← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27
الآيات (1-9): "اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْبَنُونَ تَأْدِيبَ الأَبِ، وَاصْغُوا لأَجْلِ مَعْرِفَةِ الْفَهْمِ، لأَنِّي أُعْطِيكُمْ تَعْلِيمًا صَالِحًا، فَلاَ تَتْرُكُوا شَرِيعَتِي. فَإِنِّي كُنْتُ ابْنًا لأَبِي، غَضًّا وَوَحِيدًا عِنْدَ أُمِّي، وَكَانَ يُرِينِي وَيَقُولُ لِي: «لِيَضْبِطْ قَلْبُكَ كَلاَمِي. احْفَظْ وَصَايَايَ فَتَحْيَا. اِقْتَنِ الْحِكْمَةَ. اقْتَنِ الْفَهْمَ. لاَ تَنْسَ وَلاَ تُعْرِضْ عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي. لاَ تَتْرُكْهَا فَتَحْفَظَكَ. أَحْبِبْهَا فَتَصُونَكَ. الْحِكْمَةُ هِيَ الرَّأْسُ. فَاقْتَنِ الْحِكْمَةَ، وَبِكُلِّ مُقْتَنَاكَ اقْتَنِ الْفَهْمَ. ارْفَعْهَا فَتُعَلِّيَكَ. تُمَجِّدُكَ إِذَا اعْتَنَقْتَهَا. تُعْطِي رَأْسَكَ إِكْلِيلَ نِعْمَةٍ. تَاجَ جَمَال تَمْنَحُكَ»."
اسمعوا أيها البنون= كلمة فيها سلطان وحنان أبويين. تأديب الأب= سليمان الحكيم هنا يقدم تعاليمه لنا كأب، مقدمًا نفسه نموذجًا فهو كذلك تعلَّم من أبيه وسمع له. شريعتي= إرشاداتي. فأني كنت ابنًا لأبي= هذه لها معنيان [1] إعزاز أبي لي وهذا ظهر في أنه علمني وأدبني. [2] محبتي وطاعتي لأبي وهذه ظهرت في استماعي له. وحيدًا عند أمي = هي تعني نفس المعنيين السابقين إعزاز أمه له ومحبته هو لها، هي كانت تعلمه وهو كان يستمع في خضوع. ولكن الآية لا تعني أن سليمان كان وحيدًا لأمه بثشبع، بل تعني اعتزاز أمه به ورعايته كما لو كان وحيدًا (2صم14:5 + 1أي5:3) وكلمة وحيد هي نفس الكلمة التي استخدمت عن اسحق في (تك2:22، 12). وهي نفس الكلمة التي ترجمت محبوب في (أف6:1). والله أحب سليمان وأسماه يديديا أي المحبوب (2صم25:12) ولأن الله أحبه فقد أحبه والداه واهتما به. وداود حين أحب سليمان علمه وأدبه وهكذا المحبة الصحيحة لا تعرف التدليل بل التأديب.
وسليمان كان رمزًا للمسيح:- فهو الابن المحبوب، ابن داود الملك، ملك السلام وهو باني الهيكل (الهيكل هو جسد المسيح أي كنيسته)، هو الملك الحكيم والمسيح أقنوم الحكمة. ابنًا لأبي.. وحيد عند أمي= هو ابن لله بالطبيعة وصار له جسدًا وكان وحيدًا عند أمه العذراء، وعريسًا واحدًا لكنيسته عروسه.
غضًا= أي شابًا صغيرًا، كغصن رخص. والشاب الصغير يكون قابلًا للتعليم، مثل الغصن الأخضر الرخص يمكن جعله يميل "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر" وعمومًا غضًا تشير للقابلية للتعليم، فكل قابل للتعليم هو ابن صغير لم يَشِخ روحيًا، أما من يظن نفسه حكيمًا يصبح غير قابل للتعليم ويتحول إلى شيخ عجوز جاهل فلنقبل التعليم كأطفال ولا نظن أنفسنا حكماء. وممن نقبل التعاليم، من الأب ومن الأم، أي من الله ومن الكنيسة، فالله أبونا والكنيسة أمنا. وهذا لا يلغي أهمية طاعتنا لوالدينا الجسديين وإكرامنا لهم أن كان تعليمهم بحسب وصايا الله.
