يعتمد الأخوة الكاثوليك في إثبات عقيدة المطهر على النصوص الكتابية الآتية:
1- (تك 3: 24 6- مت5: 6).
2- (أم 24: 16 7- مت 12: 32).
3- (يشوع بن سيراخ 5:5 8- لو 3: 16).
4- (مكابيين الثاني 12: 42-46 9- 1كو 3: 15).
5- (مت 3: 8 10- في 2: 10).
[1] يقول الأب مكسيموس كابس "والنص الثالث الذي ارتكن إليه أوريجانوس العلامة الإسكندري في شرحه لسفر التكوين: "فطرد الله الإنسان (من جنة عدن) وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة" (تك3: 24) ويقول أوريجانوس أن كل الذين يريدون الدخول إلى شجرة الحياة التي توجد في الجنة أو السماء لا بُد له أن يمر بلهيب هذا السيف فمن احترق واستطاع أن يدخل فإنه يخلص، ومن لم يحترق من هذا اللهيب فسيخلص أيضًا، وهذا اللهيب إنما لتطهير كل من يريد الدخول ليصل إلى شجرة الحياة، ويتابع أوريجانوس قائلًا أن هذا اللهيب يكون مخيفًا بالنسبة للأشرار فيمنعهم من الدخول إلى شجرة الحياة وبالتالي يكونون في الضياع، ويلقون في أتون النار الملتهبة"(332)
توضيح:
من المعروف أن الرب أقام كروبيم ولهيب سيف متقلب في طريق شجرة الحياة حتى لا يتقدم آدم ويأكل منها فيحيا بخطيئته إلى لا بُد، ولا توجد أي إشارة في النص إلى أن آدم اقتحم هذا اللهيب وعاد إلى الفردوس، وأيضًا لم يذكر الكتاب أن أحد أبناء آدم مثل هابيل البار أو شيث الذي دعي باسم الرب أو أخنوخ الذي سار مع الله أنه اقتحم هذا اللهيب فتطهرت روحه وعاد إلى الفردوس... إذًا قول أوريجانوس هذا مجرد تأمل لا يمكن أن نبنى عليه عقيدة إيمانية، ولاحظ أيضًا يا صديقي أن أوريجانوس في تأمله يتكلم عن الإنسان ككل روحًا وجسدًا وليس عن الأرواح فقط. كما أنه يتكلم عن الخلاص في هذا الدهر ولا يتكلم مطلقًا عن مطهر بعد الموت.
[2] قال الأخوة الكاثوليك تعليقًا على الآية "لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم" (أم24: 16) لو افترضنا أن هذا الإنسان الصديق أخطأ ومات قبل أن يقوم فهل يهلك في النار الأبدية؟ كلا... أنه يذهب إلى المطهر ليتطهر من خطاياه ثم يدخل الملكوت، فيقول الأب لويس برسوم في كتابه عن المطهر "أن السقوط الذي تذكره الآية هو السقوط في بعض الهفوات... والنقائص الصغيرة... التي تعيب ولا شك الإنسان الصديق... إلاَّ أنها لا تفقده برارته (بره).. والآن لنفترض أن الموت قد داهم هذا الصديق قبل أن يكفر عن كل سقطاته السبع التي ارتكبها في يومه... فماذا يكون مصيره؟ ترى أيزُج به الله في جهنم النار؟! كلا بالطبع لأنه بار وصديق وواضح أن سقطاته غير قاتلة. فماذا إذًا؟ أيعفو عنه ويدخله من فوره السماء والحياة الأبدية؟! الجواب كذلك كلا. لأن عدالة الله تطالب بحقها كاملًا لآخر فلس... وبالتالي فلا مناص من الإلقاء به في سجن مؤقت، حتى يؤدى ما بقى عليه من دين! وهذا السجن المؤقت هو المطهر".
توضيح:
تقول الآية "لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم أما الأشرار فيعثرون بالشر" (أم24: 16) فالآية لم تحدد أن السقطات السبع تتم في يوم واحد، وليس المقصود أن الصديق يسقط سبع مرات في اليوم كما يعتقد البعض، والآية لم تحدد نوعية الخطايا بحيث لو كانت خطايا سهوات وهفوات ونقائص صغيرة يتوب الإنسان عنها أو يدفع حسابها في المطهر، أم أن كانت خطايا كبيرة فإنها تقوده للهلاك. بل نقول العكس أنه لو كانت هفوات وسهوات وخطايا عرضية غير مقصودة فإن الإنسان غالبًا لا يشعر بها ولا يتوب عنها. بينما لو هي خطايا ظاهرة فإنه يسرع بالتوبة عنها.
