المسيح هو أقنوم الحكمة ويحوي كل حكمة ومذخر فيه، أي يستتر فيه حكمة خفية عن الأنظار. وقوله كنوز يعني أنها شيء قيِّم جدًا لا يقدر بثمن وأنها لن تفرغ أبدًا وأنها عظيمة الفائدة. فهو مصدر كل حكمة. وهذا رد على الغنوسيين الذين يقولون أن المعرفة تأتي من الفلسفة والعقل والبحث، بل تصوروا أن معرفتهم وحكمتهم البشرية يمكن أن تفوق المسيح نفسه، لذلك يشرح لهم الرسول أن المسيح فيه كل حكمة، وأي حكمة خارجة عن المسيح ما هي إلاّ ضلال كما أضلت الحية حواء. والمسيح يعطي حكمته لمن يشاء من المؤمنين (لكل من هو ثابت فيه ومتحد معه) وليس لمن يعتمد على حكمته البشرية. ويعطيها للبسطاء (مت25:11). وبالتالي لا توجد حكمة أعلى من حكمة المسيح. وكما سنرى في (الآيات9 ، 10) أن المسيح حل فيه كل ملء اللاهوت ليصير بإتحادنا به مصدرا لكل ما نحتاج إليه من حكمة ومعرفة حقيقية وحياة أبدية كما سنرى.
آيات 4-7:- "وَإِنَّمَا أَقُولُ هذَا لِئَلاَّ يَخْدَعَكُمْ أَحَدٌ بِكَلاَمٍ مَلِق. فَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ غَائِبًا فِي الْجَسَدِ لكِنِّي مَعَكُمْ فِي الرُّوحِ، فَرِحًا، وَنَاظِرًا تَرْتِيبَكُمْ وَمَتَانَةَ إِيمَانِكُمْ فِي الْمَسِيحِ. فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ، مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ، وَمُوَطَّدِينَ فِي الإِيمَانِ، كَمَا عُلِّمْتُمْ، مُتَفَاضِلِينَ فِيهِ بِالشُّكْرِ."
بِكَلاَمٍ مَلِق = أي كلام له بريق وباطنه يحمل سمًا مميتًا، وهذا هو هدف إبليس أن يخدع المؤمنين بشيء آخر خارج عن المسيح ليميتهم، هكذا فعل مع حواء. والغنوسيون خدعوهم بأن الانتفاخ بالمعرفة بعيدًا عن المسيح فيه الخلاص. ولاحظ الخداع هنا أنه كان باللعب على وتر الأنا والكبرياء والغرور، فالمعرفة عند الغنوسيين هي للكاملين الناضجين بإستعمال العقل الإنساني، وكل من يسمع هذا يود لو كان من الكاملين وليس من البسطاء بحسب تقسيم الغنوسيين. وهذا هو خداع الحية، النغمة التي ترضي الذات فتنتفخ.
هدف الرسالة أن المسيح هو رأس الكنيسة، وهو مصدر كل خيراتها، وهو قوتها وحافظها "فيه يقوم الكل" (كو1: 17). وهو مدبر كل أمورها، هو يحملها ويجول وسطها يحميها (رؤ2: 1 + إش66: 12). والرسول يحذرهم أن لا يخدعكم أحد بأن هناك مصدر آخر. لا عقولنا ولا فلسفاتنا ولا قوتنا البشرية كما يقول الغنوسيون، لذلك قال المرنم "لاَ يُسَرُّ بِقُوَّةِ الْخَيْلِ. لاَ يَرْضَى بِسَاقَيِ الرَّجُلِ" (مز147: 10). ومن ناحية أخرى يشير إلى أن الناموس غير قادر أن يطهر أحد بطقوسه كالختان أو الذبائح، فالمسيح صار هو بدمه يطهرنا، والتي كانت الذبائح مجرد رمزا لصليب رب المجد (كو1: 20 + رؤ7: 14).
وَنَاظِرًا تَرْتِيبَكُمْ وَمَتَانَةَ إِيمَانِكُمْ = هذا ما أخبره به أبفراس فأراد الرسول أن يثبتوا على الإيمان الذي تسلموه. والرسول بالرغم من بُعْده عنهم فهو في سجنه في روما منشغل بهم في أفكاره وإهتماماته، يصلي لأجلهم، فكأنه يعيش معهم = لكِنِّي مَعَكُمْ فِي الرُّوحِ. والروح الإنسانية هي عنصر الاتصال بين الإنسان والروح القدس. فقولنا إنسان روحي يعني أن روحه الإنسانية خاضعة للروح القدس، الروح القدس يقود الروح الإنسانية، والروح الإنسانية تقود الجسد. وقول الرسول هنا لكِنِّي مَعَكُمْ فِي الرُّوحِ يعني أن بولس الرسول منشغل بحال كنيسة وشعب كولوسي ويصلي لأجلهم، والروح القدس يعطيه تعزية ويطمئنه عليهم، أو أن الروح القدس يعطيه إرشاد بالتعليم الذي يوجهه لهم ليصحح أي خطأ عقيدي تسلموه من المتهودين أو الغنوسيين. وراجع تفسير الآيات (كو1: 9 - 11).
مَتَانَةَ = تعبير عسكري يشير لجيش قوي مرتب قادر أن يصد غارات العدو الذي يحاول فتح ثغرة في جبهة القتال.
فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ اسْلُكُوا فِيهِ = فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ (so then, as you received Jesus as Lord and Christ) والمقصود إستمروا على ما تعلمتموه من أبفراس عن المسيح ولا تنحرفوا وراء الأفكار المنحرفة التي تحاول خداعكم. وقوله "اسلكوا فيه" تعني ثباتهم في المسيح وإتحادهم معه، لا يشغل فكرهم ولا قلوبهم سواه، وإن فعلوا وأحبوا المسيح لهذه الدرجة، وملأ حبه قلوبهم، لن يستطيع عدو الخير أن يجد مكانًا في قلوبهم لأي محبة للعالم ولا لفكر غريب، فالقلب ملآن غير قابل أن ينشغل بشيء آخر وقوله "اسلكوا فيه" = فهو الطريق وعلينا أن نثبت فيه يفهم منه أن من يثبت فيه، وهو الطريق المؤدي للآب، يصل لحضن الآب. والثبات فيه يكون:
1. لمن آمن واعتمد ويحيا حياة توبة متبعا وصايا الكتاب. مثل هذا تصير له حياة المسيح . ويستخدم المسيح أعضاءه كآلات بر .
2. دائم التناول من جسد الرب ودمه.
3. لا ينكر إيمانه.
