← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35 - 36
على النقيض من الإصحاح السابق نصل هنا للتأمل في الحكمة ونميز شخص المسيح اللوغوس وراء كلمة الحكمة. المسيح الذي يحاول أن يجذب كل نفس إليه لتترك طريق الجهل وتسلك طريق المعرفة والفهم. نصل في هذا الإصحاح إلى ذروة السلسلة عن الحكمة والحديث عن الحكمة. ونجدها في صورة مخالفة تمامًا للمرأة الشريرة، فهذه أسلوبها ملق مخادع وحبها فاسد، تسلك في الظلام وتقود للموت. أما الحكمة فهي تنادي بكل جلاء ووقار في الأماكن العامة في النور، تدعو كل الناس أن يقبلوها وتعلن لهم أن من يقبلها تكون هناك كنوز من نصيبه. ولقد أجمع معظم المفسرين أن هذا الإصحاح يتكلم عن المسيح أقنوم الحكمة، وهذا هو تفسير كنيستنا الأرثوذكسية لهذا الإصحاح. وفي الإصحاح آيات وعبارات لا يتحقق معناها الكامل إلا في المسيح قوة الله وحكمة الله فهو حكمة الله المشخصة (صارت شخصًا) أو المتجسدة (لو49:11؛ 1كو24:1).
وفي (لو 11: 49) نرى حكمة الله شخصًا يرسل الأنبياء للعالم "لذلك أيضًا قالت حكمة الله: إني أرسل إليهم أنبياء ورسلا فيقتلون منهم ويطردون". فإن فهمنا أن المسيح هو حكمة الله (1كو1: 24) يكون المسيح هو مرسل الأنبياء. والمسيح هو الذي أرسل التلاميذ أيضًا ليؤسسوا كنائس العالم أجمع. "فإذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم .... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ..." (مت28: 19 ، 20).
ما بين هذا الأصحاح والأصحاح السابق ما يسمَّى بالـcontrast أي تضاد وتناقض كامل بين طريق الموت وطريق الحياة.
الآيات (1-11): "أَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ لاَ تُنَادِي؟ وَالْفَهْمَ أَلاَ يُعْطِي صَوْتَهُ؟ عِنْدَ رُؤُوسِ الشَّوَاهِقِ، عِنْدَ الطَّرِيقِ بَيْنَ الْمَسَالِكِ تَقِفُ. بِجَانِبِ الأَبْوَابِ، عِنْدَ ثَغْرِ الْمَدِينَةِ، عِنْدَ مَدْخَلِ الأَبْوَابِ تُصَرِّحُ: «لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أُنَادِي، وَصَوْتِي إِلَى بَنِي آدَمَ. أَيُّهَا الْحَمْقَى تَعَلَّمُوا ذَكَاءً، وَيَا جُهَّالُ تَعَلَّمُوا فَهْمًا. اِسْمَعُوا فَإِنِّي أَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ شَرِيفَةٍ، وَافْتِتَاحُ شَفَتَيَّ اسْتِقَامَةٌ. لأَنَّ حَنَكِي يَلْهَجُ بِالصِّدْقِ، وَمَكْرَهَةُ شَفَتَيَّ الْكَذِبُ. كُلُّ كَلِمَاتِ فَمِي بِالْحَقِّ. لَيْسَ فِيهَا عِوَجٌ وَلاَ الْتِوَاءٌ. كُلُّهَا وَاضِحَةٌ لَدَى الْفَهِيمِ، وَمُسْتَقِيمَةٌ لَدَى الَّذِينَ يَجِدُونَ الْمَعْرِفَةَ. خُذُوا تَأْدِيبِي لاَ الْفِضَّةَ، وَالْمَعْرِفَةَ أَكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ الْمُخْتَارِ. لأَنَّ الْحِكْمَةَ خَيْرٌ مِنَ الَّلآلِئِ، وَكُلُّ الْجَوَاهِرِ لاَ تُسَاوِيهَا."
الْحِكْمَةَ.. تُنَادِي = الحكمة تدعو الجميع، كل بني آدم، وتستميل الناس، وهي تقنعهم حتى يأتوا (مت1:22-14). ودعوة الحكمة لنا لها وسائل متعددة، أولًا بصوت الكتاب المقدس، وصوت خدام الله، وتبكيت وتعليم الروح القدس، وإن لم يأتي كل هذا بنتيجة فهناك الإنذارات والضربات للتأديب، فالله له وسائله المتعددة. وهكذا كان المسيح ينادي الجميع (يو37:7) فالحكمة هي المسيح. والمسيح ليس بعيدًا عن أحد بل هو في مُتناوَل الجميع (تث11:30-14؛ رو6:10-9). ووصاياه ليست ثقيلة، ويعطي مع الوصية القوة على تنفيذها (1يو5: 3). لذلك المقاومة ضد الخطية سهلة (عب12 : 1). و[الرُّوحُ الْقُدُسُ يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا] (رو8: 26).
أَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ لاَ تُنَادِي = قوله ألعل يعني أن الله لا يكف عن النداء وتنبيه وإنذار من يُخطئ وينحرف، وبهذا فكلٌ مسئول إذا لم يطيع صوت الله وإستمر في عناده.
عند رؤوس الشواهق= ناموس موسى، استلمه موسى على جبل، والمسيح علَّم على الجبل أهم تعاليمه (عظة الجبل). وهكذا طلب من اللاويين أن يصرخوا بصوت عالٍ (تث14:27) ليسمع الجميع، وطلب من التلاميذ أن يبشروا ويكرزوا للجميع. وهذا عكس المرأة الشريرة التي عند كل زاوية تكمن (أم 12:7) تكمن كلص في الظلمة. فالشيطان هو سلطان الظلمة (لو22: 53 + كو1: 13).
ولاحظ أن الحكمة تتكلم عند رؤوس الشواهق فهي عالية شاهقة تنادي في النور لتجذب من يستجيب للسماويات، وهذا معنى قوله عند رؤوس الشواهق، فالجبال في علوها ترمز للسماويات. والمؤمن الذي يثق في الله ويتوكل عليه يُشَبَّه بالجبل (مز125: 1). ولاحظ قول إشعياء النبي "ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم. وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب" (إش2: 2 ، 3).
لذلك قيل أن العذراء مريم عندما حلَّ المسيح في بطنها أنها "إنطلقت إلى الجبال" (لو1: 39). فمن تكون حياته هي حياة المسيح يحيا في النور وفي السماويات "لي الحياة هي المسيح" (في 1: 21).
عند الطريق بين المسالك تقف= تقف عند مفارق الطرق حيث يتحير الناس أي طريق يسلكون، لتجذب كل الناس وترشد الناس حينما يختلط عليهم الطريق الصحيح، وحيثما تتشعب المسالك ترشد الحكمة للطريق الصحيح. ولاحظ أن المسيح هو الطريق. بجانب الأبواب= حيث يجتمع الشيوخ داخل المدينة. عند ثغر المدينة أي خارج المدينة، فالدعوة هي في كل مكان. وهكذا المسيح تكلم علانية (يو20:18). ألعل الحكمة لا تنادي = والحكمة لا تنتظر أن يأتي إليها الناس، بل هي تذهب لكل واحد، ترشد الكل للطريق الصحيح، وإن ضل أحد في طريق شرير ترشده ليتوب. ويعود لطرقها الشريفة (فَإِنِّي أَتَكَلَّمُ بِأُمُورٍ شَرِيفَةٍ) = وأصل كلمة شَرِيفَةٍ هو الشيء الخاص بالأمراء، ليعود الضال كما يليق بأولاد الله. كل كلمات فمي بالحق= كثيرين يرفضون كلمات الله، ربما لعدم الفهم، أو لأنهم لم يجربوا قوتها وفائدتها، والله يشدد أن كلامه بالحق وما علينا سوى أن نصدق ونجرب فنختبر أنها حق فعلًا (مت7: 24 – 27) ، ولكن علينا أن نتضع أمام كلمة الله فنعرف أنه لا عيب فيها مطلقًا وسنكتشف أن العيب فينا نحن، بل سنكتشف أن كلمة الله أثمن من كنوز الدنيا. كلها واضحة لدى الفهيم= قارن مع (مت16:13) فكلمة الله واضحة لكل عين مفتوحة، أما الأشرار فلقد أغلقت الخطية عيونهم وصاروا غير قادرين على الفهم.
ألعل الحكمة لا تنادي (آية1) ... أيها الحمقى تعلموا ذكاء (آية5) = الذكاء هو التصرف السليم في مواقف الحياة. والحكمة هي مبادئ وأفكار وفهم وقناعات يضعها الله في العقل، والحكمة هي عطية الله. فالمسيح هو أقنوم الحكمة - هو حكمة الله (1كو1: 24). والروح القدس هو روح الحكمة والفهم (إش11: 2)، مثال:- الحكمة تعطينا فهما صحيحا لطبيعة الله ومحبته التي وصلت به للصليب. إذًا ما هو الذكاء؟ حينما نتعرض لتجربة شديدة – هنا نحن أمام موقف من إثنين:- 1) نعترض على الله ونقول له لماذا سمحت بهذا، وكأن الله لا يحبني فيسمح لي بالأذى. هنا نجد تضاد بين ما سبق وإقتنعت به وأن الله يحبك، وبين شكك في محبته بسبب التجربة. 2) نسلم لله حياتنا بلا إعتراض لأننا وثقنا في محبته ونقول مع بولس الرسول "الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء" (رو8: 32). هذا هو الذكاء أي التصرف السليم المبني على حكمة سبق وإقتنعنا بها. فلا معنى أن إنسانا يقتنع بأن الله محبة، ثم يشك في محبته إذ سمح له الله بتجربة. هذا عكس الذكاء.
