St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

277- كيف يقول السيد المسيح عن اللَّه: "أبوك" (مت 6: 4، 6، 18)، و"أباكم" (مت 6: 8)، و"أبانا" (مت 6: 9)؟ وهل اسم اللَّه غير مقدَّس حتى نطلب لكي يتقدَّس اسمه: "ليتقدَّس اسمك" (مت 6: 9)؟

 

س277: كيف يقول السيد المسيح عن اللَّه: "أبوك" (مت 6: 4، 6، 18)، و"أباكم" (مت 6: 8)، و"أبانا" (مت 6: 9)؟ وهل اسم اللَّه غير مقدَّس حتى نطلب لكي يتقدَّس اسمه: "ليتقدَّس اسمك" (مت 6: 9)؟

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت

 ج: 1ــ لقد صار ابن اللَّه بالتجسد ابنًا للإنسان: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا" (يو 1: 14) لكيما يصير الإنسان ابنًا للَّه بالتبني، فقال "القديس أيرينيؤس": "إن اللَّه في محبته غير المحدودة صار على ما نحن عليه لكي يجعلنا نحن على ما هو عليه"، وقال "القديس أثناسيوس الرسولي": "ابن اللَّه صار ابن البشر ليصير بنو البشر أبناء اللَّه بالنعمة" (راجع التجسد والخلاص - 2 - دير القديس أنبا مقار الكبير) وفي "صلوات التسبحة": "هو أخذ الذي لنا، وأعطانا الذي له. نسبحة ونباركه، ونزيده علوًا" (ثيؤطوطية الجمعة - القطعة الرابعة). فبالتجسد صار المسيح ابن اللَّه بالطبيعة بكرًا بين أخوة كثيرين وصار الإنسان ابنًا للَّه بالتبني، كقول القديس بولس الرسول: "مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ" (رو 8: 29)، وهذا ليس من قبيل الإجتهاد، إنما حقيقة علمنا إياها ابن اللَّه قائلًا: "فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً" (مت 6: 4) (راجع أيضًا مت 6: 6، 18).. " لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا" (مت 6: 32)، وعلمنا كيف نصلي قائلين: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (مت 6: 9). لقد رفع اللَّه الإنسان حتى صيَّره ابنًا له، والإنسان الغريب عن هذا الفكر ينظر للَّه على أنه المنتقم الجبار الذي أعد بحيرة النار لكل من يخالفه، أما الإنسان المسيحي فمشاعره تجاه اللَّه طيبة للغاية ومريحة للنفس، فهو يشعر أن اللَّه أب حنون يسعى لإسعاد أولاده وحمايتهم، ومهما حدثت متاعب واضطرابات فإن الإنسان المسيحي لا يشك في محبة الآب السمائي، فهو يدربه سواء من خلال البركات، أو من خلال الضيقات ليؤهله لسُكنى الملكوت، وهناك قصة رومانية قديمة تقول أن الإمبراطور عند عودته من الحرب، والأسرى والأسلاب والغنائم خلفه، وهو يتقدم نحو العرش الذي تقف بجواره الإمبراطورة وطفلهما، وإذ بالطفل لا يضبط مشاعره وركض نحو أبيه، وعندما منعه أحد أفراد الحرس الإمبراطوري قائلًا له: "لا يمكنك الإقتراب من الإمبراطور"، قال له: "إمبراطورك أنت، ولكنه أبي أنا".

 

St-Takla.org Image: A priest and a man holding a rosary praying while prostrating - People inside the Basilica of Santa Maria in Ara Coeli, Rome, Italy. Established in the 12th century. The Church beside the Military Museum. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: كاهن ورجل يحمل سبحة يصليان وهما ساجدين - صور أشخاص في كنيسة القديسة مريم سيدة هيكل السماء، روما، إيطاليا. وهي كنيسة كاثوليكية أنشئت في القرن الثاني عشر الميلادي، وتقع بجانب المتحف الحربي - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014 م.

St-Takla.org Image: A priest and a man holding a rosary praying while prostrating - People inside the Basilica of Santa Maria in Ara Coeli, Rome, Italy. Established in the 12th century. The Church beside the Military Museum. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 21, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: كاهن ورجل يحمل سبحة يصليان وهما ساجدين - صور أشخاص في كنيسة القديسة مريم سيدة هيكل السماء، روما، إيطاليا. وهي كنيسة كاثوليكية أنشئت في القرن الثاني عشر الميلادي، وتقع بجانب المتحف الحربي - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 21 سبتمبر 2014 م.