ومع أن سليمان كان رجلًا حكيمًا حكمة غير عادية. وقطعًا كان تعليم سليمان وثقافته أكثر من داود أبيه، فداود كان راعي غنم ثم مقاتل تربَّى في بيئة فقيرة، أما ابنه سليمان فقد تربى في قصر أبيه الملك فنشأ في بيئة كلها ثقافة وتعليم، بل هو نال حكمة طلبها من الله لم تكن لأحد قبله ولا بعده. ومع هذا نجد سليمان هنا يشيد بتعليم أبيه وأمه كمصدر من مصادر حكمته ولم يحتقر تعاليمهما بل نراه يوقرهما، بل يستخدم كلمات أبيه التي علمها له. وكأنه في هذه الآيات يقول تعالوا يا أولادي لكي أعلمكم تَعْلِيمًا صَالِحًا سبق وتعلمتها من أبي وأمي. هي صالحة لأنه قبلها من أبيه وهو تأكد أن مصدرها الحقيقي هو الله، وهي صالحة لأنه اختبرها في حياته ووجد أن نتائجها صالحة، وهو يقدم نفسه هنا كوالد يعلم أبنائه كما تعلم هو من أبيه، ولقد تعلم أبيه من الله. وللأسف فرحبعام بن سليمان لم يَسْتَفِد من كل هذا كابن، فهل نستفيد نحن؟ وداود علَّم سليمان كثيرًا، وسفر الملوك والأيام يوردان بعض هذه التعاليم (راجع 1مل2:2-4 + 1أي 22: 12، 13) بالإضافة إلى سفر المزامير. وتعاليم داود لسليمان يوردها سليمان هنا ضمن تعاليمه في هذا الإصحاح خصوصًا الآيات (4-13) ونلاحظ تكرار التعاليم في هذا السفر فهكذا يتعلم الأبناء بالتكرار (أش13:28).
ليضبط قلبك كلامي= إحفظ الكلام ولا تفرط فيه وخبئه في قلبك وإحتفظ به بكل مشاعرك. إحفظ وصاياي= هنا يخرج إلى
مجال التنفيذ، والمعنى المقصود أن لا تحفظ الكلام في قلبك فقط فيتحول لجدال عقلي بل نفذه وإحيا به، والممارسة وتنفيذ وصايا الله هو الطريق لزيادة المعرفة (يو17:7).اقْتَنِ الْحِكْمَةَ.. اقْتَنِ الْفَهْمَ = كلمة إقتن أي إشتري وأملك لنفسك. وإذا كانت كنوز الدنيا لا تساوي
الحكمة فلن يستطيع أحد شراؤها، لذلك فالله يهبها مجانًا لمن يطلبها ويصلي بلجاجة للحصول عليها. وليس الصلاة فقط وإلا لصار الأمر كأننا نترك الأمر لله دون أن نفعل شيء من جانبنا، ولكن علينا أن نبدأ بالتغصب على طاعة الوصايا، والروح يعين، ومن يفعل يمتلئ بالروح ، والروح هو روح الحكمة، والروح يعطي معونة لِمَنْ يحاول، وهذا تم شرحه فيما سبق. فيصبح الثمن الذي ندفعه لنقتني الحكمة هو التغصب على تنفيذ الوصية (مت11: 12).وهنا يميز بين الحكمة والفهم. فالحكمة قد تكون معلومات نظرية، أما الفهم فهو كيف تطبق الحكمة عمليًا
