هذه الدراسة هدفها أن نفهم كيف كان تلاميذ السيد المسيح يفهمون أعماله وأقواله في ضوء ما يعرفونه من 1*تعاليم الناموس 2*وتقليد آبائهم. وفي الواقع فهذه دراسة مهمة فالسيد المسيح عاش وسط يهود والكلمات والمصطلحات لا بد وأنها كانت متأثرة بالثقافة السائدة وقت وجود المسيح بالجسد على الأرض . ونجد فيما يأتي بعض الأمثلة وسنجد في التفسير غيرها .
النبيذ عند اليهود يعني إما:- 1)
الدم أو 2) الفرح:الدم:- 1) كانوا في إحتفالهم بالفصح يشربون 4 كؤوس من النبيذ، الكأس الثالث بالذات يسمونه كأس البركة "كَأْسُ ٱلْبَرَكَةِ ٱلَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ ٱلْمَسِيحِ" (1كو16:10). وهذا الكأس الثالث هو الذي قال عنه المسيح عند تأسيس الفصح المسيحي ليلة خميس العهد "وَكَذَلِكَ ٱلْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ ٱلْعَشَاءِ قَائِلًا: «هَذِهِ ٱلْكَأْسُ هِيَ ٱلْعَهْدُ ٱلْجَدِيدُ بِدَمِي ٱلَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ" (لو20:22). قال هذا عن دمه إذ هو قد صار خروف الفصح الجديد. (رجاء مراجعة كتاب الجذور اليهودية لسر الإفخارستيا). 2) حينما يتقدم شخص ليخطب فتاة كان يقدم لها كأس نبيذ يشير لدمه (دم حياته) الذي هو على استعداد أن يبذله عنها حبا فيها، وهذا الكأس هو كأس الخطبة. ولو قبلت الفتاة أن تشرب من الكأس فهذا إعلان عن قبولها للخطبة من هذا الشخص وقبولها أن تصبح زوجة له.
ولكن لا تذهب العروس مع عريسها إلى بيته مباشرة بل يتركها في بيت أبيها ويذهب هو إلى بيت أبيه ليعد بيت الزوجية، وهذا يستغرق فترة ما بين سنة وسنتين يتبادلان خلالها الهدايا وتعد الفتاة نفسها خلال هذه المدة للعرس.
الفرح
:- 1) بعد أن ينتهي العريس من إعداد بيت الزوجية يذهب لعروسه فيحتفل الأهل بهم فوق التلال. وخلال الحفل يقدم العريس لعروسه كأس نبيذ ثاني هو كأس الفرح، فرح العريس بعروسه. 2) وقال معلمي اليهود أن المسيا حين يأتي سيقدم لنا كأس نبيذ، علامة الفرح إذ بعد المسيح لن يكون هناك دينونة، وقالوا أن المسيا حين يأتي سيحول الماء إلى نبيذ كما حَوَّل موسى الماء إلى دم، وذلك علامة على الفرح الذي سيعطيه بغفران الخطايا.وهذا ما عمله المسيح فعلًا
حَوَّل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل ليعطي الفرح لكل الموجودين.
قَدَّم كأس خمر (حَوَّلها إلى دمه فعلا) للتلاميذ ليلة خميس العهد، وكأنه يتقدم لخطبتهم، والكنيسة تقدم هذا الكأس لشعبها في الإفخارستيا، وقبول التلاميذ لهذا الكأس كان قبولهم للمسيح عريسا لهم. وهكذا هو الحال بالنسبة للكنيسة كلها الآن.
ذهب المسيح بعد ذلك إلى بيت أبيه ليعد لعروسه بيت الزوجية " أنا أمضي لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ..." (يو14: 2، 3). والمسيح سيأتي في مجيئه الثاني ليأخذ عروسه (كنيسته) إلى السماء ليعطيها هناك الفرح الأبدي " لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأن عرس الخروف قد جاء..(رؤ19: 7). وهذا الفرح الأبدي هو كأس النبيذ الثانية في " عشاء عرس الخروف " (رؤ19: 9). ولاحظ أن الفرح الأبدي سيكون في السماء كما كان اليهود يحتفلون بالعريس حين يأتي لإصطحاب عروسه فوق التلال، وهناك على التلال وأثناء هذا الاحتفال يقدم العريس لعروسه الكأس الثانية، كأس الفرح.