الآيات (12-21): "«أَنَا الْحِكْمَةُ أَسْكُنُ الذَّكَاءَ، وَأَجِدُ مَعْرِفَةَ التَّدَابِيرِ. مَخَافَةُ الرَّبِّ بُغْضُ الشَّرِّ. الْكِبْرِيَاءَ وَالتَّعَظُّمَ وَطَرِيقَ الشَّرِّ وَفَمَ الأَكَاذِيبِ أَبْغَضْتُ. لِي الْمَشُورَةُ وَالرَّأْيُ. أَنَا الْفَهْمُ. لِي الْقُدْرَةُ. بِي تَمْلِكُ الْمُلُوكُ، وَتَقْضِي الْعُظَمَاءُ عَدْلًا. بِي تَتَرَأَّسُ الرُّؤَسَاءُ وَالشُّرَفَاءُ، كُلُّ قُضَاةِ الأَرْضِ. أَنَا أُحِبُّ الَّذِينَ يُحِبُّونَنِي، وَالَّذِينَ يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ يَجِدُونَنِي. عِنْدِي الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ. قِنْيَةٌ فَاخِرَةٌ وَحَظٌّ. ثَمَرِي خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ وَمِنَ الإِبْرِيزِ، وَغَلَّتِي خَيْرٌ مِنَ الْفِضَّةِ الْمُخْتَارَةِ. فِي طَرِيقِ الْعَدْلِ أَتَمَشَّى، فِي وَسَطِ سُبُلِ الْحَقِّ، فَأُوَرِّثُ مُحِبِّيَّ رِزْقًا وَأَمْلأُ خَزَائِنَهُمْ."
أسكن الذكاء= أي الحكمة والذكاء موجودين معًا. إذا وجدت إنسانا يتصرف تصرفات سليمة فهو له حكمة، والعكس فمن تصرفاته حمقاء فهذا الإنسان قد فارقته الحكمة. والذكاء هو القدرة على التمييز وعلى التصرف السليم. ومن يقتني الحكمة (يثبت في المسيح حكمة الله ويمتلئ بالروح القدس روح الحكمة) يظهر هذا في سلوكه في وسط العالم (2كو12:1). وهذا عكس من يسلك سلوك شهواني فهذا تجد فكره كله متجه لشهواته فلا يرى ولا يدرك شيء آخر.
أجد معرفة التدابير= التفكير السليم والمشورة الصالحة.
مخافة الرب بغض الشر= كيف يقتني الإنسان الحكمة والذكاء؟ يكون هذا لمن يخاف الرب ويخاف من ضياع أبديته، وهذا عليه أن يبغض الشر الذي يقود للهلاك. عموما فالحكمة مرتبطة مع مخافة الرب، أي كراهية فعل الخطية، نكره الخطية ليس عند الآخرين بل نكره خطايانا. ولا يمكن كراهية الشر إلا لمن أحب المسيح. الكبرياء والتعظم.. أبغضت= المسيح، وهو وحده الكامل بلا خطية يبغض كل هذه الخطايا. وما يدمر الحكمة عند إنسان هو الكبرياء. فهذا الإنسان المتكبر يسلك عكس المسيح المتواضع، فلن يلتقيا، إذ أن الله يسكن عند المتواضع (إش 57: 15). وبذلك تضيع الحكمة من هذا الإنسان المتكبر (مت11: 29 + 1بط5: 5). ومن يريد أن يتشبه بالمسيح يبدأ بالتغصب، يرفض هذه الخطايا ، ومع جهاده يمتلئ من الروح القدس الذي يجعله يبغض كل هذه الخطايا دون تغصب وهو أيضًا روح الحكمة (إش11: 2).
والآيات (14-17): هنا يتكلم المسيح الأقنوم الثاني، أقنوم الحكمة، فهو هنا يعلن سلطانه على الملوك= بِي تَمْلِكُ الْمُلُوكُ = فالملك لا يملك إلا من عند الله (دا 32:4؛ رو1:13، 2). وهذا دليل أن الحكمة التي تتكلم هنا ليست سوى المسيح ملك الملوك فضلًا عن هذا فإن الملك التقي يكون مملوءًا حكمة كسليمان، فمن يملك الله عليه يملك جيدًا على شعبه.