وتميز الطرق المتخالفة في الحياة، وإلا تحولت الحكمة إلى معلومات فلسفية نظرية تقود للكبرياء. وبذلك تكون الحكمة هي البصيرة التي بها نرى الطرق المتخالفة، ويكون الفهم هو التطبيق الواعي لما رأيناه وإكتشفناه، ونطبقه بإقتناع.الحكمة هي الرأس= أي الأساس، هي أسمى شيء يستحق أن نقتنيه، ويمكن ترجمة الآية "الحكمة هي الأولى" بمعنى هي أول ما تطلب أن تقتنيه، فهي اللؤلؤة كثيرة الثمن. ونلاحظ أن المسيح هو رأس الجسد، فمن يقتني الحكمة يكون قد إمتلك كل شيء أي المسيح فيقول "أنا لحبيبي وحبيبي لي". وكيف نقتني المسيح وبالتالي نقتني حياة لأنفسنا؟ = لاَ تَنْسَ وَلاَ تُعْرِضْ عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي = الطريق هو حفظ الوصايا (مت17:19 + يو51:8 + يو21:14، 23 + يو10:15). فالمسيح هو نبع الحكمة وهو الذي تمت فيه كل هذه الأقوال. تمجدك إذا إعتنقتها= لقد سبق ورأينا الحكمة تعانق بكلتا يديها من يطلبها (أم 16:3) وإذا عانقت أحد تسعده. وهنا دعوة لكل أحد أن يعانق هو الحكمة لترفعه وتعليه وتكون له إِكْلِيلَ نِعْمَةٍ وتَاجَ جَمَال = وهذا البهاء عكس الحمقى الذين يحملون هوانًا (أم 35:3). لذلك فلتحب الحكمة وتحتضنها كما
يحتضن الإنسان العالمي ثروته بشغف بل إرفعها فتعليك = وإرفعها بمعنى الإعلان أن علاقتك بالله هي أكثر ما تهتم به بل أكثر من حياتك، وأن علاقتك بالله هي التي ترفعك. ولنلاحظ أن سليمان كان ملكًا وأخاب الشرير كان ملكًا، وكان توقير الناس لسليمان كان ليس لأنه ملك بل بسبب حكمته وإحتقار الناس لأخاب بينما كان ملكًا راجع لخطيته.تمجدك إذا إعتنقتها = من يتمسك بالحكمة ويعانقها يتمجد، فإذا فهمنا أن
الحكمة هو المسيح، فمن يثبت في المسيح يتمجد معه.
الآيات (10-15): "اِسْمَعْ يَا ابْنِي وَاقْبَلْ أَقْوَالِي، فَتَكْثُرَ سِنُو حَيَاتِكَ. أَرَيْتُكَ طَرِيقَ الْحِكْمَةِ. هَدَيْتُكَ سُبُلَ الاسْتِقَامَةِ. إِذَا سِرْتَ فَلاَ تَضِيقُ خَطَوَاتُكَ، وَإِذَا سَعَيْتَ فَلاَ تَعْثُرُ. تَمَسَّكْ بِالأَدَبِ، لاَ تَرْخِهِ. احْفَظْهُ فَإِنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ. لاَ تَدْخُلْ فِي سَبِيلِ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَسِرْ فِي طَرِيقِ الأَثَمَةِ. تَنَكَّبْ عَنْهُ. لاَ تَمُرَّ بِهِ. حِدْ عَنْهُ وَاعْبُرْ،"
اسمع يا ابني واقبل= اسمع بإحترام وتوقير ونفذ ما تسمعه. تكثر سنو حياتك (10)، إحفظه فإنه هو حياتك (13)= الحكمة وحفظ وصايا الله هي التي نعيش بها على الأرض في سلام، وبها نضمن حياتنا الأبدية. والآية (12) معناها من يحفظ الحكمة تحفظه الحكمة لا تضيق خطواتك= لا تعاق ولا تتعطل خطواتك، بل تسرع ولا تتعثر. أريتك طريق الحكمة (11) = الطريق الذي تحصل به على الحكمة والطريق الذي تقودك فيه الحكمة. تَمَسَّكْ بِالأَدَبِ، لاَ تَرْخِهِ = الأدب مترجمة في الإنجليزية الوصية أو التعليمات.