تفل
يسوع على الأرض ليصنع طينا يشفي به عيني الأعمى منذ ولادته (يو9). وتفل في عيني أعمى ليبصر (مر8: 22 – 26). ووضع يسوع أصابعه في أذني أصم أعقد وتفل ولمس لسانه ليشفيه (مر7: 33). والمسيح كان قادرًا أن يشفي كل هؤلاء بكلمة.... فلماذا تفل ليشفيهم؟، وفي وسط جو يهودي يشمئزون فيه من كل شيء يعتبرونه غير طاهر؟! من المؤكد أنه كان يريد أن يلفت نظر الناس إلى شيء فما هو؟في ضوء التقاليد اليهودية وتعاليم حكمائهم المتوارثة أراد الرب أن يرسل رسالة قوية تعلن بنوته لله، وأنها بنوة فريدة وشرعية وأن له ميراث أبيه السماوي، فماذا قالت التقاليد وكيف كانوا يفكرون في ذلك الزمان؟
كان هناك تعدد زوجات بين اليهود ولكل زوجة منهن أولادها، بل قد يكون هناك أولاد خارج حدود الزواج الشرعي. فمن من كل هؤلاء الأولاد له حق الميراث الشرعي؟ ولقد حدث مثل هذا مع إبراهيم الذي كان له إسحق من سارة، وإسمعيل من هاجر، وله ستة أولاد من قطورة. ولكي يكون الميراث لإسحق صرف إبراهيم أولاده من هاجر وقطورة بعد أن أعطاهم بعض الأنصبة ليكون الميراث كله من حق ابنه الشرعي المحبوب إسحق (تك25: 1 – 6).
وعادة كانت تحدث مشاكل ونزاعات كثيرة حين يدَّعي أحد الأبناء كذبا أنه الابن البكر الشرعي ليستولي على الميراث سواء حملت به أمه من خلال زواج أو خارج نطاق الزواج. ولاحظ أن الابن البكر كان له ضعف نصيب أي ابن آخر. { ونحن كأولاد الله يحدد لنا القديس بولس الرسول علامة البنوة الشرعية لله وهي قبول التأديب دون تذمر (عب 12: 5 – 8)}.
والتقليد اليهودي المتوارث لإعلان حق الميراث في مثل هذه المنازعات، أنهم تسلموا من آبائهم وحكمائهم الأولين، أن لعاب الابن البكر الشرعي له قدرة إعجازية على شفاء الأمراض والجروح حين يلمس هذا اللعاب العضو المصاب لإنسان.
وفي أيام المسيح كان هناك من صدق المسيح وآمن به، وكان هناك من لم يصدقه فلم يؤمن به. وبين كل هؤلاء كانت هناك تساؤلات عن نسب المسيح ونشأته ومن هو أبوه، وكانوا يسألونه "أين هو أبوك " (يو8: 19) وكانت لهم تساؤلات كثيرة عن نسب المسيح (يو7: 27 + 42). ومن المعروف أن اليهود كانوا يهتمون جدًا بالأنساب ويحتفظ كل بيت بسلسلة نسبه، ويتضح هذا من سلسلتيّ نسب السيد المسيح نفسه (مت1، لو3) وكان هناك من يعرف أن مريم العذراء لم تتزوج يوسف لذلك ثارت هذه التساؤلات. ويسوع أعلن مرارا أن أبوه سماوي (يو5: 18 – 47 + 7: 28، 29)، ولم يتكلم أبدا عن أب أرضي له.
والآن حين يستخدم المسيح لعابه فيشفي الأعمى والأصم الأعقد فهو يعلن أنه ابن شرعي لله:-
بحسب تقاليدهم فلعابه يُشفي.
لو كان خاطئا أو مولود عن طريق خطية فهو لن يستطيع أن يُشفي أحدًا، فالشفاء من الله، والله في مفهوم اليهود بحسب التقليد يعطي الشفاء بطريقة معجزية عن طريق لعاب الابن الشرعي ليظهر بنوته الشرعية، فكيف يعطي الله الشفاء لخاطئ أو لمن هو ليس ابنًا شرعيا.