أحب الذين يحبونني = من يحب المسيح يحفظ وصاياه . ونحن نغصب أنفسنا ونمتنع عن ما يغضبه لأننا نحبه ، ومن يفعل يحبه الله ويسكن عنده (يو14: 23) . ونحن نحبه لأنه هو أحبنا أولًا . والتغصب وحده لن يغير طبيعتي بل سيكون نوعا من البر الذاتي والفريسية . لكن المسيحي يجاهد ويطلب الله ، فيعطيه الروح القدس المحبة ، فالروح القدس يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5: 5) ، ومن إمتلأ بالروح سيجد أن تنفيذ الوصية صار سهلا (عب12: 1) . وكلما ازدادت محبة الله في القلب نكتشف محبته لنا ويزداد إحساسنا بمحبته التي تحصرنا، وهذا يدفعنا أن نحبه بالأكثر. والبداية أن نطلب الحكمة التي تكشف لنا الطريق، طريق كراهية الشر، فهي ترينا نتائجه فنكرهه وحينما نكرهه لا نطلب سوى الله. وهذا هو عمل الروح القدس الذي يبكت على خطية ...( يو 16: 8 ، 9 ) ويبكت تعني (يقنع ويوبخ ويلوم) ويبدأ بإقناعنا ببشاعة نهاية طريق الخطية. والذين يبكرون إليَّ يجدونني= الذين يطلبونني في شبابهم المبكر مثل يوسف وصموئيل وداود يجدون النجاح والبركة في كل حياتهم ، ويجدون كنوز حكمة في طريقهم. ونلاحظ أن سليمان الذي طلب الحكمة في شبابه أخذ غنى أكثر من أي واحد= عِنْدِي الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ. فكل من يطلب المسيح في شبابه يكتسب حكمة وبركة في كل طرقه. وهذه الآية "الذين يبكرون إليَّ يجدونني= تنطبق أيضًا على من يبدأ يومه بطلب الله فيبارك له الله في هذا اليوم ومن يذهب للكنيسة مبكرًا يجد تعزية وفرح بالقداس والتناول.
قنية فاخرة وحظ= كلمة فاخرة لم تأتي سوى هنا ومعناها موروثة أو أثرية، فعطايا الله لكل من يطلبه هي دائمًا وعبر العصور ، وأمانة الله نحو شعبه هي حقيقة موروثة يعرفها الكل. والمسيح هو هذه القنية الفاخرة، هو الجوهرة الكثيرة الثمن ومن يجدها يبيع كل ما عنده من لآلئ (مت13: 45 ، 46) = ثَمَرِي خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ وَمِنَ الإِبْرِيزِ، وَغَلَّتِي خَيْرٌ مِنَ الْفِضَّةِ الْمُخْتَارَةِ. من يقتني ذهبًا وفضة، ويكون بلا حكمة، يُضَيِّع أمواله هباءً. أما الحكيم فبحكمته وببركة الله معه يعطيه الرب غنى كثير، ويقول هنا فاورث محبيّ رزقًا. ولكن لاحظ أن الله لا يعطي دائمًا غِنَى كثير لأولاده، فلربما تفسدهم الأموال فيهلكوا. ولكن الله يضمن لأولاده رزقهم، فالأهم عند الله خلاص نفوسهم.
في طريق العدل أتمشى= الحكمة تقود أبنائها ومحبيها في سبيل الحق. ولكن هذه الآية يمكن أن ننظر لها بمنظار آخر، فالمتكلم هو المسيح، وطريق العدل هو طريق الصليب، طريق دينونة الخطية. فكأن المسيح يقولها وهو حاملًا صليبه سائرًا للجلجثة طريق عدل الله الذي يستوفيه ليورث كل محبيه ملكوت السموات (مت29:19؛ رو17:8). فاورث محبيّ رزقًا = لقد صار المسيح رزقنا وخيرنا وغنانا وشبعنا ليس في الأبدية فقط بل وفي هذا العالم. هنا نجد المسيح فينا يرشدنا للطريق، يقودنا فلا نضل، يحمينا من ذكاء الحية ومن أن نضل وراءها، يرشدنا كيف نعمل الصالح لأنفسنا ولمن حولنا، هنا نجد الحكمة قد استعلنت فينا وتقودنا.
نحن بذكائنا البشري قد نربك أنفسنا، ندبر كثيرًا ويكون تدبيرنا لهلاكنا، أما المسيح أقنوم الحكمة فدبر مرة لخلاصنا ويدبر لنا العمر كله لنسير في طريقه.
الآيات (22-31): "«اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ الْقِدَمِ. مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ الْبَدْءِ، مُنْذُ أَوَائِلِ الأَرْضِ. إِذْ لَمْ يَكُنْ غَمْرٌ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ تَكُنْ يَنَابِيعُ كَثِيرَةُ الْمِيَاهِ. مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ الْجِبَالُ، قَبْلَ التِّلاَلِ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ الأَرْضَ بَعْدُ وَلاَ الْبَرَارِيَّ وَلاَ أَوَّلَ أَعْفَارِ الْمَسْكُونَةِ. لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا رَسَمَ دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ. لَمَّا أَثْبَتَ السُّحُبَ مِنْ فَوْقُ. لَمَّا تَشَدَّدَتْ يَنَابِيعُ الْغَمْرِ. لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ تُخْمَهُ، لَمَّا رَسَمَ أُسُسَ الأَرْضِ، كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعًا، وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ، فَرِحَةً دَائِمًا قُدَّامَهُ. فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ."
