كان آدم يسمع الله ويتكلم معه، وبعد السقوط صارت كلمة الله بالنسبة للإنسان مرهبة ومخيفة "سمعت صوتك في الجنة فخشيت" (تك10:3) فكان الله يتكلم والإنسان لا يقدر أن يسمع وإن سمع لا يقدر أن يتجاوب معه. تحول قلب الإنسان من قلب مملوء حنانًا إلى قلب حجر بلا إحساس، وأمام هذا التحول تقدم الله إلى الإنسان ليهبه كلمته منقوشة بإصبعه على لوحي الحجر، وكأنها على قلبه الحجري. لقد أراد أن يخترق القلب الحجري ليسجل بإصبعه أي روحه القدوس كلماته لعل الإنسان يقدر أن يتذوقها ويتجاوب معها.
وفي هذا قال القديس إغريغوريوس في قداسه "أعطيتني الناموس عونًا" . وكأن الكلمات الإلهية المكتوبة إنما جاءت كعلاج لضعفنا البشري.
مشتقة من الكلمة اليونانية εὐαγγέλιον "إيفإنجيليون" وتعني من الناحية اللغوية المكافأة التي تقدم لرسول من أجل رسالته السارة ثم صارت تطلق على الأخبار السارة عينها. أما في العهد الجديد فقد احتلت الكلمة مركزًا أساسيًا بكونها تعبر عن الرسالة المسيحية في مجملها (مر1:1+ 1كو1:15) لتعبر عن أخبار الخلاص المفرحة وهي أخبار العفو عن العقوبة، وغفران الخطايا والتبرير والتقديس والتبني وميراث السموات والدخول في علاقة مع ابن الله الذي جاء ليعلن ذلك للكل. فقد صار الله على الأرض وصار الإنسان في السماء واختلط الكل معًا. اختلطت الملائكة مع صفوف البشر، وصار البشر في صحبة الملائكة وتحققت المصالحة بين الله وطبيعتنا وصار إبليس في خزي. وقد نسمع القول إنجيل الله (مر14:1+ 1تس2: 2 + 8 +9) فهذا يعني البشارة التي تعلن طبيعة الله المحبة كمحب للبشر. وقد نسمع عن إنجيل يسوع المسيح (مر1:1+ 2كو4:4) فهو يحمل ذات الحب.
عاشت الكنيسة أكثر من 20عامًا بعد حلول الروح القدس بلا إنجيل مكتوب. ولكنها عاشت الإنجيل ومارسته كحياة فائقة في المسيح يسوع. فلماذا لم تبق الكنيسة عبر العصور تعيش إنجيلها المُسَلَّم شفاهًا؟ وهل من ضرورة للإنجيل المكتوب؟
أ- التقليد الشفوي كان له أهميته الخاصة في الكنيسة. وجاء الإنجيل المكتوب لا ليحتل مكان التقليد. إنما ليكمله ويؤكده. فالإنجيل يحفظ التقليد بلا انحراف والتقليد يفرز الأناجيل القانونية ويحفظها بلا تحريف ويكشف عن مفاهيمها.
ب- كان المؤمنين في حاجة إلى وثائق رسولية تتحدث عن حياة السيد المسيح وتعاليمه ومعجزاته وموته وقيامته، وتعلن تحقيق ما ورد في العهد القديم. فالأناجيل قدمت حياة المسيح على الأرض، بل قدمت شخص المسيح لنقبله فينا ونحيا به ومعه نشاركه آلامه وأمجاده لذلك فرحت الكنيسة الأولى بالأناجيل إذ وجدت فيها ما تسلمته شفاهة.
ربط القديس ايريناوس في القرن الثاني أنه كما أن هناك أربعة جهات للمسكونة وأربعة رياح وأربعة وجوه للكاروبيم هكذا يوجد 4 أناجيل تشير لانتشار الأربعة أناجيل في العالم كله والأربعة الحيوانات وما ترمز إليه كالتالي:
1.وجه إنسان يشير للتجسد، المسيح الله الذي صار إنسانًا...... إنجيل متى.
2.وجع ثور يشير للصليب، وأن المسيح قدّم نفسه ذبيحة...... إنجيل لوقا.
3.وجه أسد يشير للقيامة، ولسلطان المسيح الملوكي.......... إنجيل مرقس.
4.وجه نسر يشير للصعود، وللاهوت المسيح.............. إنجيل يوحنا.
فالأناجيل الأربعة تعرض لحياة المسيح كلها التي يشير إليها كل وجه من وجوه الكاروبيم. والأناجيل الأربعة متفقة ولكنها كأوتار القيثارة كل وتر له نغم يختلف عن الوتر الآخر ولكنها معًا تعزف سيمفونية جميلة. فالكتاب المقدس هو آلة الله الواحدة الكاملة والمنسجمة معًا، تعطي خلال الأصوات المتباينة صوت الخلاص الواحد للراغبين في التعلم. نستطيع أن نقول أن الوحي الإلهي قدم لنا إنجيلًا واحدًا هو إنجيل ربنا يسوع المسيح بواسطة الإنجيليين الأربعة. كل يكشف عن جانب من جوانب هذا الإنجيل الواحد. وكأنه بقطعة من الماس كل منهم ينظر لها من أحد أوجهها فيتضح جمالها ويظهر هذا من الآتي:
فمتى يكتب لليهود فيقدم لنا المسيح الملك الذي فيه تحققت النبوات وكمل الناموس.
ومرقس يكتب للرومان فيبرز شخص المسيح من الجانب العملي كصانع معجزات وغالب للشيطان لا يقدم الكثير من كلمات المسيح وعظاته، إنما يقدم أعماله فهو يحدث رجال حرب عنفاء.