لا تدخل في سبيل الأشرار (14) تنكب عنه (15) الدرس المهم هنا هو عدم مسايرة الأشرار فطريقهم هو طريق الهلاك. وقوله لا تدخل هو تحذير من الخطوة الأولى في هذا الطريق، فالأشرار كالمرض المعدي فلا تخالطهم (شريعة عزل الأبرص)، ولنلاحظ أن الدخول في طريقهم سيؤدي أخيرًا لمسايرتهم في شرهم. وتَنَكَّبْ = تجنب الطريق وارفضه، والشاب في غروره يتصور أنه قادر أن يقاوم الشر ويرفضه في أي لحظة، لذلك يقول سأجرب وسأترك هذا الطريق وقتما أريد لكن شباك الخطية سرعان ما تمسك به. ولذلك يرسم له الوحي الإلهي هنا طريق الحياة وهو الهروب السريع من الخطية (2تي10:3-17) هي دعوة له للثبات في نفس طريق بولس الرسول نفسه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أما من دخل فعلًا لطريق الشر فسليمان يطلب منه أن يهرب منه بأسرع ما يستطيع = لا تَسِرْ في طريق الأثمة = فلو دخل إنسان لطريق الأشرار وأعلن له الله شر هذا الطريق واكتشف نية هؤلاء الأشرار فعليه أن يبتعد بأسرع ما يستطيع قبل أن تحيط به شباك الخطية فلا يستطيع الهرب.
الآيات (16، 17): "لأَنَّهُمْ لاَ يَنَامُونَ إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا سُوءًا، وَيُنْزَعُ نَوْمُهُمْ إِنْ لَمْ يُسْقِطُوا أَحَدًا. لأَنَّهُمْ يَطْعَمُونَ خُبْزَ الشَّرِّ، وَيَشْرَبُونَ خَمْرَ الظُّلْمِ."
لا ينامون= تعبير مجازي عن شره الأشرار للخطية ولذتهم في فعلها وسعيهم إليها. خُبْزَ الشَّرِّ، وَ..خَمْرَ الظُّلْمِ = تعبير مجازي يشير للثروة التي تجمع بالظلم والباطل (مز4:14 + أي16:15). أو هي تشير للأشرار الذين يشربون الظلم ويأكلون الشر، أي هذه هي حياتهم، أما المسيحي الحقيقي فخبزه وخمره هو جسد ودم المسيح الأقدسين، يأخذهما باستحقاق أي بحياة توبة ونقاوة فيشبع ويفرح. وخبزه أيضًا معرفة المسيح الحقيقية فهي مصدر الشبع والفرح، فلا نحتاج لسواه. من يعرف المسيح حقيقة فلقد اقتنى كل شيء. معرفة المسيح هي الحياة الأبدية (يو 17: 3).
الآيات (18، 19): "أَمَّا سَبِيلُ الصِّدِّيقِينَ فَكَنُورٍ مُشْرِق، يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ إِلَى النَّهَارِ الْكَامِلِ. أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَكَالظَّلاَمِ. لاَ يَعْلَمُونَ مَا يَعْثُرُونَ بِهِ."
اتجاه إنسان سائر في طريق التوبة
طريق التوبة يقود المسيحي من نور إلى نور بل يتحول هو نفسه بعد إن كان ظلمة ليصير نور.
نجد هنا وضعين متعارضين الأول لمن يسلك في طريق التوبة، فتقل خطاياه ويظهر عليه نور المسيح الذي يبكت الأشرار ويفضح خطيتهم، وهذا معنى أن المسيحي نور للعالم، فقداسته ورفضه للخطية يبكت من لا يزال في طريق الخطية. والثاني لمن يسلك في طريق الأشرار فتزداد خطيته بل يتحول إلى ظلمة تضل الآخرين ويكون شركًا لهم.
