ج: 1- عندما هاجم رصين ملك آرام وفقح بن رمليا ملك إسرائيل آحاز ملك يهوذا (والد حزقيا الملك)، استجار آحاز بتغلث فلاسر ملك أشور، وأرسل له ذهبًا وفضةً، فصعد ملك أشور على دمشق وقتل رصين ملك آرام، وذهب آحاز إلى دمشق ليلتقي بتغلث فلاسر ليشكره ويقدم له فروض الطاعة والولاء، ويدخل تحت جناحي حمايته، وأبصر آحاز مذبحًا في دمشق سواء كان يخص الأراميين أو أن تغلث فلاسر أحضره معه، وسواء أعجب به، أو أنه أراد أن يقدم عباداته على شاكلة هذا المذبح ليتملق ملك أشور ليبسط عليه حمايته، فالنتيجة واحدة وهى أن آحاز أرسل رسم هذا المذبح الوثني إلى أوريا الكاهن ليصنع مثله: "ورَأَى الْمَذْبَحَ الَّذِي فِي دِمَشْقَ. وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ إِلَى أُورِيَّا الْكَاهِنِ شِبْهَ الْمَذْبَحِ وَشَكْلَهُ حَسَبَ كُلِّ صِنَاعَتِهِ. فَبَنَى أُورِيَّا الْكَاهِنُ مَذْبَحًا. حَسَبَ كُلِّ مَا أَرْسَلَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ كَذلِكَ عَمِلَ أُورِيَّا الْكَاهِنُ، رَيْثَمَا جَاءَ الْمَلِكُ آحَازُ مِنْ دِمَشْقَ" (2مل 16: 10، 11). وعندما جاء آحاز إلى أورشليم أصعد على هذا المذبح الذي على شاكلة المذبح الوثني ذبيحة السلامة، بعد أن أزاح مذبح المحرقة الذي صنعه سليمان وكان طوله 10م وعرضه 10م وارتفاعه 5م، فيبدو أن المذبح الجديد كان أضخم من المذبح الذي صنعه سليمان، ولذلك دعاه آحاز بالمذبح العظيم، وأوصى أوريا الكاهن بإصعاد الذبائح عليه: "وأَمَرَ الْمَلِكُ آحَازُ أُورِيَّا الْكَاهِنَ قَائِلًا: عَلَى الْمَذْبَحِ الْعَظِيمِ أَوْقِدْ مُحْرَقَةَ الصَّبَاحِ وَتَقْدِمَةَ الْمَسَاءِ، وَمُحْرَقَةَ الْمَلِكِ وَتَقْدِمَتَهُ، مَعَ مُحْرَقَةِ كُلِّ شَعْبِ الأَرْضِ وَتَقْدِمَتِهِمْ وَسَكَائِبِهِمْ، وَرُشَّ عَلَيْهِ كُلَّ دَمِ مُحْرَقَةٍ وَكُلَّ دَمِ ذَبِيحَةٍ. وَمَذْبَحُ النُّحَاسِ يَكُونُ لِي لِلسُّؤَالِ" (2مل 16: 15) ففي هذه الآية جاء ذكر المذبحين، الأول الذي على شاكلة المذبح الوثني ودعاه بالمذبح العظيم وأمر أوريا رئيس الكهنة بتقديم الذبائح والمحرقات عليه، والثاني مذبح النحاس الذي صنعه سليمان الملك، وقد تركه الملك جانبًا لحين احتياجه لمعرفة أمر ما عن المستقبل.
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "أمر الملك بتحريك مذبح النحاس ليكون في الجانب الشمالي كما في ركن ليس بذي أهمية أمام المذبح الذي صُنع مشابهًا لمذبح إله دمشق، فوضعه أمام الهيكل مباشرة... يبدو أن الملك وقد صار مولعًا بما رآه في دمشق بخصوص المذبح والهيكل الوثني... لقد أراد أن يُكرّم العبادة الوثنية عوض تكريم إله السماء، وكما قيل عنه: "وأسْخَطَ الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِ" (2أي 28: 25)... أمر آحاز الملك أن يوقد الكاهن على المذبح الأشوري المحرقات مرضاة لملك أشور.
