محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
هوشع: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23
آية (1): "«قُولُوا لإِخْوَتِكُمْ «عَمِّي» وَلأَخَوَاتِكُمْ «رُحَامَةَ»."
انتهى الإصحاح السابق بوعد من الله بأن يجمع يهوذا وإسرائيل في أمة واحدة برأس واحد. وقد تحقق هذا بعد رجوع يهوذا من سبي بابل وانضمام إسرائيل لهم تحت قيادة زربابل. وكان كل هذا رمزًا لجسد الكنيسة الذي رأسه هو المسيح. وعمل المسيح الفدائي جعلنا كلنا أخوة = لإخوتكم عمي ولأخواتكم رُحامة. عمي = شعبي ورحامة = مرحومين. فهو يرحم شعبه.
آية (2): "حَاكِمُوا أُمَّكُمْ حَاكِمُوا، لأَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَتِي وَأَنَا لَسْتُ رَجُلَهَا، لِكَيْ تَعْزِلَ زِنَاهَا عَنْ وَجْهِهَا وَفِسْقَهَا مِنْ بَيْنِ ثَدْيَيْهَا،"
حاكموا أمكم = الأم هنا هي أمة إسرائيل. وكلمة حاكموا أي اعترفوا بالخطية ودينوها وأحكموا على من يخطئ بأنه يستحق العقاب. والاعتراف والتوبة هما الوسيلة الوحيدة لاستدرار مراحم الله. ولتكن توبة جماعية يمثلها توبة الأم إسرائيل كلها. فالله هنا يوجه كلامه للأتقياء بينهم أن يشهدوا على خطايا إسرائيل. ويوجه الله كلامه أيضًا للمتألمين من إسرائيل، أن لا يشتكوا على الله الذي سمح بهذه الآلام، بل أن يلقوا التبعة على خطايا أمهم (أش1:50) وفي دينونتهم لأمهم عليهم أن يُذَكِّروها بمراحم الرب السابقة عليها وخيانتها المستمرة له. فهي التي نقضت عهد الزيحة = لأنها ليست إمرأتي. الله لم يرفضها لسبب خطية سقطت فيها بضعف ولكن بسبب إصرارها على رفض الله ورفض التوبة. فالله قَبِل داود لأنه قَدَّمَ توبة ورفض شاول لإصراره على الخطية ورفض يربعام لأنه قاد إسرائيل كله لأن يخطئ ولم يتب. والزنى كما نعرف قد يكون روحي أي بعبادة الأوثان أو زنا جسدي فعلي. وما هو المطلوب من هذه المحاكمة؟ أن تعزل زناها عن وجهها = أي تنزع عن وجهها عدم الحياء وتخجل من خطاياها. وفسقها من بين ثدييها = هذه تفهم [1] بين الثديين يوجد القلب فالمطلوب إذًا أن ترجع لله بقلبها " بين ثديي يبيت" (نش13:1) وتتخلى بقلبها عن الخطية وليس في مظاهر عبادات خارجية " فأية شركة للنور مع الظلمة" [2]الثديين هما وسيلة الرضاعة، وإسرائيل كأم عليها أن تكف عن أن ترضع شعبها النجاسة، أي أن تكف عن تعليمهم الخطايا.
آية (3): "لِئَلاَّ أُجَرِّدَهَا عُرْيَانَةً وَأَوْقِفَهَا كَيَوْمِ وِلاَدَتِهَا، وَأَجْعَلَهَا كَقَفْرٍ، وَأُصَيِّرَهَا كَأَرْضٍ يَابِسَةٍ، وَأُمِيتَهَا بِالْعَطَشِ."
بالتوبة نكتسي بالبر. والمسيح هو برنا، وبالتوبة نلبس المسيح فإذا أصَّر إنسان على عدم التوبة يظهر عريه (كما حدث مع آدم) وعمليًا فالخطية هي سبب خراب الشعوب والأفراد. وَأَجْعَلَهَا كَقَفْرٍ = لأن الخطية سبب عدم الامتلاء من الروح القدس وهو الماء الذي يروي. وبالموت يخرج الإنسان من العالم كما ولدته أمه بدون شيء. لذلك فلنقدم توبة قبل الموت. عُرْيَانَةً = العري: افتضاح خطايانا. وَأَوْقِفَهَا كَيَوْمِ وِلاَدَتِهَا = يوم دخل يشوع مع الشعب لأرض وكانت خربة وكلها نجاسة.