مُتَأَصِّلِينَ وَمَبْنِيِّينَ فِيهِ ROOTED AND BUILT UP IN HIM
مُتَأَصِّلِينَ... فِيهِ = التشبيه هنا بالنبات، وهذا له جذور تمتد في باطن الأرض، وكلما كان الجذر عميقًا يحصل على المياه فينمو النبات، وكلما كان قويًا ينمو النبات. لذلك كانت دعوة المسيح "أدخلوا إلى العمق". فكلما دخل المؤمن للعمق يصل للمياه (الروح القدس) فيكون غرسًا روحيًا. ولاحظ قوله فيه فنحن كلما نثبت في المسيح ونتحد به ندخل للعمق فنرتوي من مياه الروح القدس وننمو فيه، فالروح يحل علينا فقط لأننا متحدين وثابتين في المسيح (أف 15:4). فأعضاء الجسد لابد وأن تنمو. ولا نمو إلاّ لو كنا ثابتين فيه ولا إرتواء من العمق إلاّ لو كنا ثابتين فيه. وكيف نثبت فيه كمؤمنين؟
1. طبعًا مادمنا مؤمنين فلا محل للكلام عن الإيمان والمعمودية، فهذا موجود.
2. تكون حياتنا منسجمة مع المسيح بلا سماح بأي إستخفاف بالخطية وأن نسلك في قداسة. والتناول المستمر من جسد الرب ودمه.
3. التمسك بالإيمان القويم، المسلَّم مرة للقديسين (يه 3).
4. السلوك بمحبة نحو كل إنسان. فالله محبة، وحياة بلا محبة لا يحتملها الله.
5. الالتصاق المستمر بالله (صلاة - دراسة كتاب - تسبيح - اجتماعات......).
6. زيادة أصوامنا كوسيلة للزهد في محبة العالم. فالصوم والصلاة أسلحة ضد إبليس، كما قال السيد المسيح.
باختصار يكون المسيح كل حياتنا. نحن كنا متأصلين في آدم حين سقط، لذا إشتركنا في عواقب الخطية. وهكذا صرنا متحدين مع المسيح كرأس جديد ، ولنا
الإشتراك معه في الحياة التي يحياها الآن، وننتظر أن ننضم إليه في المجد العتيد أن يُستعلن فينا.ولكن:-
نفهم مما سبق أنه لكي ندخل إلى العمق ونمتلئ من الروح القدس علينا أن نثبت في المسيح. ولكن أيضًا الذي يثبتنا في المسيح هو الروح القدس الذي يسكن فينا بسر الميرون، الذي نسميه أيضًا سر التثبيت (2كو1: 21 ، 22). فمن أين نبدأ؟ أجاب الرب على هذا السؤال في (مت7: 24 - 27) حينما علَّمَ بأن من يسمع أقواله أي وصاياه ويعمل بها يثبت فيه. وكلما ثبتنا في المسيح ندخل إلى العمق أي نمتلئ من الروح. والبداية هي التغصب على حفظ الوصايا (مت11: 12). وكلما فعلنا نمتلئ بالروح، وهنا تزداد النعمة أي القوة التي يعطيها الروح القدس لتعين (رو8: 26). وهنا يصبح حفظ الوصايا سهلا كما قال الرب "لأن نيري هين وحملي خفيف" (مت11: 30). وهذا ما إختبره بولس الرسول فقال " لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا" (عب12: 1). فهناك جهاد (تغصُّب) ولكن هناك نعمة تعين من يريد أن يبرأ، فتصبح مقاومة الخطية سهلة.مبنيين... فيه = التشبيه السابق كان المؤمن مشابهًا لنبات ينمو، وهنا يشبه المؤمن بحجارة حيَّة في مبنى أساسه المسيح. وهذان المثلان سبق للرسول استخدامهما في (1كو 9:3). والمبنى يشير لتراص المؤمنين في محبة ليكمل البناء. وثباتنا في المسيح هو السبب في أنه يعطينا حياته "لي الحياة هي المسيح" (في 21:1) + "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ" (غل20:2). وبهذا نكون حجارة حية.
مُوَطَّدِينَ فِي الإِيمَانِ
= يوطد أي يثبت أو يرسخ. فقطعًا كلما تأصل المسيحي في المسيح يثبت إيمانه، الإيمان الصحيح الذي قبلناه عن طريق الرسل والكنيسة. وموطدين = غير مزعزعين. كَمَا عُلِّمْتُمْ = كما علمكم أبفراس وليس المتهودون أو الغنوسيون مُتَفَاضِلِينَ فِيهِ بِالشُّكْرِ = متفاضلين أي مكثرين أو فائضين أو يزداد إيمانكم فيه = أي في الإيمان. وكيف يزداد إيماننا؟ بِالشُّكْرِ. فمن يحيا شاكرًا على كل شيء يزداد إيمانه، ومن يحيا متذمرًا ينقص إيمانه، لذلك تعلمنا الكنيسة أن نبدأ كل صلواتنا بالشكر، ونشكر على كل حال وفي كل حال. وكلما ازداد الإيمان يزداد فرحنا فنشكر، وكلما عشنا حياة الشكر يزداد إيماننا. وهكذا...لقد كانت البرية بالنسبة لشعب إسرائيل مدرسة للإيمان، علمهم فيها الله حياة الإيمان.
(راجع مقدمة سفر الخروج تحت عنوان مدرسة الإيمان). فهم عرفوا الله بالعيان في مصر، عرفوه كإله جبار إذ رأوا بعيونهم الضربات العشر وشق البحر. لكن الله لا يمكن إرضاؤه إلاّ بالإيمان أي الثقة فيه وفي أحكامه كإله صانع خيرات (عب 6:11). فكان لا بُد أن ينقلهم الله إلى حياة الإيمان، فإننا في هذا العالم نسلك بالإيمان لا بالعيان (2كو7:5). والإيمان هو الثقة بأمور لا تُرى (عب1:11). وكان هذا بأن الله سمح لهم ببعض التجارب (ماء مر / لا ماء/ لا طعام...) وكان عليهم أن يذكروا أعمال الله السابقة معهم، ولكنهم تذمروا فلم يزداد إيمانهم، لم يستفيدوا من مدرسة الإيمان. والله يسلك معنا حتى الآن بنفس الطريقة، فهو يسمح ببعض التجارب، ومن يحيا حياة الشكر وسط التجارب واثقا أن الله سيتدخل، يرى يد الله حين تمتد لتنقذه من التجربة، فينمو إيمانه، ومن يتذمر يفقد رؤية يد الله فلا ينمو إيمانه، ولا يستفيد من درس التجربة، ولا يرضي الله.
آيات 8-10:- "اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ. فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا. وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ."