والمقصود من الآية السابقة أن الإنسان خلال رحلة جهاده على الأرض مُعرَّض للخطأ والسقوط في خطايا عديدة ومتنوعة، ولكنه ما دام يقوم ويقدم توبة واعترافًا، فإنه في نظر الله هو إنسان بار يستحق سُكْنَى الملكوت. أما الإنسان الشرير فإنه يتعثر بالشر، ومتى سقط فإنه يتلذذ بالشر وبالشر يهلك...
وليس المقصود بالعدد سبعة أي سبع سقطات فقط لا تزيد عن ذلك، ومتى زادت فإنه يتعثر على الإنسان التوبة. إنما المقصود بها عدد الكمال أي مهما تعرَّض الإنسان البار لسقطات بسبب ضعف طبيعته ونهض فهو مقبول لدى الله. أما لو سقط الإنسان في خطية واحدة واستسلم لليأس وصغر النفس فإنه معرَّض للهلاك.
وعندما نقول أن السهوات والهفوات تسلم الإنسان إلى عذابات المطهر الجهنمية فإن هذا يصيبنا باليأس، ويصير الله بالنسبة لنا ليس الأب الحنون الذي يحمل خطايانا وضعافاتنا في جسده على الصليب، ويحملنا نحن على منكبيه بل يصير مثل الجلاد المنتقم قاسي القلب الذي لا يعرف الرحمة ولا التسامح.
ويقول قداسة البابا شنودة الثالث "أن هذا المطهر ليس فقط يعطى أسوأ صورة للحياة بعد الموت... بل آسف إن قلت: أنه يسيء إلى صورة الله نفسه. الله الحنون العطوف الطيب الذي قال عنه الرسول "الله محبة".. الله المحب هذا يصوّرونه لنا بأنه يفاجئ بالموت إنسانًا بارًا وصديقًا ليلقيه في نار المطهر من أجل هفوات!!! من المستحيل أن تكون هذه المسيحية التي بشر بها المسيح، وبشر بها الرسل والآباء... المسيحية التي قال فيها السيد الرب "ما جئت لأدين العالم. بل لأخلص العالم" (يو12: 47)..
هل يعقل أن إنسانًا بارًا وصديقًا، أنتقل من عالمنا ونحن نصلى عليه في الجناز، ونبكى بدموع، ونطلب صلواته وشفاعاته، بينما هو في نفس الوقت معذَّب في نار المطهر ليوفى العدل الإلهي عن هفوات وسهوات، شاء الله أن يفاجئه بالموت قبل أن يقدم عنها توبة، لكي يستحق بذلك العذاب تحت الأرض في سجن المطهر؟!! أحقًا أن إله المطهر هو إله الحب والبذل الذي عرفناه وأحببناه؟! وهذا البار الصديق أما نفعته الصلاة على الراقدين في شيء؟! وإن كانت هذه الصلاة لا تشفع حتى في هفوات وسهوات الأبرار والصديقين فما لزومها إذن؟!" (333)
[3] قال يشوع بن سيراخ "لا تكن بلا خوف من قِبل الخطية المغفورة لتزيد خطية على خطية" (سي 5:5) فيقول الأخوة الكاثوليك أن الخطايا التي تاب عنها الإنسان واعترف بها وغفرت له. لكن لم يتحمل الإنسان عقابها بعد فإن هناك خوف منها لأن التكفير عنها سيكون من خلال نيران المطهر.
توضيح:
الآية لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى نيران المطهر، والقصد من الآية أن يحترس الإنسان لئلا يعود ويسقط في ذات الخطية التي تاب عنها، ولذلك أكمل ابن سيراخ قائلًا "ولا تقل أن رحمته عظيمة فيغفر لي كثرة خطاياي" (5: 6).
وهذا التحذير الذي يوجهه يشوع بن سيراخ شبيه بالتحذير الذي وجهه الرب يسوع لنا عندما قال "إذا خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة ولا يجد. ثم يقول أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه. فيأتي ويجده فارغًا مكنوسًا مزينًا. ثم يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أُخر أشر منه فتدخل وتسكن هناك فتصير أواخر ذلك الإنسان أشر من أوائله" (مت12: 43-45).