من هنا نجد الكلام يتحول ليصير واضحًا تمامًا أنه عن المسيح الكلمة ابن الآب، الذي كان في البدء عند الله، المساوي للآب في طبيعته وجوهره، الأزلي غير المخلوق فهو حكمة الله
(وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). كما يقول بولس الرسول "المسيح قوة الله وحكمة الله" (1كو24:1). وبالتالي لا يمكن تصور أن الآب خلقه، فكيف يخلق الله حكمته، وبأي حكمة يخلق لنفسه حكمة. وهو قوة الله فكيف يخلق الله لنفسه قوة وهو بدون قوة. فالحكمة هنا يتضح أنه شخص له خصائصه وأعماله وليس مجرد صفة لله. لقد كان سليمان يكتب بوحي من الروح القدس، وهو كان يظن أنه يكتب عن الحكمة، وإذا به يكتب بوحي من الروح القدس عن المسيح حكمة الله (1كو24:1).الرب قناني= الفعل العبري "قنا" بنفس النطق العربي، وبنفس المفهوم تقريبًا، فهو يفسر بأن الشخص إقتني شيء. ولهذا فحواء
أسمت ابنها قايين لأنها قالت اقتنيت رجلًا.. (تك4: 1) إلا أن الترجمة السبعينية ترجمت الكلمة خلقني وهذه الآية اعتمد عليها أريوس بحسب الترجمة السبعينية ليثبت أن المسيح كان مخلوقًا، وقد خلقه الآب. والكلمة في العبرية "قنا" تحتمل الترجمة السبعينية، فنص الآية بحسب السبعينية "الرب خلقني أول طرقه" وهذا ما اعتمد عليه أريوس؟ إلا أن أثناسيوس الرسولي أثبت له أن الأصل العبري للكلمة تفيد معنى الولادة وكأن المعنى "الرب ولدني" والمعنى في العربية مشابه إذ نقول "فلان قنى ولدًا " أي وَلَدَ ولدًا. ويؤيد هذا التفسير بحث في معنى الكلمة من أحد علماء الغرب نُشِرَ في سنة 1926(1). وعمومًا يؤيد هذا الرأي من داخل الإصحاح آية 23 حين يقول منذ الأزل، فولادة الابن من الآب أزلية. هو نور من نور، إله حق من إله حق، حكمة نابعة مولودة من الآب ، وهي حكمة خالقة بها خلق الآب كل شيء ويضبط كل شيء.أما النص بحسب السبعينية حين قال "خلقني" ولأننا نعلم أن السبعينية تكمل المعنى العبري وتبلوره، فهي بهذا تشير لولادة المسيح من العذراء بالجسد. وفي هذا يقول ميخا النبي (مي2:5) "أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ.. مِنْكِ يَخْرُجُ لِي
(ولادته بالجسد) الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا.. وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ (بلاهوته)".ويكون معنى الرب خلقني أول طرقه =
أن المسيح تجسد من بطن العذراء بالروح القدس كأول طريق الخلاص الذي انتهى بالصلب والقيامة والصعود وإرسال الروح القدس ، لتكوين الخليقة الجديدة أي الكنيسة التي هي جسد المسيح، وهذه الكنيسة تكون في المسيح. ولكن يسهل تصوُّر أن الابن أقنوم الحكمة لا يمكن أن يكون مخلوقًا، فلا يمكن وجود الآب فترة من الزمن بدون حكمة وبدون قوة، فأزلية الابن أقنوم الحكمة هي أزلية الله نفسه، وبهذا يكون معنى الآية الرب قناني أن الآب يقتني حكمة أزلية. وهنا يتضح التمايز بين الأقانيم فالآب يقتني والابن هو المُقْتَنَى. أول طريقه= الله هو الأول والآخِر، أي أزلي أبدي، بلا بداية ولا نهاية. فحينما يقال أول طريقه يكون المعنى أن الله إقتنى الحكمة منذ الأزل. الله لا يبدأ أي طريق أو أي عمل من أعماله إلا بالحكمة (أم19:3 + يو1:1-3 + كو13:1-16 + عب1:1، 2). ولاحظ في البدء كان الكلمة والكلمة كان الله تشير للاتحاد. منذ الأزل مسحت= كلمة مسحت تعني ممسوح بالزيت ليكرس لعمل معين، كما كانوا يمسحون الملوك ورؤساء الكهنة. وكان الممسوح حينما يُسكب عليه الدهن المقدس يمتلئ بالروح القدس الذي يكرسه للعمل المطلوب منه ويعينه عليه. ولكن من هذا الذي يمسح ابن الله؟! لا يوجد لا ملاك ولا بشر يمكنه فعل هذا. لذلك حلَّ الروح القدس على المسيح من السماء يوم معموديته.وقد تعني كلمة مُسِحْتُ
بهذا أن أقنوم الحكمة قد تَخَصَّص أو تَعَيَّن لعمل الخِلقة (يو1:1-3)، وهذه تشير للخليقة الأولى آدم.ولكن الابن تخصص أيضًا لعمل الخليقة الثانية، وهذه تمت بعمل المسيح الفدائي (أف2: 10).