آية (4): "وَلاَ أَرْحَمُ أَوْلاَدَهَا لأَنَّهُمْ أَوْلاَدُ زِنًى."
أولاد زنى = الله لن يرحم أولادها لو استمروا على شكل خطية أمهم. أما لو تابوا فسيصبح اسمهم عمي ورُحامة ولا يعود اسمهم أولاد زنى.
آية (5): "«لأَنَّ أُمَّهُمْ قَدْ زَنَتِ. الَّتِي حَبِلَتْ بِهِمْ صَنَعَتْ خِزْيًا. لأَنَّهَا قَالَتْ: أَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيَّ الَّذِينَ يُعْطُونَ خُبْزِي وَمَائِي، صُوفِي وَكَتَّانِي، زَيْتِي وَأَشْرِبَتِي."
لأن أمهم قد زنت: إذن ما يحدث لهم من آلام ليس سببه قسوة الله إنما خطيتهم. صنعت خزيًا = هي ذهبت وراء الآلهة الوثنية وهذا هو الخزي فالسجود لساق شجرة ليس إهانة لله فقط بل خزي وعار للبشر. ومن يجري وراء أي خطية لا يناله سوى الخزي. ومن يتمسك بالعالم الذي سيزول، سوف يخزَى لأنه تَمَسَّك بلا شيء. وهي نسبت لهذه الآلهة أنهم مصدر خبزي = طعامها ومائي = شرابها. صوفي وكتاني= كساءها. زيتي = أي دواءها. واشربتي = أي مصدر سعادتها وبهجتها. مسكين من يعتبر أن مصدر خيراته هو العالم أو أي إنسان في العالم أو ذراعه هو، أو أن الخطية مصدر بهجة وشبع، كل هذا ليس إلّا خداع.
آية (6): "لِذلِكَ هأَنَذَا أُسَيِّجُ طَرِيقَكِ بِالشَّوْكِ، وَأَبْنِي حَائِطَهَا حَتَّى لاَ تَجِدَ مَسَالِكَهَا."
نتيجة الخطية أنبتت الأرض شوكًا. ومن مراحم الله أن الله ترك هذا الشوك لينمو حتى يُتْعِبْ الخطاة ويكتشفوا أن نتيجة خطيتهم لن يقابلهم سوى الآلام. وأبني حائطها حتى لا تجد مسالكها = المقصود أن الله يسمح بأن الخطاة يكونوا محاطين بسور من شوك أي آلام، وفشل في تنفيذ مقاصدهم كمن أمامه حائط يحول بينه وبين تنفيذ ما يريد. بل يصير يتخبط = لا تجد مسالكها.
آية (7): "فَتَتْبَعُ مُحِبِّيهَا وَلاَ تُدْرِكُهُمْ، وَتُفَتِّشُ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَجِدُهُمْ. فَتَقُولُ: أَذْهَبُ وَأَرْجعُ إِلَى رَجُلِي الأَوَّلِ، لأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ لِي مِنَ الآنَ."
ولكن لماذا يسمح الله بذلك؟ حتى تفتش على محبيها فلا تدركهم. ومحبيها هنا للأسف هم أوثانها وشهواتها وخطاياها. مثلًا: إنسان شهواني يصيبه الله بمرض فيصبح غير قادر أن يتمم شهوته، أو إنسان مادي عابد للمال يسمح الله له بخسارة كبيرة تحول دون أطماعه.. ولماذا يسمح الله بهذا؟ لعلهم يتوبون فتقول النفس أذهب وأرجع = وهذا ما حدث مع الابن الضال. لقد كانت المجاعة والأكل مع الخنازير حائط أمامه فلم يجد مسالكه، لم يَعُد قادرًا أن يتلذذ بشهواته وأمواله فقال أذهب وأرجع لأبي. ولنلاحظ أن القلوب المادية لا تشتهي سوى الأشياء الحسية. بينما أن من اختبر وصايا الله يجدها أشهى من العسل (مز10:119) ومحبة الله أحلى من الخمر (نش1: 2). وما قيل هنا تم فعلًا لإسرائيل فهم أرادوا التحالف مع المصريين لحمايتهم وخذلهم المصريون. ولنلاحظ أنه لو وجدنا طريقنا مسدودًا. فلنفكر ونقول لعل هذا بسبب خطايانا، هذه تشبه وقوف ملاك في وجه بلعام ليسد طريقه.
