س593: لماذا لم يذكر القديس لوقا الوقت الذي علَّم فيه السيد المسيح تلاميذه الصلاة الربانية؟ ولماذا تخيَّر السيد المسيح تعبير "أَبَانَا" (لو 11: 2) بدلًا من "يهوه" أو "أدوناي"؟
ج: 1- لماذا لم يذكر القديس لوقا الوقت الذي علَّم فيه السيد المسيح تلاميذه الصلاة الربانية..؟ يقول القديس لوقا عن السيد المسيح: "وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ لَمَّا فَرَغَ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ يَارَبُّ عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلاَمِيذَهُ" (لو 11: 1) فقد عاين التلاميذ يسوع وهو يُصلِّي، فشعروا بجمال وحلاوة الصلاة ومدى احتياجهم لمثل هذه الصلاة، فطلب أحد تلاميذه أن يعلمهم كيف يصلون "مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا" (لو 11: 2) متى: فالصلاة ليست فرضًا على الإنسان، إنما هيَ وسيلة تعبر عن مدى محبة الإنسان للَّه، هيَ عمل اختياري، ولا تُمثل علاقة عبد بسيده يخافه ويخشى بطشه، إنما تعلق عن علاقة الابن الذي يحب الجلوس مع أبيه السمائي. علَّم السيد المسيح تلاميذه وعلَّم البشرية كلها من خلال تعليمه لتلاميذه الصلاة الربانية، وهيَ صلاة جامعة شاملة تشمل علاقة الإنسان باللَّه، وعلاقته بالآخرين... هيَ صلاة قصيرة مركزة يظهر في صياغتها مقدرة الرب يسوع الذي يلخص المجلدات في كلمات بسيطة... هيَ صلاة مثالية في تمجيد اسم اللَّه... صلاة تُغطي جميع احتياجاتنا... الابن علمنا إياها والآب ينصت لها لأنها مقدَّمة له بِاسم ابنه الحبيب... هيَ صلاة الفرد وصلاة الجماعة، صلاة الإنسان وصلاة الكنيسة... هذه الصلاة تشمل ابتهال، وسبع طلبات، وتسبحة ختامية:
الابتهال: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ".. فهنا نلتقي بكمال الناموس حيث محبة اللَّه من كل القلب والنفس والقدرة والفكر، ومحبة القريب كالنفس.
الطلبات الثلاث الأولى: وهيَ تختص باللَّه 1- " لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ"، 2- " لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ"، 3- " لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ".
الطلبات الأربع التالية: وهيَ تخص بعلاقة الإنسان مع الآخرين، 4- " خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ"، 5- " وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا"، 6- " وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ"، 7- " لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّير"، التسبحة الختامية: لأن لك المُلك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين.
ويقول "الدكتور القس إبراهيم سعيد": "وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ: ليس في آداب اللغة أبرع من هذا الاستهلال الذي يفتتح به لوقا هذا الفصل المقدَّس الذي لقبته الأجيال بـ"هيكل الصلاة".. لماذا لا يحدثنا لوقا عن الزمان والمكان المتعلقين بهذه الصلاة؟
وهل من مكان أو زمان يستطيع أن يحدد هيكل الصلاة؟؟
الصلاة غير محدودة في علوها وعمقها وفي طولها وفي عرضها.
فهيَ في علوها تسمو إلى عرش اللَّه الرفيع في السماء.
وفي عمقها تتصل بحاجات البشر الساقطين في مهاوي الأرض ومهاوها.
وفي طولها تمتد مع الزمن وتسابق الأجيال وتسبقها.
وفي عرضها تتسع وتنبسط دقات القلوب الكثيرة المتنوعة المشارب والنزعات" (272) (راجع أيضًا القس سمعان كلهون - اتفاق البشيرين ص343).
2- لماذا تخيَّر السيد المسيح تعبير " أَبَانَا" (لو 11: 2) بدلًا من "يهوه" أو "أدوناي"..؟ لأن تعبير " أَبَانَا" يحمل معنى الأبوة، فأجمل ما في المسيحية أن اللَّه هو "أب" لنا: "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ الله أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِه" (يو 1: 12).. " اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ الله" (1 يو 3: 1).
وقد أكد السيد المسيح على هذا المعنى لأهميته مرة ومرات عديدة:
† " طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ الله يُدْعَوْنَ" (مت 5: 9).
† " وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (مت 5: 44، 45).
† " فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (مت 5: 48).
(راجع مت 6: 4، 6، 8، 18، 29 إلخ..).
وتعبير " أَبَانَا" في اللغة العبرية تحوي دلالة أكثر من الاسم، بل هيَ تعبير يحمل خواص الشخص، ويقول "وليم باركلي": "يحوي هذا الاسم (أَبَانَا) في العبرية أكثر كثيرًا مما يطلق على الإنسان إذ يعني كل خواص الشخص كما هو مُبين في (مز 9: 10) حيث يقول: "وَيَتَّكِلُ عَلَيْكَ الْعَارِفُونَ اسْمَكَ لأَنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ طَالِبِيكَ يَا رَبُّ". كما يعني أكثر مما تعنيه كلمة "يهوه" أي اسم اللَّه، فهو يعني الذين عرفوا كل صفات اللَّه وأفكار قلبه فاتكلوا عليه" (273).
ما أبسط وما أعمق وما أروع عبارة: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" بعيدًا عن الزخارف الكلامية... عبارة تشبع قلوبنا وعقولنا إذ أن اللَّه الذي عرفه الآباء والأنبياء في القديم على أنه "يهوه"، و"إيلوهيم"، و"رب الصباؤوت"، و"أدوناي"، و"الراعي".. إلخ. نعرفه اليوم معرفة جديدة، وهيَ أنه أب لنا، أب فريد لا مثيل له، كائن منذ الأزل وإلى الأبد في كل مكان وزمان، وإن كان الأب الجسدي يأتي يوم ويرحل عن هذا العالم فيتوقف النداء "يا أبي" فإن أبونا السماوي هو الدائم (السرمدي) إلى الأبد، نناديه طوال زمان حياتنا وهو سريع الاستجابة لنا، وإن كنا لا نراه بالعين المجردة لكننا نراه بعين الإيمان، وكما يهرع الصبي الصغير إلى أبيه وقت انزعاجه فيجد الأمان والسلام، هكذا في وقت الشدائد والضيقات نهرع إلى إلهنا الصالح فنجد السلام والأمان. ومهما ضل الإنسان وتاه وسط دروب هذا العالم، وتجرَّحت أقدامه من أشواكه، ولكن متى نوى العودة لبيت الأب سيجد الآب في انتظاره وبيته ما زال مفتوحًا. وكلمة " أَبَانَا" ضد الأنانية، فهو ليس أب لي أنا فقط، إنما هو أب للجميع، وهو مركز الدائرة كلما اقتربنا منه... وعبارة " أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" ترفع عيوننا إلى الأمجاد السماوية فنترفع عن التراب والترابيات، والجسد والجسديات، والعالم والعالميات.
ويقول "عبد المسيح وزملائه" عن الصلاة الربانية: "لا يوجد في العالم بأسره كلمات تتضمن معاني وقوى وحكمًا كثيرة بعبارات قليلة ملخصة، كالصلاة الربانية، فاحفظ هذه الكلمات غيبًا، لأن هذه الصلاة الأبوية هيَ أم كل الصلوات، والتمرين الحق للشكر والاعتراف والطلبة والابتهال للآخرين، والمدرسة العليا لكل الدروس اللاهوتية الحقة. فإن أردت أن تكون ذكيًا، فصلي الصلاة الربانية بوعي وقصد. والكلمة الأولة "أَبَانَا" هيَ أهم كلمة في الإنجيل كله، لأن بواسطتها يعلن لنا المسيح من هو اللَّه، فالقدوس ليس يُستتر بعيدًا عنا، بل هو أبونا" (274).