في آية 8 نرى الرسول يحذر من خطرين.. الفلسفة = أي الغنوسية وخطرها أنها تعلم أن الخلاص بدون دم المسيح.. والتهود = تقليد الناس هذه لا تعني التقاليد بصفة عامة، بل تعني تعاليم الآباء اليهود التي تخالف الناموس والتي هاجمها السيد المسيح (مت 15: 2، 6) وخطر هذه:
أنها تخالف الناموس صراحة (مت15: 3 ، 6 + مر7: 8 ، 9 ، 13).
وهناك خطر من إتباع الناموس حرفيًا دون روح الناموس،
وهذا يعود بنا للذبائح والختان والتطهيرات الجسدية.. إلخ وهذا ما يعلِّم به المتهودون، وهذا هو المقصود في هذه الآية من قوله تَقْلِيدِ النَّاسِ = أي ما يعلم به المتهودون من ضرورة الالتزام بحرف الناموس والارتداد لطقوس الناموس التي كانت رمزا للمسيح، فإذا جاء المرموز إليه يبطل الرمز.
بَاطِل
= جوفاء وغاشة وخادعة تعد بالسعادة ولكن لا تعطيها. والرسول أسمى التهود تقليد الناس، لأنهم تمسكوا بتقاليد الناس أي آبائهم أكثر من تمسكهم بالناموس نفسه، وهذا ما قادهم لإنكار المسيح. أما الرسل وغيرهم من الذين آمنوا بالمسيح فهؤلاء قد تمسكوا بالناموس قلبيًا لإرضاء الله وليس لإشباع غرورهم وكبريائهم وإثبات برهم الذاتي، فأدركوا المسيح وإكتشفوه فغاية الناموس هو المسيح (رو 4:10).حسب أركان العالم = كلمة أركان تشير لغويًا للحروف التي تتكون منها اللغة وهذه الكلمة تعني الأوليات. ويقصد الرسول أن هذه الفلسفات البشرية لا تتقدم إلى ما هو أبعد من معرفة المحسوسات والقشور الخارجية. ولذلك استخدم الرسول كلمة أركان العالم إشارة للعناصر الضعيفة أو الأوليات.
فالفلسفة أو الطقوس الناموسية لن توصل أحدًا لأن يعرف الله، فلن يعرف أحد الله إلَّا بيسوع المسيح. فنحن صرنا أبناء لله بالمسيح يسوع، وصرنا قادرين أن نرى الآب حين نرى المسيح. وقوله وليس حسب المسيح = أي أن تقليد الناس والفلسفة مصدرهم ليس المسيح، بل تصورات الناس وهذه لا ترضي المسيح.
فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا:
فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا:
كلمة اللاهوت تعني الكيان الإلهي والجوهر الإلهي. ففي التجسد لم يتحد جزء من اللاهوت مع جسد المسيح بل كل اللاهوت. اللاهوت بالكامل اتحد بالجسد. فالمسيح هو الله حتى لو اتخذ شكل إنسان. وكلمة يحل = جاءت بمعنى الاستمرار أي أن الألوهية ساكنة فيه على الدوام، كل الطبيعة الإلهية في كمالها.
وهذه الآية تشير أيضًا لأن المسيح لم يترك جسده بعد أن أنهى عمله الفدائي بل لقد كان إتحاد اللاهوت بالجسد (الناسوت) بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولم ينفصلا قط لحظة واحدة ولا طرفة عين. وفي هذه الآية نرى ردًا على الغنوسيين فالمسيح هو الله نفسه وليس أيونًا وَسَطًا. وكان اتحاد اللاهوت بالناسوت بركة لنا. فنحن بالمعمودية والتناول نتحد بجسده، فنمتلئ من كل بركة نحتاج إليها.
وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ = أي في المسيح نمتلئ من كل البركات الإلهية. "من ملئه نحن جميعًا أخذنا ونعمة فوق نعمة" (يو16:1). أي نأخذ كل ما نحتاجه لخلاصنا ، فنمتلئ بكل حكمة وقداسة من خلال اتحادنا به ، ونأخذ أيضًا حياة أبدية وقداسة ومجد. وبحياة التوبة نستمر في حياة الثبات فيه . ولا نحتاج أن نطلب شيئًا لا يوجد فيه، فهو وحده كفايتنا ولا نحتاج إلى أي فلسفة أو تقليد يهودي أو أركان اليهودية أو أركان العالم (قيل أن هذه الكلمة تشير لمن يعتقدون في النجوم وأنها تشير للمستقبل، وكان الملوك يستشيرون المنجمين بل حتى الآن هناك عرافون يعملون كمستشارين لزعماء العالم. كل ما هو خارج المسيح فهو باطل ولا يقود سوى للموت. الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ = إذًا لا يخدعكم أحد بعبادة الملائكة، فالمسيح هو رئيس الملائكة بحكم أنه خالقهم.
يقول السيد المسيح لتلاميذه "في ذلك اليوم تعلمون إني أنا في أبي، وانتم فيَّ، وأنا فيكم" (يو14: 20). الآب في الابن أي هما في وحدة لاهوتيا، والمسيح بجسده متحد بأجسادنا. فصار المسيح مصدر لنا لكل ما هو ليس موجودا سوى في اللاهوت. لذلك ففي سر المعمودية نخرج من الماء متحدين بجسد المسيح. والذي يوحدنا ويثبتنا في المسيح هو الروح القدس. وفي سر الميرون يسكن فينا الروح القدس، وهذا لأننا صرنا واحدا في المسيح بالجسد. وبثباتنا في المسيح يكون لنا حياة أبدية. بل سكنى الله فينا يجعلنا في مجد غير مستعلن، وسوف يستعلن في الأبدية (رو8: 18). فوجود الله فينا، ووجود الله في وسط الكنيسة هو مجد لنا، وهذا بحسب قول الوحي "أكون مجدًا في وسطها" (زك2: 5)، وقول الرب يسوع. "لأنه حيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت18 : 20). وبإتحاد المسيح بنا والذي بدونه لا نقدر أن نفعل شيئا (يو15: 5)، وبسكنى الروح القدس فينا وهو الذي يعين ضعفاتنا (رو8: 26) نتقدس ونحيا في قداسة، والروح القدس روح الحكمة يعطينا الحكمة والنصح (2تى1: 7).
فتجسد المسيح وحلول كل ملء اللاهوت فيه جسديا، أعطاني أنا الإنسان الخاطئ أن يسكن فيَّ روح الله القدوس، وتكون لي حياة أبدية ومجد وقداسة وحكمة وكل بركة روحية لا توجد سوى في اللاهوت. فهل كان لي أنا الخاطئ أن يسكن فيَّ الروح القدس إن لم ينسكب أولًا على الرأس المسيح، وبعد ذلك ينزل على اللحية (هي شعب الله الملتصق بالرأس المسيح كما اللحية للرجل) (مز 133).