2ــ عندما نُصلي: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ" فليس معنى هذا أن اسم اللَّه غير مقدَّس أو ينقصه التقديس، إنما نحن نطلب أن يتقدَّس اسم اللَّه فينا وبنا، فقديمًا قال الرب لموسى عقب موت ابني هارون: "فِي الْقَرِيبِينَ مِنِّي أَتَقَدَّسُ وَأَمَامَ جَمِيعِ الشَّعْبِ أَتَمَجَّدُ" (لا 10: 3) ، وقال لشعبه: "وَلاَ تُدَنِّسُونَ اسْمِي الْقُدُّوسَ فَأَتَقَدَّسُ فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُكُمُ" (لا 22: 32)، وعندما ضرب موسى الصخرة للمرة الثانية ولم يكلمها كقول الرب وكان معه هارون، قال الرب لهما: "لأَنَّكُمَا خُنْتُمَانِي... إِذْ لَمْ تُقَدِّسَانِي فِي وَسَطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (تث 32: 51)، وأوصى الرب شعبه: "قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ" (إش 8: 13)، وقال عن أولاد يعقوب: "يُقَدِّسُونَ اسْمِي وَيُقَدِّسُونَ قُدُّوسَ يَعْقُوبَ وَيَرْهَبُونَ إِلهَ إِسْرَائِيلَ" (إش 29: 23). ونحن نقدس اسمه أي نسبحه ونباركه: "هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا يَا عَبِيدَ الرَّبِّ. سَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ. لِيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ" (مز 113: 1، 2).. "باركوا الرب يا عبيد الرب. سبحوه وأرفعوه إلى الدهر" (دا 1: 85 تتممة دانيال).. " بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ" (1 بط 3: 15). وكان الإنسان اليهودي يصلي كل يوم: "ليتقدس اسمك العظيم في العالم الذي خلقته. ليجعل ملكك يملك فينبت الفداء، ليقترب مسيحك ليفتدي شعبك" (658).

 ونحن نصلي: "لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ" أي ليتقدس اسمك في أفواهنا وأحاديثنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى: "اسمك حلو ومبارك، في أفواه قديسيك. يا ربي يسوع المسيح، مخلصي الصالح" (إبصالية السبت). وأيضًا من خلال أعمالنا الصالحة: "لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (مت 5: 16)، كما أن الطبيعة بعجائبها تمجد اسم خالقها: "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللَّه وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (مز 19: 1)، ويقول "عمانوئيل كانت": "إن القانون الأخلاقي الكائن فينا، والسموات المليئة بالنجوم فوقنا، تقودنا حتمًا إلى اللَّه" (659). فالتأمل في الطبيعة يدفعنا لتمجيد وتعظيم وتقديس اسم اللَّه، نقدسه مع ملائكته القديسين: "قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُـلِّ الأَرْضِ" (إش 6: 3).. " وَمُبَارَكٌ اسْمُ مَجْدِهِ إِلَى الدَّهْرِ وَلِتَمْتَلِئِ الأَرْضُ كُلُّهَــا مِنْ مَجْدِهِ. آمِينَ ثُمَّ آمِينَ" (مز 72: 19).

 ويقول "الشهيد كبريانوس": "لسنا نرغب أن يتقدَّس اللَّه بصلواتنا وإنما نسأله أن يتقدس اسمه فينا... أننا نحن الذين تقدَّسنا في المعمودية نسأله ونتوسل إليه أن نستمر فيما بدأنا فيه. هذا ما نصلي لأجله كل يوم، إذ نحن في حاجة إلى تقديس يومي، إذ نسقط كل يوم ونحتاج إلى غسل من خطايانا بالتقديس المستمر. ويقول الرسول أننا نتقدَّس بِاسم ربنا يسوع المسيح وبروح إلها (1 كو 6: 11)" (660).

 ويقول "القديس أغسطينوس": "لماذا تسألون من أجل تقديس اسم اللَّه؟ إنه قدوس، فلماذا تسألون من أجل من هو قدوس أصلًا!

أنكم إذ تسألونه أن يتقدَّس اسمه فهل تطلبون من أجله هو أم من أجلكم؟ أفهموا جيدًا أنكم إنما تسألون هذا من أجل نفوسكم. أنكم تسألون من هو قدوس بذاته على الدوام أن يكون مقدَّسًا فيكم" (661).