[4] جاء في سفر المكابيين "وفي الغد جاء يهوذا ومن معه على ما تقتضيه العادة ليحملوا جثث القتلى ويدفنوهم مع ذي قرابتهم في مقابر آبائهم. فوجدوا تحت ثياب كل واحد من القتلى أنواطًا من أصنام يمنيا مما تحرمه الشريعة على اليهود. فتبين للجميع أن ذلك كان سبب قتلهم. فسبحوا كلهم الرب الديان العادل الذي يكشف الخبايا. ثم انثنوا يصلون ويبتهلون أن تمحى تلك الخطية المُجْتَرَمَة كل المحو. وكان يهوذا النبيل يعظ القوم أن ينزهوا أنفسهم عن الخطيئة. ثم جمع من كل واحد تقدمة، فبلغ المجموع ألفي درهم من الفضة. فأرسلها إلى أورشليم ليقدم بها ذبيحة عن الخطية. وكان ذلك من أحسن الصنيع وأتقاه لاعتقاده في قيامة الموتى. لأنه لو لم يكن مترجيًا قيامة الذين سقطوا لكانت صلاته من أجل الموتى باطلًا وعبثًا. ولاعتباره أن الذين رقدوا بالتقوى قد أدخر لهم ثواب جميل. وهو رأى مقدس تقوي. ولهذا قدم الكفارة عن الموتى ليُحلوا من الخطية" (2 مك12: 36-46) ويقول الأخوة الكاثوليك أن القصة السابقة تدل على مغفرة الخطايا بعد الموت عن طريق المطهر.
توضيح:
جميع النفوس التي انتقلت في العهد القديم كانت تذهب إلى الجحيم وبالتالي لم يكن هناك مطهرًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذًا هذه القصة لا تشير للمطهر... كان من عادة اليهود تقديم الذبائح والتقدمات عن خطاياهم، وأيضًا كانوا يقدمون الذبائح لاستمطار مراحم الله من أجل موتاهم، وكلمة الكفارة التي ذكرت في هذه القصة المقصود بها الذبائح، وهذا ما فعله يهوذا المكابي إذ قدم الذبائح والصلوات والتوسلات ليحل الرب هؤلاء القتلى من خطاياهم، والكتاب لم يوضح هل غُفِرت خطايا هؤلاء الخطاة أم لا؟ فمن الطبيعي أن خطية بلا توبة هي بلا مغفرة... إذًا هذه القصة تدل على قيامة الأموات، وتحض على الصلاة من أجل المنتقلين لكنها لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى المطهر الذي لم يكن له وجودًا في العهد القديم.
[5] قال يوحنا المعمدان لليهود "فاصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة" (مت3: 8) فيقولون أن هذه الثمار هي لازمة لإتمام التوبة ولإيفاء العدل الإلهي.
توضيح:
الثمار أي الأعمال الصالحة هي دليل على التوبة الصادقة، وليس من المعقول أن الإنسان يكون قد تاب توبة صادقة بينما ما زالت أعماله شريرة، ولكن مع هذا فإن التوبة الصادقة التي يقدمها الإنسان حتى لو لم يتمكن من القيام بأعمال صالحة فإنها مقبولة لدى الله، فأهل نينوى بمجرد توبتهم قبلهم الله "فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه" (يون 3: 10)، وأيضًا اللص اليمين لقد ذهب إلى الفردوس بعد توبته بساعات قليلة وهو معلَّق على الصليب بالرغم أنه لم يتمكن من تقديم أي أعمال صالحة وفي تاريخ الكنيسة نرى قصة بائيس التائبة التي قادها القديس يوحنا القصير من بيت الشر، وانتقلت في ذات الليلة التي تابت فيها حتى أن القديس يوحنا تشكَّك من جهة توبتها وقبولها، ولكن الله أعلن له قبولها وعظم مكانتها ولم يصرح له قط بأنها في بحر نيران المطهر لكيما تتطهر من خطاياها وذنوبها.