وكان هذا هو موضوع الإصحاحات 8، 9 من إنجيل القديس يوحنا وهما سلسلة من معجزات الشفاء والتعاليم. وفي (يو8) تكلم يسوع عن أبيه فسأله السامعين عمن هو أبوه. وليس عن طريق الصدفة أن يأتي الإصحاح التاسع وفي قصة شفاء المولود أعمى نسمع عن تساؤلات التلاميذ " هل أخطأ هذا أم أبواه حتى يولد أعمى "، فمن ضمن موروثاتهم أن الابن غير الشرعي يولد بعاهة أو مرض مزمن. وأجاب المسيح عن سؤالهم عمن هو السبب في ولادة الأعمى هكذا؟ ثم أظهر بشفائه للأعمى وبطريقة تقنع اليهود ، أصوله الشرعية كابن لله له حق الميراث.
وما هو الميراث الذي للمسيح؟ هو له كل ما لله الآب من سلطان " كل ما هو لي هو لك. وما هو لك فهو لي.." (يو17: 10). هنا نرى المسيح له كل ما للآب حتى الخلق. فالمسيح لم يُظهِر فقط أن لعابه له خاصية الشفاء للمتشككين فيه وبالتالي فهو ابن بكر شرعي لله، بل ما فعله مع هذا المولود أعمى أثبت أنه له نفس ما لأبيه من سلطان على الخلق، فهو خلق للمولود أعمى عينين من تراب كما خلق الله آدم من تراب، فهو ابن شرعي لله له كل ما لله من سلطان . ولاحظ أن بنوته لأب أرضي كانت غير واضحة لهم، والمسيح لم يتكلم أبدًا عن أب أرضي (مت12: 46، 50) وهنا ذكر أمه وإخوته ولم يذكر أبا أرضيا. بل كان دائما ما يتكلم عن أبيه السماوي، وبهذا فالمسيح أثبت بنوته للآب السماوي وليس لأب من الأرض.
هناك عدة تساؤلات عن معجزة سير المسيح على الماء:-
هل غرض المعجزة إظهار سلطان المسيح على الريح والبحر والأمواج؟ لكن كان المسيح قد أظهر لتلاميذه كل هذا من قبل حينما كان نائما في السفينة وغطت الأمواج السفينة (مت8: 23 – 27) ولاحظ تعليق التلاميذ وقتها " أي إنسان هذا. فإن الرياح والبحر تطيعه ". فما داعي التكرار والرسالة سبق ووصلت للتلاميذ وفهموها.
من رؤية شاهد عيان لهياج بحر الجليل، فإن الريح حين تهب على البحر تصبح الأمواج عالية بشكل مخيف (وشبه المركب التي كان يركبها بقطار الملاهي roller coaster الذي يصعد عاليًا ويهبط فجأة ثم يصعد ثانية ويهبط وهكذا). والسؤال ... هل كان المسيح يصعد ويهبط مع هذه الأمواج وهل كانت هذه الأمواج تغطيه ويصيبه رذاذها، قطعا كان هذا التصور مرفوض فالمسيح من المؤكد جاء إلى السفينة سائرا في هدوء.
ولماذا إذًا سار المسيح على الماء، ولماذا سأله بطرس أن يسير هو أيضًا على الماء، هل كان يريد إظهار إيمانه وسط هذه العاصفة المخيفة، ولماذا سمح له المسيح، ولماذا غرق بطرس.
لماذا حينما دخل المسيح للسفينة ومعه بطرس سكنت الريح (مت14: 32) ، بل وصارت السفينة على الشاطئ مباشرة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها (يو6: 21).
وللرد على هذه الأسئلة لنرى..... حال الشعب اليهودي وقت وجود المسيح بالجسد على الأرض. ونرى كيف كان الشعب اليهودي والتلاميذ يفكرون ونرى مفاهيمهم وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم في ذلك الزمان.