الآيات (8-13): "«وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ أَنِّي أَنَا أَعْطَيْتُهَا الْقَمْحَ وَالْمِسْطَارَ وَالزَّيْتَ، وَكَثَّرْتُ لَهَا فِضَّةً وَذَهَبًا جَعَلُوهُ لِبَعْل. لِذلِكَ أَرْجعُ وَآخُذُ قَمْحِي فِي حِينِهِ، وَمِسْطَارِي فِي وَقْتِهِ، وَأَنْزِعُ صُوفِي وَكَتَّانِي اللَّذَيْنِ لِسَتْرِ عَوْرَتِهَا. وَالآنَ أَكْشِفُ عَوْرَتَهَا أَمَامَ عُيُونِ مُحِبِّيهَا وَلاَ يُنْقِذُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. وَأُبَطِّلُ كُلَّ أَفْرَاحِهَا: أَعْيَادَهَا وَرُؤُوسَ شُهُورِهَا وَسُبُوتَهَا وَجَمِيعَ مَوَاسِمِهَا. وَأُخَرِّبُ كَرْمَهَا وَتِينَهَا اللَّذَيْنِ قَالَتْ: هُمَا أُجْرَتِي الَّتِي أَعْطَانِيهَا مُحِبِّيَّ، وَأَجْعَلُهُمَا وَعْرًا فَيَأْكُلُهُمَا حَيَوَانُ الْبَرِّيَّةِ. وَأُعَاقِبُهَا عَلَى أَيَّامِ بَعْلِيمَ الَّتِي فِيهَا كَانَتْ تُبَخِّرُ لَهُمْ وَتَتَزَيَّنُ بِخَزَائِمِهَا وَحُلِيهَا وَتَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيهَا وَتَنْسَانِي أَنَا، يَقُولُ الرَّبُّ."
هنا نرى كيف يدنس الإنسان عطايا الله ومواهبه وما نتيجة ذلك. فالله يعطينا خيرات زمنية مادية ومواهب وخيرات روحية = القمح والمسطار = أي الخمر. وهذه ما يسميها المسيح وزنات سوف يسألنا عنها فيما بعد. ماذا فعلنا بها. وكيف تاجرنا بها، وهل ربحنا أو خسرنا. ولكن هناك من يتصوَّر أن عطايا الله له، هي لنفسه وليستغلها فقط للذة جسده (وهذا ما يسمى مال الظلم) أو كمن أعطاه الله صحة جسدية وأضاعها في التدخين والخمر وخطايا الجسد = كثرت لها فضة وذهبًا جعلوه لبعل = في العهد القديم كانوا يدفعون ذهبًا كثيرًا لآلهتهم. أما في العهد الجديد فمعنى هذا هو تبديد المواهب في الخطايا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والنتيجة أن الله يحرمنا من عطاياه = لذلك أرجع وأخذ قمحي. بل سينزع عن الخطاة ما كان يسترهم، فهو سيتخلى عنهم وهو لباس برهم فيفتضحون أمام عيون محبيهم (أَكْشِفُ عَوْرَتَهَا أَمَامَ عُيُونِ مُحِبِّيهَا) = أي من مارسوا معهم الشر. وستفقد النفس الخاطئة أيضًا أفراحها وسلامها. آية (11) فالأعياد والمواسم (أَعْيَادَهَا.. وَجَمِيعَ مَوَاسِمِهَا) هي أيام فرح وهذا سيكف وينتهي. وآية (12) وأخرب كرمها وتينها = الله يرى كنيسته كرمًا يفرح بخمره. وتينته يتلذذ بثمرها. والله أعطاها كروم أي أفراح فالخمر رمز للفرح. وأعطاها تينًا رمز المحبة الأخوية. ولكنها قدمت ثمارها لإبليس عوضًا عن أن تُفرِح بها الله. لذلك هو سيخرب هذه الكرمة وهذه التينة، فلا تعود تَفرَح داخليًا، ولا يعود هناك محبة بين الناس (التينة ببذارها الكثيرة) داخل غلاف واحد، وطعمها الحلو، تشير للمحبة التي تجمع الناس معًا، هذا هو نفس التهديد في (إش1:5-7) وفي (رؤ5:2) [فتب وإلّا.. أزحزح منارتك]، فهي اعتبرت أن كل ما لها من عطايا الله هو ملكها، بل هو أجرتها ومن محبيها أي من العالم أو الذات. أجرتي = حرفيًا هو أجر الزانية وهذه تصوِّر الانحطاط الذي وصلت إليه إسرائيل. فهي ظنت أن أفراحها راجعة لخطاياها.