وفي هذا رد كامل على الغنوسيين الذين في كبريائهم ظنوا أنه بعقولهم وفلسفاتهم يستطيعون الوصول إلى الله. وفي هذا رد أيضًا على المنتفخين من اليهود ببرهم الذاتي، أنهم بطاعة طقوس الناموس هم قادرين بذواتهم على الخلاص. والرسول هنا يؤكد أنه بالمسيح وحده كرأس الكنيسة يكون الخلاص.
وفي أيامنا هذه:- نسمع مَنْ يقولون "نحن لسنا في حاجة للمسيح، فلنلتزم بالأمانة والإخلاص في عملنا ونتعامل بمودة مع بعضنا البعض ونستمتع بالعالم"، وهذا ما يردده الملحدين أن الشعوب المتقدمة علميا في الغرب يعيشون هكذا، فلماذا نحتاج المسيح؟! وهذه دعوة شيطانية، فالشيطان يريد بأي ثمن أن يعزل بيننا وبين المسيح رأسنا. وربما لو فعلنا يتركنا الشيطان لحالنا إذ قد حقق ما يريده وعزلنا عن المسيح مصدر قوتنا وحمايتنا. ولكن لاحظ أن الشيطان حين يتركنا، فهو سيتركنا إلى حين أي لفترة بسيطة حتى يتأكد من أننا إبتعدنا عن المسيح ثم يبدأ يهاجم بشدة. والشيطان يهاجم البشر لأنه يتلذذ بعذاب الإنسان.
ولكن الحياة بدون المسيح هي والموت شيء واحد. فلو عشنا نستمتع بكل متع وملذات العالم - ماذا نفعل في آخرتها؟ فهناك نهاية لهذه الحياة وهناك دينونة. وهكذا قال الوحي "الأنبياء يتنبأون بالكذب (كان هؤلاء الأنبياء الكذبة يقولون للناس تلذذوا كما تريدون والسلام آتٍ قريبا) والكهنة تحكم على أيديهم (الكهنة يسكتون ويوافقون على ما يقول الكذبة، ولا يحذرون الشعب طالما يستغلون الشعب ماديًّا) وشعبي هكذا أحب. وماذا تعملون في آخرتها" (إر5: 31). بل هناك في الأرض كوارث كالأمراض والزلازل ..إلخ. وأولاد الله يمرون بهذه الآلام وهم في سلام وبلا هم - وهذا من ثمار الروح، فمن أين يحصل من انفصل عن المسيح على هذا السلام، لذلك يدخل هؤلاء في آلام نفسية وبلا أمل.
آيات 12،11:- "وَبِهِ أَيْضًا خُتِنْتُمْ خِتَانًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ. مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ."
قارن مع (رو6:3-8). المتهودون كانوا يلزمون المؤمنين أن يختتنوا كشرط للخلاص وبهذا ضللوا أهل كولوسي. وهنا فالرسول يقول أن الأمم إذ اعتمدوا نالوا الختان الروحي من المسيح، وهذا يعني الموت والقيامة مع المسيح، كما أن الختان الجسدي فيه موت لجزء من الجسم ليحيا الإنسان.
ومن نال ختان القلب الروحي لا حاجة له لختان الجسد، ولا عذر للمتهودين في عدم فهمهم لهذه الحقيقة، فالناموس تكلم عن ختان القلب "فَاخْتِنُوا غُرْلَةَ قُلُوبِكُمْ، وَلاَ تُصَلِّبُوا رِقَابَكُمْ بَعْدُ" (تث 10: 16) + "وَيَخْتِنُ الرَّبُّ إِلهُكَ قَلْبَكَ وَقَلْبَ نَسْلِكَ، لِكَيْ تُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ لِتَحْيَا" (تث 6:30). ونرى هنا أن ختان القلب يصنعه الله، ومن يختن الله قلبه يحيا. وقارن مع (رو2: 29 + رو8: 13) لترى أن هذا الختان الروحي في العهد الجديد هو عمل الروح القدس الذي يعين من يجاهد ويحسب نفسه ميتا أمام الخطية. ومن تموت الخطية في قلبه يمتلئ قلبه من محبة الله.
ونلاحظ في (تث16:10) أنه يطلب منهم ختان القلب مع أنهم قد خُتنوا جسديًا، ومن هذا نفهم أن الله يهتم بختان القلب أكثر من ختان الجسد.
بل أن الختان اليهودي أقل كثيرًا من ختان الروح في المعمودية، فالختان اليهودي مصنوع بيد إنسان أما الختان الروحي فهو بعمل إلهي = غير مصنوع بيد. وذلك لأن المعمودية لها عمل روحي فهي موت مع المسيح وقيامة معه متحدين به (رو6). وبها ننفصل عن نسبتنا لآدم ونصير منتسبين لله. وبها نقوم مع المسيح من موت الخطية. وبها تتجدد طبيعتنا كلها. أما الختان اليهودي فليس سوى علامة في الجسد تؤكد لليهودي أنه من شعب الله وراجع (رو29:2) لترى أن الذي يختن القلب هو الروح القدس.
بإيمان عمل الله الذي اقامه من الاموات = لا معمودية إلاّ بعد الإيمان بما عمله الله بالمسيح. والقوة التي يعطيها لنا المسيح لنسلك في جدة الحياة (رو4:6). فالقوة التي أقامت المسيح من الموت ستقيمنا.
الآن من موت الخطية وأعطتنا حياة أبدية.
في الأبدية (أف 1: 20،19).
