St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

544- هل الأصحاحين الأولين والأصحاح الأخير من إنجيل لوقا إضافة للنص الأصلي ولذلك حذفهم ماركيون منذ القرن الثاني الميلادي؟ وهل الأصحاحين الأولين اقتباسات من الأساطير الفرعونية أو غيرها؟

 

س544: هل الأصحاحين الأولين والأصحاح الأخير من إنجيل لوقا إضافة للنص الأصلي ولذلك حذفهم ماركيون منذ القرن الثاني الميلادي؟ وهل الأصحاحين الأولين اقتباسات من الأساطير الفرعونية أو غيرها؟

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- كان مركيون هرطوقيًا بل أقوى هراطقة عصره، تأثر بالثنائية أي الاعتقاد بوجود إلهين نتيجة تأثره بالديانة الزرادشتية والبدع الغنوسية، فنادى ماركيون بإلهين:

أ- الإله الخالق: الذي اختار اليهود شعبًا له وأعطاهم الناموس والأنبياء، فهو إله العهد القديم، وهو إله عادل وبار، ولكنه قاسي ودموي سريع الغضب والانتقام، يحارب ويسفك دماء أعدائه بلا رحمة، اختار شعبه اليهودي وترك بقية الشعوب فريسة للوثنية، فهو إله الشر وخالق الشر.

ب- الإله الفادي: وهو الإله العالي الصالح المنفصل عن المادة والعالم، وفي السنة الخامسة عشر من حكم طيباريوس قيصر في وقت كرازة يوحنا المعمدان ظهر هذا الإله الفادي في شخص السيد المسيح ليُخلص البشرية من الشر، وقد حرك إله اليهود أتباعه من اليهود، فأمسكوا بالسيد المسيح وصلبوه، فمات وذهب إلى الهاوية وبشر الوثنيين وأسرى الإله اليهودي، ثم صعد إلى السماء مباشرة بدون قيامة على الأرض. وفي اليوم الأخير سيحكم على الإله الخالق، إله اليهود، ويطرحه في الهاوية.

ولهذا رفض ماركيون كل أسفار العهد القديم، وهاجمها من خلال كتابه "المتناقضات"، ورفض حقيقة التجسد الإلهي، لذلك عندما قبل إنجيل لوقا فقط من الأناجيل الأربعة، حذف الأصحاحين الأولين اللذين يتحدثان عن ولادة السيد المسيح، ولأنه أنكر قيامة المسيح، لذلك حذف الأصحاح الأخير أصحاح القيامة من ذات الإنجيل، فنادى بإنجيلًا مشوَّهًا يُنادي بمسيح مجهول الهوية، مات ولم يقم!! وقد ناقشنا هذا بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - العهد القديم - مقدمة (2) س97، وأيضًا كتابنا حتمية التجسد الإلهي - ماركيون. ولم تصمت الكنيسة على هذه البدعة الماركونية، وأول من تصدى لها والد ماركيون نفسه أسقف سينوب، وعندما ترك ماركيون سينوب وذهب إلى روما وتبرع بمبلغ ضخم للكنيسة حتى ينشر أفكاره الفاسدة، رفضه مسيحيو روما وأعادوا له ماله، ووضع الشهيد يوستين مجلدًا ضد الأفكار الماركونية، كما وضع ترتليان خمسة كتب ضد ماركيون، وحرمت الكنيسة ماركيون وأفكاره الفاسدة، وحفظت الكتاب المقدَّس واحتضنته وكرزت به، ومع نهاية القرن الخامس كانت البدعة الماركونية قد تبددت، ولكنها عادت للظهور في القرن السادس عشر أثناء الصراع بين الآرية والسامية في ألمانيا، وتجددت في القرن العشرين إبان الصراع العربي الإسرائيلي.

فمن هو ماركيون الهرطوقي حتى يتخذه البعض حجة يعتمدون عليها للطعن في الكتاب المقدَّس؟!!

 

St-Takla.org Image: Saint Luke painting a portrait of Saint Mary and Jesus. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس لوقا الطبيب رسم صورة القديسة مريم و الطفل يسوع.

St-Takla.org Image: Saint Luke painting a portrait of Saint Mary and Jesus.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس لوقا الطبيب رسم صورة القديسة مريم و الطفل يسوع.