 كما يقول "القديس أغسطينوس" أيضًا: "إننا نطلب هذه الطلبة لا لكون اسمه غير مقدَّس، بل لكي نراه مقدَّسًا، أي نطلب ألا نرى شيئًا أكثر قداسة منه، خائفين من معارضته. فقد قيل: "اللَّه مَعْرُوفٌ فِي يَهُوذَا. اسْمُهُ عَظِيمٌ فِي إِسْرَائِيلَ" (مز 76: 1). فلا يُفهَم هذا كما لو كان اسمه عظيمًا في مكان أكثر من آخر، بل يكون عظيمًا حيثما دعوناه عظيمًا، وهكذا يُقال أن اسمه قدوس حيثما دعى بوقار وخُشي من معارضته" (662).

 وجاء في "الكتاب المقدَّس الدراسي": "لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ: اللَّه قدوس بالفعل (انظر لا 11: 44، والتعليق 1 بط 1: 15)، ولذا فليست الصلاة هنا من أجل إضفاء القداسة على اللَّه وإنما أن يراه الجميع قدوسًا... الطلبة هنا أن يتمم اللَّه مقاصده للخلاص في العالم حتى تتجلى قداسته أمام عيون شعوب العالم مما يؤدي إلى الإعتراف به، وهو ما لن يحدث إلاَّ حينما يأتي ملكوته"(663).

 ويقول "قداسة المتنيح البابا شنوده الثالث": "إن اسم اللَّه قدوس بطبيعته، وليس محتاجًا إلى تقديس من الناس. ونحن نصلي له قائلين: "قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس".. " قدوس اللَّه قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت ".. أننا لا نطلب أن يتقدس اسم اللَّه، إنما نطلب أن يكون مقدَّسًا في حياتنا، نستعمله بما يليق به من قدسية، كما هو مقدَّس بطبيعته. فلا يتجرأ أحد على اسم اللَّه بما لا يليق.

أنها صلاة مرفوعة إلى اللَّه من جهة الإلحاد الموجود في العالم، بسبب الملحدين الذين ينكرون وجود اللَّه ولا يعترفون باسمه، ولا يوقرون هذا الاسم، بل يهزأون به ويشكّكون الآخرين ويعثرونهم... أننا نطلب أن يعرف هؤلاء أبانا الذي في السموات ويقدّسون اسمه... كأنما نطلب مثلًا من أجل آلاف الملايين في الشرق الأقصى الذي لا يعرفون إلهنا، ولا يوجهون صلواتهم إلى اسمه القدوس، وإنما إلى اسم آخر، مثل براهما أو بوذا أو كومفوشيوس... أو أننا نصلي من أجل الملايين من أعضاء القبائل البدوية وفي بيئات كثيرة من بلاد العالم التي لا تعرف اسم اللَّه، إنما تعبد الأرواح أو النار أو أبطال أساطيرهم. فنحن نقول " ليتقدَّس اسمك عند هؤلاء وأولئك".

وكما نطلب أن يكون اسم اللَّه مقدَّسًا عند الملحدين وأصحاب الديانات البدائية، نطلب أن يكون مقدَّسًا عند المجدفين عليه. أولئك الذين يجدفون على الرب بسبب وبغير سبب، ويظنون أن اللَّه هو السبب في كل ما يحل بهم من فشل أو مرض أو كوارث أو موت أحباء وأقرباء! فيجدفون على اسم اللَّه القدوس، ويشتمون ويقولون ما لا يليق. أو يتهمون اللَّه بأنه في سماه لا يهتم بالبشر، تاركًا الظلم من غير مبالاة منه وبلا ضبط ولا رعاية للكون!! وهكذا تتحوَّل مشاكلهم الاجتماعية والنفسية إلى تجاديف على اسم اللَّه.."(664).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(658) أورده الخوري بولس الفغالي - دراسات بيبلية - 14 - إنجيل متى جـ 1 ص323.

(659) أورده وليم باركلي - تفسير العهد الجديد - المجلد الأول ص126.

(661) المرجع السابق - ص144.

(663) الكتاب المقدَّس الدراسي ص2265.

(664) أبانا الذي في السموات ص48 - 50.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/277.html

تقصير الرابط:
tak.la/jtvg6v6