والله سيعاقبها عَلَى أَيَّامِ بَعْلِيمَ = لأنها كانت تبخر لهم وتتزين وتنسى الرب (كَانَتْ تُبَخِّرُ لَهُمْ وَتَتَزَيَّنُ.. وَتَنْسَانِي أَنَا): تبخر لهم أي تصلي والمعنى أنها ذهبت وراء الأصنام بقلبها وتزينت لترضي العالم ونسيت الرب. وَبعليم = جمع لفظ بعل. فالوثنيين كان لهم آلهة كثيرة مثل بعل زبوب أي إله عقرون وإله الذبان وبعل بريث إله العهود وبعل فغور إله الزنى (2مل2:1؛ قض33:8؛ عد3:25) حقًا من يترك الله يضل وراء آلهة كثيرة. ومن ينسب أي خير يأتيه، لغير الله، يصبح في درجة أقل من الحيوان. [فالحمار يعرف معلف صاحبه] (أش3:1). وقارن بين آية (5) وآية (9) فهم نسبوا كل خيراتهم لأنفسهم وقالوا خبزي ومائي، بينما هي لله "أخذ قمحي في حينه" والله يأتمننا على ما بين أيدينا كوكلاء محتفظًا بالملكية له (راجع مثل وكيل الظلم). وهو لا يمتلك فقط خيراتنا بل يمتلكنا نحن أيضًا. وإذا نزع الخيرات من أحد فهذا لئلا يسيء استعمالها فيما بعد. ولاحظ التدرج في العقاب، ففي آية (9) ينزع الخيرات ثم في (10) يكشف عورتها أي يفضحها ويفضح كل شرورها. فبينما ادعت أن الخطية شيء طبيعي، سيقوم الله بإعلان كم أن الخطية خاطئة جدًا، ويظهر قبحها وفسادها. ثم تأتي درجة أصعب يحرمهم فيها الله من كل أفراحهم. وكون أن اليهود قد نسبوا الخيرات التي بين أيديهم للآلهة الوثنية فهذا يظهر في (أر16:44-18).
الآيات (14-23): "«لكِنْ هأَنَذَا أَتَمَلَّقُهَا وَأَذْهَبُ بِهَا إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَأُلاَطِفُهَا، وَأُعْطِيهَا كُرُومَهَا مِنْ هُنَاكَ، وَوَادِي عَخُورَ بَابًا لِلرَّجَاءِ. وَهِيَ تُغَنِّي هُنَاكَ كَأَيَّامِ صِبَاهَا، وَكَيَوْمِ صُعُودِهَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَنَّكِ تَدْعِينَنِي: رَجُلِي، وَلاَ تَدْعِينَنِي بَعْدُ بَعْلِي. وَأَنْزِعُ أَسْمَاءَ الْبَعْلِيمِ مِنْ فَمِهَا، فَلاَ تُذْكَرُ أَيْضًا بِأَسْمَائِهَا. وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ وَدَبَّابَاتِ الأَرْضِ، وَأَكْسِرُ الْقَوْسَ وَالسَّيْفَ وَالْحَرْبَ مِنَ الأَرْضِ، وَأَجْعَلُهُمْ يَضْطَجِعُونَ آمِنِينَ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالإِحْسَانِ وَالْمَرَاحِمِ. أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالأَمَانَةِ فَتَعْرِفِينَ الرَّبَّ. وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَسْتَجِيبُ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَسْتَجِيبُ السَّمَاوَاتِ وَهِيَ تَسْتَجِيبُ الأَرْضَ، وَالأَرْضُ تَسْتَجِيبُ الْقَمْحَ وَالْمِسْطَارَ وَالزَّيْتَ، وَهِيَ تَسْتَجِيبُ يَزْرَعِيلَ. وَأَزْرَعُهَا لِنَفْسِي فِي الأَرْضِ، وَأَرْحَمُ لُورُحَامَةَ، وَأَقُولُ لِلُوعَمِّي: أَنْتَ شَعْبِي، وَهُوَ يَقُولُ: أَنْتَ إِلهِي»."