ولوقا يكتب لليونانيين أصحاب الفلسفات والحكمة البشرية فيقدم المسيح كصديق للبشرية وشفيع لها، الذي جاء ليخلص لا بالفلسفات الجديدة إنما بالحب الباذل بذبيحة الصليب.
ويوحنا يكتب للعالم كله ليعلن السيد المسيح الكلمة الإلهي ابن الله المتجسد الذي حل بيننا ليرفعنا إلى سمواته.
متى |
مرقس |
لوقا |
يوحنا |
كتب لليهود المسيا الملك جاء يتمم الناموس اهتم بالنبوات رمزه وجه إنسان |
للرومان المسيح غالب الشيطان يعمل العجائب اهتم بالعمل الأسد |
لليونان صديق البشرية يخلص البشرية اهتم بالتاريخ الثور |
للعالم المسيحي الكلمة المتجسد الله يحل في وسطنا اهتم باللاهوت النسر |
مكتوب للمسيحيين من أصل يهودي، قدّم شخصية المسيح في جوهر تعليمي دفاعي، يقدم المسيا المرفوض من قادة اليهود، بكونه مكمل الناموس ومحقق نبوات العهد القديم فيه يتحقق ملكوت الله السماوي على الأرض، مصححًا الفكر اليهودي عن المسيا كملك أرضي. هكذا يظهر هذا السفر كأنه يعكس تقليد الكنائس اليهود مسيحية في فلسطين قبل سقوط أورشليم، ولأنه ركز على التجسد الإلهي فيرمز له بوجه إنسان.
يعتبر كثير من الدارسين الأساس الذي أخذ منه متى ولوقا.
قدم للعالم الروماني المعتز بالذراع البشري كأصحاب سلطان يؤمنون بالقوة والعنف علامة الحياة والنضوج، لهذا أبرز شخص السيد المسيح صانع العجائب وغالب الشيطان، الذي غلب بصليبه وحبه لا بالحرب والعنف وإن كان الرومان قد انشغلوا بمملكتهم في العالم المعروف في ذلك الحين، فقد سحبهم الإنجيل إلى مملكة من نوع جديد تحتاج إلى قوة الروح والعمل الإلهي لا إلى الذراع البشري المتعجرف. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولقد رمز له بوجه أسد إعلانًا عن الغلبة والنصرة، أو علامة للملك الجديد السماوي.
سُجِّل لليونان أصحاب الفلسفات والأدب اليوناني، لذا جاء هذا السفر في أسلوب أدبي رائع، يقدم لنا حياة السيد المسيح في
تأريخ بطريقة لاهوتية تعلن عنه كمخلص البشرية كلها المتعلم والأمي، الفيلسوف والبسيط، الغني والفقير، الخاطئ والوثني، إنه لا يخلص بالحكمة البشرية والفلسفات بل بذبيحة الحب، لهذا رمز إليه بوجه ثور علامة الذبيحة واهبة المصالحة مع الآب.
له طابعه اللاهوتي الخاص به. ويرمز له لذلك بوجه نسر.
يقال عن أناجيل متى ومرقس ولوقا أنها أناجيل متوازية أو ذات النظرة المشتركة SYNOPTIC نظرًا لكثرة التشابه الموجود بينها ولوحدة النهج الذي إتبعته.
ويمكن وضع الحوادث في هذه الأناجيل في أعمدة متوازية.
لو قسمنا مادة الأناجيل الثلاثة إلى 89 فقرة نلاحظ الآتي
42 فقرة مشتركة في الأناجيل الثلاثة
12 فقرة مشتركة بين إنجيلي القديسين متى ومرقس.
5 فقرات مشتركة بين إنجيلي القديسين مرقس ولوقا.
14 فقرة مشتركة بين إنجيلي القديسين متى ولوقا.
5 فقرات ينفرد بها إنجيل القديس متى.
2 فقرة ينفرد بها إنجيل القديس مرقس.
9 فقرات ينفرد بها إنجيل القديس لوقا.
بل واضح اتفاقهم في تسلسل الحوادث والقصص وتفسير هذا:
1. أن أعمال وأقوال المسيح تم تعليمها ونقلها شفهيًا قبل أن يبدأ الإنجيليين في كتابة أناجيلهم. وكان هذا الإنجيل الشفهي مشهورًا ومنتشرًا ومستخدمًا في الكرازة (أع37:10) فبطرس يفترض في عظته هنا معرفة الجميع بالإنجيل الشفهي. وأخذ كل واحد من الإنجيليين من هذا الإنجيل الشفهي ما يتفق مع هدفه.
2. متفق الآن بين معظم العلماء أن مرقس هو أول من كتب إنجيله ثم اطلع لوقا ومتى على ما كتب مرقس واقتبسوا منه. ولكن هناك رأي آخر بأنه كان هناك إنجيلًا مكتوبًا أخذ الجميع عنه بتصرف ولكن بوحي من الروح القدس الذي جعل هناك اتفاقًا في بعض الوجوه واختلافًا في وجوه أخرى لتتبلور صورة معينة هي هدف كتابة الإنجيل.
3. ولكن لا ننسى أن الكل كتبوا بوحي من الروح القدس ومسوقين من الروح القدس (2تى3: 16 + 2بط1: 21).
10-
ميلاد السيد المسيح: مقدمة |
تفسير العهد الجديد |
8-
النقود والمعاملات العبرانية،
مكاييل الحبوب والسوائل، قياسات الطول |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pcvs6ma