بعد سليمان الملك إنشقت مملكة داود إلى مملكتين 1) إسرائيل ولها 10 أسباط 2) يهوذا ولها سبطين. ونتيجة إنهيار مملكة إسرائيل الشمالية الديني والأخلاقي شتتت مملكة أشور شعب إسرائيل في كل أنحاء مملكة أشور سنة 722 ق.م. ولكن عاد قلة منهم إلى أورشليم عاصمة مملكة يهوذا الجنوبية الأفضل دينيا نسبيا من إسرائيل. وحينما إنحدرت أورشليم هي الأخرى جعلها الله تذهب إلى سبي بابل سنة 586 ق.م. وفي سنة 536 ق.م. أصدر كورش ملك فارس أمرًا بعودة اليهود إلى أورشليم، لكن لم يعد منهم سوى 10% منهم، أما الباقون فكانوا قد إستقروا بحالة جيدة في بيوتهم وأعمالهم في المنفَى، ولم يرغبوا في العودة إلى أورشليم الخربة ولم يشعروا أنهم في احتياج للعودة إذ كان البابليون قد دمروها وأحرقوها. والباقون في بابل كونوا هناك جالية يهودية.
ولقد تكونت جاليات في كل مكان، في أوروبا وآسيا وإفريقيا، وكانت أكبر الجاليات اليهودية موجودة في مصر في الإسكندرية والأقصر، وفي بابل. عموما كان اليهود مشتتين في كل العالم وقت المسيح (كما هو حالهم الآن مثلًا). وحينما حدث الغزو اليوناني بقيادة الإسكندر الأكبر وقعت أورشليم تحت الحكم اليوناني. ولقد إهتم اليونانيون بنشر اللغة والثقافة والعادات اليونانية (الهيللينية) وصارت اللغة اليونانية لغة عالمية منتشرة في كل مكان (كما هو الحال مع اللغة الإنجليزية). وهذا أثَّر على الكثير من شباب اليهود فتغيرت أفكارهم وثقافتهم وكانت هذه أكبر كارثة تحل باليهود. وكانت الترجمة السبعينية للعهد القديم والتي قام بها 70 من شيوخ اليهود الذين يجيدون اللغتين العبرية واليونانية. وكانت هذه الترجمة بطلب من ملك مصر، ولكنها كانت لها فائدة كبيرة لليهود في الشتات (وهم الأغلبية) الذين صاروا يجهلون لغتهم العبرية، بل أن اللغة التي صار يتكلمها أهل أورشليم لغة ليست هي اللغة العبرية. ثم خضع اليهود لحكم الرومان ولم يعودوا دولة حرة، حقًا لقد أعطاهم الرومان حرية دينية ولكن لم يكن لهم أي سلطان مدني.
ولكل هذه الظروف كان حال اليهود أيام المسيح مؤلما، فهم شعب مشتت في كل أنحاء العالم، شعب فاقد لحريته وثقافته ولغته، مستعمرين من الرومان، فكان حالهم يشبه إلى حد بعيد حالهم في أيام عبوديتهم في مصر. فإنتظروا مخلصًا على مستوى موسى له معجزات مثل موسى الذي وقف في وجه فرعون وضرب مصر عشر ضربات وشق البحر، وأنزل لهم المن من السماء وأعطاهم الماء من الصخرة، وكلم الله وجها لوجه على جبل سيناء، وأتى بالوصايا العشر محفورة على لوحين، ووقف شفيعًا أمام الله عن شعبه كلما أخطأ الشعب، وحرر الشعب من عبودية فرعون وجاء بالشعب إلى أرض الميعاد. لذلك نسج معلمي اليهود والربيين من العهد القديم قصص وتصورات عن صفات المسيا المخلص الآتي، وأساس كل التوقعات أن هذا المسيا يكون شبيهًا لموسى تمامًا. ولاحظ أن اليهود كانوا يتساءلون دائمًا...هل المسيح هو النبي الذي وعد به موسى في (تث 18). وراجع (مت11: 3 + مت21: 11 + يو1: 21 + يو6: 14، 21 + 7: 40). ولاحظ أن انتظارهم لهذا المخلص لم يأتي من فراغ بل كان هذا وعد الله لهم " أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك " (تث18: 18). وحينما قال الكتاب "ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الله وجها لوجه " (تث34: 10) إنتظروا مسيا على نفس المستوى ليخلصهم ويعيد لهم أمجادهم الضائعة.
لذلك كله إنتظر اليهود نبيا مثل موسى له نفس أعماله.