يَتَزَايَدُ وَيُنِيرُ (نور متزايد) = نور يزداد يومًا بعد يوم، ويزداد شيئًا فشيئًا. حتى يصل للنور الكامل = النَّهَارِ الْكَامِلِ = والإشارة هنا لنور الفجر الذي يبدأ ضعيفًا ويزداد رويدًا رويدًا حتى يصير في أكثر حالاته ضياءً بإشراق نور الشمس بالكامل، أو يكون التصوير بحسب الرسم أن نور الشمس يحجبه السحاب وكلما أخذ السحاب في الانقشاع (بالتوبة) يزداد نور الشمس وصولًا للأرض. وبالتوبة يصل لنا نور المسيح ونصير نورًا والطريق مفتوح أمامنا للكمال "كونوا كاملين" وعمومًا فالأبرار في السماء في الحياة الأبدية سيضيئون لأنهم سيكونون على صورة المسيح (دا 3:12 + 2كو18:3 + 1يو2:3 + رؤ4:22، 5). ومن يتبع المسيح النور الحقيقي والحكمة الحقيقية يسير في النور ولا يمشي في الظلمة بل يكون له النور (يو9:11، 10 + 35:12، 36) ويكون له نصيب في مجده الأبدي حيث لا ظلام إلى الأبد بل نور دائم (رؤ23:21-25) وعكس هذه الصورة تمامًا تحدث لمن يسلك في طريق الأشرار، فهو سيسير في الظلمة، ظُلمة الخطية. وفي ظلمته يعود لا يعلم أنه يخطئ= لا يعلمون ما يعثرون به. ويزداد تعثرًا وبالتالي يزداد ظلمة، بل يتحول إلى ظلمة أي يضل إخوته الجهلاء. ومصير هؤلاء ظلام أبدي وطرد من حضرة الله لسلطان الظلمة.
الآيات (20-27): "يَا ابْنِي، أَصْغِ إِلَى كَلاَمِي. أَمِلْ أُذُنَكَ إِلَى أَقْوَالِي. لاَ تَبْرَحْ عَنْ عَيْنَيْكَ. اِحْفَظْهَا فِي وَسَطِ قَلْبِكَ. لأَنَّهَا هِيَ حَيَاةٌ لِلَّذِينَ يَجِدُونَهَا، وَدَوَاءٌ لِكُلِّ الْجَسَدِ. فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ. انْزِعْ عَنْكَ الْتِوَاءَ الْفَمِ، وَأَبْعِدْ عَنْكَ انْحِرَافَ الشَّفَتَيْنِ. لِتَنْظُرْ عَيْنَاكَ إِلَى قُدَّامِكَ، وَأَجْفَانُكَ إِلَى أَمَامِكَ مُسْتَقِيمًا. مَهِّدْ سَبِيلَ رِجْلِكَ، فَتَثْبُتَ كُلُّ طُرُقِكَ. لاَ تَمِلْ يَمْنَةً وَلاَ يَسْرَةً. بَاعِدْ رِجْلَكَ عَنِ الشَّرِّ."
في الآيات السابقة حذَّر سليمان من فعل الشر وهنا يعلمنا كيف نفعل الصلاح، هي دعوة لترك طريق الشر والثبات في طريق الخير، بل نجد هنا منهجًا متكاملًا ودعوة للالتصاق بالخير ونداء لحفظ القلب واللسان والعين والقدمين في الاتجاه المؤدي للحياة. فالحكمة تعطي حياة= هي حياة للذين يجدونها (22) وهي دواء لكل الجسد= أي صحة وشفاء. وطالما هي حياة ودواء يوجه سليمان دعوة لكل أحد أن يحفظها= احفظها في وسط قلبك (21).. لأن منه مخارج الحياة (23). وهكذا يعلمنا داود في (مز11:119) "خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك". فالقلب الذي يحكمه كلام الله ووصاياه ولا يخدع نفسه يضمن أن يسلك في الحق وتكون له حياة، والعكس فمن يخدع نفسه فهو يسلك في طريق الموت. لذلك فلنهتم بحفظ الوصايا أكثر من أي شيء آخر. وكما أن القلب هو مصدر الحياة فهو الذي يدفع الدورة الدموية التي بها حياة كل إنسان، هكذا حفظ الوصايا قلبيًا (أي باهتمام وجدية وإرادة كمن يحافظ على حياته) فيه حياة وصحة للإنسان. فلا يكفي السماع للوصايا، بل علينا استيعابها والتأمل فيها= لا تبرح عن عينيك ، وتنفيذها= لا تمل يمنة ولا يسرة. باعد رجلك عن الشر. فليثبت كل واحد نظره على الله وعلى وصاياه "لننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدّام.. إلى