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
ملاحظة: سبق الإجابة على عدد من الأسئلة تدور حول " الصلاة الربانية"، في كتابنا: مدارس النقد - عهد جديد جـ 4، وهيَ:
س277: كيف يقول السيد المسيح عن الله: "أبوك" (مت 6: 4، 6، 18)، و" أبَاكُم" (مت 6: 8)، و " أَبَانَا" (مت 6: 9)؟ وهل اسم الله غير مقدَّس حتى نطلب لكي يتقدَّس اسمه: "لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ" (مت 6: 9)؟
ونضيف هنا قولنا أن عبارة " لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ" مقتبسة من قول اللَّه في سفر حزقيال: "وَأَتَقَدَّسُ فِيكُمْ أَمَامَ عُيُونِ الأُمَمِ" (حز 20: 41).. " فَتَعْلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ حِينَ أَتَقَدَّسُ فِيكُمْ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ" (حز 36: 23).. كيف يتقدَّس اسم اللَّه؟
أ– يتقدَّس اسم اللَّه عندما نتطهر من خطايانا ونعيش حياة القداسة، ويرى الناس عمل اللَّه في قداستنا فيقدسون اسمه القدوس.
ب- يتقدَّس اسم اللَّه عندما يُعلن ذاته لغير المؤمنين ويعرفهم طريقه ويجتذبهم إلى حياة القداسة.
جـ- يتقدَّس اسم اللَّه عندما نشارك السمائيين الشاروبيم والسيرافين تسبحتهم: "قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ" (إش 6: 3).
س278: في طلبة: "لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ" (مت 6: 10) ما المقصود بالملكوت؟ وإن كان ملكوت الله في السماء فقط، وقال السيد المسيح: "مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ" (يو 18: 36) فلماذا نصلي ونطلب: "لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ"؟ وهل يمكن أن مشيئة الله تنفذ على الأرض كما هيَ نافذة في السموات؟
ونضيف هنا قولنا أن عبارة " لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ" مُقتبسة من سفر المزامير: "قُولُوا بَيْنَ الأُمَمِ الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ" (مز 96: 10).. " اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ، فَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ وَلْتَفْرَحِ الْجَزَائِرُ الْكَثِيرَةُ" (مز 97: 1)، وجاء في سفر إشعياء: "مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ قَدْ مَلَكَ إِلهُكِ" (إش 52: 7).. كيف يتحقق هذا الملكوت؟ بخلاص الإنسان من عبودية إبليس ودخوله في ملكية الله.
س279: عندما نصلي: "خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ" (مت 6: 11) أي خبز هو المقصود هنا، هل "الخبز" كتعبير عن الأمور السمائية أم الأمور الأرضية؟ وهل " خُبْزَنَا كَفَافَنَا" أم "خبزنا الذي للغد"؟ ولو كان المقصود بالخبز الأمور الأرضية ألا يعتبر هذا تناقض مع وصية: "لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ" (مت 6: 25)؟ وما دام الله يعرف كل احتياجاتنا المادية فما الداعي للصلاة من أجلها؟
ونضيف هنا قولنا أن طلبة " خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ" تحمل القناعة بدون تكاسل أو تقاعس، وأيضًا تحمل الاهتمام بعيدًا عن الهموم: "لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ" (مت 6: 25) نهتم ولا نعول الهم، وهذه الطلبة لا تعني التواكل: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأْكُلْ أَيْضًا" (2 تس 3: 10).. عندما خطط الغني للمستقبل وقال: "أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ" (لو 12: 18) لم يخطئ، ولكن الخطأ عندما قال: "يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي" (لو 12: 19).
ويؤكد "القديس كيرلس الكبير" أن المقصود بالخبز هو الخبز المادي، فيقول: "ربما يظن البعض أنه لا يليق بالقديسين أن يطلبوا من اللَّه الجسديات، لهذا يُعطون لهذه الكلمات (خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ) مفاهيم روحية، لكن وإن كان يليق بالقديسين أن يعطوا الاهتمام الرئيسي للروحيات لكنهم يطلبون بلا خجل خبزهم العام كوصية الرب. في الحقيقة يسألهم أن يطلبوا خبزًا، أي طعامًا يوميًا، وفي هذا دليل أنهم لا يملكون شيئًا بل يُمارسون الفقر المكرَّم، فإنه لا يطلب الخبز من كان لديه خبزًا بل من هو في عوز إليه" (275).
بينما يرى "العلامة ترتليان" أن المقصود بالخبز جسد المسيح فيقول: "المسيح هو خبزنا، لأنه هو الحياة، والخبز هو الحياة، يقول السيد: "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ" (يو 6: 35)، يسبق ذلك قوله: "خُبْزَ الله هُوَ (كلمة الله الحي) النَّازِلُ مِنَ السَّمَاء" (يو 6: 33) جسديه أيضًا يُحسَب خبزًا" (276).