لذلك كانت أعمال المسيح وأقواله في أحيان كثيرة تتجاوب مع فكر اليهود هذا، بل كان صوت الآب يوم تجلي المسيح " هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت
. له إسمعوا " (مت17: 5) هو ترديد لما قاله الله لموسى " ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه " (تث18: 19).وكانت أعظم أعمال موسى عبور الشعب للبحر الأحمر بعد أن شقه إلى شقين ليسير الشعب على اليابسة. وجاءت معجزة سير المسيح على الماء في بحر الجليل لتتطابق مع عمل موسى. ونجد أن الشعب حينما علموا بما فعل المسيح قالوا له " أية آية تصنع لنرى ونؤمن بك. ماذا تعمل. آباؤنا أكلوا المن في البرية..." (يو6: 30، 31). فهم فهموا أن سير المسيح على الماء هو مثل سير آباؤهم مع موسى على مياه البحر الأحمر، فانتظروا من المسيح أن يُنزل لهم المسيح مَنًا من السماء...ألم يفعل موسى مع آبائهم هكذا بعد عبور البحر الأحمر.
ونلاحظ أنه حين وقف الشعب مع موسى والبحر من أمامهم وجاء جيش فرعون من ورائهم أن الله يقول لموسى " مالك تصرخ إليَّ " (خر14: 15) وقال له " إرفع أنت عصاك ومد يدك على البحر وشقه " (خر14: 16). وقال مفسري اليهود أن موسى حينما شعر بالحيرة من الموقف صلى لله صامتا ولكن كانت صلاته كصراخ أمام الله والله إستجاب وأرشده كيف يشق البحر ويعبر هو وشعب إسرائيل.
ومد موسى يده على البحر. فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل وجعل البحر
يابسة وانشق الماء. فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم (خر14: 21، 22). بينما جاءت الترجمة الإنجليزية أن الشعب سار upon dry ground. ولكن النص العبري لا توجد به كلمة (ground = أرض) هذه. وبالتالي فالمترجم إلى الإنجليزية أضافها للتوضيح، فأضاع المعنى. لكن الترجمة العربية هي الأدق فلا تذكر كلمة أرض. بل ولا يوجد نص في الكتاب يقول أن الله شق البحر حتى قاع البحر بعد أن جفف قاع البحر ليسير عليه الشعب. وبنفس اللفظ يقول المرنم في (مزمور66: 6) أيضًا "حول البحر إلى يبس". إذًا الكتاب لا يقول أن الله شق البحر وكشف الأرض الجافة في أعماق البحر. والكلمة العبرية المستخدمة yabashah قريبة جدًا من الكلمة العربية يابسة، وتترجم في بعض الأحيان جاف وتترجم في الإنجليزية solid بمعنى جامد أو مادة صلبة جامدة. وتستخدم الكلمة للتعبير عن تجفيف أي شيء حتى الفواكه والخبز. وبالتالي فكلمة yabashah العبرية لا علاقة لها بالأرض بصفة خاصة، بل هي كلمة تشير لشيء كان به رطوبة وتم تجفيفه لتختفي منه السوائل.والحقيقة فهناك مشكلتين كان من الممكن أن يواجهوا الشعب:-
هذه الرياح الشرقية الشديدة التي شقت البحر كيف يواجهها الشعب.
كيف يسير بنو إسرائيل مع أولادهم ومواشيهم وكل ما معهم من ممتلكات على قاع البحر، وقاع البحر ليس أرضا مستوية بل أرضًا وعرة ومتموجة، صاعدة وهابطة على هيئة جبال وتلال ووديان وشقوق في الأرض ومنحدرات شديدة.
ولذلك فسر معلمي اليهود ما حدث بأن الله لم يدع شعبه يسير على قاع البحر بل فصل الماء إلى طبقتين الأولى وهي العليا مقسومة وصارت كجدار عن يمين الشعب وجدار عن يساره، وتجمد الماء على هذا الشكل، أما الطبقة السفلى فتجمدت تحت أقدام الشعب كأرض منبسطة مستوية تحت أقدامهم فساروا عليها في حماية جدارين من الماء المتجمد، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. وراجع (خر14: 16، 22، 29 + خر15: 19 + عد33: 8 + مز136: 14 + نح9: 11) تجد أن الكتاب لم يقل في كل هذا أن الشعب ساروا على قاع البحر بل "دخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة " وما يثبت فكرة وجود طبقتين للمياه قول الكتاب " وبريح أنفك تراكمت المياه. انتصبت المجاري كرابية. تجمدت اللجج في قلب البحر " (خر15: 8). إذًا كان عبور بنو إسرائيل البحر على ماء متجمد وليس على قاع البحر ليحميهم الله من طبيعة القاع غير المستوية، وغير متأثرين بأمواج البحر ولا بالرياح الشديدة فالماء المتجمد على شكل سور عن يمينهم وعن يسارهم يحميهم.