فمن يؤمن
خَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ
= جسم البشرية = إنساننا العتيق = عبارة عن حالتنا ونسبتنا إلى آدم أو الطبيعة البشرية الساقطة التي ورثناها منه. وقوله خلع هو إشارة لأننا نخلع الطبيعة القديمة، ويموت فينا الإنسان العتيق الذي على شكل آدم ويولد إنسان جديد يتجدد حسب صورة خالقه (كو3: 10،9). وبهذا الإنسان الجديد يبطل سلطان الخطية على الإنسان وينشئ فيه القوى الروحية القادرة بالمسيح على أن تبطل كل عمل للخطية وكافة خطايا الطبيعة الفاسدة (رو14:6). ونجد هنا مقابلة بين الختان الذي هو قطع قطعة صغيرة من اللحم وتركها لتموت ، وبين المعمودية التي هي عمل روحي عظيم الأهمية الذي جرى فينا حين ولدنا من الله في المعمودية، وبه نلنا الحياة الجديدة. وكان الختان يميز شعب اليهود عن سائر الأمم وبه يصيرون منتسبين لله. وبالمعمودية نصير أولادًا له إذ اتحدنا بابنه. ولنلاحظ أن المسيح بعد موته وقيامته لم يذهب للهيكل، وانتهت كل علاقة له مع الطقوس اليهودية، لذلك بعد معموديتنا وهي موت مع المسيح وقيامة تنتهي علاقتنا بالناموس وطقوسه. ونحن نعلم أن الخطية تبقى فينا بعد المعمودية ولكن لا يجوز أن تسود علينا بل بنعمة الله نسود نحن عليها (رو14:6).مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ = لذلك تقوم الكنيسة الأرثوذكسية بتغطيس المعمد ليحصل الدفن. وقوله مدفونين تشير لاستمرار الموت مع المسيح = موت الإنسان العتيق، وذلك بإماتة أنفسنا أمام الخطية (رو6: 11 + كو3: 5) . ونلاحظ أن موت المسيح بحياة آدم له فعل مستمر، وقيامة المسيح من الأموات بحياة أبدية لها فعل مستمر. وهذا يعني أن كل من يعتمد يشترك مع المسيح في فعل موته بحياة آدم، ليقوم مع المسيح بحياته المقامة من الأموات وهي حياة أبدية.
بختان المسيح = الختان اليهودي هو قطع جزء من جسم الإنسان ليموت فيصير الإنسان من شعب الله ويحيا. أما الختان الروحي المسيحي كان بموت وقيامة السيد المسيح. وبالمعمودية نموت مع المسيح بإنساننا العتيق ونقوم كأبناء لله بإنسان داخلي جديد له حياة المسيح الأبدية وله صورة المسيح. ويعين الروح القدس من يريد ويحكم على نفسه بالموت أمام الخطية.
آية 13:- "وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا،"
من أول هذه الآية إلى آخر الإصحاح يتحدث عن إشتراك المؤمنين مع المسيح في موته وقيامته ، وأنهم به يستغنون عن كل حكمة بشرية وفرائض قديمة لم تستطع أن تعطيهم شيئًا من احتياجاتهم. كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا = الخطية تعني الموت الروحي أي الانفصال عن الله، ولا يستطيع أحد أن يقيم الموتى ويحييهم سوى الله. أَحْيَاكُمْ = كيف؟ بأن أعطانا حياة جديدة من الماء والروح. وهو أحيانا بنفس الحياة التي له في القيامة، صار لنا حياة جديدة. غَلَفِ جَسَدِكُمْ= يشير لحالة الابتعاد والنجاسة التي كنا عليها والرغبات الشريرة التي كانت تعمل فينا بسبب الخطية، وهذه فيها إشارة للخطية الأصلية، أو الفساد الداخلي وحب الخطية أو القلب غير المختون. مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا = الله لا يحيينا ثم يتركنا تحت أثقال خطايانا بل يعطينا قوة لنسود على الخطية، وهو رفع عنا كل خطايانا السابقة وأقامنا من موتنا الأبدي ويعطينا قوة ويساندنا بنعمته حتى لا تسود علينا الخطية ثانية فنموت.
آية 14:- "إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ،"
الصك = هو في اليونانية إقرار الإنسان مكتوبًا بيده بأنه مدين وعاجز عن إيفاء هذا الدين. والصك هو الوثيقة التي سجل بها عصياننا وتمرُّدنا على وصايا الناموس. الناموس طالب الإنسان بما لا يستطيع أن يعمله، وحكم بالموت على من يخالف، لذلك كان الناموس ضدًا لنا.
مسمرًا إياه بالصليب = قيل أنه كانت هناك عادة جارية وقتئذ، أن من كانت عنده ورقة مالية على أحد، ثم قبض قيمتها، يعلقها بالمسمار بالعتبة أو بالحائط دلالة على أنه استوفى حقه من المديون. وقيل أنه عندما كان يُلغى قانون أو أمر ما، كان الرومان يرفعونه ليثبت بمسمار في شيء مرتفع. ونحن ننظر للصليب لنرى فيه البرهان الشرعي أن الدين الباهظ الذي كان علينا لعدل الله قد وُفيَّ تمامًا. فاليهود عجزوا عن أن يوفوا وصايا الناموس، وهم قالوا كل ما تكلم به الرب نفعل (خر8:19، 3:24). وهم بهذا وَقَّعوا على أنفسهم صكًا بالتزامهم بالناموس. ولكن الناموس صار حكمًا وقاضيًا عليهم بالموت. والأمم عجزوا أن يوفوا بالناموس الأدبي (الضمير)، فهم أخطأوا ضد ما يشير به ضميرهم. والقانون العام أن النفس التي تخطئ تموت (خر20:18).
ولاحظ أن الأمم إذ ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم (رو14:2). وهم أخطأوا ضد ما يعرفون داخلهم أنه الحق. وبالصليب محا الله الصك الذي علينا معلنًا براءة الإنسان من حكم الموت إذ اتحد المسيح بالجسد البشري ومات بالنيابة عنا. أي لم يعد للناموس أي مطلب علينا، فقد تمم المسيح بموته كل فرائض الناموس، وأكمل بموته كل ما كان يشتكي به الناموس علينا. فيحسب كل من هو ثابت فيه كاملا (كو1: 28) . وهناك 3 كلمات تعبر عن أن المسيح وفي الدين الذي كان مكتوبًا في الصك هي محا / رفع / مزق بالمسمار. وبهذا أبطل مفعول الصك. مِنَ الْوَسَطِ = من طريقنا بحسب الترجمة الانجليزية.
ملحوظة هامة:- حينما أخطأ الإنسان خرج من حظيرة الرعاية الإلهية وفقد الفرح والمجد والنور الذي كان ينعم به في الجنة. صار الإنسان مديونًا لله، عاجزًا عن أن يسدد لله شيئا. فخطية الإنسان غير محدودة لأنها في حق الله غير المحدود. والخطية تتضاعف بمقدار زيادة كرامة الشخص الذي أخطأنا في حقه. فمن أين للإنسان المحدود أن يسدد غير المحدود. ووقع الإنسان في يد الشيطان الذي كان يسهِّل له الخطايا فيسقط فيها، فيذله الشيطان ويستعبده. ولم يوجد إنسان لم يخطئ.
وكيف شرح الوحي هذا في العهد القديم "وإذا طالت يد غريب أو نزيل عندك وافتقر أخوك عنده وبيع للغريب المستوطن عندك أو لنسل عشيرة الغريب. فبعد بيعه يكون له فكاك. يفكه واحد من إخوته. أو يفكه عمه أو ابن عمه أو يفكه واحد من اقرباء جسده من عشيرته أو اذا نالت يده يفك نفسه" (لا25: 47 - 49).وبخروج الإنسان من الحظيرة الإلهية كان الشيطان هو الغريب الذي طالت يده.