استبدل آحاز المذبح لخدمة الله إلى مذبح وثني إرضاءً لملك أشور، وكأنه يقيم إلهًا له يتكل عليه عوض الاتكال على الله. ولا نعجب إن كان الملك الضعيف الذي يُرضي الناس لا الله، له رئيس كهنة على شاكلته، ضعيف وخانع، يهتم أن يرضي الملك لا الله. قام آحاز بتخريب بيت الرب تدريجيًا...
أ - أمر أوريا بصنع مذبح برسم مذبح دمشق.
ب - قام بتحريك مذبح النحاس جانبًا، ووضع المذبح الجديد في مكان مرموق.
ج - قام بتقديم المحرقات والتقدّمات على المذبح الجديد، وترك مذبح النحاس لكي ما يسأل الرب في أمر ما عند الضرورة.
د - قطع أتراس القواعد، ورفع المرحضة.
هـ - أزال رواق الكهنة أو رواق السبت.
و - أزال مدخل الملك إلى الهيكل.
جاءت خطة آحاز مطابقة لعمل عدو الخير الذي يتسلَّل تدريجيًا لينزع من القلب قدسيته تحت أسماء برَّاقة مثل التجديد"(1).
وجاء في هامش "الكتاب المقدَّس الدراسي": "وتوجه الملك آحاز إلى دمشق للقاء تغلث فلاسر ملك أشور باعتباره ملكًا تابعًا عبر عن شكره وولائه للملك الأشوري المنتصر. فشاهد هناك المذابح. لعلها مذابح الإله رمون (2مل 5: 18؛ 2أي 28: 23) ولكن الاحتمال الأرجح أنه شاهد مذبحًا ملكيًا لتغلث فلاسر، وقيام آحاز ببناء مذبح مشابه له يعد إعلانًا أكبر لخضوعه للأشوريين... المذبح العظيم. رغم أن النار الإلهيَّة قد هبطت من السماء لتدشين المذبح النحاسي لعبادة الرب (2أي 7: 1) استخدم آحاز آنذاك بدلًا منه مذبحًا على شاكلة مذبح وثني في دمشق. ورغم أن المذبح النحاسي كان كبير نسبيًا (2أي 4: 1) فقد كان المذبح الجديد أكبر منه. أما مذبح النحاس فيكون مخصصًا للملك لمعرفة الغيب"(2).
2- عندما بدأ حزقيا بتطهير الهيكل دعا الكهنة واللاويين: "وقَالَ لَهُمُ: اسْمَعُوا لِي أَيُّهَا اللاَّوِيُّونَ، تَقَدَّسُوا الآنَ وَقَدِّسُوا بَيْتَ الرَّبِّ إِلهِ آبَائِكُمْ، وَأَخْرِجُوا النَّجَاسَةَ مِنَ الْقُدْسِ، لأَنَّ آبَاءَنَا خَانُوا وَعَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِنَا... وَأَغْلَقُوا أَيْضًا أَبْوَابَ الرِّوَاقِ وَأَطْفَأُوا السُّرُجَ وَلَمْ يُوقِدُوا بَخُورًا وَلَمْ يُصْعِدُوا مُحْرَقَةً فِي الْقُدْسِ لإِلهِ إِسْرَائِيلَ. فَكَانَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ" (2أي 29: 5 - 8) أغلقوا أبواب الرواق فلم يعودوا يوجدون في الحضرة الإلهيَّة، وتوقفت عباداتهم، وأطفأوا السرج فعاشوا في ظلمة شديدة، ولم يوقدوا بخورًا فلم يعد الكهنة يقدمون صلوات وتشفعات من أجل الشعب، ولم يصعدوا محرقة فكيف تُمحى خطاياهم وآثامهم؟!
ويقول القس "وليم مارش": "تقدسوا الآن: تقديسًا خارجيًا بالوسائل المفروضة بالناموس (لاويين ص 8) وداخليًا أيضًا بتطهير قلوبهم.