يعود الله هنا في حنان ولطف ويعلن رغبته في عودتها إليه. هو عريس عجيب في محبته، فبعد أن تخونه عروسه يعود ويلاطفها لتعود إليه = أَتَمَلَّقُهَا وَأَذْهَبُ بِهَا إِلَى الْبَرِّيَّةِ = كما أخرج الشعب من عبودية وأسر فرعون إلى الحرية. والمعنى أن الله سيقودنا إلى الحرية. ومعنى أن الله يتملقها أي تحايله عليها، كما يتحايل الأب على ابنه المتمرد. وكان المتوقع بعد آية (13) وقوله "وتنساني أنا يقول الرب" أن يقول الرب ولذلك سأنتقم منها، ولكننا نجده يقول وَلكِنْ = أي مع هذا فمحبتي لها كبيرة. وماذا سيقدم لها؟ أُعْطِيهَا كُرُومَهَا = أي يعيد لها فرحها. وإذا فهمنا أن المسيح هو الكرمة الحقيقية، فهو سيعطينا ذاته كسر فرح لنا. وَوَادِي عَخُورَ = كلمة عخور تعني ضيق. والمعنى فمع كونها ما زالت في العالم وادي الضيق أو الضيقة العظيمة كما في (رؤ14:7) إلاّ أنه سيفتح الله لنا باب الرجاء في الفرح الأبدي. وبعد الحرية وهذا الرجاء تسبح النفس المبتهجة = وَهِيَ تُغَنِّي هُنَاكَ كَأَيَّامِ صِبَاهَا = فالإنسان في طفولته قبل أن يتدنس من العالم يستطيع أن يسبح بسهولة ولكن بعد أن يتعلم الخطية يصعب عليه التسبيح. وبعمل المسيح يعود كما كان طفلًا فرحًا ويستطيع أن يسبِّح. ولم يَعُدْ الضيق الذي في العالم قادرًا أن ينزع منّا فرحنا وتسبيحنا (يو22:16). بل صار الألم هبة (في29:1) فيه نشترك مع المسيح في صليبه فنتذوق بهجة قيامته. وكتب بولس الرسالة لفيلبي وهي رسالة الفرح بينما كان في سجنه، والثلاثة فتية في الأتون كانوا يسبحون.. ولكن وادي عخور يشير لأهمية ترك الخطية أولًا، ففيه رجم الشعب عاخان بن كرمي مُكدِّر إسرائيل (يش24:7). فلنرجم خطايانا وندفنها حتى نستطيع أن نفرح. ونلاحظ أن يعقوب أبو الآباء بعد ن طمر الآلهة الغريبة تحت البطمة (تك4:35) ظهر له الله وباركه (تك9:35). فلن نفرح بالله قبل أن نتخلى عن خطايانا أولًا، هنا يتحول وادي عخور (العالم الذي نحيا فيه) إلى باب للرجاء. والفرح الحالي هو عربون فقط. تَدْعِينَنِي: رَجُلِي، وَلاَ تَدْعِينَنِي.. بَعْلِي = رجلي هي نفسها بعلي، لكن كلمة بعلي تشير لمحبتهم السابقة لأوثانهم. والله في محبته التي سيسكبها سينزع من القلب كل محبة غريبة لآخر= وَأَنْزِعُ أَسْمَاءَ الْبَعْلِيمِ.. فَلاَ تُذْكَرُ أَيْضًا بِأَسْمَائِهَا = وقتها تنسب كعروس لله وليس لإله غريب. ولاحظ أن هذا لم يتم إلاّ في البرية (14) أنه في عزلة عن العالم الشرير. ومرة أخرى فيعقوب قد رأى الله وباركه (تك9:35) بعد أن ترك مدينة شكيم وذهب إلى بيت إيل (تك35: 1، 3). تَدْعِينَنِي رَجُلِي، يصير المسيح عريسًا لنفوسنا ونتحد به. وهذا التملق وهذه الملاطفة التي أعطتنا الله عريسًا لنا بدأت بالصليب وهذا الكلام لا يمكن تطبيقه إلاّ على الكنيسة. وفي آية (18) نرى عهد السلام، العهد الجديد، السلام الذي يعطيه الله، والذي هو ليس من هذا العالم فنضطجع آمنين (يَضْطَجِعُونَ آمِنِينَ) = فالله ملك السلام يعطي لأحبائه نومًا. هذا السلام سيكون بين الإنسان والله وبين الإنسان والإنسان وبين الإنسان والحيوان، فهناك سلطان لأولاد الله على الوحوش سواء حَيَوَانِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ = والوحوش قد تكون حقيقية (وقد كان للقديسين سلطان عليهم، وكان للإنسان سلطان على كل الحيوانات فقده بالخطية وعاد للقديسين) وقد تكون الوحوش إشارة للناس الأشرار الذين لهم طبع وحشي، كما قال بولس الرسول " حاربت وحوشًا في أفسس" عمومًا هؤلاء الأشرار الوحوش ليس لهم سلطان علينا إن لم يكن هذا السلطان مُعْطَى من فوق كما قال السيد لبيلاطس (يو11:19) هنا نرى اللعنة التي ذُكِرَت في آية (12) أن حيوان البرية كان يأكل الأجرة، قد تحولت إلى بركة، فصار سلام مع حيوان البرية. وَأَكْسِرُ الْقَوْسَ والسيف هو تعبير يعني أن الله يُعطي سلامًا "سلامي أترك لكم سلامي أنا أعطيكم" لكن السيد أكمل بقوله "ليس كما يعطي العالم أعطيكم"، فسلام الله ليس من الخارج بل سلامه يملأ العقل والقلب مهما كان العالم مضطربًا " إن قام عليَّ جيش ففي هذا أنا مطمئن" فالله لا يعِدْ بنزع الحروب من العالم، بل هو نبَّه أن العالم سوف يبغض أولاد الله لأنهم ليسوا من العالم. ولكنه سيعطي سلامًا داخليًا قادرًا أن يتغلب على المخاوف الخارجية، سلامًا يفوق كل عقل (في7:4).