وظل الحال هكذا إلى أن أتى المسيح ابن الله غير المحدود وسدد ما علينا لله فصار هو الفادي أو ولينا الأقرب الذي يفك عبودية المديون المستعبد للغريب. وهكذا قال الوحي على لسان إشعياء النبي "لا تخف يا دودة يعقوب يا شرذمة إسرائيل انا أعينك يقول الرب وفاديك قدوس إسرائيل" (إش41: 14). بل وحدنا المسيح فيه، فصرنا فيه كاملين وبلا لوم (كو1: 28 + أف1: 4). وبهذا عدنا للحظيرة الإلهية وتحررنا - وعودتنا للحظيرة الإلهية نراها في بشارة السيد المسيح للمجدلية حينما قال "أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو20: 17). ويحذرنا رب المجد أن لا نعود ونستعبد أنفسنا للشيطان مرة أخرى وننخدع فنقبل من يده الخطايا التي يسهلها لنا "فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا" (يو8: 36). وقال قبلها "اجابهم يسوع: الحق الحق أقول لكم: ان كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. والعبد لا يبقى في البيت إلى الابد، اما الابن فيبقى إلى الابد" (يو8: 34 ، 35). والمعنى أن من يترك الحظيرة الإلهية بعد أن أعادنا المسيح إليها، ويجري وراء شهواته الخاطئة التي يسهلها ويغريه عليها الشيطان، فهو يعود للعبودية للشيطان ثانية.
آية 15:- "إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ."
الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ
= هم الملائكة الساقطون إبليس وجنوده، الله جردهم من كل سلطانهم ونفوذهم. الرياسات والسلاطين هم درجات للملائكة وحين سقط الشيطان جَرَّ معه من بعض الرتب الملائكية. فالإنسان كان مستعبدًا لإبليس حينما أخطأ. وكان إبليس يقبض على كل نفس عند إنتقالها، هو كان يطالبنا بثمن الخطايا واللذات التي سهلها لنا وأتاحها لنا، وإذ لم يكن للإنسان ما يوفي به، كان يقبض على الإنسان نفسه ويلقيه في جهنم (وهذا ما أشار إليه العهد القديم، فإذا إستدان إنسان من آخر، ولم يستطيع أن يوفي كان يعمل كعبد عنده 6 سنين ويتحرر في السابعة، رمزًا للراحة والحرية التي بالصليب والتي كانت من خلال اليوم السابع). والمسيح هو أول من استطاع أن يقول "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء" (يو30:14) فهو وحده الذي كان بلا خطية "من منكم يبكتني على خطية". والآن كل من هو ثابت في المسيح يستطيع أن يقول هذا "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء" بل أنه في لحظة الصليب، لحظة موت المسيح، أعلن المسيح لاهوته وقيد الشيطان وأدانه بتهمة التعدي على الله وتهييجه اليهود ضده بدون سبب. وبهذا أنهى المسيح بصليبه سلطان إبليس ووفَّى الدين وحرر الإنسان من عبودية إبليس = جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ = أنهى سلطانهم وإستعبادهم لنا بل وشكايتهم علينا، فالمسيح وفي الدين الذي علينا (رو8: 32 – 34) بل ذهب لعقر دارهم أي الجحيم وأنقذ الذين ماتوا على الرجاء فاتحًا لهم الفردوس (لو11: 22،21).أشهرهم جهارًا = لقد تركهم المسيح يُهَيِّجُونَ الجميع، يهودًا وأمم عليه ليصلبوه، ففضح شرهم وخداعهم للإنسان، فصار الإنسان بلا عذر. واظهر الله كراهيتهم لنا وفشلهم، فهم لا يستطيعون عمل شيء إلاّ ما يسمح به الله وما يريده الله. هم أرادوا بالصليب شرًا بالمسيح، وأراد الله بالصليب الخير لكل البشرية. لذلك فالله يضحك على كل مؤامراتهم، فمهما فعلوا وتآمروا فهم لن يفعلوا سوى ما يريده الله (مز2: 1-5). وبالصليب انتصر المسيح على إبليس وعلى الموت = ظافرًا بهم فيه. ولاحظ أن كل من هو ثابت في المسيح الآن يستطيع أن يقول مع المسيح: "رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء" بل يصلي للعذراء الأم "وعند مفارقة نفسي من جسدي أحضري عندي" (قطع الغروب). فالعذراء والقديسون والملائكة يستقبلون النفوس البارة الثابتة في المسيح في لحظات الموت. وكل من هو ثابت في المسيح يكون له سلطان على إبليس. نحن الآن نحارب شيطانًا مهزومًا لا سلطان له علينا.
أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا = السيد أظهر عداوة الشيطان للجنس البشري ومؤامراته ليأتي لحظة الموت ليقبض على النفس التي كانت مديونة له، إذ خدعها بإغراءات الخطايا والمتع الدنيوية الشريرة. وحاول هذا مع المسيح كما تعود أن يقبض على كل النفوس من آدم حتى المسيح. ولكن المسيح وحده كان بلا خطية فلم يتمكن منه. ولكن ظهرت عداوته ضد الإنسان، وصار واضحا لنا أن كل خداعه بالخطايا وإثارة شهوات الجسد هو لإسقاطنا فيأتي لحظة الموت ويقبض على أرواحنا ليأخذها معه إلى الجحيم. فصار واضحا لنا أن كل إغراءات الخطية ما هي إلا خداع شيطاني مهلك أبديا لنا.
آيات 17،16:- "فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ، الَّتِي هِيَ ظِلُّ الأُمُورِ الْعَتِيدَةِ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ."