[6] قال ربنا يسوع "كن مراضيًا لخصمك سريعًا ما دمت معه في الطريق لئلا يُسلّمك الخصم إلى القاضي ويسلّمك القاضي إلى الشرطي فتلقى في السجن. الحق أقول لك لا تخرج من هناك حتى توفى الفلس الأخير" (مت5: 25، 26) ويقول الأخوة الكاثوليك أن المقصود بالسجن هنا هو المطهر حيث يكفر الإنسان عن عقاب خطاياه، ويوفى للعدل الإلهي ما عليه من ديون.
توضيح:
لو أخذنا بالتفسير الحرفي لهاتين الآيتين نجدهما يتحدثان عن الصلح بين الناس في هذا العالم، ولذلك سبقهما السيد المسيح بقوله "فإن قدَّمت قُربانك على المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك. فأترك هناك قربانك على المذبح وأذهب أولًا اصطلح مع أخيك. وحينئذ تعال وقدم قربانك" (مت5: 23، 24)، وعلى حد تفسير القديس أغسطينوس في الموعظة على الجبل فإنه قال أن المقصود بالخصم هو ضمير الإنسان، فالإنسان يجب أن يرضي ضميره في هذا العالم بالسلوك الصحيح وإلاَّ فإنه سيتعرض لعقوبة الهلاك الأبدي، وفي تأمل آخر للقديس أغسطينوس قال أن الخصم هو الوصايا الإلهية التي يجعلها الإنسان الخاطئ خصمًا له فتحكم عليه وتدينه، ولو أخذنا التفسير بالمعنى المجازى فإن الشرطي هو ملاك الهاوية والقاضي هو الحاكم العادل سيدي يسوع المسيح والسجن هو جهنم، والحاكم العادل جاء لا ليدين بل ليخلص ما قد هلك، ولن يدين أحدًا إلاَّ في اليوم الأخير، والأخوة الكاثوليك يقولون أنه في اليوم الأخير سينتهي المطهر ولن يكون له وجود بعد.
ولفظة "حتى" هنا تعنى الاستحالة كقول الإنجيل عن بتولية العذراء "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" (مت1: 25) والأخوة الكاثوليك يفهمون جيدًا معنى هذه الآية ويعترفون أن يوسف النجار لم يعرف العذراء لا قبل ولادتها ولا بعد ولادتها، ومثلها قول الكتاب عن ميكال بنت شاول أنها لم يكن لها ولد حتى موتها (2صم 6: 23) ومن البديهي أنه بعد موتها لم تنجب أيضًا، وكذلك قول الآب للابن "اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك" (مز110: 1) وليس من المعقول أنه بعد أن يخضع الأعداء تحت قدمي الابن أنه لا يعود يجلس عن يمين الآب. إنما هو جالس عن يمين الآب في كل آن وإلى أبد الآبدين.
وحتى لو أخذنا معنى "حتى" بأن هناك إمكانية للإفلات من هذا السجن، فإن هناك شرط للإفلات وهو إيفاء الدين كله حتى الفلس الأخير، والإنسان المسجون الذي لا يملك شيئًا كيف يمكنه أن يوفى الفلس الأخير، وكيف يرد المال إلى أصله؟ وكيف يوفى دينه وهو معتقلًا في السجن وليس حرًا طليقًا ولا يقدر على العمل؟! وكيف تفي الروح بمفردها الدين بينما الدين يخص الروح والجسد وبالأكثر الجسد الذي أغرى الروح وقادها للخطأ وهي كانت تقاومه؟!
[7] قال ربنا يسوع "ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له. وأما من قال كلمة على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي" (مت 12: 32) وقال الأخوة الكاثوليك بأن عبارة "ولا في الدهر الآتي" تدل على وجود مغفرة في العالم الآتي بعد أن تفي النفس المطهرية عقوبتها فيغفر الرب لها وتنطلق إلى الملكوت.