ويقول "الخوري بولس الفغالي": "من الواضح أننا لسنا أمام تأمين "على المستقبل" فيسوع يدعو تلاميذه ليطلبوا كل يوم بيومه الطعام الذي يحتاجون إليه. أنهم واثقون أن اللَّه يوزع عليهم كل يوم طعامًا... صلاة الأبانا... صلاة أناس مجبورين أن يعيشوا كل يوم بيومه كما كان يجمع بنو إسرائيل زادهم اليومي من المن. فَضَل لوقا عبارة: "كل يوم" وترك عبارة متى "اليوم"، واستعمل الفعل في صيغة الحاضر (في اليونانية) التي تدل على التكرار، فشدد على فضيلة الفقر العزيزة على قلبه"(277).
س280: جاء في الصلاة الربانية: "وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا" (مت 6: 12) فأي نوع من الذنوب يقصد؟ وإن كان الله بطبيعته غفور رحيم فلماذا ينتظر منا أن نغفر نحن أولًا حتى يغفر هو لنا، ويؤكد على ذلك بالإيجاب والسلب (مت 6: 14، 15)؟ وما دمنا نستطيع أن نغفر لبعضنا فيغفر الله لنا فما الداعي لقضية الصلب والفداء؟
ونضيف هنا قولنا: هل في عبارة: "وَاغْفِرْ لَنَا... كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا" المقصود بها بنفس القدر ونفس الكيل؟! كلاَّ فإننا إن غفرنا قليلًا يُغفَر الله لنا الكثير، وهذا واضح في مَثَل العبد الذي لم يقدر أن يسامح أخيه بمائة دينار، بالرغم من أن سيده سامحه وترك له عشرة آلاف وزنة.
س281: جاء في الصلاة الربية: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ" (مت 6: 13) فهل الله يدخل الإنسان في التجارب؟ وكيف نُصلِّي لكي ينجينا الله من التجارب بينما الكتاب يقول: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ" (يع 1: 2) وأيضًا: "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ الله لأَنَّ الله غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا" (يع 1: 13)؟
ونؤكد هنا على أن الشيطان شرير، لأنه: "كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ... لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ" (يو 8: 44).. هو شرير لأنه يزرع الزوان وسط الحنطة (مت 13: 39).. هو شرير لأنه لا يشفق على الإنسان، وخير شاهد على هذا مجنون كورة الجدريين الذي كان يعيش في القبور، ويمزق ثيابه، فيصيح ويجرح نفسه بالحجارة وكان مصدر رُعب للآخرين (مر 5: 1-6)، وأيضًا الصبي الابن الوحيد الذي كان يصرعه الشيطان، ويُلقي به في النار والماء (مت 17: 14-21).. الشيطان أيضًا شرير لأنه يشعل الصراع الدائر بين الروح والجسد، فالروح مثل الحصان الأبيض الذي يُريد أن يقود الإنسان إلى الملكوت، بينما الجسد مثل حصان أسود يندفع بالإنسان إلى الهاوية... إلخ. وفي مواجهة الشيطان الشرير نحتاج للصلاة لينقذنا الله من حيل الشيطان الرديئة. قال السيد المسيح: "سِمْعَانُ سِمْعَانُ هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ. وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ" (لو 22: 31، 32).. كما نحتاج للإيمان القوي: "كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ وَكَلِمَةُ الله ثَابِتَةٌ فِيكُمْ وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ" (1 يو 2: 14).. وأيضًا نحتاج للجهاد الجاد " قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ" (يع 4: 7).. " لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّة" (عب 12: 4).. إلخ.