2- أ- لوحتي البشارة (لو 1: 5-38): اللوحة الأولى في أورشليم يظهر فيها الهيكل بعظمته والكهنوت بوقاره متمثلًا في زكريا الكاهن الشيخ الوقور، ورائحة البخور تعبّق القدس، وإذ تقترب السماء من الأرض فيظهر "جبرائيل" رئيس الملائكة الجليل في حوار مع الشيخ الكاهن الذي يرفع أكف الضراعة أمام ضابط الكل، وإذ يكاد لا يصدق بشرى السماء بولادة طفل له وهو في هذا السن المُتقدم مع مماتية مستودع أليصابات، ويطلب علامة، فتكون العلامة صمته تسعة أشهر حتى يتم الوعد الإلهي. أما اللوحة الثانية فهيَ تظهر في مدينة ناصرة الجليل، حيث تلامس السماء الأرض، ويظهر "جبرائيل" رئيس الملائكة الجليل لعذراء حديثة السن، تربَّعت على عرش التواضع، في بيت شيخ وقور، نجار بسيط، يُدعى يوسف. العذراء في حالة صلاة وهيَ تجثو على ركبتيها ويداها مرفوعتان صوب السماء. هذه العذراء ربيبة الهيكل وحديثة العهد بمنازل البشر، وإذ ترهف السمع لبشرى الملاك، البشرى التي لا يتصوَّرها عقل بشري، فهيَ بُشرى فوق مستوى العقل بكل المقاييس، ومع هذا فإنها تجتاز الامتحان بنجاح عظيم: "هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو 1: 38).

ب- لوحتي التسبيح (لو 1: 39-56): إذ تلتقي القديسة البارة، أليصابات، العجوز العاقر، زوجة الكاهن مع العذراء الصغيرة السن، فيسرى الحديث والتسبيح من القديم للحديث، ويظهر في الأفق لوحتان، احداهما تصرخ فيها أليصابات مُعلنة أمومة العذراء لله " وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ. فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ.." (لو 1: 42-45)، وتجاوبت معها اللوحة الثانية حيث صدحت العذراء القديسة بتسبحتها الخالدة... فأي جو هذا المعبَّق بتسابيح القديسات!!

جـ- لوحتي الميلاد (لو 1: 57-2: 40): في لوحة بديعة يحل الفرح والسرور بيت زكريا الكاهن، وقد اجتمع الأقرباء والجيران، وسُمع في ذلك البيت لأول مرة صرخة الحياة من صوت صارخٍ، أنها صرخة يوحنا ابن الوعد، وفي اليوم الثامن خُتن ودُعي بِاسم يوحنا، وانفك لسان زكريا المربوط منذ تسعة أشهر، فسبح اللَّه وتنبأ الكاهن عن الكاهن ابن الكاهن، السابق الصابغ، الذي يعد طريق الرب ويقدم للرب شعبًا مُستقيمًا، أما اللوحة الأخرى فهيَ بيت لحم، ولادة ملك الملوك ورب الأرباب في مذود بسيط، حيث اختلطت تسابيح الرعاة مع تسابيح الملائكة لتمجد اللَّه في الأعالي، وقد حلَّ السلام على الأرض، وعرف بنو آدم الفرح الحقيقي والمسرة، وختان يسوع في اليوم الثامن وتسميته، ودخوله الهيكل مع أمه وأبيه بعد أربعين يومًا من ولادته، فيحمله سمعان الشيخ مُسبحًا اللَّه، وتتحدث عنه حنة بنت فنوئيل.

د لوحتي الطفولة (لو 1: 80، 2: 41-52): اللوحة الأولى يظهر فيها يوحنا في طفولته: "أَمَّا الصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ وَكَانَ فِي الْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيلَ" (لو 1: 80)، واللوحة الثانية تلمع فيها صورة الصبي يسوع في هيكل أبيه وله من العمر اثني عشر عامًا لمدة ثلاثة أيام، يجلس وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم فأثار دهشتهم حتى بُهتوا من فهمه، وفي مدينة الناصرة " فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ عِنْدَ الله وَالنَّاسِ" (لو 2: 52).

وكدليل على أصالة تلك اللوحات المتقابلة نجدها تستمر في الأصحاح الثالث وما بعده، فمثلًا نلتقي مع:

هـ- لوحتي الكرازة (لو 3: 1-21، 4: 14..): اللوحة الأولى يظهر فيها نهر الأردن في منطقة اليهودية، وعلى جانبه صوت صارخ ينادي بالتوبة ويعدُّ شعبًا مُستقيمًا للرب، ويزدحم حوله جمع خرج من كل صوبٍ، يعترفون بخطاياهم ويعتمدون منه وهم مبهورين بسيرته وحياته، وفي طابور الخطاة المعترفين يقف حمل اللَّه حامل خطية العالم كله ليعتمد من يوحنا، حتى أن السماء لم تحتمل منظر كهذا، إذ ترتفع يد المخلوق لتوضع على رأس الخالق فتنشق ويأتي صوت الآب مناديا: "أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ" (لو 3: 22) والروح القدس يستقر عليه بهيئة جسمية مثل حمامة. أما اللوحة الأخرى فهيَ من مجمع مدينة الناصرة بالجليل حيث يقف ابن الإنسان الذي جاء ليطلب ويُخلص ما قد هلك، وقف يُعلن عن هويته من سفر إشعياء النبي، فيرفضه أهل مدينته فيجول الربوع يصنع خيرًا ويشفي المرضى ويريح التعابى ويعلم ويكرز.