توضيح:
قال السيد المسيح لتلاميذه " كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء" (مت 18: 18) فمن جدَّف على الروح القدس الذي يقود الإنسان للندامة والتوبة فإنه لن يحصل على المغفرة في هذا العالم، وبالتبعية ستظل خطاياه مربوطة عليه في الدهر الآتي ولا تغفر له، ولاحظ قول الرب يسوع عن مثل هذا الإنسان أنه لن يغفر له في الدهر الآتي، والدهر زمان وليس مكان، ولم يقل لن يغفر له في المطهر بينما المطهر في الاعتقاد الكاثوليكي هو مكان وليس زمان. وقد يتوب الإنسان ولا يتمكن من سماع كلمة المغفرة في هذا الدهر فيسمعها في الدهر الآتي، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
أ- لو انتقل أحد الآباء المتوحدين أو السواح وهو تائب في وحدته ولم يسمع كلمة المغفرة هنا من أب اعترافه عن الخطايا التي سقط فيها منذ اعترافه الأخير، ولو خطايا بالفكر أو عن طريق السهوات، فإنه يسمع كلمة المغفرة في الدهر الآتي ويتمتع بها.
ب- لو أنتقل إنسان في حادث مفاجئ وضاعت منه الفرصة لسماع كلمة المغفرة من فم الكاهن فإنه يسمعها في الدهر الآتي.
ج- إنسان انتقل في أرض الغربة وهو تائب ولم يجد كاهنًا ليعترف أمامه، ولم يسمع كلمة المغفرة في هذا الدهر ولكنه يتمتع بها في الدهر الآتي.
د- لو أساء إنسان إلى أخر ثم ندم وتاب وذهب ليتأسف له فوجده قد انتقل من هذا العالم، وبالتالي لم يسمع منه كلمة المغفرة في هذا الدهر، ولكنه يسمع منه كلمة الصفح والمغفرة في الدهر الآتي حين يلقاه بفرح وكأن شيئًا لم يكن.
ه- إنسان مات محرومًا ظلمًا من الكنيسة وهو برئ ولم يسمع كلمة الصفح والمغفرة في هذا العالم، فهو يسمع كلمة المغفرة في الدهر الآتي.
أن هذا الأمر يمنحنا رجاء في لحظات انتقالنا بعكس عقيدة المطهر التي تصيب الإنسان بالانزعاج والاضطراب في لحظات الانتقال... تصوَّر إنسانًا يقوده ملاك الموت ليس إلى مواضع الراحة والنياح بل إلى بحر النار الجهنمية... كم يكون انزعاجه؟!
حقًا قال قداسة البابا شنودة الثالث: أن المطهر هو أسوأ صورة للحياة بعد الموت.
[8] يتخذ الأخوة الكاثوليك قول يوحنا المعمدان عن الرب يسوع "هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (لو3: 16) دليلاُ على وجود نار المطهر، فيقول الأب مكسيموس كابس "الآية الأولى التي استند إليها العلماء ومفسروا الكتاب (لإثبات المطهر) هي ما قاله يوحنا المعمدان عن المعمودية وهي {أنا أعمدكم بالماء ولكن يأتي من هو أقوى مني وأنا لا أستحق أن أحل سيور حذائه وهو سيعمدكم بالروح القدس ونار} (لو3: 16) ولذلك يعتبرون أن المعمودية في هذه الحياة هي بالماء والروح، وبعد المعمودية بالنار، فمن احترق عمله بهذه النار سيخسر ولكنه سيخلص لأنه تعمد بالنار بعد أن سبق له العماد بالماء والروح القدس وهو على الأرض" (334)
توضيح:
الآية السابقة تتحدث عن نوعين من المعموديات هما معمودية يوحنا المعمدان وهي معمودية التوبة بالماء، والمعمودية المسيحية التي قال عنها القديس يعقوب السروجي "المعمودية هو الكور العظيم الممتلئ نارًا فيها يُسبَك الناس ليصيروا غير أموات" (335).
ومن قال أن في الحياة الأخرى ستكون هناك معمودية بنيران المطهر..؟! أنه رأى شخصي ليس له ما يسنده من نصوص الكتاب المقدس، ولا من أقوال الآباء، ولا ننسي أن الإنجيل قال عن هذه المعمودية أنها بالروح القدس ونار أما المطهر بحسب الاعتقاد الكاثوليكي فهو نار بدون الروح القدس.