وفي (19) هذه الخطبة تمت بالصليب الذي ظهر فيه العدل والحق والإحسان والمراحم وباتحادنا بعريسنا السماوي نحصل على هذه الصفات عينها. وهذه الخطبة أبدية. وفي (20) أساس الخطبة هو الإيمان الذي به نتحد مع العريس، فنعرفه المعرفة التي تفرح القلب. والله أمين الذي دعاهم سيفعل أيضًا (1تس24:5) فبالتوبة نعرف الله وفي (21، 22) نجد سلسلة من الاستجابات. فبسبب الخطية لا تستجيب السماء للأرض، والأرض لا تستجيب لزراعة الإنسان، بل تصير السماء نحاس والأرض حديد لأنه لا توجد بركة (تث23:28) أي أن الله لا يستجيب ولكننا هنا نرى الله يستجيب فتستجيب السماء وتعطي مطرها، وتستجيب الأرض وتنبت ما يزرعه الإنسان = تستجيب يزرعيل. هذه سلسلة مباركة من الاستجابات تعلن بركة الله ورضاه. وهنك تأمل آخر: فالله يستجيب السموات (يَقُولُ الرَّبُّ، أَسْتَجِيبُ السَّمَاوَاتِ) فالسمائيين يشفعون فينا والسماء تستجيب الأرض (السَّمَاوَاتِ وَهِيَ تَسْتَجِيبُ الأَرْضَ) = هذه الصورة نراها في (رؤ8:5) حيث الأربعة وعشرون قسيسًا يقدمون أمام الله بخورًا الذي هو صلوات القديسين. فالأرض أي الكنيسة الأرضية تصلي والسماء تشفع فيها، ولاحظ أن المسيح جعل الاثنين واحدًا أي السماء والأرض. وأمام هذا الحب يستجيب الله ويفيض ببركاته. قمح = شبع. ومسطار أي خمر = فرح . وزيت = امتلاء من الروح القدس. وهي تستجيب يزرعيل = (في4:1) كان يزرعيل يعني لعنة وعقاب وإبادة، وهنا يعني زرع الله. وزرع الله هو كلمته داخل النفس. والمسيح زرع الكنيسة زرعًا جديدًا = وأزرعها لنفسي وصار يستجيب له (آية 23)
وهناك تأمل آخر: أن السموات تشير للنفس التي تحمل المسيح في داخلها عريسًا لها. وهذه النفس يستجيب لها الله قطعًا. والأرض تشير للجسد والمسيح قَدَّس الجسد وصارت أعضاؤه آلات بر تعمل لحساب الله. فالنفس التي تتقدس لتصير سماءً يستجيب لها الله ويمطر عليها أمطارًا سماوية أي يفيض من روحه القدوس عليها، على أرضها أي جسدها فيثمر. مثل هذا الإنسان يتمتع بمراحم الله = أرحم لورحامة. ويصير له علاقة خاصة، علاقة حب بالله أقول للوعمي أنت شعبي وهو يقول أنت إلهي = هذه تشبه أنا لحبيبي وحبيبي لي.
← تفاسير أصحاحات هوشع: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير هوشع 3 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير هوشع 1 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/maxhfr3