جعالة دعوة الله العليا ". وإذا تثبتت العين على الهدف ننظر إلى الأمام مستقيمًا (أَجْفَانُكَ إِلَى أَمَامِكَ مُسْتَقِيمًا) ويكون هدفنا المسيح لا نميل عن وصاياه يمنة ولا يسرة. فحفظ الوصايا هو ضمان الحياة (مت10:15-20). ويحذر سليمان من إلتواء الفم= الخداع والتضليل. وانحراف الشفتين= تحريف الكلام بقصد تشويه الحقيقة وإفسادها. ومعنى الكلام هنا تمسك بالوصية ولا تجد أعذارا تتعلل بها لكي لا تنفذ الوصية، لا تخدع نفسك وتحرف الحقيقة بشفتيك وأنت تعلم في قلبك أنك مخطئ أي لاتجد عذرا لنفسك وأنت تعلم أن ما تقوله خطأ . وكمثال لذلك فمن لا يريد تنفيذ وصية الصوم فيقول وهل كل من يصوموا قديسين. وغير هذا كثير. ومن يفعل ذلك يكون عارفا في قلبه أنه إنما يراوغ. ولنلاحظ أن صاحب الفم الملتوي والشفاه المنحرفة الذي يقول أعذارا بخلاف الحقيقة الموجودة في قلبه، هو يخدع نفسه ويحكم على نفسه بالموت = احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ = فقد نخدع البشر ولكن هل يمكن أن نخدع الله.
فمن فضلة القلب يتكلم اللسان. وحين تحتل كلمة الله مكانها في القلب فإن الشفاه تعكسها وتبينها، وأيضا من وضع في قلبه أن يعمل ما يريده الله وأن يلتزم بوصاياه لن يخرج من فمه أقوالا ملتوية يبرر بها أخطاءه أو عدم إلتزامه بالوصية. ونلاحظ أنه من كثرة ترديد هذه الأعذار يتقسى القلب ويعاند متصورا أنه وجد أعذارا مقنعة أفحم بها الآخرين. وهذا معنى أن اللسان يقود الحياة كلها (يع 3).
وفي (25، 26) يتكلم عن القدمين والمسيرة أي تطبيق ما حفظه القلب، أو ما يسمى بالسلوك العملي. وكما أنه علينا أن نحفظ كلام الله في القلب فعلينا أن نحفظ أقدامنا من السير في طريق الشر. وكما أن الفم يكشف ما هو مختبئ في القلب هكذا القدمين يسلكان بحسب حالة النفس. مهد سبيل رجلك= أي قَوِّم أو إجعل الطريق مستقيمة أي حاول أن تزيل كل ما يكون عائقًا في طريق الله أي تحاشى كل ما يعثرك.
وفيما يلي ملخص لخطة سليمان لنسير في طريق الخير.
1- سماع كلمة الله باهتمام.............................................. (أية 20).
2- الاهتمام بها والالتصاق بها ووضعها في قلوبنا كشيء عزيز وكأوامر..................(آية 21).
3- يقدم تفسير لماذا يجب أن نهتم بكلمة الله.. ففيها حياة وشفاء لآلامنا الروحية........... (آية22).
4- نضع أعيننا عليها لنحفظها وتكون محل اهتمامنا، بل نطلب معونة إلهية تساعدنا في ذلك.... (آية23).
5- حفظ الشفاه (خطايا اللسان هي كذب، حلف، كلام باطل.. وأيضا هي تعني هنا ترديد أعذار لصنع الشر أو عدم الالتزام بالوصايا) واللسان يقود الجسم كله أو الحياة كلها (يع3)..(آية 24).
6- حفظ العينين لنثبتهما على الله بدلًا من أن تزيغا وراء العالم (أي تكون لنا العين البسيطة)............ (آية25).
7- حفظ القدمين، فكل سلوك وكل تصرف يجب أن يكون في خوف الله ومتوافق مع كلمته.. (آية26، 27).
← لنفهم أن حِفْظ وصايا الله فيه شفاء للعالم المتألم، وللأسف فالناس يظنون الوصية قيد عليهم.
← تفاسير أصحاحات أمثال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أمثال سليمان 5 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أمثال سليمان 3 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/g6anqsj