وقول يوحنا المعمدان "هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" ينطبق مع قول السيد المسيح لتلاميذه "يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمَّدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير" (أع1: 5) وهذا ما تحقق في يوم الخمسين عندما حلَّ الروح القدس على التلاميذ في شكل ألسنة نار، وأظن أن الفكر الكاثوليكي يوافقنا على هذا ولذلك جاء في حاشية العهد الجديد طبعة دار الشرق ببيروت سنة 1988 م. الكاثوليكية تعليقًا على هذه الآية "هنا... يميز لوقا بين المعمودية" في الروح "التي سيُفتَح عهدها في العنصرة... لاشك أن لوقا يرى في هذا الكلام أبناء العنصرة، فإنه يرى فيها مجيء الروح بهيئة ألسنة نارية (أع2: 3-4) وهذه الاستعارة تدل في نظره على عمل الروح المطهر".
[9] أما أكثر نص يعتمد عليه الأخوة الكاثوليك في إثبات عقيدة المطهر فهو قول معلمنا بولس الرسول "فإن احترق عمل أحد فيخسر وأما هو فسيخلص ولكن كما بنار" (1كو 3: 15).
توضيح:
كان بين أهل كورنثوس انشقاق فمنهم من قال "أنا لبولس" ومنهم من قال "أنا لأبولس" فوبخهم الرسول قائلًا "من هو بولس ومن هو أبلوس... أنا غرست وأبُلوس سقى لكن الله كان ينمي... فإننا نحن عاملان مع الله... حسب نعمة الله المعطاة لي كبناء حكيم قد وضعتُ أساسًا وآخر يبنى عليه... إن كان أحد يبني على هذا الأساس ذهبًا فضة حجارة كريمة خشبًا عشبًا قشًا فعمل كل واحد سيصير ظاهرًا لأن اليوم سيبيَّنه. لأنه بنار يُستعلَن وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو. أن بقى عمل أحد قد بناه عليه فسيأخذ أجرة. إن احترق عمل أحدٍ فسيخسر وأما هو فسيخلص ولكن كما بنار" (1كو 3: 5-15) ونلاحظ في هذا النص الآتي:
1- الحديث هنا عن فئة الخدام والرعاة فقط وليس عن جميع المؤمنين بينما نيران المطهر حسب الاعتقاد الكاثوليكي هي للغالبية العظمى خدام ومخدومين، رعاة ورعية. إذًا الحديث هنا يخص فئة خاصة بينما المطهر للغالبية العظمى.
2- وضع بولس الرسول أساس البناء في كورنثوس وهو الإيمان بالمسيح، وترك المدينة إلى أماكن أخرى ليكرز ويبشر، وجاء الخدام بعد بولس يبنون على هذا الأساس أي يكملون الخدمة التي بدأها الآباء الرسل، وهؤلاء الخدام ينقسمون إلى ثلاث فئات:
أ- خدام يقدمون التعاليم الصحيحة بأسلوب صحيح.
ب- خدام يقدمون التعاليم الصحيحة ولكن بأساليب غير صحيحة.
ج- خدام يقدمون تعاليم شريرة فاسدة بأساليب ملتوية.
وقدم بولس الرسول مقابلة بين النوع الأول والثاني من الخدام واللذان لا يظهر الفارق بينهما الآن واضحًا، ولكن في يوم الدينونة عندما تفتح الأسفار وتظهر النيات الداخلية والدوافع الخفية لكل خدمة، فمن قدم خدمته لمجد الله فقط فهو مثل إنسان يبنى ذهبًا أو فضة أو حجارة كريمة ويأخذ أجرة تعبه كخادم أمين في حقل الخدمة. أما الخادم الذي يخدم معتمدًا على بره الذاتي، وتمتزج خدمته بالمظهرية الجوفاء وتنميق الألفاظ، أو الخادم الذي تتحول خدمته إلى مجرد أنشطة وإثبات الذات، أو الخادم الذي يخدم عن تحزب وانشقاق فإن عمله وتعبه وخدمته تشبه الخشب أو العشب أو القش الذي يتعرض للنيران فتلتهمه ولكن إن كان هذا الخادم حسن النية فسيخلص بالكاد كمن احترق منزله وكل ما فيه ولم ينجُ إلاَّ هو فقط.