وقدسوا بيت الرب: يلزم البيت تطهير ناموسي لأن آحاز كان قد أقام عبادة وثنية في الدار (2مل 16: 10 - 16) وتطهير اعتيادي أيضًا لتراكم الأوساخ وعدم الخدمة في زمان آحاز.
خانوا: إشارة إلى عهد بينهم وبين الرب كانوا قد نكثوه. وكان بينهم وبين الرب عهود كثيرة كما في زمان موسى (خر 24: 3 - 8) ويشوع (يش 24: 14 - 28) وآسا (15: 12) ويهوياداع (23: 16).
وتركوه: إن خطايا كثيرة تقوم بترك الواجبات، فأنهم حوَّلوا الوجه عن سكن الرب أي لم يهتموا له. وأعطوا القفا أي توجهوا إلى آلهة أخرى وأعمال أُخرى. وأطفأوا السُّرُج أي لم يزيّتوها ولم يوقدوا بخورًا ولم يصعدوا محرقةً. ولا شك في أن كثيرين أخطأوا هذه الخطايا العظيمة بلا فكر ولا قصد.
كان غضب الرب على يهوذا: ولا سيما في زمان أبيه آحاز فأنهم تضايقوا من الأشوريين والأراميين والمملكة الشمالية والأدوميين والفلسطينيين. وكان الرب قد أسلمهم للقلق والدهش كما تنبأ موسى (تث 28: 35، 37)"(3).
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "لقد جمع الملك الكهنة واللاويين، وأدخلهم إلى الساحة الشرقية، وطالبهم بالتقديس، بإزالة كل مظاهر العبادة الوثنية والمذبح الأشوري وإزالة الرجاسات التي كانت مرتبطة بالعبادة الوثنية. وأيضًا إزالة الأوساخ بسبب وقف الخدمة في أيام آحاز... اعترف حزقيا الملك عن الشرور التي ارتكبها آباؤه...
حوَّلوا وجوههم عن بيت الرب: الخطية خطية، إن صح التعبير، هي إعطاء القفا لا الوجه للرب، أي انحراف القلب وتركه للرب. الأمر الذي كثيرًا ما عاتب الرب شعبه عليه على لسان أرميا النبي... (إر 2: 27)...
أغلقوا باب الرواق: حتى لا يدخل أحد إلى بيت الرب، ويتمتع بالشركة معه، فأنهم لم يدخلوا ولم يدعوا الداخلين أن يدخلوا. هذا هو عمل عدو الخير، أن يستخدم كل وسيلة ليَحرِم البشر من الدخول إلى بيت الله، لأنه أيقونة السماء...
أطفأوا السُّرُج: تشير السُّرُج إلى النور الإلهي... لما كان عدو الخير هو رئيس مملكة الظلمة، فأنه لا يحتمل النور الإلهي، لذا يحث الملوك الأشرار على إطفاء السُّرج...
لم يوقدوا بخورًا: يشير تقديم البخور إلى الصلاة"(4).
3- يقول "هـ. ل. اليسون" عما ورد في (2أي 29: 7): "وهذا في ظاهره مناقض لما جاء في (2مل 16: 15). وكما رفض الأنبياء إلاَّ أن يعتبروا عبادة الرب مع أسلوب العبادة الكنعانية عبادة للبعل، هكذا رفض حزقيا أن ينظر إلى الذبائح المقدمة على المذبح الأشوري كأنها مقدمة للرب، لأنه كان يعتبرها ذبائح للآلهة الأشوريين"(5).
_____
(1) تفسير سفر الملوك الثاني ص 593 - 595.
(2) الكتاب المقدَّس الدراسي ص 907، 908.
(3) السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم جـ 5 ص 67، 68.
(4) تفسير سفر أخبار الأيام الثاني ص 385 - 388.
(5) مركز المطبوعات المسيحية - تفسير الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 325.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1428.html
تقصير الرابط:
tak.la/2awk39m