فَلاَ يَحْكُمْ = الفاء هنا تشير إلى أنه إذا كان المسيح قد هزم كل الأعداء الروحيين فإنه من الحماقة أن نرتد لفلسفات العالم أو أركان اليهود الضعيفة للخلاص، فالخلاص تم بالصليب، ولا خلاص لنا سوى بالموت مع المسيح وبالقيامة معه وهذا يتم بالمعمودية. (المعمودية = موت مع المسيح + نحيا حياة الإماتة عن الخطية + فنحيا بحياة المسيح فينا). وهنا يرد على المتهودين الذين يصرّون على منع مأكولات معينة كطريق للخلاص حسب الناموس. وهؤلاء المتهودون رفضوا الانجيل إذ أرادوا أن يمكثوا تحت الناموس، وطالبوا بتطبيق الشرائع حرفيًا بكونها واهبة الخلاص، وهم أرادوا إرغام الأمم على ذلك. والرسول يطلب من المؤمنين رفض كل ذلك. وشريعة العهد القديم *حرمت بعض الأطعمة لُتجَسِّم للإنسان فعل النجاسة التي بالخطية، فمثلًا لا يؤكل الخنزير، لأن الخنزير يرتد للقاذورات مهما نظفوه (إشارة لإرتداد التائب لخطيته ثانية). وملاءة بطرس كانت تشير لتحليل أكل كل شيء، وهذا أيضًا تعليم المسيح (مت15: 18،11). *الِهلاَل = بداية كل شهر هي عيد عند اليهود. *عِيدٍ = العيد يأتي كل عام. *السَبْتٍ = يأتي كل أسبوع. واليهود إحتفلوا بهذه الأيام بطريقة خاطئة حرفية ومنعوا عمل الخير فيها. أما الختان فصار رمزًا للمعمودية والذبائح صارت رمزًا للصليب. كل هذه الأمور لم يعد لها معنى بعد المسيح، بعد أن حررنا من نير الخطية، أما الأعياد اليهودية فكانت مجرد رمز للمسيحية = ظِلُّ الأُمُورِ الْعَتِيدَةِ.
أما الجسد فللمسيح = ليس المطلوب من الجسد هو الامتناع عن أكل أو شرب بل أن يمجد المسيح (1كو 20:6). ولا يصح لأحد استخدام هذه الآية للهجوم على الأصوام في الكنيسة الأرثوذكسية، فالكنيسة لا تمنع أكلًا لأنه نجس بدليل أنه بعد انتهاء فترة الصيام نأكل كل شيء. ولا يصح أن نطبق قول الرسول لا يحكم على الكنيسة التي أعطاها المسيح هذا السلطان (مت 18: 18).
آية 18:- "لاَ يُخَسِّرْكُمْ أَحَدٌ الْجِعَالَةَ، رَاغِبًا فِي التَّوَاضُعِ وَعِبَادَةِ الْمَلاَئِكَةِ، مُتَدَاخِلًا فِي مَا لَمْ يَنْظُرْهُ، مُنْتَفِخًا بَاطِلًا مِنْ قِبَلِ ذِهْنِهِ الْجَسَدِيِّ،"
هنا يرد الرسول على المعلمين الكذبة من الغنوسيين الذين طالبوا بعبادة الملائكة بناء على حجة فاسدة وهي أن العبادة لله رأسًا لا توافق التواضع الحقيقي أمام الله. فالله روح سامٍ جدًا. والبشر من مادة فلذلك هم نجسون جدًا فكيف يقف النجس أمام الله؟ والحل في نظرهم عبادة الملائكة. وبولس هنا لا يهاجم التواضع الحقيقي الذي دعا إليه السيد المسيح (مت 11: 29). بل التواضع الخاطئ الذي دعا إليه الغنوسيون. والمقصود من الآية طبعًا الدعوة لعبادة المسيح فقط.
الجعالة = أي الجائزة التي تُعطَي للمنتصر في السباق، وهي هنا الوصول للسيد المسيح في مجده، والحياة الأبدية معه في المجد.
متداخلًا فيما لم ينظره = لقد تظاهروا بدرجة فائقة من النمو الروحي، وأنهم نظروا ترتيب صفوف الملائكة في عبادتهم وأنهم رأوا ذلك في السماء إذ دخلوا فيها وما هذا إلا هلوسات ناتجة عن كبرياء وخداعات الشياطين. وهم عرضوا على الكنيسة أن تراعي ذلك في ترتيب عبادتها، وهذا فيه انتفاخ وكبرياء ومحاولة إثبات الذات = منتفخًا باطلًا = هذا الانتفاخ هو من قِبَل إبليس المضلل الذي أوحى لأذهان هؤلاء بذلك = من قبل ذهنه الجسدي.
آية 19:- "وَغَيْرَ مُتَمَسِّكٍ بِالرَّأْسِ الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ بِمَفَاصِلَ وَرُبُطٍ، مُتَوَازِرًا وَمُقْتَرِنًا يَنْمُو نُمُوًّا مِنَ اللهِ."
من ينتفخ ويقول ما سبق في آية 18 يكون غير متمسك بالرأس الذي هو المسيح، والتمسك بغير المسيح سببه الكبرياء، وهذا هو السبب في كل الهرطقات. فمن يتمسك بأحد غير المسيح يكون غير واثقًا في المسيح، أو غير واثق أن المسيح قادر على العمل بمفرده، وفي التمسك بغير المسيح يضعف التمسك بالرأس. فلا رأس للكنيسة سوى المسيح، ومن يتمسك بالملائكة ويعبدهم يترك المسيح الرأس ويُبَدِّلَه ببعض الخلائق ويكون هذا كأنه عبادة أصنام. ونلاحظ في هذه الآية أن أعضاء الكنيسة مرتبطون ببعضهم البعض كأعضاء جسد واحد، هم مرتبطون بالمحبة التي تقرنهم (كو2:2). وكلهم مرتبطون بالمسيح الرأس، كرأس للجسد كله، فإذا كانت الكنيسة مرتبطة بالمسيح هذا الارتباط فلا يمكن أن يدخل شيء بينها وبينه. ولو حدث فهذا يحرمنا من الحياة التي أحيانا بها الله فيه.
بِمَفَاصِلَ وَرُبُطٍ = الروح القدس يربط الأعضاء كلهم في محبة ويثبتهم كلهم في الرأس. مُتَوَازِرًا = نفهمها من (أف16:4). فنحن كلنا نكمل بعضنا بعضًا، والمعنى أن كل عضو منا يؤازر الآخر أي يسنده ويدعمه ويقويه بما أعطاه له الله من مواهب نخدم بها بعضنا البعض (1بط4: 10) ولكن الرأس يتحكم في كل الأعضاء. كما تتحكم الرأس بواسطة الأعصاب في كل أعضاء الجسم. يَنْمُو = الجسد ينمو في العدد وفي القداسة، وكل عضو ينمو طالما هو ثابت في المسيح. راجع تفسير الآيات (أف4: 16،15). ملحوظة:- الكنيسة تؤمن بشفاعة الملائكة، وهذه غير عبادة الملائكة، فنحن لا نعبد سوى المسيح، أما الشفاعة فهي محبة تجعل الكل يصلي لأجل الكل، وهذا ما طلبه الكتاب (يع16:5). فهل لا يصح أن تنفذ العذراء هذه الآية وتطلب لأجلي إذا طلبت منها أن تصلي لأجلي، وهل ذلك لأنها ميتة ؟ والكتاب يقول أن الله إله أحياء وليس إله أموات (مت32:22). بل الكنيسة تصلي لأجل العذراء في كل قداس (صلاة المجمع). وهذا ما نراه في سفر الرؤيا، فالملائكة يسبحون الله على الخلاص الذي تم للبشر (رؤ 5: 9، 10، 13). فالمسيح وَحَّد السمائيين مع الأرضيين (أف10:1). والله يقول أنا أكرم الذين يكرمونني (1صم30:2). ويكون هذا بأن يستجيب الله شفاعتهم. فطلبة البار تقتدر كثيرًا في فِعلها (يع 5: 16).