وجاء في حاشية الكتاب المقدس طبعة الآباء اليسوعيَّين تعليقًا على قول معلمنا بولس الرسول سيخلص كما بنار "إن أساس كنيسة الله هو يسوع المسيح وتعليمه الطاهر والبناء القائم على هذا الأساس من الذهب والفضة والحجارة الثمينة هي التعليم الصحيح بإنجيل يسوع المسيح والعمل به، والإشارة هنا بالبناء الذي جُمِع من الخشب والحشيش والتبن إلى تعليم أولئك المعلمين الذين وإن لم يزلُّوا في حقائق الإيمان كانوا يضيفون على تعليمهم زخارف باطلة من الألفاظ والمسائل التي لا طائل تحتها والحكم على هذه الأعمال إنما يقطع به في يوم الدينونة الله جل جلاله حيث يظهر بتمحيصه لها من ما كان كل واحد منها مما يتعذر الحكم عليه من هذه الحياة. تعليم يثبت على نيران هذا التمحيص يرجع على صاحبه بالثواب الأبدي لقاء عمله، وكل تعليم كان مخالفًا فإنه يحترق ويضمحل على أن صاحب هذا التعليم إذا كان فيما خلا ذلك بريئًا من اللائمة فإنه لا يهلك في هلاك عمله لأن بناءه من الجهة الأخرى كان صحيح الأساس ولذلك يخلص، ولكن خلاص من مرَّ في حريق ثم خرج منه وقد عُري من كل شيء خلا حياته وحدها فسيخسر عمله ولا ينال جزاء مبشرًا بالإنجيل أصلًا".
وجاء بحاشية العهد الجديد طبعة دار الشرق بيروت سنة 1988 م. تعليقًا على نفس النص "أي كما ينجو الإنسان من الحريق باجتيازه ألسنة النار. فإنه يخلص بصعوبة".
3- المقصود بالنار هنا في هذا العالم نيران التجارب والضيقات المصاحبة للخدمة، فالخادم الذي ليس له القلب الثابت يتخلى عن خدمته فتضيع هدرًا، والراعي الذي له قلب الأجير متى رأى الذئب مقبلًا يهرب، ويترك القطيع فيبددها الشيطان وتضيع خدمته. أما المقصود بالنار في الدهر الآتي فهي نار العدل الإلهي التي أشار إليها معلمنا بولس الرسول في الأصحاح التالي من نفس الرسالة عندما قال "إذًا لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب. وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله" (1كو4: 5) وقال عنها آساف "يأتي إلهنا ولا يصمت. نار قدامه تأكل وحوله عاصف جدًا. يدعو السموات من فوق والأرض إلى مداينة شعبه" (مز 50: 3، 4) وقال المزمور أيضًا "قدامه تذهب نار وتحرق أعداءه حوله" (مز97: 3)، ووصف الموقف دانيال النبي قائلًا "نهر نار جرى وخرج قدامه... فجلس الديان وفتحت الأسفار" (دا 7: 10)، ووصفه معلمنا بطرس الرسول "يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها... يوم الرب الذي به تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب" (2بط 3: 10، 12).
4- قال الإنجيل "سيخلص كما بنار" ولم يقل يخلص في نار أو يخلص من خلال النار، فالنار لن تُخلّص أحدًا إنما دم المسيح هو الذي يُخلِصنا من كل خطية، وهذه العبارة هنا هي تعبير مجازى فالمقصود بها أن احترق عمل أحد فسيخسر أجرة عمله أما هو فسيخلص ولكن كما بنار، فهي استعارة مجازية تعبر عن فوز الشخص مع فقدان الأجرة والجزاء.
5- مثل هذه النار أشار إليها الوحي في العهد القديم عندما قال عن هوشع الكاهن العظيم "أفليس هذا شعلة منتشلة من النار" (زك3:3) وكان هوشع ما زال حيًا، ولم يكن هناك مطهرًا دخل فيه هوشع وخرج متطهرًا ، ومعلمنا يهوذا الرسول يقول " خلصوا البعض بالخوف. مختطفين من النار" (يه23) فيشبه الخاطئ وكأن النار الأبدية بدأت تشتعل فيه ويحتاج إلى من يختطفه منها قبل أن يحترق، ومثال على هذا لو إنسان كاد يدهمه قطار أو كاد يغرق في أليم وأرسلت إليه المعونة الإلهية إنسانًا آخر أنقذه، فيخرج الإنسان الذي تعرض للخطر ويقول عن الذي أنقذه " أنه أنقذني من الموت " مع أنه لم يكن قد تعرض للموت بعد فالخادم الذي يحترق عمله مثل إنسان تعرض بيته للحريق الذي أتى على كل ما فيه وبالكاد نجا هو، فيحق له أن يقول أنني نجوتُ أو خلصتُ من النار.
