س281: جاء في الصلاة الربية: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ" (مت 6: 13) فهل اللَّه يدخل الإنسان في التجارب؟ وكيف نُصلي لكي ينجينا اللَّه من التجارب بينما الكتاب يقول: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ" (يع 1: 2) وأيضًا: "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّه لأَنَّ اللَّه غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا" (يع 1: 13)؟
يقول "علاء أبو بكر": "س346: هل يُجرب اللَّه أحدًا بالشرور؟
نعم: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ" (مت 6: 13).
نعم: فقد عاقب أيوب بالفقر والأمراض " هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ" (يع 5: 11).
نعم: لقد عاقب إبراهيم بتقديم ابنه وحيده... للذبح... " أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ" (يع 2: 21).
لا: "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّه لأَنَّ اللَّه غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا" (يع 1: 13)" (677).
ج: 1ــ عندما نُصلي: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ" فنحن نعلم أعماق هذه الطُلبة، ونطلب أن لا يسمح اللَّه لنا بأن نقع في تجربة بسبب ميولنا الشريرة، وبسبب الفخاخ الشيطانية المنصوبة لنا، بل يظلل علينا بنعمته ويهبنا روح الحكمة، ولا يسمح بأن نقع في تجربة فوق طاقتنا حتى لا نحترق بنيرانها، وعندما يسمح أن نقع في تجربة من أجل تنقيتنا وتزكيتنا نطلب لتكن عيناه مفتوحتان علينا، وتمنحنا قوة الاحتمال والصبر وقت المحنة.
وعندما نُصلي: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ" فإن طلبتنا هذه لا تتعارض مع قول القديس يعقوب: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ" فالمقصود بالتجربة في الصلاة الربية تجربة الشيطان لنا، التي تهدف إلى هلاكنا، أما التجربة التي يتحدث عنها القديس يعقوب فهيَ امتحان اللَّه لإيماننا وأمانتنا وإخلاصنا، كما امتحن اللَّه إبراهيم من خلال تجربة قاسية إذ أمره بتقديم ابنه ذبيحة، وأطاع إبراهيم فزكاه وباركه، ومثل تجربة أيوب التي زكته وأظهرت معدنه الأصيل، وكما جرَّب اللَّه شعبه في البرية (خر 15: 25، 16: 4، 20: 20، تث 8: 2، 16)، وهكذا أصعد الروح القدس السيد المسيح ليُجرَّب من إبليس، وبهذا المفهوم لا تعد التجربة عقابًا للإنسان بل مجدًا له.
2ــ يقول "القديس أغسطينوس": "وقد وردت في بعض المخطوطات "ولا تقودنا"، وهيَ تعني "ولا تدخلنا"، لأن الكلمة اليونانية تحتمل المعنين... فاللَّه لا يقود الإنسان في تجربة، بل يسمح لمن حُرِم من معونته أن ينقاد إليها، وذلك بحسب حكمة اللَّه الخفية، وبحسب استحقاقات من سمح له بالانقياد في تجربة. والانقياد في تجربة يختلف عن تجريب (إمتحان) الإنسان، لأنه بدون تجربة لا يزكى إنسان.."(678).
كما يقول " القديس أغسطينوس" أيضًا: "فالصلاة هنا ليست لكي لا يُجرَب، بل لكي لا ندخل (ننقاد) في تجربة، فإذ يلزم لكل إنسان أن يُمتحَن بالنار، عليه ألا يصلي لكي لا تمسه النار بل لكي لا يهلك، لأن آنية الخزف تُختبَر بالأتون والإنسان يُمتحَـن بالضيقات (انظر حكمة يشوع 27: 6). فيوسف أُمتحن بغواية الزنا لكنه لم يدخل في تجربة (انظر تك 39: 7 - 12) وسوسنة جُرّبت أيضًا دون أن ندخل في تجربة (دا 19: 22)، وكثيرون من كلا الجنسين جُرّبوا دون أن يدخلوا في تجربة. أما أيوب فأعظمهم لأنه ثبت ثباتًا عجيبًا في الرب إلهه"(679).
3ــ يشرح "قداسة المتنيح البابا شنوده الثالث" ما يتصوَّره البعض أنه تناقض بين ما جاء (مت 6: 13) وما جاء في (يع 1: 2، 13)، فيقول: "للتوفيق اعرف أن هناك نوعين من التجارب:
§ تجارب بمعنى الضيقات والآلام، وهذه نفرح بالوقوع فيها.
§ تجارب للوقوع في الخطية، وهذه نُصلي أن لا ندخل فيها.
1ــ أما التجارب التي تعني الضيقات والآلام، فهيَ مثل تجربة أيوب الصديق: مشاكل أصابت أولاده وأملاكه وصحته، وعنها يقول الرسول بعد عبارة " كُلَّ فَرَحٍ": "عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ" (يع 1: 3، 4). ويقول أيضًا في نفس الرسالة: "هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الــرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ" (يع 5: 11).
ومن أمثلة هذه التجارب إلقاء يوسف الصديق في السجن، وكانت عاقبة الرب أن يوسف خرج من السجن إلى عظمة الحكم. فصار الثاني بعد فرعون (تك 41: 42). ومن أمثلة هذه التجارب إلقاء الثلاثة فتية في النار (دا 3)، وإلقاء دانيال النبي في جُب الأسود (دا 6). وقد رأينا كيف تمجَّد اللَّه في كلٍ من هاتين التجربتين. وكذلك مجَّد الثلاثة فتية ودانيال في أعين جميع الناس.
ومن أمثلة هذه التجارب أيضًا تجربة اللَّه لإبراهيم أبينا بتقديم ابنه محرقة، وكيف انتهت هذه التجربة ببركة عظيمة لإبراهيم (تك 22).
2ــ أما التجارب التي نطلب إبعادها عنا، فهيَ التجارب التي تبعدنا عن اللَّه، بالوقوع في الخطية، مثل تجربة يوسف الصديق من جهة امرأة سيده لكي يقع معها في الخطية (تك 39). وكذلك تجارب الشك في الإيمان التي بها يحارب الهراطقة كثير من المؤمنين. كما يتزعم المحاربة بها أيضًا الملحدون من رجال الفلسفات المنحرفة ويقولون لها أنه لا إله، فعن هذه وأمثالها نقول: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ".." (680).
_____
(677) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 2 ص340، 341.
(678) ترجمة القمص تادرس يعقوب - الموعظة على الجبل ص192.
(679) المرجع السابق ص194.
(680) سنوات مع أسئلة الناس - أسئلة خاصة بالكتاب المقدَّس ص121، 122.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/281.html
تقصير الرابط:
tak.la/a7qpng9