وقال موسى للشعب " لا تخافوا. قفوا وأنظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم " (خر14: 13).
وكان في هزيع الصبح (من الساعة 3 – الساعة 6 صباحا) أن الرب أشرف على عسكر المصريين... وأزعج عسكر المصريين... وكان هذا بعد أن دخل المصريون وراء الشعب... ولكن عاد موسى ومد يده على البحر فرجع الماء... وغطى مركبات وفرسان جميع جيش فرعون...، وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم... ورأى الشعب المصريون أمواتا على الشاطئ (خر14: 24 – 30). وأكمل الشعب سيرهم في سلام دون أن تؤثر فيهم رياح أو أمواج أو يعانوا من وعورة قاع البحر. وبدأوا التسبيح. وحينما رأوا ما حدث " خاف الشعب الرب وآمنوا به وبعبده موسى " (خر14: 31). عرفوا الله وآمنوا به وعرفوا أن موسى من عند الله.
فما عمله السيد المسيح في السير على الماء أظهر أنه موسى الثاني.
نقطة أخرى
في الترجمة العربية يقول الكتاب " فلما اقترب فرعون رفع بنو إسرائيل عيونهم وإذا المصريون راحلون وراءهم ففزعوا جدًا وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب " (خر14: 10). ولكن في الأصل العبري جاءت كلمة المصريون هكذا.." مصر " لتصبح الآية هكذا " وإذا مصر راحلة وراءهم ففزعوا " . فما معنى قول الكتاب أنهم رأوا مصر؟ هل مصر هنا تعني رمزيا جيش مصر؟ لكننا نجد كلمة مصر بالعبرية جاءت بالمفرد وليس بالجمع. إذًا هم رأوا شيئا أو فردا أو شخصا قادما وراءهم. وتكمل الآية 25 أيضًا الكلام بالمفرد في العبرية وليس بالجمع فتأتي الآية هكذا [قالت مصر، أنا أهرب من أمام إسرائيل لأن الرب يقاتل المصريون عنهم ] (خر 14: 25). إذًا المتكلم مفرد وليس بالجمع فلا يكون المعنى جيش فرعون، فمن هو المقصود بقوله مصر.
كيف فسر الربيون هذا؟
قالوا أن لكل أمة على الأرض روح شرير أو ملاك يقف لهذه الأمة ويسمى رئيس هذه الأمة، وواضح أن هذا التفسير مأخوذ من سفر دانيال إصحاح 10 ونسمع فيه عن رئيس فارس ورئيس اليونان (دا 10: 20)، وأيضًا الملاك ميخائيل رئيس إسرائيل (دا 10: 21). وكان الفكر اليهودي يقول أن هناك أرواح ويسمونها خيال (spirit) ولا يقصدون بها أرواح الموتى، فهذا الفكر لا يوجد عند اليهود أن أرواح الموتى يمكن لها أن تعود لتتجول في الأرض. لكنهم يقولون أن هناك أرواح شريرة أو نجسة (unclean spirits or demons) ويعتقدون أن هذه يمكنها أن تدخل في البشر. وكان المسيح يطرد منها الكثير، وكان يذكر هذا في تعاليمه. ولم ينكر وجود هذه الأرواح النجسة سوى الصدوقيون الذين أنكروا أيضًا القيامة، وأنكروا وجود الجحيم. وراجع (أع12: 15 + مر1: 23 – 27 + مر3: 23 – 27). وحينما أتى المسيح للتلاميذ في السفينة والبحر هائج ليلا اضطربوا قائلين إنه خيال " (مت14: 26) وهم قاصدين هذا المفهوم أنه روح شرير فخافوا منه، لكن المسيح طمأنهم قائلا لهم " تشجعوا أنا هو لا تخافوا " (مت14: 27).