6- نلاحظ من الآيات السابقة أن الذي سيتعرض للنار عمل الخدام وليس شخص الخدام "وستمتحن النار عمل كل واحد " إذن هذه النار هي لامتحان الأعمال وليست لتعذيب الأشخاص وتطهيرهم، وأيضًا هذه النار تحرق وتبيد الأعمال التي تشبه الخشب والعشب والقش بينما نيران المطهر في المعتقد الكاثوليكي لا تبيد ولا تفنى الأشخاص إنما تتطهرهم فقط.
7- حسب المعتقد الكاثوليكي أن القديسين الأبرار لن يتعرضوا لنيران المطهر، بينما في النص السابق يظهر تعرض الجميع (جميع الأعمال) حتى الذهب والفضة والحجارة الكريمة للنار.
إذًا النار التي ذكرها الرسول نار للامتحان، أما نار المطهر فهي للتعذيب بقصد التطهير والتكفير.
والنار التي ذكرها الرسول تحرق الأعمال، أما نار المطهر فإنها تعذب الأرواح.
والنار التي ذكرها الرسول قاصرة على المعلمين، أما نار المطهر فهي للجميع.
والنار التي ذكرها الرسول هي نار مجازية، أما نار المطهر فهي نار جهنمية حقيقية حسب المعتقد الكاثوليكي.
ثم جاء في تعليق الأب مكسيموس كابس "وعجبت من شرح قداسة البابا شنودة الثالث لهذا النص إذ يفرق بين الإنسان والأعمال. فلو كان المقصود منه احتراق الأعمال وحدها فإننا نتساءل لماذا لا يحرق الله أعمال الأشرار الذين آمنوا بالمسيح ويخلصهم من نار جهنم" (336)
ونحن نسأله: هل يُخلِص الله الإنسان رغمًا عنه؟! ولو خلصه رغمًا عنه فأين حريته الشخصية..؟! الأشرار يرفضون الخلاص فهل يخلصهم الله ويزج بهم في الملكوت رغمًا عن أنفهم، ولو فعل الله ذلك فإنهم لن يحتملوا الوجود في الملكوت لأنهم لم يعيشوا حياة القداسة ولم يتعودوا حياة التسبيح.
[10] جاء في رسالة فيلبي " ولكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء، ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (في2: 10) وقال الأخوة الكاثوليك أن المقصود بالذين تحت الأرض هم سكان المطهر.
توضيح:
فسر القديس يوحنا فم الذهب هذه الآية قائلًا "أن كل ركبة ما في السماء: تعني الملائكة والقديسين، ومَنْ على الأرض: تعنى الأحياء والمؤمنين الذين على الأرض، ومن تحت الأرض: أي الشياطين، وهم يخضعون للسيد المسيح شاءوا أم أبو... " (337) فالملائكة والأبرار يسجدون لله خضوعًا وحبًا بينما يخضع الشياطين والأشرار خوفًا ورعبًا.
وأيضًا يؤخذ معنى الآية على سجود الخليقة كلها لله كقول سفر الرؤيا " وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر وكلُّ ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين" (رؤ5: 13) وجاء في حاشية العهد الجديد طبعة دار الشرق الكاثوليكية سنة 1988 تعليقًا على هذه الآية "تقسيم ثلاثي يشير إلى كلية العالم المخلوق" (راجع رؤ5: 3، 13) ولا نسي أن هناك أناس تحت الأرض مثل العاملين في المناجم والغواصات التي تحت الماء، والمسبيّين في الطوابق والذين يستقلون مترو الأنفاق وغيرهم وهم يسبحون الله ويسجدون له بالروح والحق من تحت الأرض.
_____
(332) إيماننا القويم ج1 لماذا نؤمن بالمطهر ص78، 79.
(333) المطهر لقداسة البابا شنودة الثالث ص62، 63.
(334) إيماننا القويم ج2 لماذا نؤمن بالمطهر؟ ص77.
(335) تفسير إنجيل لوقا للقمص تادرس يعقوب ص108.
(336) إيماننا القويم ج2 لماذا نؤمن بالمطهر؟ ص78.
(337) المطهر لقداسة البابا شنودة الثالث ص58.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/purgatory-creed.html
تقصير الرابط:
tak.la/7h9y3kd