فالابن تحدد له عمل الفداء منذ الأزل داخل المشورة الثالوثية. ولنرى ما قيل بإشعياء النبي: "تَقَدَّمُوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا هذَا: لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ (الابن الأزلي) وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ" (إش48: 16)، وفي (إش53) نرى عمل المسيح الفدائي بوضوح تام. وكون إشعياء النبي يذكر كل هذا قبل المسيح بـ700 سنة تقريبًا، فهذا يشير لأزلية الابن وأزلية خطة الفداء بواسطة الابن. فالمسيح مُسِحَ أي تحدد له دور وعمل الفداء منذ الأزل، وهذا ما قاله السيد المسيح نفسه وبنفس المعنى " فالذي قدسه (خصصه وكرسه أي تعيَّن أن يقوم الابن بعمل الفداء) الآب وأرسله إلى العالم.." (يو10: 36)، وهذا ما قاله القديس بطرس الرسول (1بط18:1-20). والمسيح مُسِحَ ليكون ملكًا (مز6:2) . وليكون رئيسًا للكهنة ليقدم ذبيحة نفسه. والمسيح أيضًا مُسِحَ أي تعيَّن ليكون ديانًا للكل (أع42:10).ومن هنا نرى أزلية الثلاثة أقانيم. فالآب الماسح أزلي والابن الممسوح أزلي والروح القدس روح المسحة أزلي. والثلاثة أقانيم متساوون في الأزلية.
مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ الْبَدْءِ = قوله منذ البدء قد تشير إلى قبل تأسيس العالم، لكن قوله منذ الأزل قبل ذلك، فهي تشير لأزلية الابن. منذ أوائل الأرض هذا يعني منذ وضعت أسس الأرض. فلماذا إذن قال منذ البدء ثم يقول منذ أوائل الأرض = معنى الكلام أنه لا خليقة ولا أرض بدون المسيح، فعمل الخلق هو عمله، وسواء الخليقة الأولى أي السماء والأرض (تك1:1)، أو الخليقة الجديدة بالفداء (2كو17:5) فكلاهما عمله، هو خلق السماء والأرض وحينما سقط الإنسان جدد هو خلقته بل إن الله كخالق محب ظهرت صفاته هذه في خليقته هذه الجديدة.إذ لم يكن غمر أُبْدِئْتُ= الغمر هو المياه الكثيرة. وكلمة أُبْدِئْتُ
جاءت في أصلها العبري بمعنى وُلِدْتُ وهكذا جاءت في الإنجليزية brought forth. وهي بالتالي ولادة أزلية ، فما دمنا قد اتفقنا أن المسيح حكمة الله أزلي، يكون قوله أبدئت ليس بمعنى أن الآب أبدأه أي خلقه بل تكون الكلمة بمعنى تَعيَّنتُ لهذا العمل أي هو مولود من الآب كقوة حكمة خالقة، هو أقنوم الحكمة الخالقة، عمله هو الخلقة، خلقة المياه والجبال... إلخ.يقول المسيح عن نفسه أنه البداية والنهاية (رؤ1: 8). هو الأول
(أزلي لا بداية له) وهو البداية أي حين قرر الله في الزمان بدء الخليقة، قال الابن عن نفسه أنه البداية، أي أنه بدأ عمل الخلقة، فكلمة الله خالق الكل (يو1: 3). وهو خلق الكل لمجد الله (إش43: 7). ولما إنحرفت الخليقة بالخطية تجسد الابن ليعيد من تجاوب معه وقبل دعوته للصورة التي قصدها الله، وليمجدوا اسم الله بحسب قصد الله الأزلي. فصار إسمه النهاية.قبل أن تقررت الجبال
= قبل أن تستقر الجبال.ولا أول أعفار المسكونة= أول أتربة (ذرات تراب) المسكونة ولاحظ أن آدم الأول من التراب وآدم الأخير موجود قبل خلق التراب فهو ليس من الأرض (يو31:3).
دائرة على وجه الغمر= مقبب السماء الذي يحيط بالأرض الذي يُرى كالدائرة أو القبة.
لَمَّا أَثْبَتَ السُّحُبَ مِنْ فَوْقُ =
قبل أن يتم ضبط مياه الجلد من فوق (السحاب) . وقبل أن تَشَدَّدَتْ يَنَابِيعُ الْغَمْرِ = وقبل أن تستقر مصادر المياه والينابيع.كنت عنده صانعًا= فبه كان كل شيء. الابن هو خالق كل شيء: [به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان] (يو1: 3 + كو1: 16).
كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعًا، وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ، فَرِحَةً دَائِمًا قُدَّامَهُ = الآب يحب الابن (يو20:5) . والابن يحب الآب (يو14: 31). والابن هو المحبوب (أف6:1). فهناك حب من الآب للإبن، بل الآب هو مصدر الحب، فالله محبة، وهو ينبوع كل حب . هذه الآية تظهر أن المحبة لدى الآب كانت تنصب في الابن بالروح القدس روح المحبة قبل خلق الخليقة. ولما إتحد الابن بطبيعتنا البشرية إنسكبت هذه المحبة فينا بالروح القدس (رو5: 5) . وهذه الآية حينما تأتي بعد أن رأينا الابن أقنوم الحكمة يخلق العالم وكل ما خلقه كان حسن جدا (تك 1) يكون المعنى أن الآب فرح وتلذذ بعمل ابنه صانع كل شيء في هذه الخليقة الجميلة وبالأكثر في خلقة الإنسان حبيبه. ويقول سليمان الحكيم في سفر الحكمة "لأنك تحب جميع الأكوان ولا تمقت شيئا مما صنعت فإنك لو أبغضت شيئا لم تكونه" (حك11: 25) . فالله أحب خليقته لذلك كونها وكان فرحا بما صنعته يداه.