ففسر معلمو اليهود والربيين مصر هنا بأنه روح شرير خاص بمصر أو ما يسمى برئيس مصر حسبما قيل عن رئيس فارس أو رئيس اليونان، وقالوا أن الشعب رأوا هذا الروح آتيا وراءهم فخافوا من أن يقعوا في يد هذا الروح الشرير، فقال لهم موسى " لا تخافوا. قفوا وأنظروا خلاص الرب " (خر14: 13) وجاءت هذه الآية في السبعينية هكذا " تشجعوا. " قفوا بثبات لتروا خلاص الرب ". وبحسب تعاليم الربيين فقد أُلقِيَ هذا الروح النجس في البحر مع جيش المصريين، وقالوا أن هذا هو المقصود بالتسبحة " الفرس وراكبه طرحهما في البحر " (خر15: 1). ولاحظ أن تفسير الربيين هذا أنه متفق مع سفر الرؤيا في موضوع طرح إبليس في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ20: 10).
موسى سار مع الشعب على البحر بعد أن يبسه أو جمده الله لهم، وهذا ما فعله المسيح الذي سار على البحر بعد أن جمده فلا يعقل أن المسيح كان يصعد وينزل مع الموج، بل هو أراد أن يكرر ما عمله موسى.
كلا الحادثين كانا ليلا، بل وفي هزيع الصبح (خر14) الذي هو الهزيع الرابع الذي أتى فيه المسيح لتلاميذه في السفينة (مت14). وهما تعبيرين مختلفين للفترة نفسها، من الساعة الثالثة صباحا حتى الساعة السادسة صباحا.
في الحالتين كانت هناك ريح إحداهما شرقية شديدة (خر) والثانية مضادة (مت).
موسى كان يصلي " مالك تصرخ إلى " والمسيح صعد إلى الجبل ليصلي (مت14: 23).
خاف الشعب من شيء اسمه مصر هو (روح = رئيس مصر) والتلاميذ خافوا إذ ظنوا المسيح خيال.
قال موسى للشعب "تشجعوا لا تخافوا" ويكرر المسيح نفس الكلام تشجعوا . أنا هو لا تخافوا.
موسى يقول " أنظروا خلاص الرب " والمسيح يقول لتلاميذه " أنا هو " ونلاحظ أن تعبير أنا هو تعبير خاص بالمسيح يسوع الذي كان يقول.. أنا هو نور العالم ، أنا هو الراعي الصالح، أنا هو... وتعبير أنا هو يعني يهوه (خر3: 13 – 15). فيهوه هو اسم الله، وباليونانية يهوه = أنا هو. ويهوه هو المخلص = " أنا أنا الرب وليس غيري مخلص " (إش43: 11). ونلاحظ أن اسم يسوع يعني " يهوه يخلص " . " فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " (مت1: 21). ومما سبق نرى أن ما قاله المسيح للتلاميذ الخائفين " أنا هو لا تخافوا " هو تكرار لما قاله موسى " أنظروا خلاص الرب ".
بعد أن إنطبق البحر على جيش فرعون سار الشعب في هدوء في حماية سورين من الماء المتجمد يمينا ويسارا وعلى أرضية من الماء الذي يبسه الله لهم. ونرى بنفس الطريقة أنه حالما دخل المسيح مع بطرس إلى السفينة سكنت الريح (مت14: 32).
سير المسيح على الماء كان قرب عيد الفصح " وكان عيد الفصح قريبا " (يو6: 4). وكان اليهود يقرأون قصة الخروج وعبور البحر الأحمر قرب عيد الفصح وأثناءه. وكان أن سير المسيح على الماء جعل التلاميذ يعيشون نفس أحداث عبور البحر مع موسى قبل أن يقرأوها بأيام قليلة حينما يأتي عيد الفصح، والتي يحتفلون فيها بعبور آبائهم البحر وسيرهم على المياه المتجمدة. وهذا مما يطبع في أذهانهم أن معلمهم المسيح هو موسى الثاني فيزداد إيمانهم به.