آيات 20-23:- "إِذًا إِنْ كُنْتُمْ قَدْ مُتُّمْ مَعَ الْمَسِيحِ عَنْ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي الْعَالَمِ؟ تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ: «لاَ تَمَسَّ! وَلاَ تَذُقْ! وَلاَ تَجُسَّ!» الَّتِي هِيَ جَمِيعُهَا لِلْفَنَاءِ فِي الاسْتِعْمَالِ، حَسَبَ وَصَايَا وَتَعَالِيمِ النَّاسِ، الَّتِي لَهَا حِكَايَةُ حِكْمَةٍ، بِعِبَادَةٍ نَافِلَةٍ، وَتَوَاضُعٍ، وَقَهْرِ الْجَسَدِ، لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ إِشْبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ."
وصايا المتهودين لا تسود على من مات مع المسيح في المعمودية لماذا؟ لأن موتنا مع المسيح حررنا من عبوديتنا للخطية أصلًا، وحررنا من الناموس، وصرنا للمسيح فقط، فلماذا الرموز والبدائيات التي كانت تشرح خطورة الخطية؟ لقد نضجنا الآن، فلا داعي لمرحلة الطفولة. عبادة نافلة = أي زيادات على الناموس أو الإفراط في التمسك بالشكليات في العبادة، وهذا يتفق مع الأهواء الشخصية ولم تأمر به الشريعة، كمن اعتبر الزواج نجاسة.
لا تمس = كان الناموس يمنع لمس جثة الميت وإلاّ يتنجَّس الإنسان. ونلاحظ أن جميع الأشياء التي تعلقت بالناموس هي مادية. والتي تعلقت ببركات النعمة في المسيح هي روحية تدوم للأبد.
حكاية حكمة = APPEARANCE OF WISDOM لها شكل الحكمة أو هيئتها، هي شيء شبيه بالحكمة. ولها تفسير آخر أن لها سمعة الحكمة. فظاهريًا كان هؤلاء يُحسبون حكماء. ولكن ما يظهر حكمة أمام الناس من هذه الأمور السابقة هو جهالة أمام الله، فالمسيح قد أغنانا عنها وعن كل حكمة إنسانية وتعاليم أناس بشر، هذه تعاليم بحسب إرادة الناس وليس بحسب إرادة الله.
إذًا إن كنتم قد متم مع المسيح = الموت مع المسيح تم في المعمودية، وبها أيضًا قد اقتنينا طبيعة جديدة تسمو وترتفع في سلوكها عن كل الفرائض البدائية التي لا تصلح سوى للقُصَّرْ. فالرسول يقول.. "إذا كنتم قد متم عن الخطية فلماذا تعودون لرموز قديمة كانت فقط للتأديب حينما كنتم أطفالًا روحيًا؟ لماذا لم تنضجوا روحيًا كمؤمنين، ومازلتم تسلكون كأطفال قُصَّر؟ أو كأهل العالم الذين يحتاجون إلى فروض خارجية لضبط وتهذيب سلوكياتهم مثل اعتبار أن بعض المأكولات أو المشروبات نجسة، مع أن جميعها سيزول، باستعمالكم لها = جميعها للفناء في الاستعمال . ولن يكون لها تأثير على النفس أو الروح أو الذهن. كما أن جميع هذه الفرائض الغنوسية وتعاليم آباء اليهود لا تزيد عن كونها فرائض بشرية، كما أن حتى فرائض الناموس بعد أن مزق المسيح الصك الذي علينا ما عُدنا ملزَمين بها، وصار من يفرضها عليكم هم البشر وليس الله. وللأسف فإن هؤلاء المعلمين يخدعونكم، ويقدمون لكم تعاليمهم في مظهر الحكمة، ولكي تحوز تعاليمهم قبولكم فهم يفرطون في التمسك بشكليات العبادة كما يسنونها مستترين في اتضاع مزيف ويمعنون في إذلال أجسادهم = قهر الجسد. فهم يظنون أن الجسد هو مصدر الشر فيهم، فهم اعتقدوا أن المادة شر. مع أن الواقع يثبت بالدليل القاطع، أن هذه التعاليم ليس لها أي قيمة تذكر في كبح جماح الشهوات الجسدية، بل تنشئ فيمن يتمسك بها الكبرياء والاتكال على البر الذاتي فيحرم نعمة الله التي تشبع النفس البشرية بتجديدها وارتباطها بالرب. أما الصوم والبتولية في المسيحية لا يعتبران الطعام أو الزواج نجاسة، بل فيهما ضبط للشهوات منعًا للاندفاع، ولكي يكون هناك فرصة للتعرف على لذة العلاقة مع الله، فاللذة لا تكمن فقط في الطعام والشراب والجنس، بل هناك لذة روحية موجودة في الصلاة والعلاقة مع الله، وعلينا أن نكتشفها والكنيسة تساعدنا على ذلك بتحديد أوقات للصوم وزيادة الصلوات والامتناع عن الملذات الجنسية للمتزوجين حتى يتفرغوا للرب، وهذا ما قاله الرسول (1كو5:7). أما الغنوسيون فاعتبروا أن الزواج وبعض الأطعمة نجاسة. لذلك يهاجمهم الرسول. والكنيسة إذا امتنعت عن أكل اللحم يكون هذا لفترة تعود بعدها لأكل اللحم فهي لا تعتبر اللحم نجاسة.
إشباع البشرية = ظن الغنوسيون أن في النسك إشباع للبشرية. ولكن في الحقيقة هم أشبعوا غرور الإنسان وملأوه كبرياء، ومحبة في الظهور والافتخار أمام الناس، وشعور الإنسان أنه متميز عن الباقين. وهذه كمياه البحر لا تروي أحدًا بل تزيد من الشعور بالعطش. فلا شبع خارج عن المسيح وهذا هو هدف النسك المسيحي الذي غايته وهدفه الشبع بالمسيح الذي يشبع حقًا النفس والجسد والروح.
← تفاسير أصحاحات كولوسي: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير كولوسي 3 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
تفسير كولوسي 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/6rzz7f4