وهكذا تَّتابع اللوحات اللوقاوية المتقابلة في قصص سمعان الفريسي والمرأة الخاطئة، ومرثا ومريم، والغني ولعازر، والابن الأصغر والابن الأكبر، والفريسي والعشار، وبيلاطس وهيرودس، واللص اليمين واللص اليسار، وجميع هذه اللوحات المتقابلة تثبت أصالة الأصحاحين الأول والثاني.

← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.

3- قال بعض النقَّاد مثل لوازي Loisy وبولتمان Bultmann وجريسمان Gressman ونوردن Norden أن أحداث الأصحاحين الأولين من إنجيل لوقا مُقتبسة من الأساطير، فيقول "الكاردينال جان دانيالو": "في مطلع القرن العشرين، تعرَّضت قصة ميلاد يسوع إلى النقد الشديد الذي حاول أن يبرز فيها الطابع الأسطوري. فقد أراد "جريسمان" Gressman و"نوردن" Norden أن يريا فيها قصة مُستوحاة من القصص الفرعونية المتعلقة بولادة إله أو بطل. غير أن "بولتمان" بيَّن أن مثل هذه المحاولات تصطدم بعدم توافر أي عنصر دقيق للمقارنة... وهذا ما يحملنا من جديد على الإقرار بوجود أساس تاريخي لا يمكن نكرانه، وقد توسعت فيه أولًا الجماعة الرسولية، ثم جاء الكاتب لوقا وأدمج المشهد في إنجيله" (53).

ومن الأدلة على تاريخية قصة الميلاد، تطابق أحداث هذين الأصحاحين مع نبوءات العهد القديم، ومن أمثلة ذلك:

أ– كان زكريا الكاهن من فرقة أبيا (لو 1: 5) وفرقة أبيا ذُكرت في (1 أي 24: 10، نح 12: 4).

ب- كان زكريا يرفع البخور في هيكل الرب (لو 1: 9)، وتجد هذا الطقس في (خر 30: 7، 8).

جـ- كان زكريا يرفع البخور بمفرده وكل جمهور الشعب يُصلون خارجًا (لو 1: 10)، وهذا الطقس تجده في (لا 16: 17).

د– أخبر رئيس الملائكة جبرائيل زكريا بأن لا يشرب ابنه يوحنا خمرًا ولا مُسكرًا (لو 1: 15)، مثلما جاء في شريعة النذير (عد 6: 3).

هـ- أخبر الملاك جبرائيل زكريا بأن ابنه يوحنا سيمتلئ من الروح القدس وهو في بطه أمه (لو 1: 15)، مثلما حدث مع إرميا النبي (إر 1: 5).

و– أخبر الملاك جبرائيل زكريا بأن ابنه يوحنا سيرد قلوب الآباء إلى الأبناء (لو 1: 16، 17)، وهذا ما تنبأ عنه ملاخي النبي (ملا 4: 5، 6).

ز– الملاك جبرائيل الواقف قدام اللَّه (لو 1: 19)، نقرأ عنه في (دا 8: 16، 9: 21-23).

ح– صمت زكريا (لو 1: 20)، مثلما صمت حزقيال النبي (حز 3: 26).

ط– لما كملت أيام خدمة زكريا مضى إلى بيته (لو 1: 23)، مثلما جاء في (1 أي 9: 25).

ى- قول أليصابات عندما حبلت أن الرب نظر إليَّ لينزع عاري بين الناس، مثلما حبلت راحيل بعد عقمها وقالت قد نزع اللَّه عاري (تك 30: 22، 23).

ك– ولادة الطفل يسوع من العذراء القديسة مريم (لو 1: 27-31)، حقَّق نبوءة إشعياء النبي (إش 7: 14).. إلخ.

4- بينما تخلو الأساطير من تحديد الزمان، فليس للأسطورة تاريخ ميلاد معروف، إنما يقولون: "كان ياما كان في قديم الزمان والأيام"، فإن القديس لوقا ربط أحداث الأصحاحين الأولين من إنجيله بالتاريخ المدني، فحدّد ولادة يسوع في عهد الإمبراطور أوغسطس قيصر، وكيرينيوس والي سورية (لو 2: 1، 2). وبينما تخلو الأسطورة من أسماء الأماكن الحقيقية التي دارت فيها الأحداث، وخالية أيضًا من أسماء الشخصيات التاريخية الحقيقية، فإن هذا لا يتوافر في الأصحاحين الأولين (راجع أيضًا لو 3: 1، 2). علاوة على ذلك فإن هذين الأصحاحين يمثلان مع بقية الإنجيل سيمفونية متجانسة رائعة. وقد سبق مناقشة هذا الموضوع بالتفصيل فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (2) س83، س94.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(53) أضواء على أناجيل الطفولة - دراسة عن طفولة يسوع بحسب إنجيلي متى ولوقا، ص41.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/544.html

تقصير الرابط:
tak.la/3c5wn93