· ويقول الرب يسوع "الآب يحب الإبن" (يو5: 20) وهذه تساوي الآب في الابن. ويقول الابن يحب الآب (يو14: 31) وهذه تساوي الابن في الآب "لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيَّ وأنا فيه" (يو10: 38). فكلمة يحب هي تعبير عن الوحدة بين الآب والابن بلغة المحبة التي هي طبيعة الله، لأن الله محبة . وبالتالي لا يمكن القول أن الابن أو الحكمة مخلوق فهو بالطبيعة متحد بالآب. والآب لا يمكن أن يخلق شيئا ليتحد به، فهذا يغير طبيعته وهو غير متغير. وحينما نقول أن لاهوت الابن قد اتحد بناسوته، نُكمِل أن هذا كان بلا انفصال أو إختلاط أو تغيير. لم يتغير اللاهوت فيصبح جسدًا، ولم يتغير الناسوت ليصبح لاهوتًا. وشبهوا هذا بإتحاد الحديد بالنار.
وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ = خلق الله النور بالإبن في اليوم الأول، ووجد أن ما عمله كان حسنٌ. وهكذا كل يوم حتى اليوم السادس، حين خلق الله آدم وجد كل شيء أنه حسنٌ جدًا. كان الله فرحا بخليقته التي عملها إبنه. وكما قال سليمان الحكيم في سفر الحكمة "الله يحب كل الأكوان" فكان الله يجد لذته فيما صنعت يداه كل يوم من أيام الخليقة. ويجد الله فرحه في تدبير الخلاص ليخلص أولاده، وهذا ما عمله الإبن.
فرحةً دائمًا قدامه = تعبير عن فرح الآب بخليقته التي يحبها.
فرحة في مسكونة أرضه= هنا نرى سرور الابن بخليقته ومحبته لها [رأى كل شيء أَنَّهُ حَسَنٌ] (تك4:1 ، 12) ففي خلقة السموات والأرض ظهرت محبة الله للإنسان وتجلت قدرته ومحبته والله يفرح حين يُظْهِرْ للإنسان أنه يحبه وأنه خلق العالم لأجله.
يقول السيد المسيح " كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا إثبتوا في محبتي" (يو 15: 9) والمعنى أنه كما أنا متحد بالآب بالمحبة، فأنا متحد بكم بالمحبة فجاهدوا أن تظلوا ثابتين في المحبة فتكونوا ثابتين فيَّ. فثباتنا في الابن هو سبب فرح المسيح، فهو لهذا قدَّم نفسه ذبيحة "من أجل السرور الموضوع أمامه إحتمل الصليب مستهينًا بالخزي" (عب12: 2). لذلك يقول الرب أيضًا [يصير فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ] (لو 15: 7).
ونسمع في نبوة إشعياء النبي على فم الله "لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَال. بَلِ افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إِلَى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا فَرَحًا (لاحظ هنا أن فَرَحًا عائدة على الله الذي فَرِحَ لفرح شعبه). فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي، وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ" (إش65: 17 – 19). وفي هذه الآيات نرى أن فرحة الله هي أن يرى أولاده في فرح حينما يخلق لهم أرضا جديدة وسماء جديدة.
لذاتي مع بني آدم= هنا نرى فرحة الابن بفدائه للإنسان. فالله يحب الإنسان وكانت فرحته في عمل الصليب الذي به يتمم أعمال محبته من نحو الإنسان الذي يحبه، فيكون للإنسان نصيبه السماوي. والآية تشير أيضًا للذة الآب في ابنه الذي تجسد وأطاع حتى الموت موت الصليب وهو في جسد بني آدم ليكمل عمل الفداء الذي به إشتم الله رائحة سرور (تك21:8 + لا9:1 ، 13 ، 17). الله فرح بطاعة المسيح وقبوله موت الصليب، ليس لأن المسيح أطاع، فلم يكن من المتصور أن المسيح سيرفض. فإرادة الآب هي متطابقة مع إرادة الابن وهو أتى لهذه الساعة (يو12: 27). لكن هذه تعني أننا سنعود لحضن الآب كاملين في المسيح الرأس. وهذا سر فرحة الآب – عودة الإنسان لحضنه. ففي المسيح نُحسَب كاملين وطائعين (كو1: 28). وهذا معنى قول القديس بولس الرسول "ومتى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضًا سيخضع للذي أخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل" (1كو15: 28).
وبنفس هذا المفهوم نفهم لماذا تنسم الله رائحة الرضا حينما قدم نوح محرقة للرب (تك8: 20، 21). وكان يُطلَق على ذبيحة المحرقة "محرقة، وقود رائحة سرور للرب" (لا1: 9 ، 13 ، 17). فذبائح المحرقات كانت تشير لطاعة المسيح. لذلك قيل عن المسيح "ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش53: 7). فهو لا يعترض ولا يقاوم الصليب بل يذهب إليه بكل سرور.