" فرضوا أن يقبلوه وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها " (يو6: 21). وبالإنجليزية then they willingly received him into the ship فالتلاميذ الذين عرفوا من هو رحبوا به فرحين بدخوله إلى سفينتهم. ولكن كيف فهم التلاميذ أن السفينة وصلت فورا للأرض التي كانوا ذاهبين إليها؟ لقد صنع المسيح هذا ليكمل نفس قصة سفر الخروج. فلقد قال الله في (خر19: 4) "حملتكم على أجنحة النسور". ويقول التقليد اليهودي أن الله نقلهم بصورة غير طبيعية وفي لحظة من مدينة رمسيس المصرية إلى سكوت. ومن سكوت بدأ سيرهم بالأقدام وبطريقة طبيعية وذلك قبل عبورهم البحر الأحمر. وصنع المسيح هذا ليجعل السفينة تصل في لحظة وفي هدوء ليكمل نفس قصة الخروج.
نقطة أخيرة... بعد أن أعلن المسيح نفسه لتلاميذه في السفينة سأله بطرس " إن كنت أنت هو فمرني أن آتي إليك على الماء " (مت14: 28)... فلماذا طلب بطرس هذا؟ هناك قصة من تقليد الربيين أن نحشون بن عميناداب رئيس سبط يهوذا في وقت عبور البحر الأحمر، وهو أحد قادة أمة اليهود تحت رئاسة موسى (عد2:3). وسبط يهوذا يعتبر السبط المتقدم في المقام في الأسباط. وهو السبط الذي باركه يعقوب وأعطاه المُلك وسط الأسباط، فهو السبط الملكي الذي خرج منه داود الملك. فنحشون إذًا هو جد المسيح بالجسد (مت1: 4). وكان الربيون يقولون أن المسيا المنتظر سيكون ابنًا لنحشون هذا. ولقد إبتدأت شهرة نحشون عند عبور البحر مع موسى إذ حالما سمع أمر الله بدخول مياه البحر وقبل أن يمد موسى عصاه إلى البحر فينشق وتجمد لججه، ألقى نحشون بنفسه في المياه التي لم تكن قد جمدت فلم يستطع السير على المياه. ويقول الربيون أن (مز69: 2، 19) عبَّر عن هذا الحدث. وعندما صرخ نحشون قال الله لموسى مد يدك إلى البحر لتنقذ نحشون. لذلك صار نحشون مثلا للشجاعة والإيمان وطاعة وصايا الله حتى لو فيها مخاطرة بحياته. بفرض أن كانت هذه القصة حقيقية أو تقليد فهي كانت في مخيلة بطرس وهو يقول هذا للمسيح. وعلى هذا وفي ضوء خلفيات بطرس وما تعلمه على أيدي الربيين، فهو حينما رأى المسيح سائرا على الماء الذي قد تجمد، مر على خاطره سريعا قصة عبور البحر مع موسى. فقال للمسيح لو كنت أنت المسيح المنتظر، موسى الثاني، فإجعلني أسير على الماء كما جعل موسى الشعب يسير على ماء قد تجمد. والمسيح أمره أن ينزل، فنزل وسار على الماء المتجمد غير مصدق، وربما تذكر ما حدث مع نحشون وأن نحشون غرق في الماء، فدخله الشك والخوف من الريح، وربما دخله شك في أن المسيح قادر أن يبقيه سائرا على الماء وأنه سيغرق كما غرق نحشون إذ هو ليس بطل إيمان كنحشون الذي يضرب به المثل في الشجاعة والإيمان، ولما غرق صرخ للمسيح، والمسيح جذبه وأنقذه. وبعد ذلك أدرك بطرس أن ما حدث كان جزء من خطة إعلان المسيح أنه موسى الثاني ولذلك سجد له التلاميذ " قائلين بالحقيقة أنت ابن الله " (مت14: 33) وهذا تمامًا ما حدث مع موسى بعد عبور البحر الأحمر "فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى" (خر14: 31).
وهذا التطابق هو ما أعطاهم الشجاعة بعد ذلك بسنوات ليبشروا ويكرزوا بالمسيح المخلص، بعد طول انتظار الأمة اليهودية لمخلص يناظر موسى ويكون موسى الثاني. ثقتهم هذه جعلتهم يجاهرون بإيمانهم بالمسيح حتى الموت.
شرائع وناموس السبت كما وردت
في المشناة وتلمود أورشليم |
تفسير العهد الجديد |
لماذا لم يُكتفى بإنجيل واحد؟! |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/dazj7n2