س282: هل عبارة " لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (مت 6: 13) ليس لها وجود في أقدم المخطوطات، ولذلك وُضعت بين قوسين في الترجمة البيروتية العربية، كما أنها لم ترد في إنجيل لوقا في هذه الصلاة، بالإضافة للاختلافات الأخرى بين إنجيلي متى ولوقا في هذه الصلاة؟ وكيف تجرؤ الكنيسة على إضافة عبارة للصلاة الربية، ليس لها وجود في الإنجيل على الإطلاق؟
ونضيف هنا قولنا أن عبارة " لَكَ الْمُلْكَ" تتناغم مع " لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ" (لو 11: 2)، وعبارة " لَكَ الْقُوَّةَ" تتوافق مع عبارة " كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ" (لو 11: 2) وعبارة " لَكَ الْمَجْدَ" تتناغم مع عبارة: "لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ" (لو 11: 2) ، ومن الملاحظ أن "القوة" جاءت بعد "المُلك" لأن مُلك اللَّه لا يأتي بالقوة ولا ينتشر بالسيف، فالسيد المسيح ملك السلام يحترم جدًا الحرية الشخصية لكل إنسان إذا كان يقبله ملكًا أو يرفض مُلكه. ويعلق "أوغسطينوس جورج" على اختلاف الصلاة بين متى ولوقا، فيقول: "لماذا صيغتان للأبانا؟ الراجح أن هذا الأمر يعود إلى الاستعمال الطقسي في كنائس مختلفة. كان المسيحيون الأولون مقتنعين بأن الأمانة بفكر يسوع هيَ أهم من ترداد كلماته تردادًا ماديًا. وهذا شأن العبارات الواردة في رواية العشاء السري. ليس أمرًا سهلًا أن نعرف أي صيغة هيَ الأقدم. إن أخذنا بعين الاعتبار ما تتصف به الليتورجية عادة، فضلنا الصيغة الأقصر: فإن الليتورجية كثيرًا ما تضيف، وقليلًا ما تحذف! لكن صيغة الأبانا عند متى هيَ أفضل إيقاعًا، وعباراتها أكثر صيغة سامية" (278).
س283: هل الصلاة الربية (مت 6: 9-13) أُعطيت لنا كمثال، ولهذا قال: "فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا"، أي أية صلاة تشبه هذه الصلاة، فالإنسان المسيحي ليس مُلزمًا أن يُصلي بهذه الصلاة المحفوظة وإلاَّ كان هذا من قِبَل ترديد الكلام باطلًا؟ ألم يصلي بولس الرسول (أف 3: 14-15). وألم تصلي الكنيسة من أجل بطرس بلجاجة (أع 12: 5)؟
ونؤكد هنا على أن قول السيد المسيح في إنجيل لوقا: "فَقَالَ لَهُمْ مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا" (لو 11: 2) يؤكد على القصد الإلهي، أننا نصلي هذه الصلاة الربية بعينها. لقد جَانَب الصواب بعض الطوائف المسيحية التي امتنعت عن أن تصلي الصلاة الربانية، بحجة أنها مجرد مثال لا ينبغي الالتزام به، وأضاعوا على أنفسهم بركة هذه الصلاة الربانية. ويقول "القس سمعان كلهون": "وليست هذه الصلاة الربانية لأجل وقت مخصوص من أزمنة الحياة أو لأجل حالة معلومة من أحوال البشر، أو بلاد ما، أو جيل ما. فالولد يستطيع أن يدعو اللَّه بعباراتها البسيطة عندما يقدر أن يتعلم كيف يصلي، وهيَ مناسبة أيضًا للشيوخ. وللخاطئ التائب حديثًا، وللمسيحي المتدرب وهو في وسط حروبه الروحية وتجاربه، وللمؤمن وهو في أسمى درجات الإيمان والمحبة، وقد كانت هذه الصلاة منذ أن علمها المسيح لتلاميذه إلى وقتنا الحاضر السلسلة الذهبية التي ربطت جماعة المؤمنين العظيمة معًا كشخص واحدا. فهيَ تعلمنا أن نأتي إلى اللَّه كأب لكل الجنس البشري، الذي ينظر إلينا بحنو غير متناه ويحبنا محبة سرمدية، والذي يريد ويقدر أن يعيننا" (279).
_____
(272) شرح بشارة لوقا، ص292.
(273) ترجمة القس مكرم نجيب - تفسير العهد الجديد - إنجيل لوقا، ص186.
(274) المسيح مخلص العالم - تفسير إنجيل لوقا دليل الشبيبة، ص198.
(275) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص256.
(276) أورده القمص تادرس يعقوب - الإنجيل بحسب لوقا، ص256.
(277) إنجيل لوقا جـ 2 صعود يسوع إلى أورشليم، ص144.
(278) دراسة في الإنجيل كما رواه لوقا، ص56.
(279) إتفاق البشيرين، ص343.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/593.html
تقصير الرابط:
tak.la/tf9xk8b