ولذة الله مع بني آدم ظهرت في يوم معمودية المسيح ، فالآب أعلن عن فرحته بعودتنا كأبناء له بعد أن صرنا خليقة جديدة في إبنه، فقال الآب من السماء "هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت".
الآيات (32-36): "«فَالآنَ أَيُّهَا الْبَنُونَ اسْمَعُوا لِي. فَطُوبَى لِلَّذِينَ يَحْفَظُونَ طُرُقِي. اسْمَعُوا التَّعْلِيمَ وَكُونُوا حُكَمَاءَ وَلاَ تَرْفُضُوهُ. طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَسْمَعُ لِي سَاهِرًا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ مَصَارِيعِي، حَافِظًا قَوَائِمَ أَبْوَابِي. لأَنَّهُ مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ الْحَيَاةَ، وَيَنَالُ رِضًى مِنَ الرَّبِّ، وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ»."
طالما كان الإنسان هو لذة الله، ومن أجله صنع العالم، نجد هنا دعوة للإنسان ليطيع الله، هي دعوة مؤسسة على هذا الحب. فالله يطلب من الإنسان الخضوع لوصاياه ، وكانت الصورة التي يتمناها الآب هي أن يتبادل الإنسان المحبة مع الله ، الله يعلن محبته في كل الخيرات التي صنعها للإنسان ، والإنسان يعلن محبته في الثقة في الله وأن وصايا الله هي لحياته (والإنسان بخطيته تمرد على طاعة الله والمسيح أتى ليعيد خضوعنا لله ثانية، أي يعيدنا للصورة التي كان يريدها الآب (1 كو28:15) المسيح هنا كرأس للكنيسة يقدم الخضوع) فالحكمة تنادي، أي المسيح ينادي ومن له أذنان للسمع فليسمع فيجد لنفسه حياة أبدية= من يجدني يجد الحياة = فالمسيح هو القيامة والحياة + (يو 36:3؛ 51:8؛ 11: 25؛ 1 يو 12:5) ومن يخطئ عني= يخطئ أي لا يصيب الهدف ، فنفهم أن هدفنا أن نجد المسيح أي نطيعه فنكافأ (رو3: 23) ، إذًا يخطئ هي عكس قوله من يجدني، ومعناها من بخطيته يرفضني ويحيد عني فأنا الطريق (لو30:7 + يو19:3 ، 20 + يو22:15-25) ومن يحيد عن طريق الحياة فمصيره الموت. وهذا هو نفس التحذير في (تث18:18، 19) عن المسيح أيضًا. ولاحظ قول الله الذي حزن على شقاء الإنسان وآلامه وأحزانه بسبب الخطية، وكان هذا سبب بكائه عند قبر لعازر "هكذا يقول الرب فاديك قدوس إسرائيل. أنا الرب إلهك معلمك لتنتفع وأمشيك في طريق تسلك فيه (وصاياه).
ليتك أصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر (هكذا كانت خطة الله من نحو الإنسان أن يحيا للأبد في فرح وسلام). وكان كالرمل نسلك وذرية أحشائك كأحشائه (يملأ الله حياتك بالبركة).لا ينقطع ولا يباد إسمه من أمامي (هذه كانت إرادة الله أن نحيا أبديًا بلا موت، فالله لا يخلق موتًا). أخرجوا من بابل اهربوا من أرض الكلدانيين (يا كل شعب الله إهربوا من عبودية الخطية. لاحظ أن بابل كانت أرض العبودية لشعب إسرائيل). بصوت الترنم (من يتحرر من الخطية يفرح مز137)..." (إش48: 17 – 20).عند مصاريعي = نقف على أبواب الحكمة نسأل أن نتعلم، ومَن يقرع يُفتح له.. أسألوا تعطوا (مت 7: 7؛ لو 11: 9)، بل نقف على أبواب الحكمة نسأل بلجاجة كشحاذين يطلبون صدقة. وما نسمعه نحفظه في عقولنا وقلوبنا = حافظًا قوائم أبوابي = كان هذا عمل اللاويين، فهم كانوا ليلًا ونهارًا يسهرون على حِراسة أبواب المسكن (حتى لا يدخل المسكن، أي هيكل الله، شيء نجس). وهذا واجبنا نحو أنفسنا: أن نسهر لنحرس قلوبنا مِن أن يتسلل داخلها أي نجاسة، أو يتسلل منها إلى خارج كلمة الله وحكمته التي سألناه فأعطانا إياها.
← تفاسير أصحاحات أمثال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير أمثال سليمان 9 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص أنطونيوس فكري |
تفسير أمثال سليمان 7 |
_____
(1) راجع مشكاة الطلاب صفحة 241،242 وكتاب تفسير الكتاب المقدس تأليف جماعة من اللاهوتيين برئاسة الدكتور فرنسيس دافدسن جزء3 صفحة 355.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tj4gbk6